Skip to main content

السجون والسجناء

إضفاء الطابع الإنساني على عالم السجون: انتصار دبلوماسي كبير في مدغشقر

12 كانون الاول/ديسمبر 2019

في 31 تشرين الأوّل/ أكتوبر 2019، قام رئيس مدغشقر برفقة زوجته ووزير العدل، بزيارة سجن أنتانيمورا المركزي، وهو أكبر سجن في البلاد ويقع في العاصمة أنتاناناريفو.

واكتشف واقع السجون في مدغشقر، وتبادل الحديث مع السجناء وضباط السجن واقترح حلولًا للتخفيف من اكتظاظ السجون من جهة، وتحسين صورة العدالة في مدغشقر من جهة أخرى.

وخلال الزيارة، أصدر الرئيس أندري راجولينا عفوًا عن ستة أشخاص، منهم ثلاثة من كبار السن قضوا أكثر من 30 عامًا خلف القضبان، وقاصر وشابان حاولا سرقة سمك. وقد شكّلت هذه الزيارة أول زيارة لرئيس جمهورية إلى سجن في الجزيرة الكبيرة منذ استقلال البلاد في 26 حزيران/ يونيو 1960.

قضايا السجون محور العمل السياسي في مدغشقر

أعلن ممثّل مفوضيّة الأمم المتّحدة السامية لحقوق الإنسان في مدغشقر عمر كالامو قائلاً: "أكبر فضل لنا هو أنّنا نجحنا في وضع قضيّة السجن في قلب التفكير والخطاب والعمل السياسي في مدغشقر. هذا هو أكبر انتصار لنا."

ويؤكّد على أنّ وضع السجون في مدغشقر "مؤسف" للغاية، "على حدّ تعبير الحكومة نفسها لا الأمم المتّحدة." الوضع مزرٍ من حيث ظروف الاحتجاز المادية ومن حيث ظروف الاحتجاز القضائية.

يسع سجن أنتانيمورا 800 شخص، إلاّ أنّه يستقبل اليوم أكثر من 4,000 محتجز. ويسبّب هذا الاكتظاظ بمشاكل على مستوى الصحّة والنظافة والتغذية، ناهيكم عن أنّ عددًا من السجناء ينام على الأرض بسبب النقص في الفرش.

يبلغ عدد السجناء في مختلف سجون مدغشقر 24,000 سجين، 60 في المائة منهم رهن الاحتجاز السابق للمحاكمة، ولم يُحاكَم إلاّ 40 في المائة منهم فقط. وبالتاليّ، فإنّ ظروف الاحتجاز أدنى من المعايير الدولية.

شرع رئيس الجمهورية في إضفاء الطابع الإنساني على عالم السجون في مدغشقر، مع تحديد هدفين أساسيّين هما التخفيف من اكتظاظ السجون وتحسين صورة العدالة في مدغشقر، وقد لعب الفريق المحلي التابع لمفوّضيّة الأمم المتّحدة السامية لحقوق الإنسان، ومنسّق منظومة الأمم المتّحدة المقيم دورًا بارزًا في هذا المجال.

مقاربة دبلوماسية لحقوق الإنسان

في 5 تمّوز/ يوليو 2019، ركّزت مفوّضة الأمم المتّحدة السامية لحقوق الإنسان ميشيل باشيليت، في خلال اجتماع الأمم المتّحدة العالمي لحقوق الإنسان، على أنّ "تفاعلاتنا والتزاماتنا يجب أن تحقّق نتائج إيجابية". ومن أجل تلوغ هذا الهدف، من المهم أن نتحدّث ونعمل مع العديد من الجهات الفاعلة، وأن ندرك السياق الذي يناسب الزعماء السياسيّين.

وقد اعتمد فريق المفوضيّة في مدغشقر هذه المقاربة الدبلوماسية لحقوق الإنسان. وشرح عمر كالامو قائلاً: "لقد شاركنا على جبهتين، على مستوى الدعم التقني للحكومة وعلى مستوى الدعوة وحشد التأييد السياسي". ولم تغب عن ذهنه الدورة الـ34 للاستعراض الدوري الشامل التي تعقد في تشرين الثاني/ نوفمبر 2019 في جنيف وتستعرض وضع مدغشقر.

وتقدّم الأمم المتّحدة لحقوق الإنسان الدعم التقني والمالي من أجل تنفيذ سياسة العقوبات الجديدة للعام 2019، وتهدف خاصة إلى وضع حد لأمر الاعتقال المنهجي، واستكشاف بدائل أخرى للاحتجاز.

ومن بين الإجراءات الأساسيّة المتّخذة ضمن إطار الدعم المذكور: إعادة تفعيل "إدارة تدفّق القضايا" التي كانت نائمة منذ عدّة سنوات، والاتّصال بالشركاء التقنيين والماليين وإشراكهم، وتمويل جلسات المحكمة الجنائية وجلسات المحاكم المتنقلة، وبناء قدرات القضاة والمحامين، وإنشاء مجموعة من محامي حقوق الإنسان، وإعداد أكثر من 1,000 نسخة عن القانون الموحّد (قانون العقوبات وقانون الإجراءات الجنائية وقانون العدالة العسكرية) ومجموعة المعاهدات الدولية والإقليمية التي صدقت عليها مدغشقر، وتوزيعها...

وفي موازاة ذلك، اعتمدت مفوّضة الأمم المتّحدة السامية لحقوق الإنسان استراتيجيًّا على الاجتماع الشهري الرفيع المستوى بين المنسق المقيم لمنظومة الأمم المتّحدة في مدغشقر ووزير العدل للتأثير على السياسات العامة والقرارات الحكومية فتراعي حقوق الإنسان. وأشار عمر كالامو قائلاً: "يتطلب تحقيق الهدف دعمًا سياسيًا قويًا من المنسق المقيم لنقل رسالتنا إلى أعلى مستوى. ومن خلال الاجتماع الشهري بين المنسّق المقيم ووزير العدل، نجحنا في تعزيز الدعوة حتى تكون قضيّة الاعتقال أولوية بالنسبة إلى الحكومة."

ويجد استعداد مدغشقر وطواعيّتها تفسيرهما في سياق الاستعراض الدوري الشامل الذي يسمح للبلد ورئيسه أن يتوقعا الحصول على بعض الفوائد السياسية. كما أنّ وزير العدل أشار بارتياح خلال الاستعراض الدوري الشامل المنعقد في تشرين الثاني/ نوفمبر، إلى جهود الحكومة لحماية حقوق المعتقلين ورحّب بدعم الشركاء القيم، بمن فيهم منظومة الأمم المتّحدة ومفوّضية الأمم المتّحدة السامية لحقوق الإنسان.

نتائج ملموسة

حقّقت هذه المقاربة الدبلوماسية التي انطلقت قبل تولي أندري راجولينا السلطة في كانون الثانيّ/ يناير 2019 بوقت طويل، نتائج ملموسة.

وفي الواقع، بالإضافة إلى زيارة الرئيس إلى مركز السجون في أنتانيمورا، وقراره بالعفو عن محتجزين ارتكبوا مخالفات بسيطة، والشروع في بناء سجن فيانارانتسوا الجديد، زادت الحكومة الميزانية المخصّصة للسجون ما سمح بتقديم نظام غذائي جديد أكثر تغذية للسجناء.

بالإضافة إلى ذلك، وبفضل الدعوة التي بذلها المنسّق المقيم والمفوّضية السامية لحقوق الإنسان، موّل صندوق الأمم المتّحدة لبناء السلام عمليّة إنشاء شبكة لإمدادات مياه الشرب وتزويدها بالكهرباء في سجن تسيافاهي المشدّد الحراسة. وكان لهذا الدعم تأثير مضاعف: فقد حفّز مساهمة الشركاء الثنائيين الآخرين ودعمهم من أجل تحسين وضع السجون في مدغشقر، لا سيّما النرويج التي ساهمت في بناء جدار فاصل بين القصر والبالغين في سجن عنكازوبي. وفي كانون الأوّل/ ديسمبر، نظّمت وزارة العدل ومفوّضيّة الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان، ضمن إطار الاحتفالات بأسبوع حقوق الإنسان، حملة لإعادة التحريج وزراعة أشجار الفاكهة في عدد من السجون في جميع أنحاء البلاد.

وتعتبر المفوّضية أنّ هدفها على المدى القصير هو مساعدة الحكومة على عكس نسبة 60/40، أيّ التوصّل إلى نسبة 60 في المائة من الأشخاص المُدانين و40 في المائة من الأشخاص رهن الاحتجاز السابق للمحاكمة، والإفراج عن 2,000 شخص قبل 31 كانون الأول/ ديسمبر 2019، بحسب ما صرّح به الرئيس راجولينا. أمّا على المديَيْن المتوسط والبعيد، فالهدف هو اتّخاذ التدابير الوقائية اللازمة. وختم عمر كالامو قائلاً: "بعد 31 كانون الأوّل/ ديسمبر 2019، يجب أن يستمر العمل كي نضمن أن تكون هذه السياسة الجنائية فعّالة ومستدامة مع استحالة العودة عنها، وأن نتجنب الوقوع في الأخطاء نفسها مرارًا وتكرارًا."

11 كانون الاول/ديسمبر 2019

الصفحة متوفرة باللغة: