ضحايا جمهورية الكونغو الديمقراطية على قاب قوسين من تحقيق العدالة بدعم من باحثي الأدلّة الجنائية
04 تشرين الثاني/نوفمبر 2022
رسمت البقع على الجدران صورة مروعة.
وأشار كبير المفتشين القضائيين في مكتب المدعي العام العسكري (Auditorat Militaire Supérieur) في مقاطعة كاساي الغربية السابقة بجمهورية الكونغو الديمقراطية، المقدّم ميشيل نغالامولوم كادوغو قائلاً: "هذه دماء. وهنا يمكننا أن نرى ثقوب الرصاص وآثار الأسلحة الثقيلة."
وكان المقدّم ميشيل في مهمة ميدانية في نغانزا، في منطقة كاساي بجمهورية الكونغو الديمقراطية، مع فريق الأمم المتّحدة لتقديم المساعدة التقنية إلى كاساي في مجال الأدلة الجنائيّة، والتحقيق في مقبرة جماعية مشتبه في وجودها. وفي الطريق، توقفوا في مكان يُعتَقَد أنّه منزل لبدء طقوس تقليدية، يُعرف أيضًا باسم ’تشيوتا‘ (ويعني الأسرة الموسّعة بلغة تشيلوبا المحلية).
ومنذ تمديد ولاية فريق المساعدة التقنية، قدم الفريق دعمًا مماثلًا للسلطات القضائية في قضايا بارزة أخرى في مقاطعات مختلفة، بما في ذلك منطقة كونغو الوسطى وكيفو الجنوبية وكيفو الشمالية.
بالإضافة إلى ذلك، طُلب من فريق المساعدة التقنية المساهمة في القضايا الأخرى التي تنطوي على ادعاءات بالإعدام خارج نطاق القضاء والتعذيب والعنف الجنسي والجنساني، فضلاً عن تحليل الأدلة الجنائية والأثر الجسدي والنفسي والاجتماعي.
تفويض بالتحقيق في انتهاكات وتجاوزات جسيمة لحقوق الإنسان
في آذار/ مارس 2017، أعرب مجلس حقوق الإنسان عن قلقه حيال أزمة حقوق الإنسان في كاساي الكبرى، وعن ضرورة تقديم مرتكبي الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان إلى العدالة. ومن الانتهاكات التي ارتكبت في المنطقة مجازر بحقّ مدنيين دفنوا في العديد من المقابر الجماعية. وقد وثقت الأمم المتحدة 80 مقبرة على الأقل منها، وبالكاد تمّت محاسبة الجناة، كما أدّت إلى تشرّد جماعي للسكان.
وفي حزيران/ يونيو من العام نفسه، أنشأ المجلس فريق المساعدة التقنية الذي أُرسِل إلى كانانغا، في كاساي الوسطى، مع تفويض محدّد بتقديم المساعدة والخدمات الاستشارية إلى المدعي العام العسكري في مقاطعات كاساي. كما دعم الفريق تحقيقات المدعي العام العسكري في مزاعم الانتهاكات والتجاوزات الجسيمة المرتكبة في المحافظة.
وفي تشرين الأوّل/ أكتوبر 2021، تم توسيع نطاق الولاية لتغطي كامل الأراضي الوطنية لجمهورية الكونغو الديمقراطية. وهناك حاليًا مجموعة من ستة خبراء في الأدلة الجنائية في كينشاسا (لمعالجة الحالات من المنطقة الغربية) وفي غوما (لمعالجة الحالات من المنطقة الشرقية). ويضم الفريق أيضًا خبيرًا في مجال العنف الجنسي، وخبيرًا في حماية الشهود والضحايا وخبيرًا في نظم المعلومات الجغرافية.كما يتم تقديم هذه المساعدة في سياق الدعم الأوسع نطاقًا الذي تقدمه المفوضية السامية لحقوق الإنسان للحكومة على مستوى مبادرات العدالة الانتقالية الوطنية.
وقد أعلن المنسق السابق لفريق المساعدة التقنية أشيل تييم قائلاً: "لقد شاركنا حتّى اليوم ببعثتَيْن. فأتى فريق الأدلة الجنائية الأول إلى هنا لأخذ عينات الدم. وفي ذلك الوقت، كانت الدماء لا تزال جديدة تمامًا." وتييم مسؤول أيضًا عن حماية الضحايا والشهود.
استكشاف مقبرة جماعية محتملة
وقد اشتبه الفريق في أن ’تشيوتا‘ قد استُخدمت كمكان للاحتجاز والإعدام بإجراءات موجزة، لكنه لم يقم بالمزيد من التحقيقات لتأكيد ذلك. إلاّ أنّ المدعي العسكري أراد تأكيد مزاعم العائدين الذين فروا إلى أنغولا المجاورة أثناء المجازر.
وأخبر أحد الشهود، الذي كان يرشد الفريق أثناء زيارته قائلاً: "قضينا ثلاثة أشهر في الأدغال قبل أن نعود. وقد ناشد رئيس البلدية من فرّ بالعودة."
وخلال إحدى الزيارات الأولى للقرية، تمّ إبلاغ فريق التحقيق باحتمال وجود مقبرة جماعية بالقرب من ’تشيوتا‘. وتحت أشجار الخيزران في الوادي، عُثِر على جمجمتين بشريتين وخلال الزيارة الأخيرة، قال أحد الشهود على المجزرة إن ميليشيا كاموينا نسابو تخلصت من بعض جثث الضحايا المدنيين فرمتهم في الوادي المذكور.
سنوات من الصراع ضدّ الحكومة في كاساي
تدهورت الأوضاع في منطقة كاساي بشكل كبير خلال العام 2016، عقب الصراع على الزعامة بين الحكومة المركزية في كينشاسا وأنصار نظام القيادة التقليدية. وفي نيسان/ أبريل 2016، أدى رفض السلطات المركزية الاعتراف بجان بيير مباندي، المعروف باسم كاموينا نسابو، كرئيس بالوراثة لزعامة باجيلا كاسانغا في وسط كاساي، وقرار استبداله برئيس تعينه الحكومة، إلى تمرد كاموينا نسابو.
كان كاموينا نسابو قد أصدر تعليماته إلى الحكام التقليديين الآخرين للانضمام إليه في ثورته ضد جميع رموز الدولة، وأمر بأن تُرسِل إليه كل قرية مجموعات من الشباب لتدريبهم وإنشاء ميليشيا من شأنها أن تتخذ إجراءات تهدف إلى زعزعة استقرار الحكومة.
ولكنّ مقتل كاموينا نسابو في 12 آب/ أغسطس 2016 على يد جنود من القوات المسلحة لجمهورية الكونغو الديمقراطية أثناء العمليات التي شنتها لقمع التمرد، شكّل نقطة تحوّل في الأزمة.
وأفاد مكتب الأمم المتحدة المشترك لحقوق الإنسان في جمهورية الكونغو الديمقراطية بارتكاب ميليشيا كاموينا نسابو انتهاكات خطيرة في سياق التمرد، فضلاً عن انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان ارتكبها القوّات الحكوميّة، ولا سيما جنود القوات المسلحة لجمهورية الكونغو الديمقراطية، أثناء عملياتها ضدّ الميليشيات. ومنذ آب/ أغسطس 2016، تسبب الصراع في سقوط آلاف الضحايا، من بينهم خبيران من الأمم المتحدة أُعدما بإجراءات موجزة وسط كاساي أثناء تحقيقهما في الانتهاكات في آذار/ مارس 2017.
الدقّة ضرورة حتمية
أوضح الطبيب الشرعي السابق في فريق المساعدة التقنية بيير بيريش قائلاً: "علينا أن نتفهّم أن الناس قد لا يتذكرون بوضوح مكان المقابر. ففي تشيسوكو مثلاً، تبيّن خلال تدخلنا الأخير، أن العديد من الأماكن التي حفرنا فيها فارغة، لكننا وجدنا لاحقًا جثثًا مدفونة على بعد ثلاثة أو أربعة أمتار فقط. وغالبًا ما تكون الشهادات متضاربة، كما أنّ الحوادث المذكورة وقعت قبل ثلاث سنوات على الأقل."
في بداية التحقيقات، كان السياق معقدًا للغاية، أما اليوم فقد أصبح فريق المساعدة التقنية يدرك بشكل أفضل الديناميكيات المختلفة للعملية الثقافية والاجتماعية وطرق إدراك الموت.
وقد نجح الفريق في العثور على مسار شديد الانحدار قادهم إلى اكتشافهم الرهيب. فعندما نظر المقدّم ميشيل إلى الأراضي، لاحظ أنّ المطر تساقط عليها بغزارة منذ زيارته الأخيرة. وتجرّأ أحد الشهود على القول إنّ الجثث قد تمّ نقلها لربّما إلى مثوى آخر. وشدّد بيريش من جديد على أهمية الدقة.
فقال: "نود أن نستكشف قعر الوادي ونرى ما فيه، لأننا نصرّ على أن تأتي نتائجنا شاملة. لكنّ المشكلة تكمن في الغطاء النباتي والوقت، الوقت الذي مضى."
وأضاف قائلاً: "ما نحتاج إليه اليوم هو محاولة الاستكشاف ومعرفة ما إذا كان هناك أي بقايا لأنّ الموقع ليس مقبرة عادية بل جماعية، أيّ هو مكان يتم فيه التخلّص من الجثث. وقد تحلّلت هذه الجثث بسرعة لأنها تُركت خارج الأرض، ومع هطول الأمطار والتضاريس، سقط الكثير منها إلى قعر الوادي. ومن الضروري للغاية أن نؤكّد هذه النظريّة."
أمل يلوح في الأفق
يُعْتَبَر العمل الجنائي الذي قام به فريق المساعدة التقنية لدعم تحقيقات السلطات القضائية، ولا سيما عملية استخراج الجثث من المقابر الجماعية، الأول من نوعه في جمهورية الكونغو الديمقراطية. وثبت أنه ضروري للغاية نظرًا إلى النقص في الخبرة في هذا المجال في جمهورية الكونغو الديمقراطية.
وأكّد تييم قائلاً: "يركز العمل أكثر على قضايا بارزة لأننا لا نستطيع أن نوثّق جميع الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان التي ارتُكِبَت في جمهورية الكونغو الديمقراطية. واستنادًا إلى خطورة الانتهاكات والجرائم الأساسيّة المرتكبة، فإن القضاء العسكري، بالشراكة مع مكتب الأمم المتحدة المشترك لحقوق الإنسان، يحدّد أولويات التحقيق. ولكن بشكل عام، قد يستغرق عمل فريق المساعدة التقنيّة هنا عدة سنوات."
وأضاف قائلاً: "نأمل أن توفّر الأدلّة الجنائيّة الأدلة التي تحتاج إليها السلطات لإجراء التحقيقات اللازمة."
وأعرب تييم عن رغبته في أن تؤدي جميع التحقيقات القضائية التي يدعمها الفريق إلى محاكمة، لا سيما من خلال المحاكم المتنقلة، التي ستحمل أثرًا تعليميًا وقيمة إعلامية للسكان الذين عانوا في المنطقة، بما أنّهم سيشهدون على تحقيق العدالة بأمّ العين.
وختم قائلاً: "يجب أيضًا القيام بأنشطة دعوية للتعويض على الضحايا."