المستوطنات العشوائية في كينيا تحتاج إلى مياه مأمونة لتصدي لكوفيد-19
06 نيسان/أبريل 2020
غسل اليدين من الإجراءات الأساسيّة المعتَمَدة للحدّ من تفشي كوفيد-19. ولكنّ الوصول إلى المياه المأمونة والميسورة الكلفة لا يزال يشكّل تحدّيًا في وجه الأشخاص الذين يعيشون في المستوطنات العشوائية في المناطق الحضرية بكينيا.
في نهاية العام 2019، أجرت مفوضيّة الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان تقييمًا تجريبيًا بشأن التمتع بالحق في المياه في كينيا، مركّزة على المستوطنات العشوائية في المناطق الحضرية حيث عدم المساواة متفشيّة. ومن المعتَرف به أنّ الحقّ في الماء أساسيّ للتمتع الكامل بالحياة وبجميع حقوق الإنسان. ويُعرّف الحقّ بالمياه بأنه حقّ كل شخص في الحصول على القدر الكافي من المياه الآمنة والمقبولة والمتوفّرة فعلاً للاستخدام الشخصي والمنزلي.
ويرمي هدف التنمية المستدامة رقم 6 إلى تحقيق الوصول الشامل والعادل إلى مياه الشرب المأمونة والميسورة التكلفة بحلول العام 2030. إلاّ أنّ تقرير الأمم المتّحدة بشأن تنمية الموارد المائيّة في العالم أوضح إن مليارات الأشخاص لا يزالون يفتقروا على المستوى العالميّ إلى المياه المأمونة ومرافق الصرف الصحي، وهم مهملون وغير مشمولين بالتنمية بسبب التمييز القائم على النوع الاجتماعي والعرق والثقافة والحالة الاجتماعية والاقتصادية وغيرها من الأسباب الأخرى.
كرّس دستور كينيا حقّ جميع السكّان في الوصول إلى مياه مأمونة وجيّدة النوعية وبكميات كافية، إلاّ أنّ الدراسة الاستقصائيّة أظهرت أنّ التجمعات الحضرية تتمتع عامة بإمكانية أفضل للوصول إلى المياه من المناطق الريفية، في حين أن التفاوت في الوصول إلى المياه والقدرة على تحمّل كلفتها هائل بالنسبة إلى الأشخاص الذين يعيشون في مستوطنات عشوائية.
غسل اليدين لا يزال من التحدّيات
يبلغ عدد السكان في كينيا 47.5 مليون نسمة ويعيش حوالى 60 في المائة من سكانها الحضريين في مستوطنات عشوائية، ومعظمهم في نيروبي ومومباسا وكيسومو.
ومع تأكيد أول حالة إصابة بفيروس كورونا المستجدّ في كينيا في منتصف آذار/ مارس 2020، حثّت الحكومة السكان على الالتزام بتوجيهات منظمة الصحّة العالميّة بشأن غسل اليدين والنظافة والتباعد الجسدي، متّبعة خطى غالبية البلدان التي تكافح الوباء وتطبّق توصيات المنظمة في جميع أنحاء العالم. ولكنّه يبقى من الصعب تنفيذ تدابير الوقاية هذه في المستوطنات العشوائيّة بما أنّ الوصول إلى المياه محدود، وخدمات الصرف الصحي غير متوفّرة، والتباعد الجسدي مستحيل.
ولا تتمتّع إلاّ حفنة من الأسر في المستوطنات العشوائيّة بإمكانية الوصول إلى إمدادات المياه العامة الأقلّ كلفة، بعد أن خصخصت "الكرتيلات" إمدادات المياه وأمسى العديد من السكان يعتمد على بائعي المياه من القطاع الخاص، لا سيّما خلال موسم الجفاف.
وسعر ليتر المياه الواحد أدنى في أحياء الطبقة المتوسطة الحضرية، حيث تصل المياه بالأنابيب، منه في المستوطنات العشوائيّة، حيث تعتمد غالبية السكّان على بائعي المياه. فعلى سبيل المثال، يتراوح سعر المياه التي يتم توصيلها بالأنابيب في نيروبي بين 34 و53 شلن كيني (إي ما يعادل 0.34-0.53 دولار أميركي) لكل متر مكعب (1,000 لتر)، مقارنة مع سعر يتراوح بين 10 و50 شلن كيني لكلّ 20 لترًا في المستوطنات العشوائيّة.
وقد أشار المجيبون على الدراسة الاستقصائيّة بأغلبيّتهم بأنّهم ينفقون أكثر من ثلاثة في المائة من دخل الأسرة الشهري على المياه، وهو المعيار الدولي للقدرة على تحمل الكلفة. وبما أنّ سكان المستوطنات العشوائية يدفعون حوالى 50 ضعفًا من سعر المياه للتر الواحد مقارنة مع أسر الطبقة المتوسطة، فإن توفير المزيد من المياه لغسل اليدين المتكرّر يشكّل تحديًا اقتصاديًا.
وبالإضافة إلى ذلك، أشار 35 في المائة ممن شملتهم الدراسة الاستقصائيّةإلى أن الوصول إلى المياه استغرق أكثر من 30 دقيقة بسبب النقص في نقاط المياه حيث يعيشون، وعليهم بالتالي أن يسافروا لمسافات طويلة لجلب المياه. كما أشاروا إلى ارتفاع معدل الإصابة بالأمراض المنقولة عن طريق المياه مثل الكوليرا في مجتمعاتهم نتيجة للتلوث بسبب تردّي حالة إمدادات المياه والصرف الصحي.
كما أثاروا العديدَ من المخاوف المتعلقة بالأمن، لا سيّما النساء اللواتي يضطررن أحيانًا إلى دفع المال لأشخاص يحمونهن عندما يجمعن المياه بعد حلول الظلام. وأكّدت إحدى المجيبات على الدراسة الاستقصائيّة قائلة: "خلال النهار، يصعب كثيرًا جمع المياه بسبب الزحمة على نقاط المياه، لذا أفضل أن أحضر الماء ليلاً. وهذا غير أمن أبدًا لأن الناس يتعرّضون للسرقة." وأشار آخرون إلى ارتفاع مستويات الجريمة عندما يضطرون إلى مغادرة منازلهم بدون مراقبة للسفر مسافات طويلة وجمع المياه ليلًا.
الحق في الماء "مسألة حياة أو موت"
أعلن نجيري موانجي من مركز ماثار للعدالة الاجتماعية قائلاً: "على الحكومة أن تدرك أنّ الوصول إلى المياه النظيفة هو حقنا. فهي توفّرها للقصر الرئاسي وعليها أيضًا أن توفّرها لأهل ماثاري. فلسنا أقل شأنًا منهم."
وبهدف تنفيذ مشروع الدراسة الاستقصائية، تعاونت مفوضيّة الأمم المتّحدة السامية لحقوق الإنسان مع شبكة من 24 مركزًا للعدالة الاجتماعية في نيروبي وكيسومو والمناطق الساحلية. وهذه المراكز المجتمعية أساسيّة لنقل صوت السكان المحرومين والفئات المهمشة وإبراز أوجه عدم المساواة التي يواجهونها في الوصول إلى المياه، والتعبير عن أولوياتهم وتنفيذ الهدف 6 من أهداف التنمية المستدامة على المستوى الشعبي.
ومنذ العام 2017، انخرطت المفوضيّة مع مراكز العدالة الاجتماعية هذه في كينيا وسلّطت الضوء على عملها وقضايا حقوق الإنسان التي تؤثر على الفقراء في المستوطنات الحضريّة العشوائية. كما شكّل المشروع فرصة أخرى لدعم هذه المراكز وبناء قدرات الشباب المدافعين عن حقوق الإنسان على مستوى القاعدة الشعبية.
وقال منظّم الاجتماعات الوطني للفريق العامل التابع لمراكز العدالة الاجتماعية ويلفريد أولال: "ليس الوصول إلى المياه في الوقت الحالي مجرّد حق أساسي، بل هو مسألة حياة أو موت في المستوطنات العشوائية، إذا ما رغبنا في الانتصار على فيروس كورونا المستجدّ." وأكد منسق مركز ماثاري للعدالة الاجتماعية غاشكي غاتشيهي الضرورة الملحة لإعمال هذا الحقّ، مشدّدًا على أن حالة طوارئ اجتماعية واسعة النطاق تلوح في الأفق، فقال: "فيروس كورونا المستجدّ بمثابة كارثة بالنسبة إلى أغلبيّة الناس في المستوطنات، الذين لا يملكون المياه ولا الصرف الصحي ولا الخدمات الأساسية". ودعت مراكز العدالة الاجتماعية الحكومة إلى توفير إمدادات المياه العامة للمستوطنات العشوائية.
الأمم المتّحدة تدعم خطط كينيا للتصدي لفيروس كورونا المستجدّ
بعد تحليل نتائج الدراسة الاستقصائيّة، قدّمت مفوضيّة الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان مجموعة من التوصيات للحكومة الوطنية وحكومات المقاطعات، ترمي إلى تحقيق الهدف رقم 6 من أهداف التنمية المستدامة بالنسبة إلى الأشخاص الذين يعيشون في المستوطنات العشوائية والمجتمعات الضعيفة في كينيا.
ومنها الاستثمار في توسيع نطاق إمدادات المياه العامة فتشمل المستوطنات العشوائيّة والمجتمعات الضعيفة، وتعزيز إمكانية الوصول إليها، ووضع أطر تنظيمية تضمن القدرة على تحمل كلفة مياه الشرب المأمونة، والاستثمار في البنية التحتية للمياه والصرف الصحي، مع التأكيد على العلاقة الوثيقة بين الحقّ في المياه والصرف الصحي والحقّ في الصحّة.
وشدّد كبير المستشارين في مجال حقوق الإنسان في مكتب منسق الأمم المتحدة المقيم في كينيا لي فونغ قائلاً: "العلاقة بين الحقّ في الماء والحقّ في الصحة أكثر وضوحًا اليوم من أيّ وقت مضى في ظلّ تصدّي كينيا لتفشي وباء فيروس كورونا المستجد. والإجراءات السريعة لضمان الوصول إلى المياه تنقذ الأرواح."
وبقيادة منسق الأمم المتّحدة المقيم، تعاون فريق الأمم المتحدة القطري في كينيا مع الحكومة لدعم خطط التصدي لفيروس كورونا المستجدّ، بما في ذلك على مستوى خدمات المياه والصرف الصحي. فأقامت وزارة المياه حوالى 500 نقطة لغسل اليدين في نيروبي، بما في ذلك 56 نقطة في مستوطنات عشوائية. كما قدّمت الأمم المتحدة الصابون، وهي تعمل على تحسين إمدادات المياه فتصل إلى 30,000 شخص يعيشون في خمس مستوطنات عشوائية.
وواصلت مفوضيّة الأمم المتحدة لحقوق الإنسان شراكتها مع مراكز العدالة الاجتماعية لرصد تأثير أزمة فيروس كورونا المستجدّ على حقوق الإنسان في المستوطنات العشوائيّة، وتوجيه تدابير التصدّي والوقاية لمواجهة مجموعة من المخاطر تعانيها المجتمعات والمجموعات الضعيفة.
6 نيسان/أبريل 2020