حقوق الإنسان والديون الخارجية
الخبيرة المستقلة المعنية بسياسات الإصلاح الاقتصادي والديون الخارجية
يجب أن تتوافق الخيارات الاقتصادية التي تقوم بها الدول، سواء أكانت تتصرف منفردة أم بصفتها عضوًا في مؤسسة مالية دولية، مع التزاماتها الدولية في مجال حقوق الإنسان، بما في ذلك في أوقات الأزمات الاقتصادية. والدول ملزمة بإدارة شؤونها المالية واعتماد سياسات اقتصادية بطريقة تضمن احترام وحماية وإعمال جميع حقوق الإنسان. كما يجب أن تكرس أقصى حد من مواردها المتاحة من أجل إعمال الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية تدريجيًا. إلاّ أنّه يمكن الديون أن تترك أثرًا على الحيز المالي للدولة ومواردها المتاحة.
وتسعى المبادئ التوجيهية المتعلقة بالديون الخارجية وحقوق الإنسان*، التي تمَّ رفعها إلى مجلس حقوق الإنسان في العام 2012، إلى المساهمة في إيجاد حل منصف ودائم لأزمة الديون، يتماشى مع التزامات المجتمع الدولي السياسية، والتزامات جميع الدول في مجال حقوق الإنسان.
كما أنّ بعض السياسات الاقتصادية، على غرار تصحيح أوضاع المالية العامة، والتكييف أو الإصلاح الهيكلي، والخصخصة، وتحرير الأسواق المالية وأسواق العمل، والتخفيف من معايير الحماية البيئية، قد ينعكس سلبًا على التمتع بحقوق الإنسان.
ويمكن الاطّلاع على المزيد بشأن الالتزامات التي ينبغي على الدول احترامها في سياق الإصلاحات الاقتصادية في المبادئ التوجيهية المتعلقة بتقييم أثر الإصلاحات الاقتصادية في حقوق الإنسان*، التي رُفِعَت إلى مجلس حقوق الإنسان في العام 2019.
الخلفية
يندرج بند الديون الأجنبية أو الخارجية على جدول أعمال مختلف هيئات الأمم المتحدة لحقوق الإنسان منذ أكثر من عقدين. فمنذ تسعينات القرن الماضي، حذرت
لجنة حقوق الإنسان، ولاحقًا مجلس حقوق الإنسان، من التحديات التي تفرضها أعباء الديون الخارجية المفرطة وسياسات الإصلاح الاقتصادي على إعمال حقوق الإنسان، لا سيّما في البلدان النامية.
ومنذ العام 1997، سعت هذه الهيئات أيضًا إلى التصدي لهذه القضايا من خلال إنشاء ولايات مواضيعية خضعت للعديد من التغييرات على مر السنين.
وتشير الملاحظات الختامية التي وضعتها مختلف هيئات المعاهدات على التقارير القطرية المقدمة إليها، إلى أن أعباء الديون الخارجية الثقيلة والاعتماد الشديد على المساعدة الخارجية يمكن أن يشكلا عقبة أمام الجهود التي تبذلها الدول الأطراف للوفاء بالتزاماتها بموجب معاهدات حقوق الإنسان، لا سيّما تلك المتعلقة بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية.
المعايير الدولية ذات الصلة
تنبع ضرورة التصدي لآثار الديون الخارجية على حقوق الإنسان من مبدأ المساعدة والتعاون الدوليين المنصوص عليه في ميثاق الأمم المتحدة والعديد من الصكوك الدولية* الملزمة الأخرى.
ويرد فيما بعد البعض منها، مع تفصيل ارتباطها المباشر بهذه الولاية:
يحدد ميثاق الأمم المتحدة الأهداف العامة للتعاون الاقتصادي والاجتماعي الدولي، إذ تنص المادة 1 (3) منه على أن مقاصد الأمم المتحدة تتضمن تحقيق "التعاون الدولي على حل المسائل الدولية ذات الصبغة الاقتصادية أو الاجتماعية أو الثقافية أو الإنسانية، وعلى تعزيز احترام حقوق الإنسان والحريات الأساسية للناس جميعًا والتشجيع على ذلك بلا تمييز بسبب العرق أو الجنس أو اللغة أو الدين". وفي المادة 56 من الميثاق، تعهد الأعضاء بأن "يقوموا، منفردين أو مشتركين، بما يجب عليهم من عمل بالتعاون مع الهيئة" لإدراك تلك المقاصد.
وتنص المادة 28 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان على أن "لكل فرد حق التمتع بنظام اجتماعي ودولي يمكن أن تتحقق في ظله الحقوق والحريات المنصوص عليها في هذا الإعلان تحقُّقًا تامًا". ونظام دولي يتسم بالمديونية المفرطة للبلدان المنخفضة والمتوسّطة الدخل، وما يرافق ذلك من عجز عن الوفاء بالتزاماتها تجاه مواطنيها في مجال حقوق الإنسان، هو نظام يتعارض مع هذا الحق.
وتنص المادة 2 (1) من العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية على أن كل دولة طرف تتعهد "بأن تتخذ، بمفردها وعن طريق المساعدة والتعاون الدوليين، ولا سيما على الصعيدين الاقتصادي والتقني، وبأقصى ما تسمح به مواردها المتاحة، ما يلزم من خطوات لضمان التمتع الفعلي التدريجي بالحقوق المعترَف بها في هذا العهد، سالكة إلى ذلك جميع السبل المناسبة، وخصوصًا سبيل اعتماد تدابير تشريعية".
وتنص المادة 22 من العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية على أن للمجلس الاقتصادي والاجتماعي "استرعاء نظر هيئات الأمم المتحدة الأخرى وهيئاتها الفرعية والوكالات المتخصصة المعنية بتوفير المساعدة التقنية إلى أية مسائل تنشأ عن التقارير [التي تقدمها الدول الأطراف في العهد] والتي يمكن أن تساعد تلك الأجهزة، كلٌ في مجال اختصاصه، على تكوين رأي حول ملاءمة تدابير دولية من شأنها أن تساعد على فعالية التنفيذ التدريجي لهذا العهد".