Skip to main content

العالمية، التنوع الثقافي والحقوق الثقافية

24 تشرين الأول/أكتوبر 2018

منذ سبعين عاماً، أكد الإعلان العالمي لحقوق الإنسان على ما يلي: "يولد جميع الناس أحراراً ومتساوين في الكرامة والحقوق"، جاعلاً الطابع العالمي حجر الأساس للمنظومة القانونية الخاصة بحقوق الإنسان. وشدَّد الإعلان على أن لكلِّ إنسان، أينما وجد، حقُّ التمتُّع بالمساواة في مجال حقوق الإنسان بغض النظر عن العمر أو الجنس أو الدين أو الأصل الوطني أو الاجتماعي أو أيِّ وضع آخر.

وأصبح الإعلان العالمي بحدِّ ذاته أحد أهم روائع التراث الثقافي غير المادي المبتكرة في القرن العشرين، وبالتالي جزءاً من الميراث الثقافي لكل البشر. وأكدت مقررة الأمم المتحدة الخاصة في مجال الحقوق الثقافية، كريمة بنون، أن هذه الوثيقة التأسيسية الرامية إلى تعزيز وحماية حقوق الإنسان تتطلب حماية حذرة. وقالت "لا يزال فهم التنوع الثقافي يحصل بطريقة خاطئة تتعارض مع الطابع العالمي للحقوق، بما في ذلك من قبل بعض الحكومات وغيرها من الجهات الفاعلة التي تسيء استخدام هذا التنوع كحجة لارتكاب انتهاكات بحق حقوق الإنسان العالمية التي تتضمن التمتع به صراحة، ومن قبل آخرين يعترضون على المفهوم بأسره".

وبالنسبة إلى بنون، بالرغم من أن الطابع العالمي للحقوق شكَّل أداة حاسمة لعدد لا يُحصى من المدافعين والمؤيدين لحقوق الإنسان والأشخاص العاديين من خلفيات متنوعة حول العالم، إلا أنه تعرض للمزيد من الهجوم من قبل الأشخاص الأشد نفوذاً الذين يسعون إلى تدمير أداة استُخدمت لمعالجة السلطة التمييزية. تضيف بنون أنه ليس من قبيل الصدفة أن الخطاب المتعلق بالطابع العالمي للحقوق يتردد صداه بقوة مع الأشخاص الأكثر عرضة للتمييز والتهميش.

وفي آخر تقرير قدمته إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة، أشارت الخبيرة إلى أن بعض الحكومات كانت تنظم حملات ضد الطابع العالمي للحقوق على المستوى الدولي، واصفةً كيف تمَّ، على سبيل المثال، إساءة استخدام مفهوم "الحرية الدينية" بأساليب تنتهك المعايير التي تحكم حرية الدين أو المعتقد. كذلك، قوَّضت أشكال مختلفة من النسبية الطابع العالمي لحقوق الإنسان. فقد رفضت بعض الدول الاعتراف بكامل فئات الحقوق، مثل الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية أو سعت إلى إنكار هذه الحقوق لفئات كاملة من الناس.

وتشعر بنون بالأسف لقيام بعض الدول والمنظمات بنشر أحاديث باطلة خطيرة بشأن الإعلان العالمي نابذة إياه كمفهوم آتٍ من الغرب. ومنذ سبعين عاماً، ساهم المدافعون عن حقوق المرأة، فضلاً عن الناشطين المناهضين للاستعمار والعنصرية من حول العالم، في نقاشات تتعلق بتصور مفهوم الإعلان العالمي وجعله وثيقة عالمية حقيقية.

وتضرب بنون مثالاً بمجلس حقوق الإنسان لجمهورية إيران الإسلامية الذي يشنُّ "بعنف"، كما هو مذكور على صفحة الويب الخاصة به، حملات ضد المعايير العالمية على المستوى الدولي. إذ يرد على صفحة الويب لهذه الهيئة الرسمية ما يلي: "تنبغي الإشارة إلى أن النصوص المعنية بحقوق الإنسان، المصاغة في الغرب، مفروضة على شعوب أخرى من خلال وسائل مختلفة. وهذا الهجوم الواسع النطاق... يذهب إلى أبعد من هذا الحد وصولاً إلى إنكار الحريات الفردية والاجتماعية لشعوب أخرى في العالم، في حين أن شعوب العالم الفخورة التي تعتمد على قيمها الأصلية والإقليمية، وتتكل على التنوع الثقافي تحارب هذه الآلية الغربية".                         

كما تصف بنون ما مؤداه أن اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة هي اتفاقية حقوق الإنسان التي تتعرض لمعظم التحفظات، وهي تقول إن العديد من هذه التحفظات قائمة على أعذار ثقافية نسبية مرفوضة لعدم تنفيذها المساواة بالنسبة إلى المرأة، كمثال مقلق عن النسبية. تقول "يشكل الاحتفاظ بحق التمييز على أساس الحجج الدينية والثقافية المزعومة عند المصادقة على اتفاقية ما يرمي هدفها الأساسي إلى حظر التمييز انتهاكاً واضحاً للطابع العالمي للحقوق وينبغي ألا يكون له مفعول قانوني".

كما تشير الخبيرة إلى أن احترام التنوع الثقافي في السنوات الأخيرة تعرض للتهديد أيضاً في كل منطقة من مناطق العالم على يد الأشخاص الذين يسعون إلى فرض هويات وطرق وجود متجانسة، والأشخاص الذين يؤيدون أشكالاً مختلفة من التسلط والتمييز، وعدد متنوع من الشعبويين والمتعصبين والمتطرفين. وتستذكر الخبيرة الإدماج القسري الذي تمَّ فرضه تاريخياً على الشعوب الأصلية والأقليات والشعوب التي تعيش تحت نير الاستعمار والازدارء الذي جرى التعامل به مع مواردها الثقافية في أغلب الأحيان.

وقالت "يتعلق الطابع العالمي للحقوق بالكرامة الإنسانية وليس التجانس. لكن ينبغي أن نعترف أيضاً بتنوع الاختلافات، ليس بين بل ضمن كل مجموعات البشر، وبواقع أن النساء والأقليات والمفكرين الأحرار والأشخاص المستهدفين بسبب ميلهم الجنسي أو هويتهم الجنسانية من بين أشخاص آخرين تعرضوا ظلماً أيضاً للهيمنة والانتهاك ضمن المجموعات". 

وترى بنون أن كل هذه الهجمات تكشف ضرورة الدفاع عن الطابع العالمي للحقوق وتعزيزه من أجل جعل حقوق الإنسان، بما في ذلك الحقوق الثقافية، واقعاً لكل إنسان، في كل مكان. وتُعتبر المبادرات المحلية المتخذة في هذا الاتجاه مشجعة: ففي موريتانيا، سعى طلاب إلى جمع وتحليل أمثلة للتعبير عن حقوق الإنسان بلغاتهم وتقاليدهم المحلية بهدف ربط القيم العالمية بتجاربهم الخاصة. تقول "إن الطابع العالمي للحقوق مشروع إنساني عالمي ومستمر وبات جزءاً من ثقافات عالمية"، داعية لإقامة آليات للحماية من الهجمات وعمليات تحريض على الكراهية يرتكبها أشخاص يقررون مخالفة معايير ثقافية أو دينية معينة.

وتشدِّد بنون أيضاً على أن التنوع الثقافي هو شرط ضروري ونتيجة لممارسة كل إنسان لحقوقه الثقافية. وهو يتضمن كل أشكال التنوع الإنساني، بالإضافة إلى تنوع أساليب التعبير والموارد الثقافية. وقالت "يعزز الطابع العالمي للحقوق بشكل كبير حياة جميع البشر في كل مكان ويدعم المساواة والكرامة والحقوق، بما في ذلك الحقوق الثقافية، وسيستمر في القيام بذلك في هذا القرن الحادي والعشرين وما بعده، إذا ما نُفِّذ وعُزِّز وجُدِّد بالكامل".

24 تشرين الأول/أكتوبر 2018

الصفحة متوفرة باللغة: