الإجراءات الحكومية والمجتمعية ضرورية لتحقيق العدالة العرقية
12 أيّار/مايو 2023
شكّلت الاحتجاجات غير المسبوقة التي اجتاحت العالم في العام 2020 عقب مقتل جورج فلويد في مينيسوتا بالولايات المتحدة لحظة فاصلة في النضال ضد وحشية الشرطة والعنصرية النظمية.
وبعد مرور سنة على هذه الحادثة، نشرت مفوضيّة الأمم المتّحدة السامية لحقوق الإنسان الخطة لإحداث تغيير تحويلي من أجل العدالة والمساواة العرقيتين وسلّطت الضوء فيها على كيفية مضي الدول قدمًا نحو عكس ثقافات الإنكار وتفكيك العنصرية النظمية وتسريع وتيرة العمل.
ويستتبع ذلك إصلاح المؤسّسات والتشريعات والسياسات والممارسات التي قد تكون تمييزية من حيث النتائج والأثر. وتواصل مفوضيّة الأمم المتّحدة السامية لحقوق الإنسان حثّ الدول على اعتماد نهج نظمي لمكافحة التمييز العنصري من خلال اعتماد استجابات تقوم على إشراك كافة الجهات الحكومية والمجتمع ككل، وتَرِد في خطط عمل وطنية وإقليمية شاملة وتُزوَّد بالموارد الكافية والتدابير المناسبة للمنحدرين من أصل أفريقي.
توضيح العدالة العرقية
اكتسبت الإجراءات المطلوبة لتحقيق العدالة العرقية والمساواة اهتمامًا عالميًا في السنوات الأخيرة بعد مقتل جورج فلويد وبريونا تايلور في الولايات المتحدة، وأداما تراوري في فرنسا، ولوانا باربوسا دوس ريس سانتوس وجواو بيدرو ماتوس بينتو في البرازيل، وكيفن كلارك في المملكة المتحدة وجانر غارسيا بالومينو في كولومبيا، وغيرهم من المنحدرين من أصل أفريقي في أربعة أقطار العالم على يد العناصر المكلّفين بإنفاذ القانون. وقد أعلنت دومينيك داي، وهي عضو في فريق الخبراء العامل المعني بالمنحدرين من أصل أفريقي أنّنا غالبًا ما نسيء فهم العدالة العرقية ولا بدّ من إعادة تعريفها من قبل الأفراد والجماعات.
وتابعت قائلة: "ليست العدالة العرقية هدفًا بحدّ ذاتها، بل هي عملية متواصلة. فالعالم مكرّس لاستغلال بعض الأشخاص والتصرف بهم من أجل تحقيق الأرباح وتوفير الفرص للآخرين. والظلم العنصري مترسّخ في نسيج اقتصادنا ومجتمعنا وفي الدول كافة. أمّا العدالة العرقية فهي عملية تفكيك هذا النسيج، وإطلاق هذه الالتزامات وفق التسلسل الهرمي العرقي القائم، حتى من دون الترويج لها ومنح الناس فرصة عيش أحلامهم، تمامًا كما تفعل الأغلبية من البيض."
فقبل خمسة وسبعين عامًا، أكدت المادة 2 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان المساواة في التمتع بجميع حقوق الإنسان، دونما تمييز من أي نوع، لا سيما التمييز بسبب العنصر أو اللون. وأوّل اتفاق ملزم قانونًا نشأ عن الإعلان العالمي هو الاتفاقية الدولية للقضاء على جميع أشكال التمييز العنصري التي تمّ اعتمادها في العام 1965.
ومنذ ذلك الحين، ظلّ النضال ضد العنصرية مترسّخًا في صميم عمل نظام الأمم المتحدة لحقوق الإنسان. وتقدّم مفوضيّة الأمم المتّحدة السامية لحقوق الإنسان دعمًا مكثفًا إلى جميع آليات الأمم المتّحدة التي تكافح العنصرية، وتتعاون على المستوى العالمي مع الدول كافة لترجمة الحقوق التي ينصّ عليها إعلان وبرنامج عمل ديربان على أرض الواقع.
ومن بين هذه الآليات فريق الخبراء العامل المعني بالمنحدرين من أصل أفريقي الذي قدم على مدى السنوات الـ20 الماضية تقارير عدّة إلى مجلس حقوق الإنسان والجمعية العامة عن حالة حقوق الإنسان للمنحدرين من أصل أفريقي على الصعيد العالمي، واتخذ إجراءات بشأن القضايا البارزة وقدم التوصيات من أجل التصدي للتمييز العنصري بجميع مظاهره. ومن الآليات الأخرى المناهضة للعنصرية آلية الخبراء الدولية المستقلة للنهوض بالعدالة العرقية والمساواة في سياق إنفاذ القانون المنشأة حديثًا، وتتمثل ولايتها في النظر في العنصرية النظمية التي تواجه الأفريقيين والمنحدرين من أصل أفريقي في مجال إنفاذ القانون ونظام العدالة الجنائية، بما في ذلك أسبابها الجذرية. كما تقدّم التوصيات بشأن الخطوات الملموسة اللازمة لضمان الوصول إلى العدالة والمساءلة والجبر عن الاستخدام المفرط للقوة وغيرها من انتهاكات حقوق الإنسان من جانب موظفي إنفاذ القانون.
حلول محلية لمشكلة عالمية
ترايسي أل. كيسي عضو في آلية الخبراء. وبعد أن خدمت مدة 25 عامًا في شرطة دنفر وأربع سنوات أخرى كنائبة المفوض المعني بالتدريب ونائبة المفوض المعني بالإنصاف والشمول في قسم شرطة نيويورك، تقاعدت للعمل عن كثب مع المجتمعات المحلية، وضمان تركيز أصواتها وتمثيلها في تحقيق السلامة العامة المشتركة. وشاركت في تأسيس مبادرات العدالة التي يطلقها المركز من أجل الإنصاف في سياق حفظ الأمن، وهي مؤسسة تهدف إلى تعزيز شفافية الشرطة ومساءلتها، كما شغلت منصب نائب الرئيس الأول فيها.
وأشارت كيسي إلى أنها لاحظت انفصالًا بارزًا بين ما يعتبره العناصر المكلّفون بإنفاذ القانون في الولايات المتحدة وخبراء حقوق الإنسان وظيفتهم والهدف الحقيقي من إنشاء نظام إنفاذ القانون. وأكّدت أنّ النظام صُنع "للتحكم بالأجسام السوداء وبالطريقة التي تتحرك بها في جميع أنحاء العالم ولفرض نظام معيّن نعتبره نظامًا لإنفاذ القانون تحت ستار توفير الأمان لشخص ما أو شيء من هذا القبيل... وهي تعمل على النحو المصممة به."
وأفادت كيسي بأن محاولة تغيير الأنظمة وثقافات الشركات من الداخل قد تصبح مهمة جبّارة هائلة. وكي تفهم المجتمعات ومسؤولو إنفاذ القانون بعضهم البعض وتفكك الأنظمة غير العادلة، اقترحت إيجاد لغة مشتركة جديدة.
وأوضحت قائلة: "نتحدث عن السلامة لكننا نعرّفها بشكل مختلف. ويتعين علينا التأكد من أننا لا نتحدث عن المفهوم نفسه فحسب بل يجدر بنا تحديد كيف نعرّفه ومن المسؤول عن تعريفه. ومن أجل تحقيق هذه الغاية، نطلب من الأشخاص المتأثرين بهذه الأنظمة الجلوس على الطاولة وتحديد ما يعنيه لهم أن يشعروا بالأمان. هم يريدون التنقّل بأمان والعيش بأمان، والأهم من ذلك كله، يرغبون حقًا في المشاركة."
تقدم تدريجي نحو العدالة العرقية
منذ إطلاق الخطة لإحداث تغيير تحويلي من أجل العدالة والمساواة العرقيتين، سجّلت مفوضيّة الأمم المتّحدة السامية لحقوق الإنسان تقدمًا تدريجيًا على مستوى العالم في تفكيك الأنظمة المتجذّرة بعمق، التي تديم التمييز العنصري في جميع مجالات الحياة للأشخاص المنحدرين من أصل أفريقي.
وفي التقرير بشأن آخر المستجدات الصادر في أيلول/ سبتمبر 2022، أبلغت مفوضيّة الأمم المتّحدة السامية لحقوق الإنسان عن بعض التقدم المُحرَز نحو المساءلة عن بعض القضايا السبع البارزة المتعلّقة بوفيات المنحدرين من أصل أفريقي المرتبطة بالشرطة، التي أشارت إليها في تقريرها لعام 2021 والمذكورة أعلاه؛ ولكنّها شدّدت على ضرورة اعتماد نُهج شاملة لتفكيك النظم المتجذّرة بعمق التي تديم العنصرية النظامية في جميع مجالات الحياة، بما في ذلك في مجال إنفاذ القانون. وشددت المفوضيّة على أن مقياس النجاح ينبغي أن يتمثّل في إحداث تغيير إيجابي في تجارب المنحدرين من أصل أفريقي المعيوشة، وأنّ الدول بحاجة إلى الإصغاء إليهم وإشراكهم بطريقة مجدية واتخاذ خطوات حقيقية لمعالجة شواغلهم.
في كانون الثانيّ/ يناير 2023، توفي رجلان آخران من أصل أفريقي، هما كينان أندرسون وتاير نيكولز، عقب التعامل مع عناصر مكلّفين بإنفاذ القانون. وفي كلتا الحالتين، أكدت آلية الخبراء لحكومة الولايات المتحدة أن القوة المستخدمة انتهكت على ما يبدو المعايير الدولية التي تحمي الحق في الحياة وتحظر التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة. كما أنها لا تتماشى مع المعايير المنصوص عليها في مدونة الأمم المتحدة لقواعد السلوك للموظفين المكلفين بإنفاذ القوانين والمبادئ الأساسية بشأن استخدام القوة والأسلحة النارية من جانب الموظفين المكلفين بإنفاذ القوانين.
ولجأت عائلة تاير نيكولز إلى محامي الحقوق المدنية والإصابات الشخصية بن كرامب، في القضية ضد مدينة ممفيس وضباط الشرطة المتهمين، في ما يتعلّق بوفاة نيكولز. وردًا على سؤال حول معنى العدالة العرقية، اعتبر كرامب أنّها تعني "الحقوق المتساوية للجميع، أينما كانوا."
وأضاف قائلاً: "في حال أردنا التحدث عن العدالة العرقية، علينا أن نجعل هذا الخطاب حقيقة واقعة، لا للبيض فحسب بل أيضًا للسود وأصحاب البشرة السمراء، والأشخاص الملونين المهمشين. ويجب ترجمة هذا الخطاب على أرض الواقع في جميع أنحاء العالم."
ووصف كرامب النشاط النضالي الذي يقوده المنحدرون من أصل أفريقي "بالعميق"، وقد التحق به كثيرون آخرون من جميع أنحاء العالم، بعد وفاة جورج فلويد، مضيفًا أن ردود الفعل من آليات حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة أعطته منظورًا أكثر عالمية. ومثل كرامب العديد من العائلات التي تسعى إلى تحقيق العدالة في وفاة أحبائها على يد وكالات إنفاذ القانون، بما في ذلك عائلة فلويد في قضيتها ضد العنصر المكلّف بإنفاذ القانون في مينيابوليس ديريك شوفين المدان بقتل فلويد.
وختم قائلاً: "لون البشرة هو العامل الأقل تحديدًا لما يمكننا تحقيقه في هذا العالم. فإذا أزلنا عدسة التحيز المترسّخة في المجتمع، نرى عالمًا يعيش فيه أطفالنا من دون أن تكبّلهم العنصرية بل يدفعهم تحقيق العدالة والمساواة. هذا أملنا الوحيد. وهذه صلاتنا إلى السماوات."
قامت آلية الخبراء مؤخرًا ببعثة رسمية إلى الولايات المتحدة (24 نيسان/ أبريل - 5 أيار/ مايو 2023) بناءً على دعوة من الحكومة. وقد زار فريق الخبراء ست مدن رئيسية هي: أتلانتا وشيكاغو ولوس أنجلوس ومينيابوليس ومدينة نيويورك وواشنطن العاصمة.