معاهدة جديدة لتدوين الحقّ في التنمية
11 أيّار/مايو 2023
أعلن رئيس ومقرر الفريق العامل الحكومي الدولي المعني بالحق في التنمية زامير أكرم قائلاً: "ما لم تأتِ التنمية عادلةً ضمن المجتمع الواحد، لن يتمتّع أفراد هذا المجتمع حقًا بفوائد حقوق الإنسان الأخرى."
ويعتبر أكرم، وهو سفير سابق وممثل دائم سابق لباكستان لدى الأمم المتحدة في جنيف، أنّ هذه "التنمية المنصفة" تندرج ضمن إطار الحق في التنمية. وقد رأى هذا المفهوم النور مع إنهاء الاستعمار وانطلاق النضال من أجل العدالة العالمية، وهو مكرس في إعلان الأمم المتحدة لعام 1986 للحق في التنمية.
وقد حدّد الإعلان الحقّ في التنمية "كحقّ من حقوق الإنسان غير قابل للتصرف وبموجبه يحق لكل إنسان ولجميع الشعوب المشاركة والإسهام في تحقيق تنمية اقتصادية واجتماعية وثقافية وسياسية والتمتع بهذه التنمية التي يمكن فيها إعمال جميع حقوق الإنسان والحريات الأساسية إعمالًا تامًا."
إلاّ أنّ رئيس قسم الحق في التنمية في مفوضيّة الأمم المتّحدة السامية لحقوق الإنسان أيوش بات إرديني أكّد قائلاً: "بقي الإعلان ضعيفًا منذ اعتماده، وفي موازاة ذلك شهد الجدل السياسي تصاعدًا مؤسفًا. وظلّت المناقشات بين الدول الأعضاء صعبة، بل وصلت إلى طريق مسدود في مرحلة ما. ولم يبلغ الحق في التنمية حتّى كامل إمكاناته التحويلية، لذا فإن العديد من الدول الأعضاء في بلدان الجنوب ومنظمات المجتمع المدني تؤيد ضرورة اعتماد صك ملزم قانونًا."
وقد استغرق الأمر أكثر من 30 عامًا من الجدل للوصول أخيرًا إلى اختراق في هذا المجال. وتحقّق ذلك في أيلول/ سبتمبر 2018، عندما اعتمد مجلس حقوق الإنسان القرار 39/9، ودعا فيه إلى صياغة معاهدة ملزمة قانونًا بشأن الحق في التنمية. وأوشكت هذه المناقشات على بلوغ خواتمها بعد أن أصبحت مسودة المعاهدة النهائية في متناول اليد.
المسيرة نحو اعتماد معاهدة
وُلِدَت فكرة إبرام معاهدة ملزمة قانونًا بشأن الحق في التنمية خلال مؤتمر القمة لحركة بلدان عدم الانحياز المنعقد في العام 1998 في ديربان بجنوب أفريقيا، بقيادة الرئيس نيلسون مانديلا آنذاك. ووصفت الوثيقة الختامية للقمة الاتفاقية النهائية بأنها "خطوة بارزة نحو إعمال الحق في التنمية."
لكنّ عشرين عامًا ستفصل بين تلك الوثيقة الأولية وطلب مجلس حقوق الإنسان في العام 2018 صياغة الاتفاقية، إلاّ أنّ الأمور تحركت بعد ذلك بسرعة. فرأت أوّل مسودّة عن الاتفاقية بشأن الحق في التنمية النور في كانون الثاني/ يناير 2020، ومن المتوقع أن تَختَتِم دورة الفريق العامل الحكومي الدولي المعني بالحق في التنمية في أيار/ مايو 2023 مناقشاتها بتقديم الرئيس والمقرر نصًا نهائيًا إلى الدورة الـ54 لمجلس حقوق الإنسان المنعقد في أيلول/ سبتمبر. ويتعين على مجلس حقوق الإنسان بعد ذلك أن يقرر ما إذا كان سيحيل النصّ إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك للمناقشة، مزوّدًا الوثيقة بمنصة متعددة الأطراف أوسع نطاقًا ومانحًا إياها زخمًا سياسيًا. وفي حال اعتمدتها الجمعية العامة للأمم المتحدة، يتعين على 20 بلدًا التصديق عليها كي تدخل حيز التنفيذ.
لا يشكّل نقل المفاوضات من جنيف إلى نيويورك سابقة فريدة من نوعها: فالمناقشات بشأن الإعلان التي جرت في العام 1986، نُقلت أيضًا إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة من لجنة حقوق الإنسان عندما فشل فريق عامل مكون من 15 خبيرًا حكوميًا على مدى تسعة اجتماعات عُقِدَت في غضون أربع سنوات، في الاتفاق على نص موحّد.
وأكّد رئيس فريق الخبراء المعني بإعداد صك ملزم قانونًا بشأن الحق في التنمية ميهير كانادي أنّ صياغة الاتفاقية واجهت العديد من العقبات، لكنّه تم تخطيها جميعها عبر "عملية تشاورية وشفافة وتشاركية للغاية." ومن بين العقبات التي وصفها الاختلاف السياسي بين دول الشمال ودول الجنوب حول ما إذا كان ينبغي إعمال الحق في التنمية من خلال صكوك قانونية غير ملزم أو من خلال معاهدة دولية، بالإضافة إلى الخلافات حول محتوى المعاهدة الدقيق.
وبرزت أيضًا مخاوف بشأن مواءمة لغة المعاهدة مع النص الحالي المتفق عليه، لكن السفير أكرم أكّد أنه تتم معالجتها جميعها.
فقال: "لقد بذلتُ جهودًا حثيثة في العمل مع الخبراء القانونيين لضمان أن تستند هذه الاتفاقية إلى لغة دولية متفق عليها بتوافق الآراء. ولن يبرز أي تناقض بين الحقوق والالتزامات بموجب هذه الاتفاقية وغيرها من الحقوق والالتزامات التي سبق وقبل بها المجتمع الدولي."
اتّفاقية تغيّر قواعد اللعبة
تتصدى المعاهدة المقترحة لمسائل كثيرة منها مراعاة السيادة على حساب الموارد الطبيعية، وتقرير المصير، وتكافؤ الفرص.
وقد شدّد بات إردين من مفوضيّة الأمم المتّحدة السامية لحقوق الإنسان قائلاً: "الأهم من ذلك كلّه هو مبادئ المشاركة بغية تعزيز الحيّز المدني والتقاسم العادل لفوائد التنمية بهدف معالجة عدم المساواة. وإعلان العام 1986 هو الوثيقة الوحيدة في مجال حقوق الإنسان التي تجمع بين السلام والأمن والتنمية وحقوق الإنسان، أمّا مشروع الاتفاقية فيستند إلى هذا الإعلان بالذات. كما توضح الاتفاقية مسؤوليات الدول الأعضاء، وتسمح للناس العاديين بالمطالبة بحقوقهم."
أما المدير التنفيذي لمجموعة المناصرة والبحوث التابعة لشبكة العالم الثالث ومقرها في ماليزيا، تشي يوك لينغ فختم قائلاً: "نشهد اليوم اعترافًا أكثر شيوعًا بوجود أوجه عدم مساواة واختلال نظمية ومترسّخة، لا سيما على مستوى النظام الاقتصادي الدولي. ويأخذنا الحق في التنمية إلى صميم هذه المشاكل النظمية. وهو يحاسب، بحدّه الأدنى، جميع الجهات الفاعلة المختلفة. ومن شأنه أيضًا أن يسلط الضوء على أوجه عدم المساواة القائمة."