Skip to main content

يشير مصطلح الاتجار بالأشخاص عادةً إلى تعريض الأفراد لأوضاع استغلالية أو إبقائهم فيها من أجل تحقيق مكاسب اقتصادية. ويمكن إرجاع الجهود الدولية الرامية إلى التصدي للإتجار بالأشخاص إلى القرن التاسع عشر. غير أنّه لم يتمّ إعداد إطار قانوني شامل لمعالجة هذه القضية سوى خلال العقدين الماضيين.

اعتماد بروتوكول بارز في العام 2000

شكّل تبنّي بروتوكول منع وقمع ومعاقبة الاتجار بالأشخاص، وبخاصة النساء والأطفال، المكمّل لاتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الجريمة المنظمة عبر الوطنية في العام 2000 إنجازًا بارزًا ساهم في توفير التعريف الأول المتفق عليه دوليًا "للاتجار بالأشخاص" وهو: "تجنيد أشخاص أو نقلهم أو تنقيلهم أو إيواؤهم أو استقبالهم بواسطة التهديد بالقوة أو استعمالها أو غير ذلك من أشكال القسر أو الاختطاف أو الاحتيال أو الخداع أو استغلال السلطة أو استغلال حالة استضعاف، أو بإعطاء أو تلقي مبالغ مالية أو مزايا لنيل موافقة شخص له سيطرة على شخص آخر لغرض الاستغلال. ويشمل الاستغلال، كحدّ أدنى، استغلال دعارة الغير أو سائر أشكال الاستغلال الجنسي، أو السخرة أو الخدمة قسرًا، أو الاسترقاق أو الممارسات الشبيهة بالرق، أو الاستعباد أو نزع الأعضاء."

ملايين الأشخاص لا يزالون يتعرّضون للإتجار سنويًا

على الرغم من اعتماد إطار قانوني شامل ودولي، يستمرّ الاتجار بالملايين من الأطفال والنساء والرجال سنويًا في المناطق كافة وفي معظم بلدان العالم. وقد يتمّ الإتجار بالضحايا ضمن البلد نفسه أو عبر الحدود لغايات عديدة، منها العمل القسري والاستغلالي في المصانع والمزارع والأسر المعيشية الخاصة، والاستغلال الجنسي والزواج القسري ونزع الأعضاء.

ويصعب قياس هذه الظاهرة نظرًا إلى طبيعة الإتجار السريّة. فبحسب التقديرات العالمية لمؤسسة لنمشِ أحرارًا ومنظمة العمل الدولية، تعرّض 25 مليون شخص في مختلف أنحاء العالم للعمل القسري والاستغلال الجنسي خلال العام 2016.

كما بيّن التقرير العالمي الصادر عن مكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة (2020) أنّ النساء والفتيات لا يزلن يتأثّرن أكثر من غيرهنّ بالإتجار بالأشخاص: ففي العام 2018، وقعت حوالى خمس نساء بالغات وفتاتان ضحية الإتجار من بين كلّ عشرة ضحايا تم اكتشافهم على المستوى العالمي. ويوضح التقرير ما يلي:

  • حوالى ثلث إجمالي الضحايا المكتشفين هم من الأطفال، من فتيات وفتيان على حد سواء، و20 في المائة من الضحايا المكتشفين من الرجال البالغين.
  • تم الاتجار بمعظم الضحايا (50 في المائة منهم) لغرض الاستغلال الجنسي، بينما تم الاتجار بنسبة 38 في المائة منهم لأغراض العمل القسري.
  • في ما يتعلّق بأنواع الاستغلال المختلفة، بيّن التقرير ما يلي: 
    - بالنسبة إلى الفتيات: تمّ الإتجار بـ72 في المائة منهنّ لغرض الاستغلال الجنسي، و21 في المائة لغرض العمل القسري، و7 في المائة لأشكال الاستغلال الأخرى
    - بالنسبة إلى الفتيان: تمّ الإتجار بـ23 في المائة منهم لغرض الاستغلال الجنسي، و66 في المائة لغرض العمل القسري، و11 في المائة لأشكال الاستغلال الأخرى
    - بالنسبة إلى النساء: تمّ الإتجار بـ77 في المائة منهنّ لغرض الاستغلال الجنسي، و14 في المائة لغرض العمل القسري، و9 في المائة لأشكال الاستغلال الأخرى
    - بالنسبة إلى الرجال: تمّ الإتجار بـ17 في المائة منهم لغرض الاستغلال الجنسي، و67 في المائة لغرض العمل القسري، و1 في المائة لغرض نزع الأعضاء و15 في المائة لأشكال الاستغلال الأخرى

العوامل التي تعرّض الأشخاص للإتجار

على الرغم من أنّ معلوماتنا بشأن الاتجار بالأشخاص لا تزال غير كاملة، من المعترف به على نطاق واسع أنّ عددًا من العوامل يجعل فردًا أو فئة اجتماعية أو مجتمعًا محليًا أكثر عرضة لمخاطر الاتجار والاستغلال المرتبط به. ويُعتبر التمييز من حيث الحرمان من الحقوق الاقتصادية والاجتماعية من العوامل الأساسية التي تجعل بعض الأشخاص أشد عرضة من غيرهم لخطر الاتجار. فالتمييز والفقر يؤدّيان إلى خيارات حياتية أقلّ وأسوأ، ومن الممكن أن يدفعان ببعض الأفراد إلى تعريض أنفسهم للخطر واتخاذ قرارات لم يكونوا ليتخذوها يومًا لو تمّت تلبية احتياجاتهم الأساسية. وقد يؤدّي الافتقار إلى الخيار الحقيقي بدوره إلى تفاقم ضعف بعض الفئات المحدّدة، على غرار الأقليّات والمهاجرين والنساء والفتيات. وبالإضافة إلى الحرمان الاقتصادي وحالات عدم المساواة، يُعدّ التمييز على أساس النوع الاجتماعي والأصل العرقي من العوامل البارزة التي قد تحدّ من الخيارات الحياتية وتجعل بعض الأشخاص والمجتمعات المحلية أكثر عرضة للاتجار. وفي السنوات الأخيرة، ازدهر الاتجار أيضًا بين السكان الذين يعيشون في حالات النزاع أو يهربون منها.

إنّ الروابط بين حقوق الإنسان والإتجار بالأشخاص متعدّدة. فحقوق الإنسان عالمية وبالتالي يحقّ لضحايا الاتجار التمتّع بالمجموعة الكاملة من هذه الحقوق بغض النظر عن نوعهم الاجتماعي أو سنّهم أو أصلهم العرقي أو الإثني أو جنسيّتهم أو وضعهم من الهجرة أو أيّ نوع آخر من التمييز. كما أنّ القانون الدولي لحقوق الإنسان يقرّ بأنّ بعض الفئات المحدّدة مثل النساء والأطفال، تستلزم حماية إضافية أو خاصة.

انتهاكات حقوق الإنسان في سياق دورة الإتجار بالأشخاص

يكتسي مختلف حقوق الإنسان أهمية في المراحل المختلفة من دورة الاتجار. فبعضها مرتبط بشكل خاص بأسباب الاتجار، حيث يؤدّي انتهاك أحد حقوق الإنسان، مثل انتهاك الحقّ في مستوى معيشي لائق، إلى ازدياد إمكانية تعرّض أحد الاشخاص لخطر الاتجار. والبعض الآخر مرتبط بعملية الاتجار بحدّ ذاتها. ففي الواقع، يشكّل الاتجار والممارسات المرتبطة به، على غرار الرق والاستغلال الجنسي وعمالة الاطفال والعمل القسري وعبودية الدَين والزواج القسري، انتهاكات لحقوق الإنسان الأساسية، وهي محظورة بموجب القانون الدولي لحقوق الإنسان. وأخيرًا، ترتبط بعض حقوق الإنسان بالاستجابة للاتجار، مثل الحقّ في اللجوء إلى القضاء والحقّ في الحصول على سبيل انتصاف فعّال، والحقّ في محاكمة عادلة.

ضرورة اعتماد نهج قائم على حقوق الإنسان

في حين أن الرابط بين حقوق الإنسان والاتجار بالبشر يبدو واضحًا إلى حدّ ما، فإنّه لا يشير بالضرورة إلى أنّ حقوق الإنسان ستكون في صميم الاستجابات لحالات الاتجار.

فالنهج القائم على حقوق الإنسان يضع الضحية في صميم أيّ عمل فعّال وموثوق. كما يعمد إلى توسيع نطاق التركيز وصولًا إلى الأسباب الجذرية التي يقوم عليها الاتجار بالأشخاص، وتحافظ على إفلات مرتكبي جرائم الاتجار من العقاب، وتحرم الضحايا من العدالة، على غرار أنماط التمييز والتوزيع غير العادل للسلطة والطلب على السلع والخدمات المستمدة من الاستغلال وتواطؤ القطاع العام.

كما يقرّ النهج القائم على حقوق الإنسان بأنّ الحكومات تتحمّل مسؤولية حماية وتعزيز حقوق جميع الأشخاص داخل ولايتها القضائية، بما في ذلك غير المواطنين، وبالتالي لديها التزام قانوني بالعمل على القضاء على الاتجار بالأشخاص وحالات الاستغلال المرتبطة به.

الصفحة متوفرة باللغة: