البيانات المفوضية السامية لحقوق الإنسان
خطاب مفوض الأمم المتحدة السامي لحقوق الإنسان زيد رعد الحسين في ختام مهمته إلى غواتيمالا
زيارة غواتيمالا
20 تشرين الثاني/نوفمبر 2017
19 تشرين الثاني/نوفمبر 2017
أودُّ أن أتوجه بالشكر إلى غواتيمالا حكومة وشعباً بمنحهم إلي فرصة زيارة بلدهم المدهش والمتنوع. ولا يسعني إلا أن أقدِّر الدعم المستمر لمكتب الأمم المتحدة لحقوق الإنسان في غواتيمالا، القائم فيها منذ عام 2005، بما في ذلك إعادة تجديد الولاية للمكتب أخيراً. وأشعر بالامتنان أيضاً لجهوزية الحكومة للمشاركة في كل الآليات المعنية بحقوق الإنسان، التابعة منها للأمم المتحدة وتلك الإقليمية.
لقد تمكنت خلال زيارتي من الاجتماع بشخصيات رفيعة المستوى تنتمي إلى الشُعب الثلاث من الحكومة، بما في ذلك الرئيس جيمي موراليس ورئيس الكونغرس والأعضاء في المحكمة الدستورية ورئيس اللجنة الرئاسية للتنسيق في مجال حقوق الإنسان ورئيس محكمة العدل العليا وأيضاً أمين المظالم. بالإضافة إلى ذلك، عقدت اجتماعات مع بعض ممثلي المجتمع المدني وبعض الزعماء والجماعات من الشعوب الأصلية، بما في ذلك النساء، فضلاً عن عدد من رجال الأعمال والقضاة والصحافيين والضحايا وسواهم من الوكالات التابعة للأمم المتحدة.
تأثرت بشدة عندما التقيت إحدى أمهات الضحايا الذين لاقوا حتفهم في حريق شبَّ في آذار/مارس في مركز رعاية للأطفال تديره الحكومة، باسم "الدار الآمنة لسيدة الانتقال" (Virgin de la Asuncion Safe Home) أو "الدار الآمنة" (Hogar Seguro). وتسبب هذا الحريق المروع بمقتل 41 فتاة وجرح 11 أخريات، إذ كنَّ محتجزات في أحد الصفوف وغير قادرات على الهرب. لقد أخبرتني الأم أنها لم تتلق من السلطات أي جواب وأي زيارة وحتى أي اتصال هاتفي، بل مجرد نعش كي تدفن ابنتها البالغة من العمر 14 عاماً. وإن الإهمال الواضح لضحايا هذا المركز وأسرهم من قبل الحكومة وغياب الدعم النفسي والاقتصادي والقانوني لهم أمر مثير للقلق بشدة.
تلخِّص هذه المأساة أيضاً ما قاله لي العديد من الأشخاص خلال زيارتي، بما مفاده أن هناك واقعان قائمان في غواتيمالا. فبالنسبة إلى أقلية صغيرة، تشكل غواتيمالا دولة فعالة وعصرية تتركز فيها القوة الاقتصادية والسياسية؛ أما بالنسبة إلى باقي السكان، خصوصاً النساء والشعوب الأصلية والمنحدرون من أصل أفريقي والمهاجرون والأشخاص ذوي الإعاقة، فإنها دولة واجهوا على أرضها حياة مليئة بالتمييز والتهميش والمفاعيل الضارة للفساد والإفلات من العقاب. وتعكس الإحصائيات هذا الواقع المر، إذ يعيش 60 بالمئة من سكان غواتيمالا في فقر مطلق و23 بالمئة في فقر مدقع؛ ويعاني 46.5 بالمئة من الأطفال الذين تقل أعمارهم عن خمس سنوات سوء التغذية المزمن، ما لا يضر بصحتهم الجسدية فحسب بل أيضاً بفرصهم للبقاء أحياء؛ ويجهل أكثر من 20 بالمئة من السكان القراءة أو الكتابة وترتفع هذه النسبة إلى 43 بالمئة لدى النساء من الشعوب الأصلية. ولا تخصص الدولة سوى 3.15 بالمئة من ناتجها الإجمالي المحلي لقطاع الصحة، في دولة ترتفع فيها الأمراض المزمنة أكثر فأكثر، بما في ذلك الإصابات بفيروس نقص المناعة البشرية، والتي ازدادت بنسبة 167 بالمئة منذ عام 2010.
تشير هذه الأرقام الصارخة، وأحياناً الصادمة، إلى أن التزام بالحكومة بتحقيق أهداف خطة التنمية المستدامة لعام 2030، كما أكد لي الرئيس خلال لقائنا، يواجه تحديات رئيسية، ولن يتحول إلى واقع ملموس من دون القيام باستثمار مكثف، لا سيما في المجتمعات الأهلية التي تجاهلتها الدولة أو أهملتها لمدة طويلة. وفي عام 2012، عندما قامت المفوضة السامية السابقة نافي بيلاي بزيارة غواتيمالا، أشارت إلى أن الدولة كانت تقف عند مفترقات طرق، إذ واجهت الخيار بين المضي قدماً بالإصلاحات الضرورية من أجل إرساء دولة عصرية ديمقراطية، قائمة على سيادة القانون وموجهة على أساس مبادىء حقوق الإنسان أو البقاء على النظام البالي غير العادل الذي يستفيد فيه قلة على حساب الغالبية. بعد مضي خمس سنوات اليوم، تبيَّن لي أن غواتيمالا تلكأت عند مفترقات الطرق هذه، إنما المخاطر حتى أعلى. فالخيارات الخاطئة تنذر حالياً بإعادة الدولة سنوات إلى الوراء وقد تتوقف عملية التغيير التي بدأها المجتمع المدني المؤثر والفاعل لغواتيمالا.
لهذا السبب، يعتبر تعيين المدعي العام المقبل في أيار/مايو 2018 مهماً جداً. وتتابع المدعية العامة الحالية تيلما ألدانا قضايا بالغة الأهمية تتعلق بالتجاوزات والانتهاكات التي ارتُكبت خلال الحرب الأهلية التي طالت البلاد لفترة طويلة. كما كشف مكتبها، بالتعاون مع اللجنة الدولية لمناهضة الإفلات من العقاب في غواتيمالا برئاسة إيفان فيلاسكيز، عن شبكات إجرامية وشبكات فساد يتورط فيها عدد من المسؤولين الذين ينتمون إلى كل الشُعب الثلاث للدولة، فضلاً عن رجال أعمال. وكان عمل هذا المكتب حاسماً لإحراز تقدم في التحقيقات والمحاكمات الخاصة بقضايا الفساد البالغة الأهمية.
بناءً على ذلك، من الضروري أن تتصف عملية اختيار المدعي العام المقبل بالشفافية. لكن هذا الأمر وحده لا يكفي. إذ يجب أن يؤخذ السجل الحافل للمرشحين بالاعتبار كلياً كجزء من الجهود المبذولة لضمان استقلالية مكتب المدعي العام وسوف أتابع التطورات في ما يتعلق بهذا الأمر عن كثب في الشهور المقبلة.
كما أودُّ أن أعبِّر إلى جانب مكتبي عن دعمنا الكامل لأمين المظالم المعني بحقوق الإنسان، والذي يعتبر دوره حاسماً في ضمان وحماية وتعزيز حقوق الإنسان والشرعية الدستورية.
يوم الأحد، قمت بزيارة مدينة سولالا التي تبعد حوالى 140 كيلومتراً عن مدينة غواتيمالا بهدف عقد اجتماع عام مع سلطات المايا والزينكا وغاريفونا ومنظمات الشعوب الأصلية، بما في ذلك النساء من الشعوب الأصلية والمنظمات الشبابية، من مختلف أنحاء البلاد. لقد حظيت باستقبال مدهش ومؤثر، فيما كانت التصريحات التي بلغتني من الجميع مليئة بالألم والإحباط والغضب إزاء الحال المستمر من التمييز والاستبعاد. وشدَّد الممثلون في هذا الحدث على كيفية عدم اعتراضهم على التنمية، إنما على الأشخاص الذين يستغلون أراضيهم تحت حجة التنمية. في هذا السياق، أكدوا لي بشدة أن السلطات أو الشركات لم تكن تسعى إلى الحصول على موافقتهم الحرة والمسبقة والمستنيرة ولا منحهم هذا الحق.
أحث دولة غواتيمالا على ضمان أن تتمتع الشعوب الأصلية بحقوقها كاملة وعلى الحفاظ على التزامها بضمان أن تتم استشارة هذه الشعوب بالكامل وأن تتمكن من المشاركة في أي قرار من شأنه أن يضر بها. في هذا السياق، أشعر بالقلق بشأن مناقشة مشروع قانون يتعلق باستشارة الشعوب الأصلية والذي لا يتوافق مع المعايير الدولية لحقوق الإنسان ولا يلقى دعماً من جماعات الشعوب الأصلية لغواتيمالا. كما أشعر ببالغ القلق من أن عمليات الإجلاء القسري للشعوب الأصلية، والتي لا تتوافق مع معايير حقوق الإنسان، قد أدَّت إلى المزيد من الانتهاكات المتعددة للحقوق. وتعتبر النساء والأطفال الأكثر عرضة عندما تقوم قوات الأمن، سواء العامة أو الخاصة، بالتحرك لإبعادهم من منازلهم. ويشكل الأمر بالنسبة إلى بعض الجماعات تكراراً مراً لعمليات الإجلاء والتهجير الداخلي الذي واجهته خلال النزاع المسلح.
خلال الاجتماعات التي عقدتها مع جماعات مختلفة من القطاع الخاص، دعوت هذه الجماعات إلى اتخاذ التدابير الضرورية لضمان ألا تضر النشاطات المرتبطة باستغلال الموارد الطبيعية سلباً بالحقوق الإنسانية والبيئية وأنها تمارس اتخاذ الحيطة الواجبة في كل أعمالها، بما يتوافق مع مبادىء الأمم المتحدة التوجيهية بشأن الأعمال التجارية. وفي الاجتماعات التي عقدتها مع عدد من رجال الأعمال، كان من المشجع أن أسمع أن إحدى الجماعات تبرز تحديداً كمدافعة عن حقوق الإنسان لكل مواطني غواتيمالا. لقد انتابني القلق إذ بلغني أن بعض القضاة المعنيين بعدد من القضايا البالغة الأهمية يواجهون تهديدات وحملات تشهير ومضايقات. ومن واجب الدولة أن تحمي قضاتها وتضمن أنهم قادرون على القيام بعملهم. وإذا كان لا بدَّ من تحقيق كامل لحقوق الإنسان لكل المواطنين في غواتيمالا، فيجب أن يكون القضاة قادرين على العمل من دون أي ضغط لا مبرر له – وإن مكتبي سوف يستمر في رصد هذا الأمر بعناية.
كذلك، نحن نرصد التقارير بشأن الهجمات على الصحافيين، وهي هجمات أجدها مثيرة جداً للقلق. لقد تمكنت من لقاء جماعة من الصحافيين، الذين أجرى العديد منهم تحقيقات في قضايا تتعلق بالفساد، تحديداً على المستوى المحلي. وأبلغوني بالتفصيل بالتهديدات التي واجهوها، بما في ذلك عبر وسائل التواصل الاجتماعي. كما أشعر ببالغ القلق بشأن كيفية الضرر الذي يتسبب به العنف في المجتمع في غواتيمالا، والذي لا يتبدى فحسب في العدد المرتفع لحالات الوفاة بفعل العنف بين صفوف الشباب خصوصاً، بل في ترسخ العنف القائم على الجنس والجنسانية بحق النساء والفتيات. ومن واجب الدولة التحرك من أجل منع وقوع الجرائم العنيفة ومقاضاة مرتكبيها.
وأطلقت خلال زيارتي حملة "أحرار ومتساوون" في غواتيمالا بهدف زيادة التوعية في أنحاء البلاد حول ضرورة الدفاع عن حقوق المثليات والمثليين ومزدوجي الميل الجنسي ومغايري الهوية الجنسانية وحاملي صفات الجنسين. وتشجعت جداً كيف أن الحركات الاجتماعية التي جمعت على مدى العامين الماضيين العديد من قطاعات المجتمع في غواتيمالا برزت للوقوف في وجه الفساد والإفلات من العقاب الحاصلين في الماضي والحاضر. وبالرغم من أن غواتيمالا تواجه العديد من المشاكل العميقة، إلا أن هذه الحركات الاجتماعية تبعث بارقة أمل في أن الدولة تستطيع أن تتخطى التحديات الكثيرة التي تلوح أمامها. وإنني أدعم إلى جانب مكتبي بالكامل الجهود التي يبذلها شعب غواتيمالا فيما يعمل على تغيير مجتمعه. وأحث الحكومة، من جهتها، على الوفاء بالتزاماتها في مجال حقوق الإنسان وعلى العمل مع كل الجماعات والسكان وعلى لعب دورها الفاعل في جعل عدم التمييز والمساواة حقيقة ملموسة لجميع مواطني غواتيمالا.
انتهى
في جنيف: ليز ثروسيل +41 22 917 9466 / +41 79 752 0488 /
ethrossell@ohchr.org
في غواتيمالا: إستيلا موراليس (502) 5632-2261 /
emorales@ohchr.org
هل تشعر بالقلق إزاء العالم الذي نعيش فيه؟ إذاً قم اليوم ودافع عن حق إنسان استخدم هاشتاغ #Standup4humanrights وقم بزيارة صفحة الويب على العنوان التالي http://www.standup4humanrights.org
تابعونا وشاركوا أخبارنا على تويتر @UNHumanRights وفايسبوك unitednationshumanrights