Skip to main content

العنف الجنسي

بلسمة جراح ضحايا العنف الجنسي في جمهورية الكونغو الديمقراطية وتحقيق العدالة لهم

04 نيسان/أبريل 2022

عدد من النساء يشاركن في الاحتفال باليوم العالمي للمرأة في جمهورية كونغو الديمقراطية © بعثة منظمة الأمم المتحدة لتحقيق الاستقرار في جمهورية كونغو الديمقراطية/ ميريام أسماني

يضمّ المجمّع الكبير مبانٍ مطليّة بألوان زاهية. يجلس المرضى الذين ينتظرون دورهم بصمت على مقاعد خشبية موزّعة في ممرات مفتوحة. أمهات وأطفالهنّ الحديثو الولادة وأطفال أكبر سنًا، ومسنات ورجل وحيد سَكوت دائم الشباب، جميعهم مستعدّون لمقابلة المستشارين والطاقم الطبي.

قد يظنّ المرء أن الأشخاص الذين يزورون المجمّع يعانون أمراضًا عادية تعالجها مركز الرعاية الصحية في جميع أنحاء العالم. إلاّ أنّ لهؤلاء المرضى قصة مروعة يروونها.

أخبر الرجل قائلاً: "ذات ليلة، هاجم رجال مجهولو الهوية قريتي. كنت خارج القرية وقتذاك وتمكّنت من الاختباء لكنّني استطعت أن أشاهد ما كان يجري. قتل المهاجمون أطفالي وزوجتي ونهبوا كل ممتلكاتنا. تمكنت من الفرار واللجوء إلى بونيا حيث ساعدني ابني على أطلاق مشروع صغير لصيد الأسماك."

وتابع قائلاً:"التقيت مرّة في بونيا مَن هاجم قريتي، وأنا في طريق العودة من الصيد."

اختطفوني وأخذوني إلى معسكرهم. ثمّ أجبروني على اغتصاب امرأتين، الواحدة تلو الأخرى، ليل نهار. وإن رفضت، هدّدوني وراحوا يضربونني.

قضيت والامرأتَيْن أربعة أيام على هذا النحو، من دون أن نحصل على الكثير من الطعام. ذات يوم، أرسلوني لجلب الماء من الغابة. فتمكنت من الفرار والعودة إلى مخيّم المشرّدين داخليًا في بونيا، حيث أعيش اليوم، وحيث اكتشفتُ عمل منظّمة تضامن النساء من أجل السلام والتنمية الشاملة."

A view of the entrance of SOFEPADI’s Karibuni Wa Mama centre, Bunia, Ituri, DR Congo.

مدخل مركز تضامن النساء من أجل السلام والتنمية الشاملة كاريبونا وا ماما في بونيا في إيتوري بجمهورية الكونغو الديمقراطية. © المفوضية السامية لحقوق الإنسان/ أ. هيدلي

Michelle Bachelet, UN High Commissioner for Human Rights, visits survivors of conflict related sexual violence and staff at SOFEPADI’s Karibuni Wa Mama centre in Bunia, Ituri, DR Congo, 23 January 2020.

مفوضة الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان ميشيل باشيليت، تزور الناجين من العنف الجنسي المرتبط بالنزاع والموظفين في مركز تضامن النساء من أجل السلام والتنمية الشاملة كاريبونا وا ماما في بونيا في إيتوري بجمهورية الكونغو الديمقراطية، في 23 كانون الثانيّ/ يناير 2020. © بعثة منظمة الأمم المتحدة لتحقيق الاستقرار في جمهورية الكونغو الديمقراطية

Michelle Bachelet, UN High Commissioner for Human Rights, visits survivors of conflict related sexual violence and staff at SOFEPADI’s Karibuni Wa Mama centre in Bunia, Ituri, DR Congo, 23 January 2020.

© بعثة منظمة الأمم المتحدة لتحقيق الاستقرار في جمهورية الكونغو الديمقراطية

يسعى العاملون في المركز الطبي Karibuni Wa Mama مرحبًا بكنّ أيتها الأمهات إلى بلسمة الجراح الجسدية والنفسية، بل هم يذهبون أبعد من ذلك في علاج الناجين. وتدير المنظمة غير الحكومية تضامن النساء من أجل السلام والتنمية الشاملة المركز.

وقد أسّست منظّمة تضامن النساء من أجل السلام والتنمية الشاملة 24 امرأة قبل 20 عامًا في بونيا، إيتوري بجمهورية كونغو الديمقراطية. وهدف المنظّمة الأول هو إطلاق حملة من أجل السلام وتمكين المرأة وتعزيز حقوق الإنسان. وسرعان ما افتتحت المنظّمة فرعًا آخر لها في بني شمال كيفو، بهدف المشاركة في مكافحة الإفلات من العقاب على العنف الجنسي في كلا المقاطعتين. وقبل عقد من الزمن، وسّعت أنشطتها من خلال تولي الرعاية الطبية لضحايا العنف الجنسي والجنساني، وهو نشاط اضطلعت به في المنطقة في السابق منظّمة أطباء بلا حدود.

اعتمد العاملون في منظّمة تضامن النساء من أجل السلام والتنمية الشاملة نهجًا شاملاً لمعالجة الناجين. فطبيب يشرف على الزيارات العامة، وعلى توفير العلاج الوقائي بعد التعرّض لفيروس نقص المناعة البشرية وعلى اختبارات الكشف عن الفيروس، وعلى تنظيم الأسرة. وتوفر وحدة أخرى الرعاية النفسية وتعالج صدمات الضحية النفسية وتعيد تأهيلها، بينما تقدم وحدة أخرى تدريبًا مهنيًا للناجين من أجل مساعدتهم كي يصبحوا مستقلين ماليًا.

وقد أعلنت المنسّقة نويلا أليفوا قائلة: "نعمل حاليًا مع المشرّدين داخليًا سبب الوضع القائم في إيتوري. ففي العام 2019، عالجنا 1,305 أشخاص من ضحايا العنف الجنسي، نصفهم من المشرّدين داخليًا."

وأضافت قائلة: "نذهب إلى الميدان بعياداتنا المتنقلة ونعالج المشرّدين حيث انتهى بهم الأمر. ومعظم مرضانا من ضحايا العنف. نعالجهم مجانًا بفضل أموال شركائنا. لكنّ مركزنا لا يدرّ ما يكفي من العائدات للأنشطة الميدانية الأخرى."

في العام 2003، انتهت الحرب الأهلية رسميًا في جمهورية كونغو الديمقراطية، وعلى الرغم من ذلك استمرّت جيوب الصراع في مناطق معينة من البلاد. ففي إيتوري، أدى العنف العرقي الذي اندلع في كانون الأوّل/ ديسمبر 2017، إلى سقوط مئات القتلى، ووقوع انتهاكات خطيرة لحقوق الإنسان، بما في ذلك أعمال العنف الجنسي الوحشية وتشريد نصف مليون شخص في جميع أنحاء إيتوري والمقاطعات المجاورة. كما لجأ حوالى 57,000 شخص إلى أوغندا.

في كانون الثانيّ/ يناير 2020، فصّل تقرير صادر عن مكتب الأمم المتحدة المشترك لحقوق الإنسان في جمهورية كونغو الديمقراطية العنف في إيتوري، مشيرًا إلى أن هذه الانتهاكات قد تشكل "جرائم ضد الإنسانية". وفي أيّار/ مايو، أفاد المكتب أيضًا، في خلال عرضه آخر المستجدّات، بأنّه في الفترة الممتدّة بين 1 تشرين الأوّل/ أكتوبر 2019 و31 أيّار/ مايو 2020، قتل عدد من المسلحين ما لا يقل عن 531 مدنيًا في إيتوري، 375 منهم في آذار/ مارس وحده في ظلّ تصاعد العنف.

تَعتبر منظّمة تضامن النساء من أجل السلام والتنمية الشاملة أنّ انعدام الأمن يشكّل مصدر قلق بارز، لا سيّما بالنسبة إلى عياداتها المتنقلة التي تصل إلى الناجين في المناطق النائية. وتذكر أليفوا كيف نجت إحدى فرقها بأعجوبة من هجوم في ماهاغي، وهي منطقة تقع على بعد 170 كيلومترًا شمال شرق بونيا.

فتقول: "ما يثير قلقنا الشديد في مناطق النزاع هو أن النساء هن الأكثر تضررًا".

Noella Alifua, coordinator of SOFEPADI, says that women are the most affected by conflict related sexual violence in Ituri. ©OHCHR/A. Headley

منسقة منظّمة تضامن النساء من أجل السلام والتنمية الشاملة نويلا أليفوا، تؤكّد أنّ النساء هن الأكثر تضررًا من العنف الجنسي المرتبط بالنزاع في إيتوري. © المفوضية السامية لحقوق الإنسان/ أ. هيدلي.

الخطوات الأولى نحو تحقيق العدالة

أضافت منظّمة تضامن النساء من أجل السلام والتنمية الشاملة مؤخّرًا جانبًا جديدًا إلى أنشطتها، وهو تقديم المساعدة القانونية للناجين وتدريب الجهات الفاعلة في المجتمع المدني على مجموعة القوانين الكونغولية التي تجرم العنف الجنسي، بالإضافة إلى توعية أعضاء السلطة القضائية على قضايا العنف الجنسي والجنساني.

وشدّدت أليفوا قائلة: "هذا الجانب اختياري. فنحن لا نساعد إلاّ من يرغب في تحقيق العدالة. ونغطي جميع التكاليف القانونية من البداية إلى النهاية. وقد تصدر أحكام عن المحاكم، ولكن غالبًا ما لا يملك الجناة القدرة على دفع تعويضات. ما يحبط الضحايا."

لقد رفعت المنظّمة حتى اليوم أكثر من 1,500 قضية ضد جناة مزعومين أمام المحاكم. وأكّدت أليفوا قائلة: "لقد توصّلنا إلى مرحلة إصدار أحكام، لكنّ التعويضات تبقى مشكلة."

فبعد أن أدرك عدد من الأسر أنّ نتائج القضايا لم تكن دائمًا مناسبة، فضّلت التسوية مع الجناة خارج المحكمة.

Gloria Malolo is a Human Rights Officer with the UN Joint Human Rights Office in Bunia. ©OHCHR/A. Headley

غلوريا مالولو مسؤولة عن حقوق الإنسان في مكتب الأمم المتّحدة المشترك لحقوق الإنسان في بونيا. © المفوضية السامية لحقوق الإنسان/ أ. هيدلي.

وتعتبر الموظفة لشؤون حقوق الإنسان في المكتب المشترك لحقوق الإنسان في بونيا غلوريا مالولو من جهتها، أنّ التعويضات تزرع أوّلاً في نفوس الضحايا إحساسًا بالارتياح، لأنّ الضرر الذي تعرّضوا له قد تم جبره، ولكنها تعزز أيضًا ثقة السكان في نظام العدالة.

فقالت: "هذا هو نضال مكتب حقوق الإنسان المشترك، فإن أخبرَتْك الضحية أنه ما من مصلحة لديها في الذهاب إلى المحكمة لأنّها متأكّدة من أن الضرّر الذي ألحق بها لن يُجبَر، تتأكّد منذ البداية أن الضحية ليست مهتمة برفع دعوة.

ما يمثّل عقبة في نظام كامل من شأنه أن يعوّض على الضحية كل ما فقدته معنويًا وجسديًا، فتشعر أنّها حصلت على تعويض عمّا عانته."

في بونيا، يقدّم مكتب حقوق الإنسان المشترك الدعم للسلطة القضائية في مكافحة العنف الجنسي من خلال توفير الأموال لدعم التحقيقات القضائية والمحاكم المتنقلة، وتوفير الحماية للضحايا والشهود حتى يتمكنوا من المشاركة في الإجراءات بكلّ أمان.

ولا ينتهي دعم المكتب على مستوى مكافحة الإفلات من العقاب عند إصدار الأحكام، بل هو يشجّع أيضًا المحاكم والجهات الفاعلة المعنيّة على اتباع جميع سبل الانتصاف القانونية الممكنة الأخرى عندما يكون الجناة عاجزين عن دفع تعويضات مالية.

وفي سياق النضال ضد الإفلات من العقاب، يلجأ الضحايا الذين يرغبون في التماس العدالة إلى منظّمة تضامن النساء من أجل السلام والتنمية الشاملة، باعتبارها من بين نقاط الانطلاق الأولى للمسيرة نحو تحقيق العدالة. فبهدف الكشف عن الحقيقة، يقوم العاملون في المركز الطبّي Karibuni Wa Mama بجمع التفاصيل الطبية لتعزيز القضايا المرفوعة أمام المحاكم.

وأكّدت مالولو قائلة: "تبدأ المسيرة في منظّمة تضامن النساء من أجل السلام والتنمية الشاملة، حيث يسرد الضحايا تفاصيل محنتهم ويقدّمون العناصر التي تسمح للمنظّمة ببدء معالجتهم كمرضى. وعندما يصل الضحايا حاملين آثار إصاباتهم، تسلّمهم المنظّمة التقارير الطبية اللازمة، وتلتقط الصور بهدف استخدامها كأدلة في الكشف عن الحقيقة.

وستستخدم المحكمة العسكرية أو المدنية هذه العناصر لكشف الحقيقة، لأن القضاة لن يستمعوا إلى الضحايا إلاّ بعد مرور أشهر على الأحداث.

ستختفي الآثار لا محالة حتى آثار الاغتصاب، وستلتئم الجراح. ولكنّ العناصر التي تجمعها منظّمة تضامن النساء من أجل السلام والتنمية الشاملة منذ الاتصال الأول، تسمح للقاضي باكتشاف ما حدث فعلاً."

تمّ نشر هذه المقالة الإخبارية في الأصل على موقع ohchr.org في 30 تموز/ يوليو 2020.

الصفحة متوفرة باللغة: