يجب أن تشارك النساء الأكثر تأثّرًا بكوفيد-19 في جهود الانتعاش والتعافي
22 تموز/يوليو 2020
أعلن عدد من الخبراء أمام مجلس حقوق الإنسان أنّ الحجر الصحي، وإقفال المدارس، والقيود الأخرى المفروضة على التنقّل المعتَمَدة للحد من تفشّي كوفيد-19 ساهمت في تفاقم العنف القائم على النوع الاجتماعي، ولا سيما العنف المنزلي وعنف الشريك الحميم.
وأضافوا أنّ سبب ذلك يعود إلى ارتفاع مستويات التوتر عند العيش طويلاً جنبًا إلى جنب، والضغوط الاقتصادية والخلل في الشبكات الاجتماعية وشبكات الحماية.
كما أنّ النظم الصحية الرازحة تحت أعباء مفرطة، وإعادة تخصيص الموارد، والنقص في الإمدادات الطبية والاضطرابات في سلاسل التوريد العالمية قوّضت الصحة الجنسية والإنجابية وحقوق النساء والفتيات، بما في ذلك حصولهن على الرعاية الصحيّة للأم ووسائل منع الحمل وعلاج فيروس نقص المناعة البشرية/ الإيدز، وغير ذلك من أمراض معدية منقولة جنسيًا.
تفاقم عدم المساواة يؤدّي إلى مخاطر أكبر تهدّد المرأة والفتاة
أعلنت مديرة شعبة الأنشطة المواضيعية والإجراءات الخاصة والحق في التنمية في مفوضيّة الأمم المتّحدة السامية لحقوق الإنسان بيغي هيكس قائلة: "النساء والفتيات أكثر عرضة للخطر، لا بسبب ضعف متأصل فيهنّ، بل بسبب التمييز وعدم المساواة المترسّخَيْن من زمن. وقد وصف العديد هذا الواقع بأنّه وباء متفشٍ ضمن الوباء." وتوقّعت تقديرات صندوق الأمم المتحدة للسكان وقوع 31 مليون حالة جديدة من العنف القائم على النوع الاجتماعيّ على المستوى العالمي في حال استمرّت الإجراءات التقييدية ستة أشهر إضافية.
وأضافت هيكس قائلة: "لحسن الحظ، لدينا استراتيجيات فعالة لإعادة البناء بشكل أفضل مع تعزيز المساواة بين الجنسين. منها خطة التنمية المستدامة للعام 2030، ومنهاج عمل بيجين، واتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة. وما نحتاجه اليوم هو تسريع تنفيذها بطريقة شاملة بكلّ ما للكلمة من معنى."
لقد احتلّت المرأة الخطوط الأمامية للاستجابة لأزمة كوفيد-19. وهي تشكّل 70 في المائة من العاملين الصحيّين على المستوى العالمي. كما أدّت أدوارًا محورية في الخدمات الأساسية، مثل إنتاج المواد الغذائية وسلسلة التوريد، والتنظيف والغسيل وأعمال الرعاية.
وعلى الرغم من ذلك، فإن العديد من النساء يعمل في وظائف منخفضة الأجر، وفي القطاع غير النظامي الذي لا يتيح للمرأة الوصول إلى الحماية الاجتماعية أو حيث إمكانيّة الوصول إليها محدودة. كما أن عدد النساء يغلب في الصناعات التي كانت من بين الأشد تضررًا من الاستجابة لكوفيد-19، أيّ في قطاعات الضيافة والتصنيع والبيع بالتجزئة والترفيه.
بالإضافة إلى ذلك، من المرجح أن تؤدي عدم المساواة بين الجنسين القائمة أصلاً، على غرار فجوة الأجور بين الجنسين والاختلالات الجسيمة في توزيع أعباء الرعاية غير المدفوعة الأجر والعمل المنزلي، إلى تخلي النساء عن الانخراط في سوق العمل خلال فترة الوباء وما بعده.
الشموليّة أساسيّة "لبناء المستقبل بشكل أفضل"
أعلنت وزيرة الشؤون الخارجية والاتحاد الأوروبي والتعاون في إسبانيا، أرانشا غونزاليس لايا، أنّ من أهداف بلادها منذ بداية الوباء ضمان انتعاش مستدام وتحويلي يجعل من حقوق الإنسان محور الخطط والسياسات الخاصة بـ"إعادة البناء بشكل أفضل".
فقالت: "يجب أن تعالج سياسات الاستجابة الاقتصادية والانتعاش بعد انحسار الوباء الأثر على المرأة على وجه التحديد." فالاعتراف بأعمال الرعاية غير المدفوعة الأجر، وتقليص فجوة الأجور، والسياسات الضريبية وسياسات الحماية الاجتماعية يجب أن تؤدي إلى التمكين الاقتصادي الحقيقي للمرأة وتجنب المزيد من تأنيث الفقر".
وأشار الخبراء أيضًا إلى أن المنظمات النسائية الشعبية والمدافعات عن حقوق الإنسان في طليعة من يرصد أثر كوفيد-19 على النساء والفتيات.
ومن بين هؤلاء مؤسِّسَة مركز السلام والحقوق والعدالة، المحاضرة إيديتار أدهيامبو أوسيانغ. فقد أكّدت الناشطة في مجال حقوق المرأة من مستوطنة كيبيرا غير الرسمية في نيروبي بكينيا، أنّه في حين أنّ الوباء ضرب العالم بأسره، فقد كان أثره مضاعفًا على النساء والفتيات في المستوطنات غير الرسمية، بما في ذلك تعرّض فتيات صغيرات ومراهقات للاغتصاب أو هتك العرض يوميًا على يد أقاربهم وجيرانهم.
فقالت: "لقد ساعدنا في إنشاء مساحات آمنة للنساء، لأنّ معظمهنّ في كيبيرا يعمل في الخدمة المنزلية والبعض منهنّ فقد عمله. فالبقاء في المنزل صعب للغاية بالنسبة إلى المرأة لأنّها تعاني مستويات متفاقمة من العنف المنزلي، وبصفتها معيلة الأسرة هي غير قادرة اليوم على إعالة أسرتها."
وقد تحدّث المركز مع النساء والفتيات عن العنف الجنسي والعنف القائم على النوع الاجتماعي وعن الصحة الإنجابية، ووفّر وسائل منع الحمل للنساء.
ومن جهتها، أشارت المديرة التنفيذية لصندوق الأمم المتّحدة للسكان، ناتاليا كانم، إلى أن عدم المساواة بين الجنسين متغلغلة في نظم الصحة، كما أنّ احتياجات المرأة الخاصة، بمن فيها المرأة على الخطوط الأماميّة لمواجهة كوفيد-19، لا تُلبّى بطريقة كافية. كما حثت الدول على "التمسك بالصحة والحقوق الجنسية والإنجابية للمرأة في ظلّ تفشيّ كوفيد-19."
وتابعت قائلة: "يؤثر كوفيد-19 على الجميع، ولكن ليس بطريقة متساوية. ويتوقّع صندوق الأمم المتحدة للسكان أن يؤدي الوباء إلى الملايين من حالات العنف القائم على النوع الاجتماعي، بالإضافة إلى الاضطرابات التي ضربت تنظيم الأسرة وملايين حالات الحمل غير المقصودة."
كما أنّ الوباء، والنظم الصحية الرازحة تحت أعباء مفرطة، وإعادة تخصيص الموارد، والنقص في الإمدادات الطبية والاضطرابات في سلاسل التوريد العالمية قوّضت الصحة الجنسية والإنجابية وحقوق النساء والفتيات، بما في ذلك حصولهن على الرعاية الصحيّة للأم ووسائل منع الحمل وعلاج فيروس نقص المناعة البشرية/ الإيدز، وغير ذلك من أمراض معدية منقولة جنسيًا. بالإضافة إلى ذلك، تواجه الفتيات مخاطر متزايدة من التعرض للممارسات الضارة، مثل زواج الأطفال، بسبب تعطل أنظمة الدعم للأطفال.
وأفادت كانيم قائلة: "نشهد بالفعل تراجعًا في الجهود الرامية إلى منع زواج الأطفال وتشويه أعضاء الإناث التناسلية، حيث لم تعد الفتيات قادرة على الذهاب إلى المدرسة، وبالتالي أمسَيْن أكثر عرضة للزواج أو التشويه رغمًا عنهن. لا يجب أن نسمح بحدوث ذلك أبدًا."
إعادة توازن القوّى الهيكليّة
أكّدت أستاذة الاقتصاد في جامعة جواهرلال نهرو بالهند، جياتي غوش، أنّ أزمة كوفيد-19 أثرت على النساء بطرق عدّة. فقد أثرت عليها بصفتها عاملة بأجر، وعاملة غير مدفوعة الأجر في المنازل والمجتمعات، وبصفتها مواطنة ومهاجرة. وفي البلدان النامية، أثرت أيضًا على قدرتها على الوصول إلى غذاء وإلى الرعاية الصحية، بما في ذلك الصحة الإنجابية.
وأضافت أن الوباء "عزّز عدم المساواة على مستوى العلاقات وهياكل السلطة التي تمكّن القمع الأبوي ضمن الأسر والمجتمعات.
ففي معظم البلدان، كانت العاملات أكثر عرضة لفقدان وظائفهن أو لانخفاض دخلهنّ مقارنة مع الرجال خلال فترة الحجر والإقفال. كما إن رعاية الأطفال والمسؤوليات المنزلية الأخرى أجبرت المزيد من النساء على الخروج من القوى العاملة بسبب إقفال المدارس.
ومن المرجح أن يكون لهذا الانخفاض في عمل المرأة المدفوع الأجر تأثيرًا طويل المدى، لأن فقدان الوظائف في فترة الركود يؤدي عادة إلى انخفاض الأجور وتوظيف أقل أمنًا في المستقبل."
كما دعت غوش إلى "اتّفاق عالمي جديد" يركز على اقتصاد الرعاية وعلى معالجة عدم المساواة والحدّ من نطاقها.
أمّا المديرة التنفيذية لهيئة الأمم المتحدة للمرأة فومزيل ملامبو نغوكا، فأكّدت من جهتها أنه، على الرغم من الإشادة باستجابة القادة من النساء للوباء، فإن النساء في جميع أنحاء العالم ما زلن يواجهن حواجز تعيق وصولهنّ إلى القيادة السياسية.
فقالت: "لقد نجحن في "تسطيح منحى" الإصابات ووضعن معايير جديدة للقيادة باعتماد الشفافية والمشاركة العامة وصنع القرار القائم على العلم. واعترفن بالمخاوف واتخذن قرارات صعبة. وأصبحن اليوم قدوة في الاستجابة للأزمات، وسيُلهمن أجيالاً من النساء في المستقبل."
كما شدّدت على أهمية القيادة النسائية في الاستجابة لكوفيد-19، نظرًا إلى كيفية ترسيخ الوباء عدم المساواة بين الجنسين. فقالت: "إن مشاركة المرأة أمر حاسم في جميع مراحل عمليات صنع القرارات التشريعية والسياساتية والقرارات المتعلقة بالميزانية. وقد يتطلب ذلك إجراءات خاصة مؤقتة، مثل تلك التي أوصت بها أكثر من مرّة لجنة القضاء على التمييز ضد المرأة ومنهاج عمل بيجين."
وختمت قائلة: "تُظهر حفنة من رئيسات الدول والحكومات للعالم كيف يجب إيجاد حلول مستدامة للوباء. يجب أن نحذو حذوهنّ ونضمن انضمام المزيد من النساء إليهن كقادة وقدوات يحتذى بهنّ، في ظلّ تفشّي الوباء وبعد انحساره."
في 22 تمّوز/ يوليو 2020