الذكاء الاصطناعي يحفظ حقوق الإنسان في صميم أهداف التنمية المستدامة
10 أيّار/مايو 2022
كيف يمكن إدارة كميات تتزايد باستمرار من مبادئ توجيهية خاصة بحقوق الإنسان، بما في ذلك حوالى 180 ألف ملاحظة فردية وتوصية من آليات مفوضيّة الأمم المتّحدة السامية لحقوق الإنسان، وتيسير وصول الجميع إليها، بما في ذلك عامة الناس، والحكومات، والمنظمات غير الحكومية، ووكالات الأمم المتحدة؟ وفي موازاة ذلك، كيف يمكن التأكّد من أنّه للمبادئ التوجيهية هذه أثر حقيقي وإيجابي على حقوق الإنسان في جميع أنحاء العالم؟
من بين الحلول التي اقترحتها مفوضيّة الأمم المتّحدة السامية لحقوق الإنسان، شراكة مبتكرة مع المعهد الدنماركي لحقوق الإنسان ومؤسسة اجتماعية دنماركية تُعرَف بـSpecialisterne أي "المتخصصون"، وهي منظمة تتعاون مع مستشارين يعانون إحدى درجات التوحد ويتمتعون بالمهارات المطلوبة لحل ألغاز البيانات الصعبة والمعقّدة.
تَمَثَّل أحد أهداف مفوضيّة الأمم المتّحدة السامية لحقوق الإنسان، عندما اعتُمِدَت أهداف التنمية المستدامة في العام 2015، في إتاحة المبادئ التوجيهية الخاصة بحقوق الإنسان، كي تسترشد بها السياسات الوطنية اللازمة لتنفيذ أهداف التنمية المستدامة.
والنتيجة اليوم هي أن الفهرس العالمي لحقوق الإنسان، وهو أكبر قاعدة بيانات عالمية لحقوق الإنسان وأكثرها شمولاً للمبادئ التوجيهية الصادرة عن آليات حقوق الإنسان، يتم تشغيله بواسطة الذكاء الاصطناعي، بطريقة تُبرِز الروابط بين حقوق الإنسان وأهداف التنمية المستدامة.
وقبل التوصّل إلى هذا الابتكار، كانت عشرات الآلاف من الملاحظات والتوصيات الخاصة بالاستعراض الدوري الشامل، وهيئات المعاهدات والإجراءات الخاصة تُوسم يدويًا، حيث اعتاد موظفو المفوضية السامية لحقوق الإنسان تخصيص ساعات وأيام وأسابيع وأشهر لتحليل المعلومات وإدخالها.
وفي حين يتم استبدال هذا العمل اليدوي تدريجيًا بالذكاء الاصطناعي، يوضح مدير شعبة آليات مجلس حقوق الإنسان وآليات المعاهدات في مفوضيّة الأمم المتّحدة السامية لحقوق الإنسان، ماهاماني سيسي-غورو، قائلاً: "نتوقع توفير آلاف الساعات من العمل اليدوي، وفي مقابل ذلك، يواصل خبراء حقوق الإنسان تقييم الجودة في كافة المراحل، ما يساهم في تحسين دقة الخوارزمية."
لتيسير الوصول إلى حقوق الإنسان
انطلقت الشراكة بين مفوضيّة الأمم المتّحدة السامية لحقوق الإنسان والمعهد الدنماركي لحقوق الإنسان وSpecialisterne في العام 2017. وقد ضمّت مجموعة كبيرة ومتنوعة من المهارات والمعارف والنهج.
وأعلنت مديرة قسم حقوق الإنسان والتنمية المستدامة في المعهد الدنماركي لحقوق الإنسان بيرجيت فيرينغ قائلة: "نتحدث عن مستوى من المعلومات لا يمكن لأي إنسان أن يستوعبه. فمن خلال التعاون بين هذه المنظمات الثلاث المختلفة للغاية، نسعى إلى تحقيق هدف مشترك أسمى، وهو تيسير وصول أصحاب الحقوق إلى حقوق الإنسان، ومساعدتهم على محاسبة الحكومات."
وتعتبر فيرينغ أن الخوارزمية الجديدة تسهّل على الحكومات تحليل حقوق الإنسان وإعداد البرامج الخاصة بها وتنفيذ التخطيط ذات الصلة. وتقول: "عندما يتعيّن على الحكومات تصميم خطة للتنمية المستدامة، على سبيل المثال، أو للتعافي المستدام من كوفيد-19، يمكنها من خلال بضعة نقرات فقط، أن تكتشف ما هي المشاكل التي تواجه كبار السن في مجال حقوق الإنسان، أو ما هي القضايا المتعلقة بالوصول إلى الرعاية الصحية واللقاحات مثلاً. كما يتم توجيه الحكومات نحو الحلول الممكنة، بحسب ما تنصح به مختلف آليات حقوق الإنسان."
العقل المدبّر للخوارزمية
إنّ من طور الخوارزمية المعروفة بـTextClassify هو الفيزيائي نيلز يورغن كيير. وقد شغل في السابق منصب فيزيائي الطاقة العالية في المنظمة الأوروبية للبحوث النووية، وهو يستخدم حاليًا خبرته في عمله لدى Specialisterne.
ويوضح كيير قائلاً: "الجزء الأكثر تحديًا في الخوارزمية هو جعلها قابلة للتعديل وفقًا لمجموعات كبيرة جدًا من البيانات."
ويؤكّد أن المكون الأساسي هو تطوير خوارزمية فرز سريعة متعددة الأبعاد، تُعرَف بـ"Mahjong". وتقيّيم Mahjong خطوة التحسين المثلى في غضون 10 ميكروثانية، وتجعل عمليّة اختبار ملايين الكلمات ممكنة.
والنتيجة هي التوصّل إلى خوارزمية يؤكّد كيير أنها تستطيع "معالجة ملايين المقتطفات وآلاف الفئات، وتشغيل كل العمليات في غضون ثوانٍ على جهاز كمبيوتر عادي."
العقول الفريدة مفتاح النجاح
تصف Specialisterne نفسها بأنّها "شركة مبتكرة اجتماعيًا" يعاني غالبية موظفوها درجات مختلفة من التوحّد. وقد تأسّست الشركة في العام 2003 بهدف توفير وظائف وظروف عمل أفضل لأصحاب المواهب ذات التنوع العصبي.
ويؤكّد مديرها التنفيذي كارستن لاسن، أنّ المصابين بالتوحد يتوصّلون إلى حلول مبتكرة ويحلّون المشاكل من منظور غير اعتيادي عندما يكونون في بيئة عمل مناسبة.
ويشرح قائلاً: "غالبًا ما أسمع الأشخاص المصابون بالتوحد يردّدون أنّ دماغهم يعمل كخوارزمية، حيث يميل إلى العمل بطريقة ثنائية أكثر من دماغ النمط العصبي: إذا لم يكن صحيحًا تمامًا، فهو خطأ. وهذا هو بالضبط كيف يتم بناء الخوارزميات، وهذا هو أساس البرمجة كلّها."
كيف تعمل الخوارزمية؟
بفضل الخوارزمية الجديدة، أصبح من الممكن استكشاف كيف يمكن المبادئ التوجيهية الخاصة بحقوق الإنسان أن تعزز تنفيذ أهداف التنمية المستدامة بحسب البلد أو الموضوع أو مجموعة الأشخاص المتضررين.
وأصبح الفهرس العالمي لحقوق الإنسان يظهر روابط عملية بين التوصيات الفردية الصادرة عن آليّات مفوضيّة الأمم المتّحدة السامية لحقوق الإنسان والأهداف الـ169 لخطة العام 2030.
ويؤكّد ماهاماني سيسي-غورو من مفوضيّة الأمم المتّحدة السامية لحقوق الإنسان قائلاً: "كان من المهمّ جدًا بالنسبة إلينا أن نستفيد من الابتكارات التي طورها شركاؤنا. ويمكن للتعلم الآلي أن يحسن الفعالية بشكل كبير وأن يمكنّنا من تحليل عمل الآليات في مجال حقوق الإنسان وتعميمه بطرق أكثر سهولة ووضوح."
تابع سيسي-غورو قائلاً: "يشرّفنا أن نشكّل جزءًا من مشروع يُمكِنُنا من خلاله إظهار إمكانات هذه التكنولوجيا لتعزيز العمل في مجال حقوق الإنسان. ويسعدنا على وجه التحديد أنّ الخوارزمية التي نستخدمها قد تم تطويرها بطريقة توفّر درجة عالية من الشفافية وتسمح بإشراف بشري مجدي."
ما هي خططنا للمستقبل؟ أن تواصل مفوضيّة الأمم المتّحدة السامية لحقوق الإنسان توسيع نطاق عملها عبر استخدام الخوارزمية.
ويشرح سيسي-غورو قائلاً: "إنّ التجربة الناجحة لدمج الخوارزمية في الفهرس العالمي لحقوق الإنسان إنجاز بحدّ ذاته. ولا تزال هذه التجربة تلهمنا كي نحلل المبادئ التوجيهية والمعلومات الخاصة بحقوق الإنسان ونطوّرها. ونتطلع إلى توسيع نطاق عملنا مع شركائنا في المستقبل، واضعين مبدأ شمل الجميع من دون أيّ استثناء نصب أعيننا."
تمّ نشر هذه المقالة الإخبارية في الأصل على موقع ohchr.org في 10 آذار/ مارس 2021.