Skip to main content

"اكتشاف الحقيقة ممكن" – منهجية تقصي الحقائق في ميانمار

12 أيلول/سبتمبر 2018

أصدرت بعثة الأمم المتحدة لتقصي الحقائق في ميانمار النتائج والتوصيات بشأن الادعاءات الأخيرة المتعلقة بالانتهاكات والتجاوزات لحقوق الإنسان في ميانمار. وتشير استقصاءاتها إلى وقوع جرائم ضد الإنسانية وجرائم حرب وإبادة جماعية ضد الروهينغا، فيما تقع المسؤولية الكبرى على عاتق الجيش (التاتماداو).

وقامت البعثة بتحليل الادعاءات المتعلقة بالانتهاكات والتجاوزات لحقوق الإنسان في ولايات كاتشين وراخين وشان منذ عام 2011. وعملت بشكل مفصل على تقصي الحقائق بشأن العديد من الحالات الرمزية بهدف كشف النقاب عن أنماط أوسع نطاقاً. وبحلول الوقت الذي صدر فيه التقرير في آب/أغسطس 2018، كانت البعثة قد أجرت مقابلات معمقة مع 875 ضحية وشاهداً من خلال أكثر من 250 موظفاً من المنظمات الحكومية وغير الحكومية وحشد من الأخصائيين والباحثين المستقلين بشأن ميانمار.

كما أسندت البعثة نتائجها على مصادر معلومات أولية أخرى مثل الصور الملتقطة عبر الأقمار الصناعية والوثائق والصور والفيديوهات التي جرى التأكد من صحتها. وتمَّ التحقق من شهادات الضحايا ومصادر المعلومات الأخرى والتثبت منها. كما استُخدمت معلومات ثانوية موثوقة لإثبات صحة معلومات البعثة مثل التقارير من المنظمات الحكومية وغير الحكومية والباحثين المستقلين وغيرهم. وترتكز النتائج التي توصلت إليها البعثة على "الأسباب الوجيهة" لمعيار الإثبات. ويتوافر هذا المعيار عندما تتيح مجموعة كافية وموثوقة من المعلومات الأولية لشخص حريص عادةً أن يستنتج بطريقة منطقية أن حادثة أو نمطاً سلوكياً قد حصلا.

وعندما استمعت البعثة إلى روايات بشأن حوادث رئيسية متعلقة تحديداً بفترة زمنية ومكان معينين، فإنها بحثت عن حوادث أخرى في المنطقة ذاتها وأثبتت صحة هذه الروايات. وعندما جمعت البعثة حجماً معيناً من المعلومات، بات من الممكن تمييز أنماط الانتهاكات. وتمثلت الصورة التي تمخضت عن ذلك في التاتماداو مستخدماً الأساليب نفسها، بالرغم من من اختلاف مستويات حدتها، أينما قام بعملياته.

وقال كريستوفر سيدوتي، وهو أحد الأعضاء الثلاثة في فريق التحقيق التابع للأمم المتحدة أثناء بعثة ميدانية إلى كوكس بازار "بالرغم من أن القدوم إلى المخيمات هنا يركز الاهتمام مجدداً على وضع الروهينغا، إلا أن أحد الأمور التي تصدمني هي أن حالتهم مماثلة تماماً لميانمار ككل".

لكن أليس من الممكن أن هذه العمليات العسكرية شكلت جزءاً من قتال مشروع ضد الإرهاب؟ وهل كانت هذه الأعمال لعناصر متمردة من التاتماداو؟ وهل كان العنف نتيجة توترات تلقائية بين طائفتين؟ وهل كان الروهينغا يعانون هستيريا جماعية أو جراحاً ذاتية؟

لقد وضعت البعثة كل التفسيرات المحتملة للعمليات العسكرية والعنف، ابتداءً مما أكده كبار قادة التاتماداو والمسؤولون الحكوميون. من ثم تطرقت إلى الحقائق. ويستند تقصي الحقائق على الاستعياب بأن "هناك حقيقة موجودة ويمكن البحث عنها مجدداً باستخدام منهجية معينة"، وفق عضو آخر في بعثة تقصي الحقائق. وساعدت الخبرة الضمنية التي تمتعت بها البعثة، بما في ذلك في مجال العنف القائم على الجنس والجنسانية والشؤون العسكرية والقانون وعلم النفس الخاص بالطفل وعلم الأدلة الجنائية، في معالجة هذه المسائل. وقد تمَّ إجراء البحث والتحليل بشكل دقيق، ليس في ما يتعلق بالأعمال التي تكشَّفت على الأرض فحسب، بل أيضاً بشأن انتشار الخطاب المفعم بالكراهية والتحريض على العنف، خصوصاً عبر وسائل التواصل الاجتماعي، ومن لديه النفوذ لوقف ذلك، وكيف يتعارض هذا الأمر مع التعاريف القانونية لانتهاكات محددة في مجال حقوق الإنسان وجرائم بموجب القانون الدولي. وبالتالي، استطاعت البعثة حذف تفسيرات بديلة، الواحدة تلو الأخرى، إلى أن استنتجت بناءً على أسباب وجيهة أين ارتُكبت الانتهاكات و/أو الجرائم وأين تكمن المسؤولية الأساسية، مع ملء الثقة بتسمية كبار الجنرالات الذين ينبغي التحقيق معهم وملاحقتهم قضائياً.

وبغية جمع المعلومات، سافرت البعثة إلى بنغلاديش وأندونيسيا وماليزيا وتايلاند والمملكة المتحدة. ودفعتها رحلتها الأخيرة في تموز/يوليو 2018 إلى العودة إلى المخيمات في كوكس بازار على امتداد الشاطىء الجنوبي لبنغلاديش حيث بحثت غالبية الروهينغا الذين هربوا من العنف في ميانمار – أكثر من 720 ألفاً منذ آب/أغسطس 2017 وفق المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين – عن ملجأ. وفي أماكن أخرى، التقت البعثة بلاجئين من مناطق أخرى من البلاد، بما في ذلك ولايتي كاتشين وشان.

لكن هل تأثرت النتائج التي توصلت إليها البعثة برفض إمكانية وصولها إلى ميانمار؟ يدحض الخبراء هذا الإيحاء. وقال مرزوقي داروسمان، رئيس بعثة تقصي الحقائق، في ما يتعلق باللاجئين الذين التقتهم البعثة "هؤلاء هم تحديداً الأشخاص الذين لكُنا التقيناهم لو مُنحنا إمكانية الوصول إلى ميانمار". أضاف "لو مُنحنا إمكانية الوصول إلى البلاد ولقاء الأشخاص ذاتهم، لكُنا خرجنا بنفس الوقائع والحقائق".

وتقيدت البعثة بشكل صارم بمبادىء الاستقلالية والحياد والموضوعية وحصلت على موافقة المصادر لاستخدام المعلومات وضمان السرية عند الاقتضاء. وأولت اهتماماً خاصاً إلى حماية الضحايا والشهود مع الأخذ بالاعتبار خوفهم المبرر من التعرض لأعمال انتقامية والتزمت بدقة بمبدأ "عدم الإيذاء". وقد تمَّ إحالة الأشخاص الذين أجريت معهم المقابلات وأظهروا علامات عديدة من الصدمات النفسية أو احتاجوا إلى مساعدة إلى مزدوي الخدمات المناسبين، بالرغم من أن الحاجة فاقت ما هو متوافر إلى حدٍّ كبير. وأينما برز خطر واضح بالإصابة بصدمة نفسية مجدداً جراء مقابلة ما، فإن أعضاء البعثة لم يتابعوا إجراء المقابلة، بل حرصوا على تجنب التحدث إلى الضحايا الذين سبق لآخرين مقابلتهم.

وأكدت حكومة ميانمار مراراً وتكراراً أنها لا تتغاضى عن انتهاكات حقوق الإنسان وأنها ستتخذ إجراءات عندما يجري عرض هذه الانتهاكات مع أدلة محددة. فها الأدلة باتت متوافرة، والحقائق تمَّ العثور عليها. آن الأوان إذاً للوفاء بهذا التعهد والتصرف في هذا الشأن.

12 أيلول/سبتمبر 2018

الصفحة متوفرة باللغة: