طلاّب من أوروغواي يؤمّنون مسكنًا لائقًا لأسرة ضعيفة
08 كانون الاول/ديسمبر 2020
قد لا يكون أستاذ القانون خوان سيريتا، من عمّال البناء، لكنه يكرس الكثير من وقته لتأمين وصول الناس إلى منازل آمنة.
وبصفته خبيرًا في التقاضي الاستراتيجي في مجال حقوق الإنسان في جامعة الجمهورية في مونتيفيديو بأوروغواي، وجّه سيريتا عمل طلابه لتقديم المساعدة القانونية إلى الأسر الفقيرة التي تكافح من أجل الوصول إلى الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية. فأنشأ برنامجًا للمطالبة بإيجاد حلول للسكن، فتتحوّل المساكن إلى منازل حقيقية بكل ما للكلمة من معنى، ولا تبقى مجرّد سقف بالكاد يحمي رأس من تحته. وهو يستقبل أسبوعيًا أمهات عازبات ومهاجرين وذوي إعاقة.
تشير تقديرات موئل الأمم المتحدة إلى أنّ أكثر من 1.8 مليار شخص في العالم محرومون من السكن اللائق. وفي كل عام، يتم إخلاء مليوني شخص لإضافي قسرًا، كما يتعرض عدد أكبر بكثير للتهديد بالإخلاء، وبالتالي فإنّ حوالى 150 مليون شخص في جميع أنحاء العالم من المشرّدين. وفي زمن كوفيد-19، وبما أن الناس مدعوون للبقاء في منازلهم، من الصعب للغاية أن يبقى من يعيش في أماكن مكتظّة، ومَن يفتقر إلى المياه وخدمات الصرف الصحي، والمشرّدون، في المنزل وأن يمارسوا التباعد الجسدي.
وقد تولّى سيريتا وطلابه هذا العام قضية أسرة تضمّ ستة أطفال تتراوح أعمارهم بين عامَين و14 عامًا، تعيش في فقر مدقع. وعاشت العائلة في منزل في مونتيفيديو منذ 14 عامًا، وقد أمسى اليوم على وشك الانهيار.
مثّلت هذه القضية تحديًا بالنسبة إلى الأستاذ وفريقه، حيث أشار إلى أنه لا يمكن العثور على العديد من السوابق في أوروغواي فيما يتعلق بإمكانية إنفاذ الحق في السكن، على عكس الحقوق الاجتماعية الأخرى مثل الرعاية الصحية.
فقال: "في البحث الذي أجريناه في كلية الحقوق، وجدنا خمس دعاوى قضائية فقط طالبت بإعمال الحق في السكن. وفي ثلاث من هذه الدعاوى، طالب مركز المشورة القانونيّة الاستراتيجي التابع للكلية، بتعزيز إجراءات الحماية وذلك في الأعوام 2018 و2019 و2020.
وسلّطت جميع هذه القضايا الضوء على الظروف القصوى التي يعيشها الأشخاص الضعفاء، من مهاجرين ونساء وأطفال، غير المسجّلين في برامج الإسكان الحكومية، أو الذين احتلوا أرضًا أو تم إخلاؤهم قسرًا؛ وعلى الرغم من ذلك، لم تُسجّل أي قضيّة رابحة حتى اليوم."
وفي خطوة غير عادية، تعاون سيريتا وفريقه مع محامي الدفاع العام الذي نصح بمقاربة القضيّة عبر نهج أكثر شمولية. وأشارت جميع التقارير الواردة من الخدمات الاجتماعية إلى خطر الاستمرار في العيش في منزل على وشك الانهيار، على حياة البالغين والأطفال على حد سواء.
كان الطريق طويلاً ووعرًا بالنسبة إلى البروفيسور سيريتا وطلابه. ولكنّهم تلقَّوا قبل أسابيع قليلة، أنباء لا تصدق: ففي نتيجة غير مسبوقة، قبلت المحكمة دعوى الحماية الدستورية التي رفعها الفريق وطالب فيها بإيجاد حلول عاجلة لسكن الأسرة الضعيفة.
وافقت وزارة الإسكان في أوروغواي على تزويد الأسرة بمسكن لائق في غضون 24 ساعة، عبر دعم الإيجار مدة عامين، وتغطية كلفة حصولهم على الخدمات الأساسية، إعمالاً لحقهم الإنساني في السكن اللائق.
وأشار سيريتا إلى أن "هذه هي المرة الأولى التي تتمكن فيها الدولة، في هذا السياق، من استعراض سياساتها العامة ضمن إطار إجراءات المصالحة، وبمشاركة جهات عامة أخرى. وقد التزمت وزارة التنمية الاجتماعية بمرافقة الأسرة في هذه العملية، وسيقوم معهد أوروغواي للأطفال والمراهقين بمرافقة الأطفال والبحث عن مسكن مناسب وفقًا لمتطلبات الأسرة."
ومنذ إنشاء مركز المشورة القانونية في العام 2015، بشكل مادة اختيارية لطلاب القانون، ركّز على الأسباب التي تساهم في إعمال حقوق الإنسان، لا سيّما الحقوق الاجتماعية والثقافية. ويعمل الفريق بالشراكة مع مختلف الجهات الفاعلة العامة والاجتماعية، على غرار المفوض البرلماني لنظام السجون، والمؤسسة الوطنية لحقوق الإنسان، ولجنة مكافحة التمييز والعنصرية، وشبكة كبار السن، والمنظمة المعنية بمساعدة المصابين بفيروس نقص المناعة البشرية، وغيرها من الجهات المعنية الأخرى.
وشدّد سيريتا قائلاً: "تمّ إنشاء مركز المشورة القانونية في محاولة لاعتماد منهجية مختلفة عن الاستشارات، بما أنّ الاستشارات لم تنجح في معالجة القضايا الجماعية والاجتماعية على الرغم من الخبرة الواسعة التي تمتدّ على 60 عامًا في هذا المجال.
وعلى عكس الاستشارات، لا يعتمد مركز المشورة القانونية على طلب من المواطنين. بل يبادر إلى العمل بطريقة استباقية ويبحث عن قضايا يعتبرها مهمّة، بعد مرحلةِ اختيارٍ يقوم بها فريق الأساتذة والطلاب أنفسهم. ونسعى إلى معالجة القضايا الأكثر صعوبة التي لن تصل إلى الاستشارات بسبب الصعوبات التي تعيق وصول هؤلاء الأشخاص إليها."
وقد انخرط مستشار الأمم المتّحدة لشؤون حقوق الإنسان في أوروغواي مع مركز المشورة القانونية، من خلال مشاركته في عدد من الأنشطة، لا سيما تلك التي تهدف إلى دمج معايير حقوق الإنسان والاجتهاد القضائي الدولي في الدعاوى والحجج المقدمة إلى المحاكم. وفي أيلول/ سبتمبر 2020، انطلق التعاون في التقاضي من أجل الحق في السكن اللائق، وتضمّن مؤتمرًا ضمّ عددًا من الطلاب والمحامين والقضاة والمدعين العامين والناشطين. وخلال المؤتمر، قام موظفو مفوضيّة الأمم المتّحدة السامية لحقوق الإنسان، ومدعوون دوليون بعرض أسس الحق في السكن ومعايير إنفاذ هذا الحق، في سياق يتم الترويج فيه لأطر وقوانين معيارية متردّية للسكن.
وأكّد سيريتا وطلابه أنّ المؤتمر كان أساسيًا لإعداد الدعاوى الخاصة بالحق في السكن، بما أنّه حلّل على نطاق واسع الإطار الوطني وعلاقته بالمعايير الدولية، والاجتهاد القضائي الصادر عن هيئات المعاهدات التابعة للأمم المتحدة والمحافل الدولية والإقليمية الأخرى، والاستراتيجيات الممكنة للمطالبة بإنفاذ الحق في السكن اللائق.
وقال سيريتا: "لم يكن هذا التقدم الرائد ليرى النور لولا بناء القدرات الذي وفّرته مفوضيّة الأمم المتّحدة السامية لحقوق الإنسان. لقد تعلمنا كيف نستخدم القانون والمعايير الدولية لحقوق الإنسان في علاقتنا مع السلطات، والممارسات الجيدة من البلدان الأخرى كي نُعمِل الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية على أرض الواقع."
هذه القصة جزء من سلسلة قصص تُنشر احتفالاً بيوم حقوق الإنسان 2020، تحت شعار إعادة البناء بشكل أفضل: قوموا ودافعوا عن حقوق الإنسان. فلا يجب معاقبة أي حد لمجرّد أنّه مشرّد أو يعيش في مسكن غير لائق. فخطّة التنمية المستدامة تدعو، من خلال الهدف رقم 11، إلى بناء مدن ومستوطنات بشرية شاملة وآمنة ومستدامة وقادرة على المواجهة والصمود. ويجب أن تحمي الجهود الرامية إلى التعافي الفئات الأكثر ضعفًا وأن تسعى إلى إعمال حقوق الإنسان للجميع وتحقيق خطة العام 2030.
في 8 كانون الأوّل/ ديسمبر 2020