Skip to main content

البيانات المفوضية السامية لحقوق الإنسان

أسبوع الحماية الاجتماعيّة في منظّمة العمل الدوليّة "الحماية الاجتماعيّة والأولويات العالميّة والاستثمارات المرتفعة العائدات" بيان مفوّضة الأمم المتّحدة السامية لحقوق الإنسان ميشيل باشيليت

25 تشرين الثاني/نوفمبر 2019

في 25 تشرين الثاني/ نوفمبر 2019

 

سعادة المدير العام جاي رايدر المحترم،
حضرة المتحدّثين الكرام،
أصحاب السعادة،
أيّها الزملاء والأصدقاء الأعزّاء،

تشكّل الذكرى المئويّة لتأسيس منظمة العمل الدوليّة مناسبة لاحتفال مجتمع حقوق الإنسان بأسره. فعلى النحو الذي أشار إليه الأمين العام للأمم المتّحدة، أنطونيو غوتيريش، في كلمته، تؤّدي منظمة العمل الدوليّة دورًا رئيسًا في حياة الناس، وذلك نظرًا لترابط جدول أعمالها باهتمامات الناس، في ما يتعلّق بالعمل اللائق والكريم، والعولمة العادلة، والعدالة الاجتماعية للجميع في كلّ مكان.

لذلك، يُسعدنا أن نشارك في مناقشات هذا الأسبوع التي تهدف إلى إحراز تقدّم ملحوظ في مجال تعزيز الحماية الاجتماعيّة الشاملة وتحقيق المقصد الثالث من الهدف الأوّل من أهداف التنمية المستدامة المنشودة، بحيث سيساهم الاستثمار في ضمان الحماية الاجتماعيّة الفعّالة في تمكين الشعوب من الاستفادة من اتّجاهات التغيير الاقتصاديّ والتكنولوجيّ الملموس من أجل ضمان حقوقها الإنسانيّة المنشودة.

ولا يزال أمامنا عقد واحد من الزمن لتحقيق خطة التنمية المستدامة لعام 2030، بما في ذلك المقصد الثالث من الهدف الأوّل من أهدافها؛ عقد قد لا يستمرّ طويلاً، بل يعدّ كافيًا للوفاء بمتطلّباتنا إن نجحنا في تسريع وتيرة أعمالنا وتكثيف جهودنا المبذولة في هذا الشأن. نحن نؤمن أن التقدّم المحرز نحو تعزيز الحماية الاجتماعيّة الشاملة قد يساهم، وبدوه، في تحقيق أهداف التنمية المستدامة السبعة عشر، وذلك نظرًا لتمتّع التدابير المعنيّة بالحماية الاجتماعيّة، كغيرها من الحقوق الإنسانيّة الأخرى على حدّ سواء، بأثرٍ ملحوظ على المجتمعات بأسرها، ما يساهم في تعزيز مبادئ الوئام والمرونة والمشاركة والإدماج والتنمية والسلام.

لذلك، يتعيّن على المجتمع الدوليّ والدول تغيير وتيرة التزامها السياسيّ سعيًا منها إلى الاستثمار في تعزيز الحماية الاجتماعيّة، وذلك بفضل مساعي التعاون الإنمائيّ المبذولة في هذا الشأن، نظرًا لقدرة هذه التدابير على ضمان استثمار جيّد للغاية.

أوّلاً، أظهرت أبحاث منظمة العمل الدوليّة التحليليّة، وبكلّ وضوح، أن حتّى أشدّ الدول فقرًا تحظى بالقدرات اللازمة على تحمّل تكاليف تطبيق نظام حماية اجتماعيّة شامل، وقد قدّرت دراساتها أن 1.6 في المائة من الناتج المحليّ الإجماليّ سيغطّي تكلفة توفير بدلات للأطفال، واستحقاقات أمومة للنساء حديثات الولادة، واستحقاقات أخرى للأشخاص ذوي الإعاقة، ومعاشات تقاعديّة لكبار السنّ.

وقد بدأت العديد من الدول بتبنّي أبرز جوانب مخطّطات الحماية الاجتماعيّة الشاملة، بما في ذلك الأرجنتين، وبوليفيا، وبوتسوانا، والبرازيل، وكابو فيردي، وتشيلي، والصين، وكازاخستان، وكيريباتي، وكوسوفو، وقيرغيزستان، وليسوتو، وجزر المالديف، وموريشيوس، ومنغوليا، وناميبيا، وسيشيل، وجنوب إفريقيا، وسوازيلند، وتايلاند، وتيمور الشرقية، وترينيداد وتوباغو، وأوروغواي، وأوزبكستان.

وتنطوي أبرز مخطّطات الحماية الاجتماعيّة الشاملة هذه على برنامج "Programa SUMAR" الأرجنتينيّ المعنيّ بالنساء الحوامل، ومخطط الاستحقاقات الأسريّة المنغوليّ، وعدد من التدابير ذات الصلة المعتمدة في كلّ من الصين وكولومبيا ورواندا وتايلند التي نتج عنها أثر إيجابيّ على التغطية الصحيّة الشاملة والحقّ في الصحة، لا سيّما بالنسبة للأطفال.

أمّا بالنسبة للدول التي لم تباشر في تكثيف جهودها للاضطلاع بذلك بعد، فتبقى الإشكاليّة قائمةً إزاء ما إذا كانت قادرةً على تحمّل أعباء تعذّرها عن تعزيز تدابير الحماية الاجتماعيّة الشاملة المتّخذة من عدمه.

فخلال فترة تولّي الرئاسة في تشيلي، اتّخذنا العديد من تدابير الحماية الاجتماعيّة، انطوى بعضها على إدخال عدد من الإصلاحات المعنيّة بالمعاشات التقاعديّة لتغزيز مبادئ التضامن وإعادة توزيعها وهيكلتها من أجل ضمان إتاحة راتب أساسي على أكثر الفئات ضعفًا. وفي هذا السياق، أشارت مجموعةٌ من البيانات الاقتصاديّة والاجتماعيّة المتاحة إلى نجاح هذه السياسات في تعزيز النموّ الاقتصاديّ ومبادئ العدالة الأساسيّة والتماسك الاجتماعيّ على حدّ سواء.

وبناءً على طلب مدير عام منظمة العمل الدوليّة الموقر، ترأسّتُ لجنةً متخصّصةً في تقديم توصيات ذات صلة بهذا المجال إلى الدول الأعضاء. وقد وجد تقريرنا الصادر تحت عنوان "Social Protection Floor for a Fair and Inclusive Globalization" (حدّ أدنى للحماية الاجتماعية لعولمة عادلة وشاملة) أن الاستثمار في وضع نظم الحماية الاجتماعيّة يؤتي ثماره على المدى القصير من خلال التخفيف من حدّة الأزمات، وعلى المدى الطويل من خلال تعزيز عمليّة التنمية البشريّة والإنتاجيّة على حدّ سواء.

وتلخيصًا لإحدى أبرز القضايا المعقّدة، يبدو وكأنّ تدابير التقشف لم تنجح في معالجة الأزمة الاقتصاديّة والماليّة والتصدّي لها. لذلك، كان لا بدّ من تحديد أرضيات الحماية الاجتماعيّة في كلّ مجتمع، ما شكّل أساسًا لاعتماد التوصية رقم (202) الصادرة عن منظمة العمل الدوليّة بشأن الأرضيات الوطنيّة للحماية الاجتماعيّة في العام 2012، التي سعت إلى تقديم الإرشاد للدول الأعضاء من أجل استحداث نظم شاملة للضمان الاجتماعيّ وتوسيع نطاق تغطيته، وذلك من خلال إقامة أرضيات وطنيّة للحماية الاجتماعيّة وإتاحتها على كلّ من يحتاج لها.

ومنذ ذلك الحين، تمكّنت أكثر من 40 دولة من استحداث أرضيات الحماية الاجتماعيّة التي ساهمت في ضمان بعض الحقوق المنشودة. وفي هذا السياق، عملت مفوضيّة الأمم المتّحدة السامية لحقوق الإنسان، وبالتعاون مع غيرها من هيئات الأمم المتّحدة، مع منظمة العمل الدوليّة من أجل تقديم الدعم الملائم لكثير من هذه الدول، فضلاً عن اتّخاذ إجراءات عالميّة بهدف تعزيز الحقّ في الضمان الاجتماعيّ، بما في ذلك من خلال منصة إلكترونيّة مشتركة مصمّمة خصيصًا لذلك.

فعلى سبيل المثال، أشار التقرير الأخير الصادر عن منظمة الأغذية والزراعة إلى ارتفاع نسبة الجوع للسنة الثالثة على التوالي، هذا بالإضافة إلى عدد السكان الذي يعانونه ليصل إلى 820 مليون نسمة. فمن خلال لجنة الأمن الغذائيّ العالميّ، سعت مفوضيّة الأمم المتّحدة السامية لحقوق الإنسان إلى التشجيع على اعتماد نظم الحماية الاجتماعيّة من أجل تمكين إعمال الحقّ في الغذاء، باعتبارها أداةً لمكافحة الجوع وعدم المساواة، ولفت الانتباه إلى أوضاع المرأة الريفيّة القائمة.

أصحاب السعادة،

تظهر الأدلّة الواردة من عدد من الدول القائمة على مختلف مستويات التنمية، وبكلّ وضوح، أن نظم الحماية الاجتماعيّة تهدف إلى التخفيف من حدّة الأزمات وحالات الركود، وكذلك إلى تعزيز اقتصادات أكثر مرونةً على الإطلاق.

وقد تعسى أيضًا إلى التخفيف من آثار البطالة السلبيّة، وتعزيز إمكانيّات الوصول إلى التعليم والاستفادة منها، وتحسين الفرص المتاحة في سوق العمل، وضمان الحقّ في الصحة والغذاء ومياه الشرب وخدمات الصرف الصحيّ والتعليم والسكن، لا سيّما خلال الأزمات الشخصيّة، ما يضمن حماية الأفراد والأسر من أسوأ آثار التقلّبات المحتملة هذه، ويساهم بالتالي في إنقاذ الأرواح وحماية الاقتصادات من الكوارث على حدّ سواء.

أمّا اليوم، فيحظى أقلّ من 30 في المائة من سكان العالم بتغطيةٍ كافية من الحماية الاجتماعيّة، ويتعذّر أكثر من نصفهم عن الاستفادة بأيّ من مخططاتها على الإطلاق. وفي الدول النامية، لا يتلقّى 8 من بين كلّ 10 أفراد أيّ مساعدة اجتماعيّة، ويعمل 6 من بين كلّ 10 أفراد في ظلّ ظروف غير نظاميّة من دون الاستفادة من أيّ مخطّطات تأمين. وفي الوقت نفسه، تساهم العولمة والاقتصاد الرقميّ في استحداث ترتيبات عمل مرنة وظرفيّة قد تساهم في تقويض حقوق العمّال في كلّ من اقتصادات الدول النامية والمتقدّمة. ووفقًا لمنظمة العمل الدوليّة، بدأت معدلات بطالة الشباب في الارتفاع مجدّدًا، حيث وصل عدد أولئك العاطلين عن العمل إلى 70 مليون شاب في العام 2017. فعلى الصعيد العالميّ، يعمل 3 من بين كلّ 4 شباب في ظروف غير نظاميّة، ما يساوي 19 من بين كلّ 20 شاب وشابة في الدول النامية.

ويتزايد القلق إزاء عدم المساواة واحتماليّة التعرّض لأيّ خطر حول العالم، بحيث بات يشهد احتجاجات جماهيريّة تطالب باتّخاذ إجراءات محدّدة لدعم حقوق الإنسان، بما في ذلك المساواة الاقتصاديّة والاجتماعيّة والحريّات المدنيّة والمستويات المعيشيّة المناسبة، أيّ من خلال تأمين العمل اللائق والغذاء الكافي والسكن الملائم والتعليم الجيّد والرعاية الصحيّة النوعيّة.

لذلك، لا بدّ لنا جميعًا من تكثيف جهودنا المبذولة واتّخاذ الإجراءات المناسبة في هذا الشأن؛ فالشباب، لا سيّما الشابات أيضًا، هم قادة هذه الاحتجاجات ومحرّكات مجتمعاتنا ومستقبلنا، فلا يسعنا إلّا أن نتطلّع للوفاء بمتطلّباتهم والتعذّر عن خذلهم إطلاقًا.

ولا بدّ لنا جميعًا أيضًا من بذل قصارى جهدنا للحدّ من أوجه عدم المساواة، وتوفير شبكات أمان في عالم الأعمال المتغيّر، وضمان الاستجابة العاجلة لمطالب المساواة، وتهيئة الظروف اللازمة لعيش حياة كريمة.

فقد تحظى نظم الحماية الاجتماعيّة الشاملة المصمّمة تصميمًا جيّدًا لمعالجة الوضع الراهن بأثرٍ ملحوظ على احتياجات الشباب المحدّدة، بما في ذلك بحثهم عن عمل لائق. فمن خلال تعزيز إمكانيّات الوصول إلى التعليم، ستساهم نظم الحماية الاجتماعيّة الشاملة في مساعدة الجميع في الاستجابة لمتطلّبات عالم الأعمال المتغيّر، في الوقت الذي ستسعى فيه أيضًا إلى التطرّق لمعالجة أوضاع الأفراد الخاضعين لشتّى أنواع التمييز وغيرهم من الأشخاص ذوي الإعاقة باعتبارها جزءًا من تدابير حقوق الإنسان الأخرى المتّخذة في هذا الشأن، بحيث قد تساهم الحماية الاجتماعيّة الشاملة أيضًا في تحقيق المساواة بين الجنسين.

وفي هذا السياق، دعونا نستعرض معًا مثالاً واضحًا على ذلك، متمثّلاً في تحمّل النساء عبئًا غير متناسب من أعمال الرعاية غير مدفوعة الأجر. ونتيجةً لذلك، تعدّ النساء أكثر عرضةً لشغل وظائف محفوفة بالمخاطر لا تؤمن لهنّ إمكانيّات الاستفادة من مخطّطات التأمين الاجتماعي واستحقاقاتها، بما في ذلك إجازة أمومة مدفوعة الأجر أو تأمين ضدّ البطالة أو معاشات تقاعديّة. وفي الوقت الحالي، تكسب 740 مليون امرأة عيشهنّ في اقتصادات غير نظاميّة ودول منخفضة الأجر، بحيث تعمل 92 في المائة منهنّ في ظلّ ظروف غير نظاميّة، وذلك بالمقارنة مع 87.5 في المائة من الرجال. وبالتالي، قد تنجح سياسات الحماية الاجتماعيّة، التي تنظر في العبء غير المتكافئ الذي يقع على كاهل المرأة طوال حياتها بسبب ما تضطلع به من أعمال رعاية غير مدفوعة الأجر، بما في ذلك الوقت الذي تقضيه في تربية الأطفال والذي قد يمنعها من تقديم مساهمات متساوية، في تصحيح هذا الخلل وضمان عيشها بكرامةٍ حتّى عند بلوغها سنّ الشيخوخة.

وبالتالي، قد يمكّن التحليل القائم على احترام حقوق الإنسان واضعي السياسات من تطوير فهم أوضح للعوامل التي يتعيّن على تدابير الحماية الاجتماعيّة معالجتها والتصدّي لها، بما في ذلك التمييز، في الوقت الذي قد ينجح فيه أيضًا في تقديم إرشادات وتوصيات حول أكثر القوانين والبرامج فعاليّةً، وكذلك في تعزيز الوعي بتمتّع الأفراد، لا سيّما أكثرهم تهميشًا، بالحقّ في الوصول إلى الحماية الاجتماعيّة اللازمة لحمايتهم من أيّ أذى أو صدمة محتملة.

لذلك، ستعقد مفوضيّة الأمم المتّحدة السامية لحقوق الإنسان، وبالتعاون مع منظمة العمل الدوليّة، جلسةً تقنيّةً حول استحداث نظم الحماية الاجتماعيّة القائمة على احترام حقوق الإنسان يوم الأربعاء، آملين من العديد منكم الحضور والمشاركة فيها لاطلاعنا على بعض من الأفكار والقضايا التي ترغبون بمناقشتها معنا خلال هذا الاجتماع.

وشكرًا.

الصفحة متوفرة باللغة: