Skip to main content

"يجب ألاّ يُنظَر أبدًا إلى لون بشرتكم على أنه سلاح"

02 تموز/يوليو 2021

بعد الاصغاء إلى شهاداتِ أسرِ مَن لَقَوا حتفهم أثناء مواجهتهم أجهزة إنفاذ القانون أو فيما بعدها، دعت المفوضة السامية ميشيل باشيليت الدول إلى "إعادة تصور عمل الشرطة وإصلاح نظام العدالة الجنائية، اللذين ولّدا بشكل مستمر نتائج تمييزية للمنحدرين من أصل أفريقي."

"عانيت الكثير من الألام، وأفكّر في شقيقي كلّ يوم. أستيقظ في منتصف الليل وأنا أتساءل ما هي الفظاعة التي ارتكبَها وكلّفته حياته؟" هكذا يعبّر فيلونيس فلويد، شقيق جورج فلويد الأميركي من أصل أفريقي الذي قُتِل على يد عنصر مكلف بإنفاذ القانون في مينيابوليس بمينيسوتا في الولايات المتحدة، في أيّار/ مايو 2020، فأشعل العالم وعبّأه ضد العنصرية ووحشية الشرطة.

وتابع قائلاً: "ما من سبب يدعو الشرطة إلى مواجهة الأشخاص الملونين بهذه الوحشية. بل يجب أن يُقابلوا بالدعم والكرامة والتفاهم، شأنهم شأن أي شخص آخر تريد الشرطة توقيفه. يجب ألاّ ينظر أبدًا إلى لون بشرتهم على أنه سلاح."

أصبح فلويد، منذ مقتل شقيقه، مدافعًا يقف في الصفوف الأمامية للمطالبة بالعدالة العرقية والمساواة، وقد تحدّث لأوّل مرّة أمام هيئة حكومية دولية في حزيران/ يونيو 2020، خلال "المناقشة العاجلة بشأن العنصرية النظمية ووحشية الشرطة في الولايات المتحدة"، التي عُقِدَت ضمن إطار مجلس حقوق الإنسان.

وعقب هذه المناقشة، كلّف المجلس مفوّضة الأمم المتّحدة السامية لحقوق الإنسان ميشيل باشيليت إعداد تقرير شامل عن العنصرية النظمية، وانتهاك القانون الدولي لحقوق الإنسان للأفريقيين والمنحدرين من أصل أفريقي التي ترتكبها أجهزة إنفاذ القانون، وعن ردود الحكومات على الاحتجاجات السلمية المناهضة للعنصرية، والمساءلة وجبر الضرر للضحايا.

أكثر من 190 حالة وفاة "بأوجه تشابه مذهلة" خلال العقد الماضي

من أجل إعداد التقرير، تلقت مفوضيّة الأمم المتّحدة السامية لحقوق الإنسان معلومات تتعلق بأكثر من 190 حالة وفاة لأفريقيين ومنحدرين من أصل أفريقي خلال مواجهتهم عناصر مكلفين بإنفاذ القانون، لا سيّما في أوروبا وأميركا اللاتينية وأميركا الشمالية، ومعظم حالات الوفيات تلك وقعت في السنوات العشر الأخيرة. وأشار التقرير إلى أن أغلبية القتلى كانوا من الرجال، ولا سيّما الشباب من المجتمعات الفقيرة ورجال من ذوي الإعاقات النفسية الاجتماعية. كما أنّ حوالى 16 في المائة من القتلى كانوا من النساء و11 في المائة من الأطفال و4 في المائة من المثليات والمثليين ومزدوجي الميل الجنسي ومغايري الهوية الجنسانية وحاملي صفات الجنسين.

وأشار تحليل مفوضيّة الأمم المتّحدة السامية لحقوق الإنسان لهذه الحوادث إلى أن أكثر من 85 في المائة من الوفيات على أيدي العناصر المكلّفين بإنفاذ القانون وقعت في ثلاثة سياقات: أولاً، أعمال الشرطة المتعلّقة بالجرائم البسيطة، وعلامات الوقوف في حركة المرور، وعمليات التوقيف والتفتيش، كما في حال جورج فلويد. وثانيًا، تدخّل موظّفي إنفاذ القانون باعتبارهم أوّل المستجيبين في أزمات الصحة العقلية، كما في حال كيفن كلارك في المملكة المتحدة. وثالثًا، تنفيذ عمليات خاصة للشرطة، كما في حالات بريودا تايلور في الولايات المتّحدة وجواو بيدرو ماتوس بينتو في البرازيل الذي قُتِل في سياق ما يُعرَف بـ"الحرب على المخدّرات"، وجانر غارسيا بالومينو في كولومبيا الذي قُتِل أيضًا في سياق عمليات مرتبطة بالعصابات.

وسلّط التقرير الضوء أيضًا على قضية أداما تراوري التي قُتِل يوم عيد ميلاده الـ24 في تموز/ يوليو 2016 في فرنسا. ويبدو أن تراوري قد هرب بعد أن شهد اعتقال شقيقه ورَفَض أن تتحقّق الشرطة من هويته. فلاحقه العناصر المكلفون بإنفاذ القانون وعثروا عليه في إحدى الشقق وقيّدوه واعتقلوه في نهاية المطاف. وأثناء الرحلة في السيارة إلى مركز الشرطة، ورد أن تراوري شعر بتوعك، وعند وصوله، وضعه العناصر المكلفون بإنفاذ القانون في باحة مركز الشرطة ويداه لا تزالان مكبّلتين ثمّ اتصلوا بخدمات الطوارئ. وعلى الرغم من محاولات إنعاشه، توفي تراوري مساء ذاك اليوم.

وشقيقته أسا تراوري لا تزال تناضل من أجل الكشف عن الحقيقة وتحقيق العدالة لأخيها.

وأعلنت قائلة: "أكثر الأمور ألمًا هو عدم مراعاة الدولة لأفراد الأسرة عند حدوث وفاة، وحقيقة أنّه يمكن تحويل القتلى إلى مواد إعلامية وتجريمهم."

وتابعت قائلة: "عندما توفي أخي، ظننت أنّ عناصر الشرطة سيحاكمون ويسجنون. لم أظنّ يومًا أن النضال سيكون سهلاً، لكنني لم أعتقد أبدًا أنه سيستغرق خمس سنوات. فكلما طال أجل كشف الحقيقة وتحقيق العدالة، أمسى بلوغ الهدف أكثر صعوبة. وأدركت أنه لا يمكننا اعتبار العدالة أمرًا مسلّمًا به، وأن العدالة لم تكن يومًا حقًا لنا بل كان علينا أن نكلفح من أجل المطالبة بحقّنا هذا."

أعبّر العديد من الأسر التي فقدت أحباءها عقب مواجهة مع أجهزة إنفاذ القانون، عن آلام مماثلة وشعور بالظلم.

قُتِلَت لوانا باربوسا دوس ريس سانتوس على يد الشرطة العسكرية في ريبيراو بريتو، في ساو باولو بالبرازيل في العام 2016، عن عمر يناهز 34 عامًا. كانت ترافق ابنها إلى المدرسة عندما توقفا في الطريق لإلقاء التحية على أصدقاء لهما في مقهى. فاقتربت منهما الشرطة.

وشرحت روزيلي باريوزا قائلة: ""كانت شقيقتي سوداء، ومثلية ، تعيش في الضواحي، وهذه أسباب كافية في البرازيل لتوقفها الشرطة. ورفضت أن يفتّشها شرطي."

وبحسب ما ورد، قاومت دوس ريس سانتوس قيام رجل بتفتيشها فضربها ثلاثة شرطيين حسبما زُعم. وتم استدعاء باربوسا ووالدتها إلى مكان الحادث.

وأخبرت باربوسا قائلة: "أخفينا شقيقتي خوفًا من أن تأتي الشرطة للبحث عنها وتقتلها، كما أكّدت أنّها ستفعل. في اليوم التالي أخذنا لوانا إلى الطوارئ في مستشفى في ريبيراو بريتو، وفي 13 نيسان/ أبريل 2016 توفيت."

حقّقت الشرطة المدنية البرازيلية في وفاة لوانا باربوسا دوس ريس سانتوس وطلبت القبض على عناصر الشرطة العسكرية الذين اعتدوا عليها.

وأَسِفَت روزيلي باربوسا قائلة: "كانت كافة الإجراءات في البرازيل أكثر بطأً وصعوبة من أيّ وقت مضى. وكان من الممكن عقد جلسة استماع افتراضية لاستئناف القضية، لكن رُفِض طلب الاستئناف. لذا لم تتحقّق العدالة."

المجتمعات السوداء تشعر بالتهديد بدلاً من الحماية

وفي كثير من الحوادث المستعرضَة، توحي المعلومات المتاحة بأن الضحايا لم يشكّلوا تهديدًا وشيكًا بقتل مسؤولي إنفاذ القانون أو الجمهور أو التسبب في إصابتهم إصابة خطيرة، وهو ما يكون ضروريًا لتبرير مستوى القوة المستخدمة. علاوة على ذلك، يبدو أن كلاً من التحيز العنصري والقوالب النمطية التي تربط المنحدرين من أصل أفريقي بـ"الخطورة" و"الإجرام" والتنميط العنصري، لعب دورًا متكررًا، وحدّد شكل تفاعلات المنحدرين من أصل أفريقي مع أجهزة إنفاذ القانون ونظام العدالة الجنائية.

وقد أكّدت هذه الادعاءات البياناتُ التي تشير، على سبيل المثال، إلى أنه في حين كان الأمريكيون من أصل أفريقي يشكلون 13 في المائة من سكان الولايات المتحدة عام 2019، كانوا يمثّلون 26 في المائة من إجمالي الاعتقالات. وتُظهر البيانات الواردة من كندا أنّه بين عامَي 2913 و2017، "كان احتمال تورّط شخص أسود في تورونتو في إطلاق نار قاتل من قبل دائرة شرطة تورونتو أكبر بنحو 20 مرة من احتمال تورط شخص أبيض." وتشير الاحصاءات الصادرة عن وزارة العدل في المملكة المتّحدة إلى أنّه بين نيسان/ أبريل 2019 وآذار/ مارس 2020 "كانت هناك ست عمليات إيقاف وتفتيش لكل 1,000 شخص أبيض، مقارنة بـ54 لكل 1,000 شخص أسود." وفي البرازيل، أفادت تقارير العام 2019 بأن المنحدرين من أصل أفريقي مثلوا 79 في المائة من الوفيات أثناء تدخل الشرطة.

تدعم هذه الأرقام الشواغل التي أثيرت أثناء المشاورات لإعداد تقرير المفوضة السامية بشأن "الإفراط في أعمال الشرطة عندما يتعلّق الأمر بالهيئات والمجتمعات للسود" مما يجعلها تشعر بالتهديد بدلاً من الحماية.

وبيّن التقرير أنّه نادرًا ما يحاسَب موظّفو إنفاذ القانون على انتهاك حقوق الإنسان والجرائم المرتكَبة ضدّ المنحدرين من أصل أفريقي، ويرجع ذلك جزئيًا إلى "قصور التحقيقات، والافتقار إلى آليات مستقلة وقوية للإشراف والشكوى والمساءلة، وانتشار "افتراض الذنب" ضد المنحدرين من أصل أفريقي."

إنهاء الإفلات من العقاب على الانتهاكات التي ترتكبها أجهزة إنفاذ القانون

تقترح مفوّضة الأمم المتّحدة السامية لحقوق الإنسان ميشيل باشيليت في تقريرها سبيلاً للمضي قدمًا نحو إنهاء الإفلات من العقاب على انتهاكات حقوق الإنسان التي ترتكبها أجهزة إنفاذ القانون و"سد فجوات الثقة."

ويستلزم ذلك، على سبيل المثال لا الحصر، اعتماد نهج قائم على حقوق الإنسان إزاء أعمال الشرطة وثقافة مؤسسية خالية تمامًا من العنصرية. وجاء في التقرير أنه "ينبغي للدول أن تقوم بأنشطة استبطان عميقة وأن تشجع مشاركة المنحدرين من أصل أفريق والمجتمعات المحلية المتضررة وانخراطها في الجهود الرامية إلى إعادة تصوّر إعمال الشرطة وإصلاح نظام العدالة الجنائية".

وتوصي باشيليت أيضًا بأن تتماشى سياسات استخدام القوة ولوائح إنفاذ القانون مع القانون الدولي لحقوق الإنسان، وباتّخاذ تدابير صارمة لضمان المساءلة والإنصاف للضحايا وأسرهم. "وينبغي للدول أن تجري تحقيقات فعالة ونزيهة ومناسبة من حيث التوقيت في كل ادعاء بالاستخدام غير المشروع للقوة أو غير ذلك من الانتهاكات التي ارتكبتها أجهرة إنفاذ القانون، مع التركيز بشكل خاص على الدور المحتمل الذي قد يكون لعبه التمييز العنصري في الانتهاك، وأن تفرض عقوبات متناسبة وتوفر ضمانات بعدم التكرار."

وينبغي على الدول إدخال أساليب بديلة لأعمال الشرطة، لا سيّما عند استجابتها في بيئات تعليمية وبصفتها من المستجيبين لأزمات الصحة العقلية وإدارة الهجرة والحدود. وينبغي للدول أن تجمع وتتيح لعامة الجمهور بيانات شاملة مصنّفة حسب العرق أو الأصل الإثني، وكذلك حسب الجنس وعوامل أخرى، مع ضمانات صارمة وفقًا للقانون الدولي لحقوق الإنسان.

أكّدت باشيليت: "على الدول أن تعبّر عن إرادة سياسية أقوى لتسريع العمل من أجل العدالة العرقية والتعويض والمساواة من خلال التزامات معينة محددة زمنيًا تحقّق النتائج المرجوّة."

في 2 تمّوز/ يوليو 2021

هذا التحقيق الإخباري هو الثاني ضمن سلسلة من أربعة أجزاء تعرض خطّة مفوضة الأمم المتّحدة السامية ميشيل باشيليت نحو التغيير التحويلي للعدالة العرقية والمساواة. ويسلط كل جزء من الأجزاء الأربعة الضوء على الخصائص التاريخية والتجربة الحية والواقع الحالي للمنحدرين من أصل أفريقي في عدة دول.

الصفحة متوفرة باللغة: