التجارب الحية هي المفتاح لتحقيق العدالة والمساواة العرقيّتَيْن
أكدت رئيسة آلية الخبراء الدولية المستقلة للنهوض بالعدالة والمساواة العرقيّتَيْن في سياق إنفاذ القانون* إيفون موكغورو قائلة: "يوافقني مَن عانى العنصرية الرأي بأنها آفة مترسّخة تسبب الألم والمعاناة الإنسانية. أعتبر أنّه يجب التغلب على العنصرية والتمييز العنصري وعدم المساواة عامةً، حتى نتمكن من بناء عالم يتجاوز العنصرية."
وقد أدلت موكغورو ببيانها هذا خلال مقابلة سبقت تقديم تقرير آلية الخبراء الأول، وذلك في سياق حوار تفاعلي عُقِد ضمن إطار الاجتماع الأخير لمجلس حقوق الإنسان.
كما قدمت المفوضة السامية بالنيابة ندى الناشف تقرير مفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان بشأن العدالة والمساواة العرقيتين للأفريقيين والمنحدرين من أصل أفريقي، وذلك استكمالاً لتقرير العام الماضي التاريخي بشأن العدالة والمساواة العرقيتين.
وأكّدت الناشف قائلة: "أصبح من الضروري اليوم أكثر من أي وقت مضى، اعتماد نهج شاملة قائمة على الأدلة لمعالجة المظالم التاريخية ومظاهرها المعاصرة، إذا ما رغبنا حقًا في تحقيق تغيير تحويلي."
وقد لحظ تقرير مفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان "مبادرات واعدة في بلدان مختلفة، بما في ذلك تدابير للاعتراف بالعنصرية والسعي إلى معالجتها بما يتجاوز مجموع الأفعال الفردية والبدء في معالجة موروثات الماضي." إلاّ أنّ التقرير يؤكّد أن معظم هذه المبادرات لا ترقى إلى نهج تتصدى للعنصرية النظمية، بما في ذلك العوامل الهيكلية والمؤسسية، الكامنة في مؤسسات الدولة والقطاع الخاص والهياكل المجتمعية عبر مجالات مترابطة متعددة.
التجارب الحية أساسية لمكافحة العنصرية
هذا الحدث فريد من نوعه بما أنّه أتاح وللمرّة الأولى للأشخاص الذين اختبروا العنصرية النظمية بشكل مباشر، فرصة عرض خبراتهم المهنية والحياتية أمام المجلس في سياق الحوار القائم.
وقد شاركت كوليت فلاناغان من الولايات المتحدة المجلس خسارتها الشخصية المروّعة.
فأخبرت قائلة: "لم يبلغ كلينتون من العمر سوى 25 عامًا، وكان أبًا أسود لتوأم من الصبية. وكان كلينتون غير مسلح ليلة العاشر من آذار/ مارس 2013 عندما أطلق شرطي في دالاس النار عليه سبع مرات. فأصابته خمس رصاصات في صدره، ورصاصة في ذراعه اليسرى التي رفعها استسلامًا ورصاصة أخيرة في ظهره من مسافة قريبة."
وردًا على وفاة ابنها وتضامنًا مع أمهات أخريات يعانين الفاجعة نفسها، أسست فلاناغان منظمة "أمهات ضد وحشية الشرطة". ومن أهدافها العملية منع الشرطة من استخدام القوة المميتة عند مواجهة شخص أعزل أو شخص يعاني من أزمة طبية.
وأوضحت قائلة: "يمكن إنقاذ العديد من الأرواح في حال لم يعتمد استخدام القوة المميتة على تصور عناصر الشرطة بل على الظروف الفعلية التي يمكن ملاحظتها في مكان الحادث." وأضافت قائلة: "إذا كان مبدأ أخاف على حياتي من الموت الدرع الذي يحميني من الملاحقة الجنائية ، فإن مبدأ الحصانة المؤهلة هي درع الشرطة أمام المحكمة المدنية."
“
كانت تجربتي في الحياة المجبولة بالعنصرية والتمييز العنصري وعدم المساواة، وما صاحبها من إهانات وذلّ، كافية لأغتنم الفرصة وأنخرط في الجهود الرامية إلى القضاء على العنصرية في سياق إنفاذ القانون.
“
إيفون موكغورو، رئيسة آلية الخبراء الدولية المستقلة للنهوض بالعدالة والمساواة العرقيتَيْن في سياق إنفاذ القانون
جوريما ويرنيك ناشطة برازيلية من أصل أفريقي تعمل على تعزيز حقوق الإنسان والمساواة بين الأعراق وبين الجنسَيْن. وهي تشغل منذ العام 2017، منصب المدير التنفيذي لمنظمة العفو الدولية في البرازيل.
تظهر بيانات الأمن العام في البرازيل أن عدد الأشخاص الذين قتلوا في العام 2020 على يد عناصر الشرطة سجّل رقمًا قياسيًا جديدًا بلغ 6,415 حالة وفاة، مع 79 في المائة تقريبًا من الضحايا من السود، حسبما أشارت إليه ويرنيك. وأضافت أنّه في ست ولايات، قتلت الشرطة في العام 2021 شخصًا أسود كل أربع ساعات.
وأوضحت أمام المجلس قائلة: "في البرازيل، تستمر معدلات وحشية الشرطة في الارتفاع، محطمة الأرقام القياسية عامًا بعد عام في جميع أنحاء البلاد. كم يبلغ عدد عمليات القتل التي ارتكبها العناصر المكلفون بإنفاذ القانون وكان من الممكن منعها في تلك الفترة لولا جمود من التزموا مكافحة هذه الظاهرة [من خلال إعلان وبرنامج عمل ديربان] في العام 2001 ولم يبذلوا ما يكفي من الجهود للوفاء بالتزاماتهم؟"
ويركز التقرير الذي قدمته آلية الخبراء أثناء الحوار، على جمع ونشر وتحليل البيانات المصنفة حسب العرق أو الأصل العرقي في ما يتعلق بتفاعل الأفريقيين والمنحدرين من أصل أفريقي مع السلطات المكلفة بإنفاذ القانون ونظام العدالة الجنائية.
إلاّ أنّ جمع البيانات في حد ذاته، بحسب ما أشارت إليه موكجورو، لا يعالج العنصرية والتمييز العنصري اللذين طال أمدهما. ولكنّه يشكّل خطوة أولى أساسية عبر تسليط الضوء على حجم العنصرية النظمية ضد الأفريقيين والمنحدرين من أصل أفريقي ومظاهرها في إنفاذ القانون والعدالة الجنائية.
وأوضحت موكجورو أن "التجارب الحية تُبرِز في الواقع ضرورة جمع البيانات المصنفة حسب العرق أو الأصل العرقي أو الإثنية."
جميعنا من بني البشر
شرحت موكجورو أنّ المشاركة غير المسبوقة للأفراد المتضرّرين بالعنصرية، أي فلاناغان وفيرنيك في حالتنا، أظهرت ضرورة ترسيخ التجارب الحية في صميم جميع الجهود المبذولة لمكافحة العنصرية.
فقالت: "إنّ المشاركة في هذا الحدث تمنح الضحايا وأسرهم صوتًا، صوتًا يجب الإصغاء إليه مباشرة."
أما الناشف فأوضحت من جهتها أنّ المقياس الحقيقي للنجاح في النهوض بالعدالة والمساواة العرقتين يجب أن يكمن في التغييرات الإيجابية الواضحة في حياة المتضررين. وأضافت أنّ جمع البيانات بالغ الأهمية، لكنّ مشاركة جميع الأطراف العملية لا تقل أهمية عنه.
وختمت الناشف قائلة: "لا يمكننا أن ننجح في إعادة البناء بشكل أفضل والمضي نحو مستقبل أكثر قدرة على المواجهة والصمود وتسوده المساواة وعدم التمييز إلا إذا اتحدت الدول وجميع الجهات الفاعلة المعنية وكثّفت العمل على مكافحة العنصرية النظمية."
وتابعت موكجورو أنّ مكافحة العنصرية يجب أن يكون متجذرًا في الاعتراف باحترام إنسانية الجميع وكرامتهم.
فقالت: "في الثقافة الأفريقية، نؤمن بمفهوم Ubuntu القائم على القيم والقائل إنني ما أنا عليه لأنّك أنت ما أنت عليه، بمعنى أننّي لست إنسانًا إلاّ لأنّك أنت إنسان. ما يشير ضمنًا إلى ضرورة معاملة البشر بكرامة إنسانية، بغض النظر عن عرقهم أو لون بشرتهم أو أصلهم الاجتماعي، وبغض النظر عن نوعهم الاجتماعي، إلخ. فإنسانيتكم تنبثق عن معاملتي لكم بإنسانية. فإن لم يعامل الإنسان الآخر بإنسانية وبكرامة إنسانية، يقلل ذلك من إنسانية الجاني ومن الإنسانية ككل."
*بموجب قرار مجلس حقوق الإنسان 47/21 تمّ أنشاء آلية الخبراء في العام 2021 "من أجل تعزيز إحداث تغيير تحويلي من أجل العدالة والمساواة العرقيتين في سياق إنفاذ القانون على الصعيد العالمي، خاصة عندما يتعلّق الأمر بتركات الاستعمار والاتجار عبر المحيط الأطلسي في الأفريقيين المستعبدين، من أجل التحقيق في ما تتخذه الحكومات من إجراءات لمواجهة الاحتجاجات السلمية المناهضة للعنصرية وفي جميع انتهاكات القانون الدولي لحقوق الإنسان والمساهمة في المساءلة وجبر الضحايا."