Skip to main content

أوكرانيا

أوكرانيا: وراء الأرقام

26 نيسان/أبريل 2022

موظّفتان لشؤون الإنسان في مفوضيّة الأمم المتّحدة السامية لحقوق الإنسان تزوران مجمعًا رياضيًا في أوكرانيا. © مايكل فوستيك/ المفوضية السامية لحقوق الإنسان

"من الصعب أن أتذكّر متى تعرّضتُ تحديدًا لارتجاج دماغي. ففي ظلّ القصف والقذائف، تعيش دوّمةً لامتناهية تبقى فيها الأيام والتواريخ ضبابية"، على حدّ ما قاله رجل فر لتوه من خاركيف شرق أوكرانيا.

جلست ناتاليا* على الأرض في المجمع الرياضي في أوزهورود، غرب أوكرانيا، تصغي إلى قصة هذا الرجل، وإلى قصّة العديد من الأشخاص الآخرين المشرّدين داخليًا. وناتاليا من الموظّفين لشؤون حقوق الإنسان في بعثة رصد حقوق الإنسان في أوكرانيا.

ومن وظائفها الأساسية حاليًا جمع المعلومات من مصدرها الأوّلي، بشأن مزاعم انتهاكات حقوق الإنسان الدولية وانتهاكات القانون الإنساني الناتجة عن الاعتداء المسلح الذي شنه الاتحاد الروسي على أوكرانيا. وهي تتحدث إلى الناس في الميدان، وتصغي إلى قصصهم وتوثّق ما حدث معهم أو مع أحبائهم. راحت تبحث في المجمع الرياضي، عن معلومات قد تساهم في التحقق من الحوادث التي يتعرّض لها الضحايا المدنيّون في جميع أنحاء البلاد.

وأخبرت قائلة: "فقد بعض الأشخاص الذين تحدثت إليهم أقاربهم وأصدقائهم. وفقد البعض الآخر كل ما يملك، فأمسى من دون أيّ مكان يقصده."

وعلى الرغم من أن الأمر صعب في بعض الأحيان، أدرك تمامًا أن عملنا ضروري، فنحن نوثّق الحقيقة حول الأحداث التي جرت، كي يتمكن الناس من تحقيق العدالة في المستقبل.

ناتاليا*، موظّفة لشؤون حقوق الإنسان، أوكرانيا

ليس جمع شهادات الضحايا والشهود سوى جانب واحد فحسب من أعمال الرصد التي تقوم بها بعثة رصد حقوق الإنسان في أوكرانيا. ولكنّه يشكّل خطوة أساسية، بما أنّه يوفّر مصدرًا موثوقًا فيه للمعلومات التي تم التحقق منها بشأن انتهاكات حقوق الإنسان، بما في ذلك الخسائر في صفوف المدنيين التي تسجلها البعثة في أوكرانيا منذ العام 2014.

استخدام البيانات بهدف "توضيح ما جرى"

من أجل تحقيق هذه الغاية، يقوم الموّظفون لشؤون حقوق الإنسان باستشارة مجموعة واسعة من المصادر.

ويزورون المكان حيث وقع الحادث، عندما يكون ذلك ممكنًا، ويقابلون الضحايا والشهود. وعندما يستحيل على البعثة زيارة موقع الحادث، تعتمد على شبكة واسعة من جهات الاتصال والشركاء الموثوق فيهم، التي أسّستها على مدار السنوات الثماني التي عملت خلالها في أوكرانيا. كما يقصد الموظفون لشؤون حقوق الإنسان مواقع مختلفة لزيارة مراكز المشرّدين داخليًا، تمامًا كما فعلت ناتاليا في أوزهورود.

Internally displaced persons in a sport complex “Yunist”, Uzhhorod, western Ukraine.  © Michael Fostik/OHCHR

مشردون داخليًا يعيشون في المجمع الرياضي "يونيست" في أوزهورود غرب أوكرانيا. © مايكل فوستيك/ المفوضية السامية لحقوق الإنسان

UN Human Rights officers visit a sport complex “Yunist” in Uzhhorod, which currently hosts internally displaced persons from areas affected by the armed attack of the Russian Federation on Ukraine.  ©Michael Fostik/OHCHR

موظّفو مفوضيّة الأمم المتّحدة السامية لحقوق الإنسان يزورون المجمع الرياضي "يونيست" في أوزهورود، الذي يستضيف حاليًا المشرّدين داخليًا من المناطق المتضررة من الاعتداء المسلّح الروسي على أوكرانيا. © مايكل فوستيك/ المفوضية السامية لحقوق الإنسان

Five improvised graves with crosses made of wooden sticks in a forest near Irpin, Kyiv region. The authorities reported at least 267 civilian deaths in the town. © OHCHR

خمسة مدافن مرتجلة تحمل صلبان مصنوعة من عصي خشبية في غابة بالقرب من إيربين بمنطقة كييف. كما أبلغت السلطات عن مقتل 267 مدنيًا على الأقل في البلدة. © المفوضية السامية لحقوق الإنسان

ويمكن أيضًا جمع البيانات من مصادر مفتوحة. ويبدأ موظفو الرصد يومهم بالتحقق من المعلومات المتاحة للجمهور، أيّ تقارير السلطات المحلية والشرطة وخدمات الطوارئ. كما يقومون برصد الصور والمقالات الإخبارية والقصص ومقاطع الفيديو المنشورة على وسائل التواصل الاجتماعي ووسائل الإعلام. وأكّدت أولغا*، وهي أيضًا من الموظفين لشؤون حقوق الإنسان، أنّه يتمّ التأكّد من صحّة كل هذه البيانات بدقة.

فقالت: "أدقّق في أنواع مختلفة من البيانات حول كل إصابة مدنية، كي أكشف عمّا جرى ومتى وقع الحادث ومع من"، مبيّنةً كيف تجري عملية الرصد وجمع البيانات.

وتابعت قائلة: "سأعطيكم مثالًا واحدًا على ذلك. في الصباح أرى معلومات تفيد بوقوع ضحية مدنية في الموقع أ. فأتحقق من جميع المعلومات المتاحة حول هذه القضية، من مقاطع فيديو وصور وبيانات رسمية ومقابلات وما إلى ذلك. ثمّ أتحقّق من المزيد من البيانات العامة، على غرار ما جرى في المكان الحادث، وما هو نوع السلاح الذي تم استخدامه مثلاً.

وإذا لزم الأمر، يمكنني أن أطلب من فرقنا الميدانية التحقّق من هذه المعلومات على أرض الواقع عبر المصادر المتاحة، من خلال زيارة موقع الحادث مثلاً أو التحدث إلى الضحايا والشهود."

An improvised collective grave in Bucha, Kyiv region. © OHCHR

مقبرة مرتجلة في بوتشا بمنطقة كييف. © المفوضية السامية لحقوق الإنسان

وعندما تنتهي عمليات التدقيق هذه كلّها، التي تُظهر أن ضحية من المدنيين قد أصيبت بجروح أو قُتِلَت، تَعتَبِر أولغا والموظّفون لشؤون حقوق الإنسان الآخرون أنّه تمّ التحقّق من الحادثة على وجه كامل.

أكثر من مجرّد أرقام

منذ بداية الاعتداء المسلح على أوكرانيا، تنشر البعثة يوميًا آخر المستجدّات بشأن الخسائر في صفوف المديين. واعتبارًا من 26 نيسان/أبريل، قُتِل 2,729 شخصًا وجُرح 3,111 آخرين

ويعتبر الموظفون لشؤون حقوق الإنسان هذه التحديثات بأنّها أكثر من مجرد أرقام.

Uladzimir Scherbau, head of unit. @ Michael Fostik/OHCHR

أولادزيمير شيرباو، رئيس وحدة. © مايكل فوستيك/ المفوضية السامية لحقوق الإنسان

فقد أكّد رئيس إحدى وحدات البعثة أولادزيمير شيرباو قائلاً: "يجب أن يدرك المرء أننا لا نتعامل مع أرقام فحسب، بل مع حوادث فردية. فنحن نسعى إلى جمع معلومات بشأن حادث فردي قُتِل خلاله رجل أو امرأة أو فتًى أو فتاة أو أصيب بجروح في ظلّ أوضاع معيّنة وبسلاح محدّد. ونواصل جمع المعلومات حول القضايا التي تم الإبلاغ عنها في الأيام السابقة، وكأنّ العملية فسيفساء، حيث نحصل شيئًا فشيئًا على معلومات إضافية، وفي نهاية المطاف نكوّن صورة كاملة عما حدث للمدنيين."

أصبحت أعداد الضحايا المدنيين التي توفّرها بعثة رصد حقوق الإنسان في أوكرانيا هي الإحصاءات الوحيدة التي تعتمدها الحكومات ووسائل الإعلام والوكالات الدولية وغيرها من الجهات الأخرى التي تعدّ التقارير بشأن الحرب في أوكرانيا أو ترصدها. ومن شأن المعلومات التي تم التحقّق منها وتوفّرها بعثة رصد حقوق الإنسان في أوكرانيا أن تساهم في ممارسة ضغوط تساعد في منع المزيد من الانتهاكات. وأكّدت رئيسة البعثة ماتيلدا بوغنر أنه يمكن أن تستخدمها أيضًا الآليات المختلفة المعنية بالعدالة من أجل ضمان تحقيق العدالة لضحايا انتهاكات حقوق الإنسان ومساءلة الجناة ومحاسبتهم.

فقالت: "عملنا في مجال الرصد ليس سهلاً أبدًا لأنه يتطلب الكثير من الصبر والتدقيق. نحن بحاجة إلى أن نوفّر الدعم للضحايا وأن نتّبع مبدأ عدم الإيذاء. في نهاية المطاف، نحن قادرون على إيصال ما حدث وأين ارتُكِبَت الانتهاكات وكيف يمكن اتخاذ الخطوات اللازمة لتصحيح الوضع ومنع وقوع المزيد من الانتهاكات. فالتوثيق الذي نقوم به يساعدنا على مناصرة التغيير وتحقيق العدالة للضحايا ومساءلة الجناة ومحاسبتهم."

An apartment damaged by shelling in Irpin, Kyiv region. After Russian armed forces left the town, OHCHR found 297 civilian buildings damaged or destroyed. © OHCHR

شقة دمّرها القصف في إربين بمنطقة كييف. وبعد أن غادرت القوات المسلحة الروسية البلدة، وثّقت المفوضية السامية لحقوق الإنسان 297 مبنى مدنيًا متضررًا أو مدمرًا. © المفوضية السامية لحقوق الإنسان

* لم يتم تحديد هويّة بعض الموظفين المعنيين بالرصد في أوكرانيا بشكل كامل لأسباب أمنية.

الصفحة متوفرة باللغة: