البيانات والخطابات المفوضية السامية لحقوق الإنسان
المفوض السامي يتناول الأوضاع في جمهورية الكونغو الديمقراطية: "أفسحوا المجال أمام السلام"
حالة حقوق الإنسان وأنشطة مكتب الأمم المتحدة المشترك لحقوق الإنسان في جمهورية الكونغو الديمقراطية
08 تشرين الأول/أكتوبر 2024
أدلى/ت به
مفوّض الأمم المتّحدة السامي لحقوق الإنسان فولكر تورك
سيّدي الرئيس،
أصحاب السعادة،
لا تزال حالة حقوق الإنسان في جمهورية الكونغو الديمقراطية تتدهور بصورة مستمرّة أمام أعيننا.
بسبب مزيج متقلّب من العنف المتصاعد، والمصالح الإقليمية والدولية، والأعمال التجارية الاستغلالية، وضعف سيادة القانون.
على حساب شعب سبق ودمرته عقود من النزاع.
يستحقّ هذا الوضع اهتمام المجتمع الدولي الفوري، كي تَسكت البنادق ويتمّ إفساح المجال أمام السلام.
خلال زيارتي إلى البلاد في نيسان/ أبريل، أثرت عدة قضايا لا تزال بارزة حتّى اليوم.
أولاً، ضرورة إنهاء النزاع في الشرق.
إنّ عدد ضحايا انتهاكات وتجاوزات حقوق الإنسان وانتهاكات القانون الدولي الإنساني في تزايد مستمر. ففي الفترة الممتدّة بين 1 حزيران/ يونيو 2023 و31 أيار/ مايو 2024، وقعت 85 في المائة من الانتهاكات والتجاوزات المرتكبة في البلاد في المقاطعات المتأثرة بالنزاع شرق البلاد. ويُزعم أن أعضاء الجماعات المسلحة مسؤولون عن 61 في المائة من هذه الانتهاكات، إلى جانب الاعتداءات المميتة على المدنيين والبنية التحتية المدنية، بما في ذلك المدارس والمستشفيات.
وعلى الرغم من بعض الجهود المبذولة لمنع هذه الحالات والتحقيق فيها، فإنّ العنف الجنسي آخذ في التفشي، حيث تم التعرف على 700 ضحية إضافية خلال الفترة المشمولة بالتقرير. وتقوم الجماعات المسلحة باختطاف النساء والفتيات واحتجازهن وإخضاعهن للعبودية الجنسية. وقد قُتل العديد منهن بعد تعرضهن للاغتصاب. ومن المؤكد أنه لا يتم الإبلاغ عن جميع الحالات بشكل كافٍ. وهذا الأمر مروع حقًا.
وفقًا لمصادر عاملة في المجال الإنساني، فقد نزح 940,000 شخص إضافي هذا العام فيتخطّى العدد الإجمالي للنازحين داخليًا 6.4 مليون شخص. كما أنّ 23.4 مليون شخص في جميع أنحاء البلاد يعانون من انعدام الأمن الغذائي، ما يجعل جمهورية الكونغو الديمقراطية من بين أكثر البلدان تضررًا من انعدام الأمن الغذائي في العالم. أحث جميع الأطراف على احترام الطابع المدني للمواقع التي تستضيف النازحين وأدعو المجتمع الدولي إلى زيادة التمويل الإنساني.
كما لا تزال انتهاكات حقوق الإنسان التي ترتكبها القوات المسلحة لجمهورية الكونغو الديمقراطية وقوات الأمن، بما في ذلك أثناء عملياتها العسكرية ضد الجماعات المسلحة، تثير القلق البالغ.
ويؤدي خطاب الكراهية وغيره من أشكال التحريض على التمييز والعنف إلى تأجيج النزاع وتصاعد التوترات السياسية في جميع أنحاء البلاد، ويجب عدم التسامح معه إطلاقًا. أرحب بالموقف العلني للسلطات والجهود التي تبذلها لمعالجة هذه المشكلة وأقدم دعم مفوضيّتنا المستمر في هذا الصدد.
سيدي الرئيس،
أحثّ الدول التي تؤثّر على الجماعات المسلحة على بذل قصارى جهدها لضمان وقف القتال. ويجب إنهاء أي دور تقوم به رواندا في دعم حركة 23 مارس المسلحة في كيفو الشمالية، وأي بلد آخر يدعم الجماعات المسلحة الناشطة في جمهورية الكونغو الديمقراطية.
ويجب أن تبقى السلطات قادرة تمامًا على الاضطلاع بأدوارها في الشرق بغية توفير الأمن والخدمات العامة الأساسية. كما يجب على الدولة أن تتصدى للإفلات من العقاب وأن توفر سبل انتصاف فعالة لضحايا الانتهاكات والتجاوزات، بما في ذلك الوصول إلى العدالة من خلال نظام قضائي عادل وفعال.
أشجع على إعادة تنشيط عمليتَي نيروبي ولواندا. ومفوضيتنا على أهبّ استعداد لدعم بعثة الجماعة الإنمائية للجنوب الأفريقي في جمهورية الكونغو الديمقراطية والبلدان المساهمة بقوات فيها، من أجل تصميم وتنفيذ إطار عمل متين وعملي للقانون الدولي لحقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني.
وينبغي أن تنسحب بعثة منظمة الأمم المتحدة لتحقيق الاستقرار في جمهورية الكونغو الديمقراطية على نحو تدريجي ومسؤول وفي الوقت المناسب، مع ضمان أن تظل حماية المدنيين محور التركيز. وأرحب بقيادة الممثلة الخاصة للأمين العام بينتو كيتا وضمانها حقوق الإنسان بأهميّتها المحورية في عمل البعثة وفريق الأمم المتحدة القطري، بما في ذلك خلال هذه الفترة الانتقالية.
ثانيًا، معالجة الإفلات من العقاب واستعادة التماسك الاجتماعي.
لقد ظلت المظالم والانقسامات العرقية والمجتمعية التي تشكل جذور النزاع وعدم الاستقرار من دون معالجة لفترة طويلة جدًا.
وستستمر ما لم تُبذل الجهود اللازمة لإعادة بناء التماسك الاجتماعي.
والمساءلة جانب أساسي لبلوغ تلك الغاية.
أرحب بالجهود الأولية التي بذلتها السلطات في هذا الصدد. فبين 1 حزيران/ يونيو 2023 و31 أيار/ مايو 2024، تمت إدانة 79 جنديًا من القوات المسلحة و23 ضابطًا من الشرطة الوطنية الكونغولية و315 عنصرًا من الجماعات المسلحة و105 مدنيين بارتكاب جرائم.
لكن لا بدّ من بذل المزيد من الجهود في هذا الصدد. ويجب إنشاء آليات فعالة لحل النزاعات، رسمية وغير رسمية على حدّ سواء.
كما أن اعتماد وتنفيذ سياسة عدالة انتقالية شاملة تركز على الضحايا من شأنه أن يساعد البلاد على التصالح مع ماضيها المضطرب. وتواصل مفوضيّتنا وفريق الخبراء المعني دعم السلطات لتحقيق هذه الغاية.
سيدي الرئيس،
إنّ ظروف الاحتجاز في جميع أنحاء جمهورية الكونغو الديمقراطية آخذة في التدهور، بما في ذلك في المرافق التي تديرها أجهزة الاستخبارات. ويتعرض المحتجزون للتعذيب وغيره من ضروب سوء المعاملة، بما في ذلك العنف الجنسي، ويُحتجزون في ظروف قاسية من دون السماح لهم بالاتصال بأسرهم ومحاميهم.
وأشير إلى الجهود التي بُذلت مؤخرًا، الرامية إلى الحد من اكتظاظ السجون وأحث السلطات على ضمان إجراء تحقيقات كاملة وشفافة في عمليات القتل والاغتصاب التي تعرض لها المحتجزون في سجن ماكالا المركزي في كينشاسا في 2 أيلول/ سبتمبر.
ويشكّل استقلال مفوضيتنا عند إجراء التحقيقات وسيلة تضمن تعزيز حقوق الإنسان وحمايتها في جمهورية الكونغو الديمقراطية.
أعرب عن قلقي البالغ حيال تعليق الوقف الاختياري الفعلي لعقوبة الإعدام في آذار/ مارس، وهذه انتكاسة خطيرة تتعارض مع الاتجاه السائد في أفريقيا والعالم نحو إلغاء عقوبة الإعدام نهائيًا.ومنذ ذلك الحين، حكمت المحاكم العسكرية على 128 رجلاً بالإعدام. أحثّ السلطات على ضمان عدم تنفيذ هذه الأحكام، وإنهاء العملية التشريعية الجارية بهدف إلغاء عقوبة الإعدام في نهاية المطاف.
ثالثًا، يجب أن يستفيد الشعب من عائدات الموارد الطبيعية.
تزخر جمهورية الكونغو الديمقراطية بموارد طبيعية استثنائية، بما في ذلك المعادن مثل الكوبالت والكولتان والنحاس والذهب، وإمكانات كهرومائية هائلة، وأراضٍ شاسعة صالحة للزراعة، وتنوع بيولوجي مميّز، كما أنّها تضمّ ثاني أكبر غابة مطيرة في العالم.
ومع ذلك، فإن الاستيلاء على الموارد الناجم عن استغلال الموارد الطبيعية غير القانوني في جمهورية الكونغو الديمقراطية والاتجار غير المشروع بها، بتواطؤ من شركات داخل البلاد وخارجها، وانتشار الأسلحة والاتجار بها، هي من بين الدوافع الرئيسية للعنف المستمر.
ويؤدي ذلك أيضًا إلى إغراق السكان في مزيد من الفقر. فجمهورية الكونغو الديمقراطية تُعتَبَر واحدة من بين أفقر خمس دول في العالم، حيث يعيش واحد من كل ستة أشخاص تقريبًا في فقر مدقع في هذه الجمهورية الواقعة في أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى. وهذا الواقع غير مقبول إطلاقًا.
وما يلفت انتباهي هو مدى ارتباط الوضع في الشرق بحياتنا اليومية، كما هي الحال مع هواتفنا المحمولة التي أصبحت ممكنة إلى حد كبير، بفضل موارد جمهورية الكونغو الديمقراطية.
أحث السلطات والجهات الفاعلة الإقليمية والدولية، على معالجة هذه القضايا، والجهات الفاعلة في القطاع الخاص الناشطة في هذا المجال على تحمّل مسؤولياتها في مجال حقوق الإنسان بشكل كامل.
وأود في هذا السياق أن أسلّط الضوء على عمل فريق الأمين العام المعني بالمعادن الأساسية التي تمر بمرحلة انتقالية في مجال الطاقة، وسيكون من المهم للغاية التفكير في التوصيات الواردة في التقرير النهائي والاستفادة منها.
سيدي الرئيس،
لقد أنهك العنف والنزاع والأهوال اليومية شعب جمهورية الكونغو الديمقراطية.
فالناس بحاجة إلى أن يتمتّعوا بمستقبل مشرق، وعلى نفس القدر من الأهمية، أن يستشرفوا هذا المستقبل.
يجب أن يحظى المدافعون عن حقوق الإنسان الذين يدافعون بلا هوادة عن الكرامة والسلام بدعمنا الكامل.
يجب أن يشكّل ضمان السلام والتنمية وتعزيز التماسك الاجتماعي في جمهورية الكونغو الديمقراطية هدفنا المشترك.
ويقع على عاتقنا جميعنا عبء عدم غض الطرف عن هذا الواقع، والعمل بكلّ ثبات من أجل تحقيق هذا المستقبل المشرق.
وشكرًا.