الإعلان العالمي: صكّ يحفّز العمل في مجال حقوق الإنسان البيئية
أعلنت المدافعة عن حقوق الإنسان البيئية، والصحفية في مجال الوسائط المتعددة ومخرجة الأفلام، صوفيا لي قائلة: "تترافق العدالة الاجتماعية مع العدل المناخي. فتغير المناخ قضية تتعلق بحقوق الإنسان لأن أزمة المناخ تؤدي حتمًا إلى تفاقم عدم المساواة".
ولي صحفية تشارك في إعداد وتقديم برنامج All of the Above، وهو أول برنامج حواري يتناول موضوع الاستدامة. وهي أيضًا مقدّمة بثّ صوتي رقمي عبر موقع ميتا بعنوان Climate Talks، وعضو في مجلس إدارة المنظمة البيئية غير الحكومية Slow Factory، وعضو في المجلس الاستشاري لمنظّمة Better Shelter.
لي من جيل ناشئ من المدافعين عن حقوق الإنسان، الذين يعملون عبر الإنترنت وفي الخطوط الأمامية للأزمات البيئية. والكثير منهم مناصر للعدل المناخي ويعرّض نفسه لمخاطر كبرى.
في تموز/ يوليو 2022، اعتمدت الجمعية العامة للأمم المتحدة قرارًا تاريخيًا اعترف بالحق في بيئة صحية. وقد جاء هذا القرار عقب اعتماد مجلس حقوق الإنسان قرارًا مشابهًا في تشرين الأوّل/ أكتوبر 2021. وعلى الرغم من أن هذين القرارين ليسا ملزمين بحكم القانون، إلا أنهما قد يحفزان تعديل القوانين الوطنية والدولية، كما يمثّلان إجماعًا سياسيًا في الأمم المتحدة.
ولم يكن من الممكن اعتماد هذين القرارين لولا الجهود التي بذلتها مجموعة متنوعة من منظمات المجتمع المدني، بما في ذلك المجموعات الشبابية والمؤسسات الوطنية لحقوق الإنسان ومنظمات الشعوب الأصلية وشركات الأعمال، والعديد من المنظمات الأخرى في جميع أنحاء العالم، بالإضافة إلى كلّ من ناصر الاعتراف الدولي بهذا الحق. وقد دعمت هذين القرارين كياناتُ الأمم المتحدة التي تتعاون ضمن إطار نداء الأمين العام إلى العمل من أجل حقوق الإنسان، بما في ذلك مفوضيّة الأمم المتّحدة السامية لحقوق الإنسان.
المساءلة عن الأضرار البيئية
من المعترف به عامةً أن الحقّ في بيئة نظيفة وصحية ومستدامة يشمل الحق في هواء نظيف ومناخ آمن ومستقر، والحصول على مياه صالحة للشرب وعلى خدمات الصرف الصحي المناسبة، وعلى أغذية صحية ومُنتَجَة بشكل مستدام، وتوفير بيئة غير سامة للعيش والعمل والدراسة واللعب، والحفاظ على التنوع البيولوجي الصحي والنظم الأيكولوجية الصحية. ويشمل أيضًا الوصول إلى المعلومات، والحق في المشاركة في صنع القرار والوصول إلى العدالة وسبل الانتصاف الفعالة بما في ذلك الممارسة الآمنة لهذه الحقوق بمنأًى عن أيّ ردود فعل انتقامية.
ويتطلب إعمال الحق في بيئة صحية أيضًا التعاون الدولي والتضامن والإنصاف في العمل البيئي، بما في ذلك تعبئة الموارد. والدول أيضًا ملزمة بحكم القانون بمنع أفعالها من التسبب في أضرار بيئية حول العالم.
وقد أكّدت العضو في لجنة حقوق الإنسان، وهي هيئة الأمم المتحدة التي تُشرف على امتثال الدول للعهد الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، هيلين تيغرودجا قائلة: "إنّ الدول التي تفشل في حماية الأفراد الخاضعين لولايتها القضائية من آثار تغير المناخ الضارة ترتكب انتهاكًا لحقوق الإنسان بموجب القانون الدولي."
وفي أيلول/ سبتمبر 2022، أصدرت اللجنة قرارًا ضد أستراليا على خلفية شكوى قدمها ثمانية مواطنين أستراليين من الشعوب الأصلية وستة من أطفالهم يعيشون في أربع جزر صغيرة منخفضة في منطقة مضيق توريس. فعلى مدى السنوات 2000 الماضية، شكّلت هذه الجزر موطنًا للشعوب الأصلية التي كانت تعيش في وئام تام مع المحيط.
وقد ادعى المدعون أن حقوقهم قد انتهكت لأن أستراليا فشلت في التكيف مع تغير المناخ عبر تحسين الأسوار البحرية في الجزر والتخفيف من انبعاثات غازات الدفيئة، على سبيل المثال لا الحصر. وأكّدوا أن التغيرات في أنماط الطقس حملت عواقب ضارة ومباشرة على معيشتهم وثقافتهم وطريقة حياتهم التقليدية. كما دمرت الفيضانات الجارفة الناجمة عن ارتفاع المد في السنوات الأخيرة مواقع دفن الأجداد، وأدت الأمطار الغزيرة والعواصف إلى تدهور الأراضي والأشجار، ما قلل بدوره من كمية الطعام المتاح من الصيد التقليدي والزراعة.
وعلى الرغم من أن قضية جزر مضيق توريس لم تشكّل سوى القضية البيئية الثانية المرفوعة أمام لجنة حقوق الإنسان بموجب إجراء الشكاوى الفردية، إلا أنها جزءٌ من عدد متزايد من الدعاوى القضائية الوطنية والدولية التي تسعى إلى تحميل الحكومات والشركات المسؤولية عن تقاعسها في مجال المناخ.
ووفقًا لمسرّع التقاضي المناخي في جامعة نيويورك، هناك 200 قضية تقريبًا مرفوعة في هذا الشأن في جميع أنحاء العالم. وتؤدّي مجموعة السوابق القانونية التي يتم تكديسها عبر هذه الحالات، بما في ذلك ما يتعلق بالحق في بيئة صحية، دورًا بارزًا في الجهود المستقبلية الرامية إلى تعزيز المساءلة عن الأضرار البيئية.
وأفاد مدير الفريق المعني بالبيئة التابع لمفوضيّة الأمم المتّحدة السامية لحقوق الإنسان بنجامين شاشتر قائلاً: "قد يشكّل الحق في بيئة صحية قوة موحدة بين القانون الدولي البيئي والقانون الدولي لحقوق الإنسان. وقد ينطوي توجيه العمل البيئي فيتمحور حول الوفاء بالحق في بيئة صحية، على قدرة تحويلية لا سيّما بالنسبة إلى من ساهموا بأقل قدر في أزمة الكوكب الثلاثية، ومعظمهم يكافح أصلاً للتكيّف مع أسوأ آثارها."
الحقوق في مهب الريح
يؤثر تغير المناخ وفقدان التنوع البيولوجي والنظم الإيكولوجية والتلوث على حقوق الإنسان لجميع الناس في أصقاع الأرض كلّها، بما في ذلك الحقوق في الحياة والغذاء والمياه وفي مستوى معيشي لائق وبيئة صحية وفي التنمية والصحة. وتهدّد هذه الأزمات المقترنة بالتنمية غير المستدامة بشكل خطير قدرة الأجيال الحالية والمستقبلية على التمتع بهذه الحقوق التي نصّ عليها أوّلاً الإعلان العالمي لحقوق الإنسان منذ حوالى من 75 عامًا.
والتشرّد من القضايا البارزة في الآونة الأخيرة. فإلى جانب عشرات الملايين الذين شردتهم الحروب والنزاعات والاضطهاد، يمكن اليوم إضافة فئة جديدة ومتنامية من المشرّدين، هم الهاربون من الكوارث المرتبطة بالمناخ. ويشير التقرير العالمي حول النزوح الداخلي الصادر عن مركز رصد النزوح الداخلي إلى أن 30 مليون شخص إضافي تشرّدوا بسبب الكوارث المرتبطة بالمناخ في العام 2020.
وتعتبر الناشطة لي أنّ حرية التنقّل المنصوص عليها في المادة 13 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان تحمل أصداءً خاصة. فهي من أوّل جيل أميركي لمهاجرَين صينيَين.
وأوضحت قائلة: "مع التشدّد المفروض عبر الحدود في جميع أنحاء العالم في ظلّ محاولة المزيد من الأشخاص، سواء أكانوا من اللاجئين أو المهاجرين، عبورها بهدف إيجاد حياة أفضل، غالبًا ما تعاني المجتمعات المحلية أكثر من غيرها، لا سيما النساء والشباب الأشدّ تهميشًا، عواقب ذلك الخطيرة. وعندما يحدث ذلك، يُحرمون من العدالة الاجتماعية ومن حياة أفضل يوفّرها لهم التعليم والرعاية الصحية وفرص العمل. وعندما تفكر البلدان في نفسها حصرًا، يكون من الصعب ممارسة الضغوط من أجل التضامن والاتفاق على معاهدات عالمية مثل اتفاق باريس للمناخ."
حقوق الإنسان والعمل في مجال البيئة
دعمت مفوضيّة الأمم المتّحدة السامية لحقوق الإنسان وبرنامج الأمم المتّحدة البيئي عمل العديد من المدافعين عن حقوق الإنسان البيئية. ففي العام 2019، وقع الكيانان التابعان للأمم المتحدة مذكرة تفاهم ساهمت في إضفاء الطابع الرسمي على تاريخ طويل من التعاون بين ولايتيهما المتكاملتَيْن.
وبموجب مذكرة التفاهم هذه، اتفق الكيانان على مواصلة بذل الجهود من أجل إعمال حق الإنسان في بيئة صحية. كما انضما إلى الجهود المبذولة الرامية إلى توفير حماية أفضل للمدافعين عن حقوق الإنسان البيئية وأسرهم، وتعزيز مشاركة المجتمع المدني الهادفة والمستنيرة في صنع القرارات المتعلّقة بالبيئة.
ويعمل اليوم أكثر من 30 وجودًا ميدانيًا تابعًا لمفوضيّة الأمم المتّحدة السامية لحقوق الإنسان على قضايا تتعلق بالحق في بيئة صحية.
ففي كينيا مثلاً، دعمت مفوضيّة الأمم المتّحدة السامية لحقوق الإنسان المدافعين عن حقوق الإنسان البيئية في كفاحهم المستمر من أجل العدالة والتعويض عن الآثار السلبية لمصهر الرصاص ومصنع إعادة تدوير البطاريات في مجتمع أوينو أوهورو في مومباسا. كما دعمت المفوضية عملية التقاضي الاستراتيجي التي أطلقها المجتمع المحلي، فضلاً عن تعزيز القدرات لإشراك منظومة الأمم المتحدة ومناصرة المجتمع المحلي ومركز العدالة والحوكمة والعمل البيئي.
وأتت النتيجة قرارًا تاريخيًا صدر عن محكمة الأرض والبيئة في تموز/ يوليو 2020، وأمر الحكومة وشركتين بدفع ما يعادل 13 مليون دولار أميركي كتعويض للمجتمع المحلي عن الوفيات والآثار الصحية، والأضرار الناجمة عن تنظيف التربة والمياه والنفايات.
وفي رسالة مفتوحة وجهها مفوّض الأمم المتّحدة السامي لحقوق الإنسان فولكر تورك، قبيل انعقاد مؤتمر الأمم المتحدة المعني بتغير المناخ (مؤتمر الأطراف 27) في مصر، حذر قادة العالم من أن حقنا في الحياة مهدد بسبب عدم كفاية الإجراءات في مواجهة حالة الطوارئ المناخية. ودعا إلى ترسيخ حقوق الإنسان في صميم الجهود المبذولة للتصدي لتغير المناخ.
فقال: "للدول أولاً، ولكن أيضًا للمجتمع المدني والمجتمعات المحلية ووكالات الأمم المتحدة، وباختصار لدينا جميعنا دور نؤدّيه. لدينا خيار واحد وواجب واحد، ألا وهو أن نبادر إلى عمل بشكل عاجل، مع مراعاة حقوق الإنسان باعتبارها بوصلتنا. لن يكون المسعى سهلاً، فإحداث تغيير حقيقي وهادف في حياة الناس لن يتّسم يومًا بالسهولة. ولكن لدينا الأدوات اللازمة لتحقيق مبتغانا. وبإمكان حقوق الإنسان أن ترسم لنا المسار وأن ترشدنا في القرارات التي يتعين اتخاذها."