تعزيز النمو المستدام والشامل في الأعمال التجارية
13 تشرين الأول/أكتوبر 2023
التقى ميغيل أنخيل باربوزا لوبيز، في سياق عمله كمحام في نظام البلدان الأميركية لحقوق الإنسان، ميلكورا سوركو، وهي مزارعة من إسبينار في كوسكو ببيرو.
وكانت سوركو تعاني من مشاكل صحية مُنهِكة بسبب المعادن الثقيلة التي تنتجها منشأة التعدين في بلدتها. كما أنّ أحفادها وبعض أفراد عائلتها عانوا أيضًا المشاكل نفسها. وقد تم تشخيص العديد من الأشخاص الذين يعيشون في جوار شركة المناجم في إسبينار بالعديد من المشاكل الصحية، مثل الالتهاب الرئوي والسرطان.
وأشارت منظمة العفو الدولية أنّ المركز الوطني للصحة المهنية وحماية البيئة من أجل الصحة، وهي وكالة حكومية تقيّم المعادن السامة، أخذ في العام 2013 عينات دم وبول من 180 شخصًا من منطقة إسبينار بهدف رصد وجود 17 معدنًا سامًا. وأكّدت منظمة العفو الدولية، أنّه "تم اكتشاف معدن سام واحد على الأقل في جسم كل شخص تم فحصه، وأنّه لدى 52 شخصًا مستويات أعلى من الحد الأقصى الذي حدّدته منظمة الصحة العالمية."
وأوضح باربوزا قائلاً: "من الضروري للغاية أن يستمع الجميع إلى قصة سوركو وأن يدركوا الألم الدائم الناجم عن التلوث الذي كان من الممكن تجنبه لو أنّ شركة التعدين عبّرت عن قدر أكبر من الاحترام لسكان إسبينار."
تشكّل مؤسّسات الأعمال التجارية مصدرًا أساسيًا للاستثمار والابتكار والتنمية، ومن شأنها أيضًا أن تحفّز تحقيق أهداف التنمية المستدامة. وفي موازاة ذلك، قد يطرح النشاط الاقتصادي مخاطر بارزة تهدّد حقوق الإنسان، بحسب ما أشارت إليه مديرة وحدة الأعمال وحقوق الإنسان التابعة إلى مفوضيّة الأمم المتّحدة السامية لحقوق الإنسان لين ويندلاند.
فقالت: "تصديًا للتحديات الملحة التي تواجه مجتمعنا اليوم، بما في ذلك تفاقم عدم المساواة وأزمة كوكبنا الثلاثية الأبعاد المتمثّلة في تغير المناخ وفقدان التنوع البيولوجي والتلوث، وضرورة تحفيز الجهود الرامية إلى تحقيق أهداف التنمية المستدامة، فإن أكبر مساهمة قد تقدّمها الأعمال التجارية تكمن في الاحترام الكامل لجميع حقوق الإنسان على طول سلاسل القيمة الخاصة بها."
وتحتلّ مفوضيّة الأمم المتّحدة السامية لحقوق الإنسان الطليعة في منظومة الأمم المتحدة في مجال الأعمال التجارية وحقوق الإنسان. وأدّت المفوضية دورًا رائدًا في مساءلة مؤسسات الأعمال عن انتهاكات حقوق الإنسان عندما أعدّت المبادئ التوجيهية للأمم المتحدة بشأن الأعمال التجارية وحقوق الإنسان قبل اثني عشر عامًا. وقد حقّقت المبادئ التوجيهية هذه تقدمًا ملحوظًا غيَّر قواعد اللعبة في مجال الأعمال التجارية واحترام حقوق الإنسان. كما أنّها غير مسبوقة في درجة قبولها ونطاق تأثيرها.
وشدّدت ويندلاند قائلة: "لقد أصبحت المبادئ التوجيهية إطارًا مقبولًا عالميًا يمكن الجميع دعمه من دون أي تردّد."
وغيّرت المبادئ التوجيهية للأمم المتحدة بشأن الأعمال التجارية وحقوق الإنسان التوقّعات بشأن كيفيّة قيام الشركات بأعمالها. فقبل المبادئ التوجيهية، كان مدى تطبيق حقوق الإنسان على الأعمال التجارية موضوعًا مثيرًا للانقسام والاستقطاب. لكن، سرعان ما أصبحت المعيار العالمي للدول والشركات، تستخدمه كدليل عالمي لمنع انتهاكات حقوق الإنسان المرتبطة بالأنشطة التجارية ومعالجتها وتوفير سبل الانتصاف لها.
وقد شدّدت ويندلاند على أن المبادئ التوجيهية للأمم المتحدة، التي أقرها مجلس حقوق الإنسان بالإجماع في العام 2011، توفر لغة مشتركة لجميع أصحاب المصلحة في ما يتعلق بالأدوار المتوقعة من الشركات والدول في مجال حقوق الإنسان. وأصبحت اليوم أكثر المنشورات التي يتم تنزيلها عن موقع مفوضيّة الأمم المتّحدة السامية لحقوق الإنسان. وتعدّ المفوضية السامية لحقوق الإنسان الإرشادات والتوجيهات والدورات التدريبية بغية المساهمة في تنفيذ المبادئ التوجيهية للأمم المتحدة بشأن الأعمال التجارية وحقوق الإنسان من قبل البلدان والأعمال التجارية والمجتمع المدني، ومساندة أصحاب المصلحة الآخرين. وتقوم المفوضية بذلك عن طريق تقديم المشورة وتوفير الأدوات، فضلاً عن بناء القدرات في مجال الأعمال التجارية وحقوق الإنسان لجميع أصحاب المصلحة.
الأعمال التجارية المسؤولة
يدير الفريق المعني بالأعمال التجارية وحقوق الإنسان العديد من المبادرات التي تدعم أولويات ومناطق جغرافية محدّدة، ومنها مشروع السلوك التجاري المسؤول في أميركا اللاتينية ومنطقة البحر الكاريبي، الذي تمّ إعداده بالتعاون مع فريق الأمم المتّحدة العامل المعني بمؤسسات الأعمال وحقوق الإنسان ومنظمة العمل الدولية ومنظمة التعاون والتنمية في الميدان الاقتصادي، وتمويله من قبل الاتحاد الأوروبي.
وفي عامه الرابع، يهدف المشروع إلى تعزيز النمو الذكي والمستدام والشامل في الاتحاد الأوروبي وأميركا اللاتينية ومنطقة البحر الكاريبي من خلال دعم السلوك التجاري المسؤول بما يتماشى مع صكوك الأمم المتحدة ومنظمة العمل الدولية ومنظمة التعاون والتنمية في الميدان الاقتصادي، بما في ذلك المبادئ التوجيهية للأمم المتحدة بشأن الأعمال التجارية وحقوق الإنسان. وقد تمّ تنفيذ المشروع حتّى اليوم في الأرجنتين والبرازيل وشيلي وكولومبيا وكوستاريكا وإكوادور والمكسيك وبنما وبيرو.
أكّدت ممثلة أميركا اللاتينية ومنطقة البحر الكاريبي في الفريق العامل المعني بالأعمال التجارية وحقوق الإنسان، فرناندا هوبنهايم أنّ مشروع السلوك التجاري المسؤول في أميركا اللاتينية ومنطقة البحر الكاريبي أدّى دورًا رائدًا في الترويج للمبادئ التوجيهية للأمم المتحدة بشأن الأعمال التجارية وحقوق الإنسان في المنطقة. وأضافت أنّ المشروع منح المجتمعات المحلية المتنوعة الفرصة للتفاعل مع الحكومات والشركات، بما في ذلك توفير المزيد من فرص المشاركة للنساء.
فقالت: "لا يخلو المشروع بالطبع من العيوب، شأنه شأن أي مبادرة أخرى، لكنني أرى أنه يشكّل التزامًا جادًا وعملًا جادًا. وقد تلقّت جميع القطاعات التدريب وشاركت في مراحل مختلفة من المشروع."
وأوضحت هوبنهايم أن فريق مشروع السلوك التجاري المسؤول في أميركا اللاتينية ومنطقة البحر الكاريبي يدعم أيضًا الحكومات كي تعزّز خطط العمل الرامية إلى تنفيذ المبادئ التوجيهية للأمم المتحدة بشأن الأعمال التجارية وحقوق الإنسان ويشجّع إعدادها.
فقالت: "ينخرط القطاع الخاص أيضًا في المشروع، ويشارك في بناء القدرات وخلق المساحات اللازمة لمواجهة التحديات المتعلّقة بحقوق الإنسان ومناقشتها في سياق أنشطته."
كما أنّ الاتفاق العالمي للأمم المتحدة، وهو من بين أكبر المبادرات في مجال الاستدامة والمسؤولية الاجتماعية للشركات في العالم، ويشارك فيه 13,000 جهة معنية من شركات وأصحاب مصلحة آخرين منتشرين في أكثر من 170 دولة، يدعم هوبنهايم وفريقها في التواصل مع القطاع الخاص والشبكة المحلية التابعة للاتفاق العالمي في أميركا اللاتينية.
وقد أعلنت كبيرة المديرين في الاتفاق العالمي للأمم المتحدة، منطقة أميركا اللاتينية ومنطقة البحر الكاريبي، تيريزا مول دي ألبا قائلة: "ندافع عن الأعمال المسؤولة، وننضم إلى شركات الأعمال في رحلتها نحو الاستدامة. قد تعتبر الشركة هذه العملية من النفقات، لكننا بحاجة إلى تغيير طريقة التفكير هذه وحمل الشركة على اعتبارها استثمارًا حقيقيًا يساهم في بناء شركة مسؤولة وشاملة ومستدامة."
وأوضحت مول دي ألبا أنّ العمل مع مشروع السلوك التجاري المسؤول في أميركا اللاتينية ومنطقة البحر الكاريبي التابع لمفوضيّة الأمم المتّحدة السامية لحقوق الإنسان يساهم في تيسير هذه المسيرة، حيث تقدم المفوضية الدعم والتوجيه الهادفين بشأن كيفية التعاون مع هذه المجتمعات المحلية لضمان احترام حقوق الإنسان وخلق بيئة صحية.
“
أعتبر أنّه على الجميع الارتقاء بقواعد اللعبة، لذا آمل أن ينجح مشروع السلوك التجاري المسؤول في أميركا اللاتينية ومنطقة البحر الكاريبي في توفير منصة لتحقيق هذه الغاية ودعمها.
“
فرناندا هوبنهايم، ممثلة أميركا اللاتينية ومنطقة البحر الكاريبي في الفريق العامل المعني بالأعمال التجارية وحقوق الإنسان
وأوضحت هوبنهايم أنّ الفريق المعني بمشروع السلوك التجاري المسؤول في أميركا اللاتينية ومنطقة البحر الكاريبي عمل أيضًا مع المجتمع المدني والشعوب الأصلية، من خلال حلقات عمل وأشكال أخرى مختلفة من التعاون، بهدف بناء مساحات خاصة تيسّر الالتقاء ضمن شبكة الممارسين.
وفي بيرو، تمكن محامو سوركو من المشاركة في إحدى حلقات العمل هذه بغية اكتشاف المزيد عن الأعمال التجارية وحقوق الإنسان. وساعدوها على إدراك أنّه يمكنها أن ترفع دعوى ضد شركة التعدين، وأن تقدّم القضية إلى لجنة البلدان الأمريكية لحقوق الإنسان (التدابير الوقائية)، وأن ترفع القضية أمام المحاكم المحلية. ويواصل باربوزا تسليط الضوء على هذه القضية على المستوى الدولي.
وختمت هوبنهايم قائلة: "من الممكن أن نلمس كيف أثّر المشروع في المنطقة. وعلى الشركات أن تأخذ هذا الأمر على محمل الجد وأن تقوم بما يلزم من أجل منع الضرر وتوفير سبل الانتصاف. وفي موازاة ذلك، على الدول أن تسرّع الإجراءات وأن تفي بكامل واجباتها لحماية حقوق الإنسان."