Skip to main content

البيانات المفوضية السامية لحقوق الإنسان

ندوة ترغفي لي السنويّة للعام 2018 بشأن الحريّات الأساسيّة للمدافعين عن حقوق الإنسان: حركة عالميّة من أجل السلام

المدافعون عن الحقوق

27 أيلول/سبتمبر 2018

بيان مفوّضة الأمم المتّحدة الساميّة لحقوق الإنسان ميشيل باشليه

نيويورك، في 27 أيلول/ سبتمبر 2018

حضرة رئيس المعهد الدوليّ للسلام المحترم،
زملائيّ المحاضرون الكرام،
أصحاب السعادة،
أيّها الزملاء والأصدقاء الكرام،

يسعدنا أن تكون هذه الندوة من أوّل الأحداث التي نشارك فيها بصفتنا مفوّض سامي لحقوق الإنسان.

نجتمع اليوم إحياءً لذكرى ترغفي لي، أوّل أمين عام للأمم المتّحدة. وخلال ولايته تمّت صياغة الإعلان العالميّ لحقوق الإنسان واعتماده وذلك منذ 70 عامًا.

فهذه الوثيقة العظيمة بلغتها المتميّزة تعلن أنّ "البشر يولدون جميعهم متساوون في الكرامة والحقوق."

كما أنّنا غالبًا ما ننسى أنّ الإعلان العالميّ لحقوق الإنسان ينصّ على خطوات عمليّة مفصّلة تبعدنا كلّ البعد عن النزاعات والحرمان، وتؤدّي بنا إلى إعمال حقوق الإنسان على أرض الواقع.

يشرّفنا أن نتولّى ولاية حماية حقوق الإنسان وتعزيزها حول العالم، في مناسبة الذكرى السبعين لوعد عظيم قامت به الدول أمام شعوبها.

والإعلان العالميّ وثيقة حيّة – هو التزام مستمرّ وعالميّ بكلّ إنسان. وتمامًا كما قال ترغفي لي فإنّ "هذا الإعلان يساعد في كلّ وقت أعدادًا متزايدة من الأشخاص كي يطالبوا بطريقة أكثر وضوحًا وفعاليّة بحقوقهم وباحترامها."

أصحاب السعادة،

في الذكرى الـ50 للإعلان العالميّ، اعتمدَتْ الجمعيّة العامة الإعلان المتعلّق بالمدافعين عن حقوق الإنسان –المعروف رسميًّا بـ"الإعلان المتعّلق بحقّ ومسؤوليّة الأفراد والجماعات وهيئات المجتمع في تعزيز وحماية حقوق الإنسان والحريّات الأساسية المُعتَرف بها عالميًا".

ويؤكّد هذا الإعلان أنّه من حقّ كلّ شخص "بمفرده وبالاشتراك مع غيره، أن يدعو ويسعى إلى حماية وإعمال حقوق الإنسان والحريّات الأساسيّة على الصعيدَيْن الوطنيّ والدوليّ".

وقد أدّى إلى الاعتراف من جديد بالناشطين من المجتمع المدنيّ، وأوضح جليًّا أنّ تنفيذ مبادئ حقوق الإنسان وقوانينها بفعاليّة يعتمد إلى حدّ كبير على عمل الناشطين ومجموعات المجتمع المدنيّ.

وقد شكّل الإعلان التزامًا بحماية المدافعين عن حقوق الإنسان، وحقّهم في حريّة التجمّع وتكوين الجمعيّات. كما شكّل التزامًا لضمان حريّة الإعلام؛ والاعتراف بحقّ المجموعات والأفراد في نشر كلّ ما يتعلّق بقضايا حقوق الإنسان ومناقشتها وتوعية الرأي العام عليها؛ والحقّ في تطوير أفكار جيدة خاصة بحقوق الإنسان والدعوة إلى قبولها؛ والحقّ في المشاركة في الشؤون العامة.

كان كوفي عنان الأمين العام وقت ذلك. وقد وصف جوهر الإعلان المتعلّق بالمدافعين عن حقوق الإنسان بهذه الكلمات: "عندما تُنتَهَك حقوق المدافعين عن حقوق الإنسان تمسي كافة حقوقنا في مهب الريح – ونمسي جميعنا أكثر عرضة للخطر."

بعد مرور عشرين عامًا على اعتماد الإعلان المتعلّق بالمدافعين عن حقوق الإنسان – وسبعين عامًا على اعتماد الإعلان العالميّ لحقوق الإنسان – تمّ إحراز الكثير من التقدّم.

وقد دعمت قوّةُ مشاركة المجتمع المدنيّ التقدمَ الهائل الذي تمّ إحراز على مستوى صون الكرامة الإنسانيّة حول العالم؛ والرفاه الاقتصاديّ والاجتماعيّ؛ ما أدّى إلى إدارة أكثر انفتاحًا وشموليّة وفعالية.

كما تحقّق العديد من الإنجازات التاريخيّة في العديد من البلدان ساهمت في التقدم نحو مزيد من المساواة والحرية للنساء، وأعضاء الأقليّات العرقيّة والدينيّة والطبقيّة، والعديد من المجموعات الأخرى - بما في ذلك مجتمعات المثليّات والمثليين ومزدوجي الميل الجنسي ومغايري الهويّة الجنسانيّة وحاملي صفات الجنسَيْن والأشخاص ذوي الإعاقة.

وتجرّأ أبطال من الرجال والنساء بالمطالبة بإعمال الحقوق لإخوانهم من البشر - وقد نجح كثير منهم في تحقيق ذلك. وفي العديد من البلدان، ترسخت تقاليد قويّة تمثّلت في تجمّع أشخاص عاديين خدمةً لقضايا مشتركة من شأنها أن تحسّن أحوال الجميع.

في أصوات هؤلاء، نسمع ما يعلنه الإعلان العالميّ لحقوق الإنسان: "إن إرادة الشعب هي مصدر سلطة الحكومة".

ولكن، على الرغم من ذلك، خيّمت بعض السحب القاتمة على آفقنا. ففي خلال السنوات الأخيرة، شهدنا تقلّص الحيّز المدنيّ. وفي العديد من البلدان، وفي القارات جميعها، فرضت الحكومات قيودًا على قدرة المجتمع المدنيّ على العمل أو الحصول على تمويل، أو أنّها فشلت في الوفاء بالتزاماتها بضمّ المدافعين والاعتراف بهم وحمايتهم ما عرّض عملهم وشخصهم إلى الهجمات.

يُتَّهم المدافعون عن حقوق الإنسان زورًا بأنّهم خونة وإرهابيّين. كما يواجهون حملات تشهير وتضليل، ويتعرّضون للمضايقات والتخويف – لا سيّما المدافعين عن حقوق المرأة والمثليّات والمثليين ومزدوجي الميل الجنسي ومغايري الهويّة الجنسانيّة وحاملي صفات الجنسَيْن، الذين غالبًا ما يتعرّضون لهجمات جنسيّة بطبيعتها.

كما يهدّد المسؤولون المدافعين، ويعرّضون مكاتبهم للمداهمات والنهب. وقد يواجه المدافعون أيضًا التوقيف التعسفيّ، أو النقص في الحماية فيتعرّضون للاعتداءات الجسديّة والعنف القائم على النوع الاجتماعيّ وللقتل حتّى. كما نشهد حملات قمع عنيفة تستهدف المظاهرات السلميّة، وأحكامًا قاسية بالسجن لممارسة الحقوق الأساسيّة.

ونشهد أيضًا جهودًا واسعة النطاق تُبذَل بهدف إسكات المدافعين عن حقوق المرأة، ونزع الشرعيّة عنهم واستهدافهم على وجه التحديد – لمجرد أنّهم من النساء، أو بسبب جهودهم الرامية إلى تعزيز المساواة بين الجنسَيْن.

ومن جهة أخرى، تُستَخْدم التكنولوجيا الرقميّة من أجل تقييد الحيز المدني أكثر بعد في العديد من البلدان، وذلك عبر ممارسات اقتحاميّة تنتهكّ الحق في الخصوصية، بما يتناقض مع القانون الدوليّ لحقوق الإنسان. فيتم تعقّب المدافعين عن حقوق الإنسان، وتيسير اعتقالهم، أو الهجوم عليهم من قبل جهات من القطاع خاص. كما يتمّ رفع طلبات إلى منصات الاتّصالات الخاصة تطالب بالحصول على معلومات سريّة عن أشخاص يبلّغون عن انتهاكات حقوق الإنسان.

تهدف الحملات عبر الإنترنت ضد المدافعات عن حقوق الإنسان إلى تقويض بمصداقيتهنّ كمناصرات، وإخفات أصواتهن، وتقييد الحيّز العام المحدود أصلاً حيث يمكن الناشطات الحشد وإحداث فرق.

وفي عدد من البلدان، يتعرض علنًا الأفراد والمجموعات التي تساند الأمم المتّحدة في عملها في مجال حقوق الإنسان إلى الهجمات. فقد أفاد الأمين العام المساعد لحقوق الإنسان مؤخرًا بتنفيذ "أعمال عنف خطيرة... بحقّ من يتجرأ على التعاون معنا – على غرار الاحتجاز مع منع الاتّصال، والتعذيب وسوء المعاملة، والحبس الانفرادي لفترات طويلة، وحتى القتل". كما وردتنا تقارير تفيد بممارسة الاعتداء الجنسيّ، والتهديد بالاغتصاب، وإطلاق حملات تشهير على الإنترنت، وتفتيش بدنيّ تطفّليّ، والمعاملة المهينة والمذلّة، وحظر السفر بهدف منع الأشخاص من الوصول إلى هيئات الأمم المتحدة.

إنّ حجم هذه الأعمال الانتقاميّة ضد الأشخاص الذين يتعاونون مع هيئات الأمم المتّحدة الإنسانية ونطاقها بعيدا المدى، وأثرها جلّي في البلدان التي غالبًا ما يواجه فيها موظفونا أناسًا خائفين لدرجة تمنعهم عن التحدث إلينا.

كما أنّ اتساع نطاق الهجمات على المدافعين عن حقوق الإنسان، عبر المجتمعات كافة، هائلة. فمن خلال إسكات أصوات الشعب الناشطة، يقوّض هذا النوع من الاعتداء على الحقوق بشكل كبير قدرة الدولة على الاستجابة لشواغل مهمة - ويؤدي إلى تآكل ركائز التنمية المستدامة والسلام.

إنّ حق الناس في المطالبة بحقوقهم جوهريّ بحد ذاته. لكنه يحفّز أيضًا العديد من المنافع الأخرى.

ومن المرجح أن تضمن مشاركةُ المجتمع المدنيّ المجدية في صنع القرار التوزيعَ العادل للموارد. ومن الضروري أن تُنَفَّذ خطّة التنمية المستدامة – في المجالات جميعها: في الصحة والسكن والمياه وتغير المناخ. ولن نتوصّل إلى أفضل الحلول إلاّ عندما يشارك المتأثرون مشاركة فاعلة في تحديد أفضل الطرق لإحراز التقدم والمضيّ قدمًا – وعندما يتمكّنون من تقييم خطّة التنمية المستدامة بعد بدء مرحلة تنفيذها.

كما أنّ النشاط يجرّ الثقة في المؤسسات الحيويّة، والوصول إلى السلع الأساسيّة. وبالتاليّ، يمكنه أن يكون ترياقًا قويًّا ضدّ التطرف. علينا أن نسلّط الضوء على الرسالة التالية فتصبح واضحة للجميع: ليس الانتقاد ولا النقاش من أشكال الإرهاب – بل هما أداة وقائيّة ضدّ بروز مجموعات متطرّفة عنيفة.

وبالتاليّ، ماذا يمكننا أن نفعل اليوم في ظلّ تعرّض الحقوق الأساسيّة إلى ضغوط موجعة؟

يمكننا المضي قدمًا – وذلك عبر المقاومة.

علينا أن ندافع عن حقوق الإنسان. علينا أن نطالب بتحقيق حيّز شامل وآمن للمجتمع المدنيّ، بما في ذلك للمدافعين عن حقوق الإنسان. علينا أن نحمي حياة الناس وعملهم في العالم أجمع – وليس في مجتمعاتنا وحسب – أن نحمي أولئك الذين يناضلون من أجل صقل عالم فيه قدر أكبر من المساواة والسلام والكرامة والرفاه.

علينا أن ندافع عن الحريّات الأساسيّة. علينا أن نتصدّى للخطابات الكاذبة والسلبيّة التي تعتبر المدافعين عن حقوق الإنسان من الأعداء، وعلينا أن نذكّر المسؤولين والرأي العالم بأنّه ما من وطنيّة أكبر من النضال من أجل المنفعة العامة.

علينا أن نساعد المدافعين والناشطين على بناء شبكات تجمعهم دفاعًا عن حيّز أنشطتهم. علينا أن نبني الجسور كي نوسّع دائرة حقوق الإنسان. علينا أن نشجّع الشركات – بما في ذلك الشركات التكنولوجيّة – كي تلعب دورًا أوسع نطاقًا في حماية عمل المدافعين – لأنّ الحريّات العامة تدرّ الأرباح. وعلينا أن نبني على ذلك.

نحن بحاجة إلى بذل المزيد من الجهود الفاعلة على تحقيق المساءلة على مستويات الوطني والإقليميّ والدوليّ. علينا أن نأخذ بعين الاعتبار خبرات المدافعات وأصواتهن وغيرهنّ ممن يواجه أشكالاً محدّدة من التمييز والعنف.

علينا أن نضمن حماية الحيّز المدنيّ الخاص بجميع المدافعين عن حقوق الإنسان إن في الأمم المتّحدة أم غيرها من المنتديات الدوليّة وأن نسعى إلى توسيعه.

وعلينا أيضًا أن نذكّر الحكومات بأنّها وعدت ولأسباب وجيهة بتعزيز هذه الحقوق. لأنّها تساهم في بناء مجتمعات متناغمة قادرة على الصمود والمواجهة؛ مجتمعات تنهل قوتها من عدالتها.

أننّا نتطلّع لسماع أفكاركم حول كيفيّة عملنا معًا.

وشكرًا.

الصفحة متوفرة باللغة: