"المرأة، الحياة، الحرية!" ناشطة تتابع نضالها من أجل حقوق المرأة
29 تشرين الثاني/نوفمبر 2022
مهناز باراكاند محامية وناشطة من إيران. وهي تدافع عن حقوق المرأة منذ فترة طويلة، وقد تم اعتقالها والحكم عليها بالإعدام لمشاركتها في مظاهرات سياسية في العام 1981 عندما كانت لا تزال طالبة. وفي مرحلة لاحقة، تم تخفيف عقوبتها إلى السَجن. ولم تنتهِ مآسيها مع السلطات عند هذا الحدّ، إذ مُنعت لفترة طويلة بعد تخرجها من الحصول على ترخيص لمزاولة مهنة المحاماة. وما إن حصّلت شهادتها حتّى انضمت إلى مركز المدافعين عن حقوق الإنسان في إيران. وبعد أن واجهت خطر الإعدام مرة جديدة، غادرت البلاد وهي تعيش اليوم في النرويج، حيث تواصل العمل كناشطة تدافع عن حقوق المرأة.
لمناسبة اليوم العالمي للمدافعات عن حقوق الإنسان، طرحنا على مهناز بعض الأسئلة كي تكشف لنا كيف تدافع عن حقوق الإنسان.
س: أخبرينا عن تجربتك كامرأة نشأت في إيران.
ج: شعرت بالتمييز في كلّ خليّة من خلايا جسمي. لقد نشأت في طهران في أسرة فقيرة وفي مجتمع ذكوري يحكم بكلّ سهولة على الفتيات والنساء الناشطات اجتماعيًا واقتصاديًا ويرفضهن. ولم يرغب أبي في أن أكمل دراستي الجامعية على الرغم من شعوره بالفخر بقدراتي، خوفًا من الأحكام التي سيطلقها جيراننا وكلّ من حولنا. لكنّه في مقابل ذلك شجع أخي الأكبر على مواصلة تحصيله العلمي. وعلى الرغم من أن والدي لم يمنعني من متابعة تعليمي الجامعي، إلا أنني رأيت خيبة الأمل في عينيه، ما أغضبني وأشعرني بالذنب في آن واحد. فلمست حينها لمس اليد عدم المساواة والتمييز والأحكام غير العادلة من المجتمع ضد المرأة. وقررت أن أبدأ النضال من أجل حقوق الإنسان التي أتمتّع بها أنا داخل عائلتي أوّلاً، والتواصل مع والدي وأخي كي ألفت انتباههما إلى الوضع غير العادل للمرأة. ولطالما دعمتني أمّي. وفي العام 1978، عندما تم قبولي في كلية الحقوق بجامعة طهران، لم يكن سوى 20 في المائة فقط من الطلاب من النساء.
س: أخبرينا عن اعتقالك والحكم عليك بالإعدام.
ج: عندما كنت في الـ22 من عمري، تم اعتقالي لمشاركتي في مظاهرات سياسية. فسُجنت برفقة مئات النساء الأخريات. ومنذ لحظة دخولي السجن، تعرضت للتعذيب وانهالوا علي بالضرب بالهراوات وأعقاب البنادق على جميع أعضاء جسدي، كما ضربوني بالكابلات الكهربائية على باطن قدمي، ما جعلني غير قادرة على انتعال حذائي والمشي. واستمرت فترة التحقيق ثلاثة أشهر. وقد عذبوني طوال تلك الفترة. وأخذوني إلى ’قاضٍ‘ لم يمنحني أي فرصة للدفاع عن نفسي. ثمّ أعلن قائلاً: "حكمك هو الإعدام." حوكمت وحُكم عليّ بالإعدام بسرعة فائقة وبكلّ بساطة. يمكن وصف التعذيب بشتّى العبارات، لكن اسمحوا لي أن أقول إنه كان مؤلمًا للغاية ولا يُحتَمَل لدرجة أنني شعرت بالارتياح عندما سمعت أنّه حكم علي بالإعدام. أدركت تمامًا أن حياتي ستنتهي، لكن على الأقل لن أتعرض للتعذيب بعد ذلك، وهذه الحقيقة زرعت السلام في قلبي.
س: متى أدركت أنّه من الضروري للغاية الدفاع عن حقوق الآخرين؟ ما كان حافزك ودافعك؟
ج: خلال فترة سجني وتعذيبي، وعدت نفسي بأنني، في حال خرجت من السجن على قيد الحياة، سأحصل على ترخيص لمزاولة مهنة المحاماة وأدافع عن حقوق السجناء والنشطاء السياسيين. وهكذا فعلت. فأصبحت عضوًا في لجنة المرأة والطفل ولجنة المحامين المعاونين التابعة لمركز المدافعين عن حقوق الإنسان. وكتبتُ كتابًا بعنوان ’حقوق المرأة بلغة بسيطة‘، يشرح الحقوق والتمييز الوارد في القوانين الإيرانية باستخدام مفردات بسيطة، ويمكن استخدامه للوصول إلى النساء الأقل تعليمًا في المجتمع. كما أعددت كتيبًا صغيرًا بعنوان "حقوق المتهمين بلغة بسيطة" وكتبت كتابًا آخر بعنوان "حقوق السجناء" وهو عبارة عن مجموعة من القوانين والأنظمة التي تحكم حقوق المحتجزين والسجناء بلغة مبسطة وتحليلية. وأحاول اليوم، من خلال نشر المقالات والتحدث في المؤتمرات والجامعات، إذكاء الوعي بالتمييز النظمي ضد المرأة في إيران.
س: لقد حكم عليك بالإعدام وتمّ اعتقالك وسجنك وأجبرت على مغادرة بلدك. ومع ذلك، ما زلت تناضلين من أجل حقوق المرأة في إيران. ما الذي يدفعك على مواصلة النضال على الرغم من كل التحديات والمخاطر؟
ج: أعاني عندما أرى آخرين يعانون التمييز بقدر ما يعانونه هم. تقع على عاتقنا مسؤولية تمهيد الطريق أمام الاعتراف بإنسانية جميع البشر، بغض النظر عن جنسهم أو ميلهم الجنسي أو معتقداتهم أو عرقهم، وما إلى ذلك، وأمام احترام جميع البشر وحقوق الإنسان. ولا أعتبر أنّ النضال من أجل حقوق الإنسان والعدالة واجب بل أعتبره جزءًا لا يتجزّأ من هويتي.
س: ما هو وضع حقوق المرأة في إيران اليوم؟
ج: وضع حقوق المرأة في إيران اليوم مأساوي. فبعد الثورة الإسلامية، فُرِضَت قيود جديدة صارمة ومهينة في موازاة القوانين التمييزية القائمة أصلاً. وأمسى الحجاب إلزاميًا للمرأة. كما تم اعتماد قوانين تمييزية في مجالات الزواج والميراث وقانون الأسرة وحضانة الأطفال والمواطنة. كما مُنعت النساء من دخول الملاعب وركوب الدراجات الهوائية والنارية وممارسة بعض الألعاب الرياضية.
س: تحظى الاحتجاجات في إيران حاليًا باهتمام عالمي. ما رأيك فيها؟
ج: بعد سنوات طويلة من التمييز واعتقال جينا مهسا أميني ومقتلها وهي في عهدة ’شرطة الآداب‘، انفجرت الإيرانيات غضبًا. وقد أدرك تمامًا جميع النساء والرجال الذين يسيرون جنبًا إلى جنب ويصرخون من أجل حياة حرة للنساء، أنّ المرأة هي الحياة وأن الحياة ليست مجرّد البقاء على قيد الحياة بل هي العيش بحرية. نحن بحاجة إلى تحويل شعار ’المرأة، الحياة، الحرية‘ إلى حقيقة واقعة في إيران وجميع أنحاء العالم.
س: ما هو المستقبل الذي تودين أن تعيشه الأجيال المقبلة من الإيرانيات؟
ج: أود أن أرى مستقبلاً يعترف بالإيرانيات كبشر يتمتعن بحقوق الإنسان وحقوق المواطنة، وبمكانة راسخة في المجتمع، بدلاً من أن يُنظر إليهن على أنهن أدوات لتلبية رغبات الرجال الجنسية وإنجاب الأطفال.
س: هل تعتبرين نفسك مدافعة عن حقوق الإنسان؟ لماذا؟
ج: نعم، أعتبر نفسي مدافعة عن حقوق الإنسان لأنني أرى أن كل الناس يتمتّعون بالحقوق نفسها، وأحترم حقوق الإنسان للجميع. لا يمكنني أبدًا أن أتسامح مع انتهاك حقوق الإنسان لأي شخص كان.
س: هل من رسالة أخيرة؟
ج: لقد دافعت النساء والفتيات الإيرانيات عن حقوقهن في وجه عدم المساواة والقمع، ولديهن مزايا وقدرات كبرى. وعلى الرغم من كل القيود المفروضة، تَمَكَنَّ من تشكيل أكثر من 60 في المائة من طلاب الجامعات. كما يتفوّقن في العديد من الألعاب الرياضية. والكثير منهنّ من المحامين والأطباء والأدباء والشعراء، ويشكّلن قدوة للأجيال الشابة. وعلى الرغم من اعتقال العديد من النساء والفتيات وتعذيبهن لمناهضتهن التمييز، لم تخضع النساء والفتيات الإيرانيات للقمع والاضطهاد.
تأتي هذه المقالة ضمن سلسلة من المقالات المتفرقة عن المدافعين عن حقوق الإنسان، تُعرَف بسلسلة أبطال حقوق الإنسان، وهي تَعرض قصص منظّمات وأفراد يدافعون عن حقوق الإنسان. ولا تعكس الآراء المعبر عنها في هذه المقالة بالضرورة موقف مفوضيّة الأمم المتّحدة السامية لحقوق الإنسان وآراءها.