روبرتو غاريتون ميرينو: حياة في خدمة حقوق الإنسان
25 كانون الثاني/يناير 2022
"ما مِن التزام تجاه أوطاننا أكبر من أن نسعي لضمان أن يتمتع كل مواطن من مواطنينا من رجال ونساء بالحريات والحقوق المعترف بها في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، تمامًا كما أنّه ما مِن خطوة غير وطنية أكبر من إذلال المرء لشعبه."
"اعتراني غضب جارف لدرجة (...) حملتني إلى تكريس حياتي كلّها لقضايا حقوق الإنسان." بهذه الكلمات شرح روبرتو غاريتون ميرينو المنعطف الذي اتخذته حياته في 12 أيلول/ سبتمبر 1973، عندما قرّر، بعد يوم واحد من الانقلاب الذي شهدته شيلي، ترك وظيفته كمحامي شركات والانطلاق في مسار حوّله إلى مدافع معروف عن حقوق الإنسان في شيلي وفي العالم.
أكّد غاريتون في مقابلة تلفزيونية مع متحف الذاكرة أجراها في العام 2018، فقال: "لقد كان ذلك اليوم أكثر يوم حاسم في حياتي." وبعد فترة وجيزة من استيلاء النظام الديكتاتوري على الحكم، انضم غاريتون إلى اللجنة المؤيدة للسلام التي تهدف إلى الدفاع عن المضطَهدين أمام المحاكم العسكرية التي أنشأها النظام." وأفاد قائلاً: "شاركتُ في 103 محاكمة عسكرية، على الرغم من أنّ خبرتي كانت محدودة. فأنا محامٍ يعمل لحساب شركة مياه الشرب في سانتياغو، ولم أهتمّ يومًا سوى بقضايا منازعات العمل."
انتهى مسار روبرتو غاريتون وكفاحه الدؤوب في الدفاع عن حقوق الإنسان في 27 أيلول/ ديسمبر 2021، عن عمر يناهز الثمانين عامًا. وتوفي هذا الرجل الكريم والإنساني للغاية والسند، كما وصفه أصدقاؤه، في ذلك اليوم تاركًا وراءه بصمة لا تمحى من الكرامة والشرف، تخطّت حدود شيلي.
أكّدت مفوّضة الأمم المتّحدة السامية لحقوق الإنسان ميشيل باشيليت قائلة: "يتذكر كل من أتيحت له فرصة العمل مع روبرتو غاريتون قدره الملهمة على التواصل والتعبير، وطريقته في الاصغاء إلى المسكين والفقير والبسيط والمُهمَل، وكرمه ورفضه المطلق للتنازل عن الحقوق والقيم الأساسية. لقد جسّد روبرتو غاريتون في حياته القوة والتصميم والتعاطف والتواضع."
أمّا السمة المميزة التي طبعت شخصية غاريتون فكانت طريقته البسيطة والمباشرة التي طرح بها أفكاره. فقد أعلن في العام 2013 في مقابلة مع شبكة سي إن إن شيلي قائلاً: "لكل انتهاك لحقوق الإنسان ثلاثة مكونات هي عمل وحشي وجبن وكذب. فما مِن انتهاك لحقوق الإنسان بدون هذه العناصر الثلاثة."
وأضافت باشيليت قائلة: "حتى لحظة وفاته، ظل غاريتون يعارض جهارًا انتهاكات حقوق الإنسان، بغض النظر عن مرتكبيها. فهو اعتبر أنّ حقوق الإنسان تمثّل مشروعًا عالميًا، وقد دعا بإصرار إلى أن تسترشد السياسة العامة بها. ويشكل إرثه هذا مصدر إلهام لنا وللمدافعين عن حقوق الإنسان في كل مكان."
أختار أحبّاؤه والمجتمع الشيلي متحف الذاكرة وحقوق الإنسان في سانتياغو لوداع غاريتون الأخير. وهذا الاختيار مناسب بما أنّ غاريتون كان مثالًا للذاكرة والعمل الدؤوب في الدفاع عن حقوق الإنسان.
مسيرته المهنية
بعد الانقلاب الذي شهدته شيلي، انضم غاريتون إلى لجنة التعاون من أجل السلام في شيلي (1973-1975)، المعروفة أيضًا باسم اللجنة المؤيّدة للسلام، وهي أول مؤسسة تقدم الدعم للأشخاص الباحثين عن المواساة والحماية من الأحداث المأساوية والعنيفة التي تؤثر عليهم.
وبعدما حلّ النظام الديكتاتوري اللجنة، شارك في الجهود المختلفة الرامية إلى مساعدة المضطهدين، كما ترأس الفرع القضائي لمنظّمة Vicaría de la Solidaridad، وهو كيان رمزي مرتبط بالكنيسة الكاثوليكية يقدم الدعم للأفراد وأسر ضحايا انتهاكات حقوق الإنسان في ظلّ الحكم الديكتاتوري. وقد قام بهذه المهمة على الرغم من التهديدات الموجهة إليه وإلى أسرته، بما في ذلك توقيفه في العام 1987.
وقال غاريتون: "أسوأ ما يمكن أن يحدث لبلد ما هو أن يفقد ذاكرته"، مشيرًا إلى عمل منظّمة Vicaría de la Solidaridad الجبّار، التي توثّق الشهادات عن انتهاكات حقوق الإنسان خلال الحكم الديكتاتوري. ويضمّ هذا الأرشيف أكثر من 85,000 وثيقة، منها نسخ عن ملفات المحاكم، ونداءات الحماية القانونية، والشكاوى الدولية، وشهادات التعذيب والاختفاء القسري، على سبيل المثال لا الحصر، وقد أعلنت اليونسكو هذا الأرشيف كجزء من ذاكرة الإنسانية.
عمل غاريتون أيضًا كمندوب للأمم المتحدة وكخبير وكمسؤول في مناصب مختلفة. ففي العام 1993، كان نائب رئيس لجنة حقوق الإنسان ونائب رئيس المؤتمر العالمي لحقوق الإنسان الذي عقد في فيينا. كما شغل منصب المقرر الخاص المعني بحالة حقوق الإنسان في جمهورية الكونغو الديمقراطية وكان عضوًا في الفريق العامل المعني بالاحتجاز التعسفي. وعمل بين العامَيْن 2001 و2005، كممثل إقليمي للمفوض السامي لحقوق الإنسان لأميركا اللاتينية ومنطقة البحر الكاريبي، وفي العام 2006، تم تعيينه من بين الخبراء السبعة الذين يدعمون المستشار الخاص لأمين عام الأمم المتحدة المعني بمنع الإبادة الجماعية، ويساهمون في جهود الأمم المتّحدة الأوسع نطاقًا الرامية إلى منع الجرائم ضد الإنسانية.
مقتنعًا بأنّه لا يمكن أبدًا بناء مجتمع عادل وديمقراطي على أساسات مترسّخة في الكذب والذنب والصمت، كرس غاريتون حياته كلّها لمكافحة الإفلات من العقاب. ووضع إيمانه هذا نصب عينيه، فأصبح حليف المعتدى عليهم وعمل بلا كلل ولا ملل من أجل الحفاظ على الذاكرة والعدالة والجبر وعدم التكرار.
الجوائز التي حصّلها
حصّل غاريتون في حياته المهنية العديد من الجوائز المرموقة. ففي العام 2003، قدّمت له الحكومة الفرنسية وسام جوقة الشرف. وفي العام 2020، قدّم له المعهد الوطني لحقوق الإنسان في شيلي الجائزة الوطنية لحقوق الإنسان عن عمله من أجل ضحايا انتهاكات حقوق الإنسان، وقد شغل منصبًا في مجلس إدارته مدة ست سنوات (2010-2016).