نطلب الحماية الفاعلة لحقوق المهاجرين في النيجر
19 كانون الاول/ديسمبر 2019
كانت فاتو*، البالغة من العمر 18 عاماً، تتمنى أن تعيش حياةً بكرامة، بعيداً عن الفقر، وقالت "رغبت في أن أغادر البلد فحسب. فنحن لا نستطيع البقاء في غينيا، لأن ثمة الكثير من المشاكل هنا". أما نوانكوو، وهو شاب نيجيري عمره 30 عاماً، فيطمح إلى الذهاب إلى أوروبا، وقال "أنا مصمم برامج في مجال تقنية المعلومات، وأردت مستقبلاً أفضل".
عمليات ابتزاز وتوقيف واحتجاز وترحيل
على غرار معظم الأفارقة من غرب أفريقيا الذين يقررون الهجرة، كانت دوافع فاتو ونوانكوو متعددة ومتشابكة. فقد ارتبطت أسباب نوانكوو بشكل رئيسي بمحدودية الفرص الاقتصادية والتعليمية. أما فاتو، فقد حملتها المخاوف البيئية وحالة الرعاية الصحية الهشة في ديارها بالإضافة إلى بعض المشاكل الأسرية على الهجرة.
وتعرَّض الإثنان، شأنهما شأن العديد من المهاجرين الآخرين، للابتزاز عند كل نقطة تفتيش وللاعتقالات والاحتجازات التعسفية وعمليات الترحيل بل خضعا أيضاً للتعذيب والمعاناة النفسية والجسدية على يد جهات فاعلة تابعة للدولة وغير تابعة لها على حدﱟ سواء. وتمَّ ارتكاب هذه الانتهاكات والتجاوزات لحقوق الإنسان في أكثر الأحيان في ظل الإفلات من العقاب. ويضطر المهاجرون إلى الاعتماد على "وسطاء" لتأمين السكن والمساعدات الطبية والعثور على عمل، بما أنهم يخافون الاعتقال إذا ما استخدموا القنوات النظامية.
وتستذكر فاتو تجربتها قائلة "لقد عملت في مالي لكن ضباط الشرطة أخذوا نقودي وعذبوني. وفي بوركينا فاسو، لم أكن أملك المال لأدفع للدركي، فأمضيت 24 يوماً في السجن. وفي النيجر، عملت مدة ثلاثة أشهر كي أدفع كلفة السفر إلى أوروبا. وذهبت إلى ليبيا حيث أمضيت ثلاثة أشهر في السجن وجرى تعذيبنا هناك. وسرعان ما دفعت أسرتي مبلغاً من المال وأُطلق سراحي. من ثم أخذونا إلى البحر وكنا 130 شخصاً. لكن حادثة حصلت في المركب الذي كنا على متنه. ولقي البعض حتفهم مع آخرين ونجوت أنا. فهربت إلى الجزائر. وهناك، قبض عليَّ الجنود وتركوني في صحراء تمنراست. وتمكنت من الوصول إلى أساماكا، ومن هناك، برفقة ناس آخرين، قدنا باتجاه أرليت. وأثناء إعادتك إلى الوطن، يأخذون منك مالك".
من جهته، يوضح نوانكوو شارحاً "غادرت لاغوس بالسيارة متوجهاً إلى ولاية كانو في شمال نيجيريا. ومن هناك وصلت إلى أغاديز عبر زيندر وقرية ميموجا. ودفعت لسائق المال للوصول إلى ذاك المكان. كما دفعت مالاً لسائق من أغاديز للذهاب إلى ليبيا حيث أمضيت أياماً في الصحراء. لقد كنا مجموعة مؤلفة من 21 شخصاً. ولم يكن لدينا ماء ولا طعام. وقام بعض الليبيين ببيعنا. وأمضيت 11 شهراً في السجن حيث تعرضنا للضرب. ودفع أحد أصدقائي المال في نهاية المطاف لإطلاق سراحي وساعدني على الوصول إلى أغاديز".
وعلى غرار العديد من المهاجرين الذين سلكوا طرقاً مختلفة في محاولة للوصول إلى أوروبا، مرَّت فاتو ونوانكوو عبر النيجر وعادا إليها خلافاً لإرادتهما. وتحوَّل بلد العبور هذا بشكل ما إلى خفير يساعد على الحد من تنقلات الناس باتجاه شمال أفريقيا ومنطقة البحر الأبيض المتوسط.
النيجر، منطقة عبور للمهاجرين من أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى
بوصفها بوابة للنفاذ من غرب أفريقيا باتجاه الصحراء الكبرى، لطالما شكلت النيجر تاريخياً، لا سيما منطقة أغاديز، مركزاً للتجارة والتواصل بالنسبة إلى الأفارقة من غربي أفريقيا الذين يقصدونها ويغادرونها بشكل قانوني بموجب معاهدة الجماعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا. كما أصبحت مكاناً مربحاً للمهربين.
ويؤكد بشير أمّا، رئيس رابطة المهربين السابقين للمهاجرين في أغاديز، وهو بنفسه مهرب سابق من عام 2001 حتى عام 2016، قائلاً "لقد جنى الناس الكثير من المال مع تدفق المهاجرين إلى هنا، بما يتراوح بين ألفين وثلاثة آلاف مهاجر أسبوعياً. كان الجميع يعمل، والأسواق مزدهرة، والمال متوافر". لكن القانون 036 الخاص بمكافحة تهريب المهاجرين والصادر عام 2015 غيَّر الوضع. فهدا القانون الذي جرى تطبيقه في عام 2016، يهدف إلى وضع حدﱟ لانتقال الناس نحو ليبيا والجزائر. لكنه أدَّى أيضاً إلى إعاقة حركة الأجانب والمواطنين داخل النيجر. ويشرح بشير الأمر قائلاً "كان للناس عمل، لكن قيل لهم الآن إن عملهم غير مشروع. ما الذي تريد أن يفعلونه؟ بعد عام واحد وعامين، عندما لا يتم القيام بشيء لمساعدتهم على التدرب لوظيفة، يعود معظم المهربين السابقين إلى مزاولة نشاطاتهم السابقة، بالرغم من أن ذلك يعني المخاطرة بحياتهم وبحياة المهاجرين".
في الواقع، دفع القانون 036 لعام 2015 بالمهاجرين إلى البحث باطراد عن طرقات خطيرة للهجرة، ما أسفر عن زيادة المخاطر المرتبطة بانتهاكات حقوق الإنسان. يتابع بشير قائلاً "منذ تنفيذ هذا القانون، لقي العديد من الناس حتفهم وجرى تركهم في الصحراء. قبل ذلك، عندما كان المهاجر يصل إلى أغاديز، كان يستقر في غيتوهات، هي عبارة عن مناطق يقيم فيها المهاجرون بينما ينتظرون موعد الرحيل إلى شمال أفريقيا، وكان لديه الحق في الذهاب أينما يريد. أما اليوم، فعندما يصل إليها مهاجر ما، فإنه يبقى محجوزاً في منزل المهرب حتى يحين موعد الرحيل".
مشروع PROMIS لحماية فاعلة لحقوق المهاجرين
في هذا السياق تمَّ إنشاء مشروع PROMIS ("حماية المهاجرين: العدالة وحقوق الإنسان وتهريب المهاجرين") في النيجر. والمشروع عبارة عن مبادرة مشتركة بين المكتب الإقليمي لغربي أفريقيا التابع لمفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان ومكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة. ويهدف إلى تعزيز مكافحة تهريب المهاجرين في غربي أفريقيا من خلال نهج قائم على حقوق الإنسان.
ومنذ انطلاق المشروع في تشرين الثاني/نوفمبر من عام 2018، عملت مفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان على تعزيز قدرات النيجر لصياغة استجابة قائمة على حقوق الإنسان في ما يخص تهريب المهاجرين وللتصدي بفعالية لانتهاكات حقوق الإنسان المرتبطة بالهجرة غير النظامية. وتعتبر أندريا أوري، رئيسة المكتب الإقليمي لغربي أفريقيا التابع لمفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان، في داكار، أن الأمر يتعلق "بالانتقال من تصور المهاجرين بمثابة عبء إلى تصورهم على أنهم بشر".
ومن خلال هذا المشروع، ستعزز مفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان حماية حقوق المهاجرين ووصولهم إلى العدالة. كما ستسعى المنظمة إلى منع وحصر المعاملة الصادمة وغير المشروعة التي تعرض لها المهاجرون في النيجر، من بينهم فاتو ونوانكوو. وستنفذ المفوضية السامية مهمات تقييم بشأن حقوق المهاجرين، وستقدم المساعدات التقنية والقانونية إلى المؤسسات الوطنية لحقوق الإنسان والمؤسسات شبة القانونية/القانونية والجهات الفاعلة من المجتمع المدني، وتؤمن منحاً إلى منظمات المجتمع المدني التي تعمل على حقوق الإنسان للمهاجرين.
وتتأثر حقوق المهاجرين سلباً ما أن يسلكوا الطريق المؤدي إلى أغاديز. يقول بشير "يتم تهديدهم ويقعون ضحايا للابتزاز على الطرقات من قبل الشرطة. وعندما يصلون إلى أغاديز، لا يتم السماح لهم بالخروج إلى الهواء الطلق. وماذا عن حقهم في التنقل؟ هنا من المفترض أيضاً أن يبقوا في المنزل، أينما وجدوا في منطقة الجماعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا".
وفي حين من المهم الإشارة إلى أنه بالرغم من أن مشروع PROMIS هو نهج مبتكر قائم على حقوق الإنسان في ما يتعلق بتهريب المهاجرين، إلا أن هناك ضرورة لمتابعة نهج قائم على حقوق الإنسان في ما يخص حوكمة الهجرة الشاملة، يضع المهاجرين في صلب سياسات الهجرة وقوانينها. ويؤدي نهج قائم على حقوق الإنسان إلى نتائج أفضل وأكثر استدامة للمهاجرين ومجتمعات المنشأ والعبور والمقصد. ومع اعتماد الاتفاق العالمي بشأن الهجرة، صادقت الدول الأعضاء على خريطة طريق قائمة على حقوق الإنسان من أجل الحوكمة الدولية للهجرة.
ويعقد نوانكوو العزم على خوض التجربة مجدداً قائلاً "سأظل أحاول الذهاب إلى بلد آخر في المستقبل. لكنني لا أرغب في اتخاذ هذا النوع من المخاطر في حياتي بعد اليوم". أما فاتو، التي عانت صدمة نفسية من محاولتها الأولى، فترغب الآن في العودة إلى الديار، وقالت "أردت السفر إلى الخارج. الآن أريد العودة إلى الديار، لا أملك شيئاً لكن سأرى ماذا أستطيع أن أفعل. نحتاج إلى التغيير. وعلى الحكومة أن تفكر في الشباب، فنحن نعاني".
--------------
*تمَّ تغيير الأسماء. .
19 كانون الاول/ديسمبر 2019