Skip to main content

الأعمال التجارية ما بعد النزاع: احترام حقوق الإنسان للمساعدة على استدامة السلام

19 كانون الاول/ديسمبر 2019

في الدول التي تشهد النزاع أو التي قاست النزاع وحيث لا يزال الاستقرار هشاً، يعتبر خطر ارتكاب انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان عادةً أكبر مما هو عليه في سياقات أكثر سلمية.

وقالت أنيتا راماساستري من فريق الأمم المتحدة العامل المعني بالأعمال التجارية وحقوق الإنسان "من شأن الطريقة التي تعمل بها الأعمال التجارية في سياق نزاع ما وما بعده أن تضرَّ بالديناميات التي تتيح أو تقوض السلام المستدام والاحترام لحقوق الإنسان. لكن دور الأعمال التجارية في منع النزاع وبرامج بناء السلام، خصوصاً المساهمة التي تستطيع الإدارة الفاعلة لآثار حقوق الإنسان المتصلة بالأعمال التجارية أن تؤديها، يتم التغاضي عنه بشكل كبير". .

وأضافت "بالنسبة إلى الدول الخارجة من النزاع، يعدُّ القيام بالأعمال التجارية بطريقةٍ تعامل الناس بكرامة وتتفادى الضرر أمراً حاسماً. وينبغي على الشركات أن تتحمل مسؤوليتها في احترام حقوق الإنسان، فيما على الدول حماية حقوق الإنسان، بما في ذلك من خلال إرساء أنظمة وسياسات وتأمين الدعم بشكل فاعل. كما أن للمستثمرين دوراً رئيسياً يلعبونه من أجل تحفيز الأعمال التجارية المسؤولة".

كلام السيدة راماساستري جاء خلال حلقة نقاش دعا إليها فريق الأمم المتحدة العامل خلال منتدى الأمم المتحدة المعني بالأعمال التجارية وحقوق الإنسان الذي انعقد في جنيف أخيراً. وركزت حلقة النقاش على حالات ما بعد النزاع والدروس المكتسبة في ما يتعلق بالروابط بين منع النزاع وبناء السلام ونشاط الأعمال التجارية* بما يتماشى مع المعايير الدولية لحقوق الإنسان.

 

تطوير القطاع الخاص: الأعمال التجارية كمحفز للاستقرار والسلام

يمكن لتطوير القطاع الخاص أن يشكل محفزاً للاستقرار والسلام، إذا ما تمَّ تنفيذه بطريقة تراعي الواقع المحلي، بحسب أنيليز فان دنبرغ من وزارة الخارجية الهولندية، والتي شرحت كيف أن الحكومة الهولندية أعدَّت مبادىء توجيهية لتطوير القطاع الخاص الحساس للنزاع كمسألة 'ملحة' بعد تجربتها في إثيوبيا. فبين عامي 2015 و2016، تمَّ إحراق وإتلاف العديد من مزارع الزهور التي يملكها الأجانب في ولاية أمهرة خلال أحداث من العنف السياسي، بحسب فان دنبرغ التي أضافت أن العديد من هذه الأعمال التجارية كانت قد تلقت تمويلاً من الحكومة الهولندية كجزء من برنامجها لتطوير القطاع الخاص.

وأشارت فان دنبرغ إلى أنه اتضح لاحقاً أن تلك الأعمال التجارية لم تأخذ، في العديد من الحالات، حقوق مستخدمي الأراضي التاريخية بالاعتبار، شارحة أيضاً أن المحتجين كانوا مستائين من سياسات الحكومة وأنه كان يُنظر إلى الشركات الهولندية على أنها داعمة للحكومة. وطورت الحكومة الهولندية منذ ذلك الحين 'عدسة هشاشة' متعددة الخطوات والتي تتطلب من الأعمال التجارية ضمان التحليل المتصل بالنزاع والتحليل القطري، وتحليل الدروس المكتسبة من الماضي، وتعزيز التواصل مع المجتمعات المحلية، وتجنب المساهمة في انتهاكات لحقوق الإنسان، وضمان الرصد والتقييم بشكل مناسب.

متحدثاً انطلاقاً من تجربة الحكومة السويسرية، كرَّر فريديريك شينيه من الإدارة الاتحادية للشؤون الخارجية، أن دور الأعمال التجارية في الحوكمة الجيدة، ومساهمتها بالتالي في مجتمعات سلمية وعادلة وشاملة، بما يتماشى مع الهدف 16 لخطة التنمية المستدامة لعام 2030، واحترام حقوق الإنسان، لا يمكن التقليل من شأنه.

وأوضح أن الأعمال التجارية في إطار هش مسألة تعني ترجمة مبادى الأمم المتحدة التوجيهية إلى إجراءات متأثرة بالنزاع وبالسياق والتعهد "بتعزيز" بذل العناية الواجبة بحقوق الإنسان. ومن خلال وثائق السياسات العامة مثل خطط العمل الوطنية بشأن الأعمال التجارية وحقوق الإنسان تستطيع الحكومات أن تنقل التوقع بأن الشركات تلتزم بتعزيز بذل العناية الواجبة، بحسب شينيه. وأشار إلى أنه يمكنها أيضاً دعم الشركات من خلال منتديات أصحاب المصلحة المتعددين، مثل المبادىء الطوعية بشأن الأمن وحقوق الإنسان، لإيجاد حلول مشتركة للتحديات الشائكة مثل كيفية ضمان احترام أنظمة إدارة الأمن لحقوق الإنسان والحريات الأساسية.

ضرورة مساءلة الأعمال التجارية  

اعتبر فرنسيس كولي، رئيس البرامج للمنظمة غير الحكومية الليبيرية "المحامون الخضر"، أنه من الضروري تقديم الأعمال التجارية في الدول المتأثرة بالنزاع إلى المساءلة مثلما عليها احترام المعايير الدولية لحقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني.

وفيما أشار كولي إلى خطر الاستثمار الأجنبي لناحية مفاقمة النزاع وزعزعة السلام، دعا إلى نهج للأعمال التجارية لا تأخذ بالاعتبار الربحية فحسب، بل تضمن أيضاً احترام حقوق الناس، مؤكداً أنه السبيل الوحيد لتحقيق الأعمال التجارية المستدامة والتنمية المستدامة.                     

 

منظور القطاع الخاص

بالنسبة إلى Telenor، وهي شركة اتصالات عالمية تدير عمليات في العديد من الدول، بما في ذلك الدول المتأثرة بالنزاع مثل ميانمار، تعتبر ضرورة بذل العناية الواجبة بحقوق الإنسان قبل الاستثمار في دولة متأثرة بالنزاع أمراً حاسماً. ويشكل تحليل السياق والعمل مع كل الجماعات العرقية وبناء القدرات والتعاون بفعالية مع السلطات مكونات مهمة لهذا النهج.

وتعتبر الشفافية أحد العناصر الرئيسية الأخرى. وبحسب أنيتا هوسيهام، مديرة حقوق الإنسان لدى Telenor، حيثما لا تستطيع الأعمال التجارية اتخاذ إجراءات، تعتبر الشفافية عاملاً مساعداً للمنظمات والجهات الأخرى لطرح المخاوف.  

 

الفلبين: إعطاء الأولوية لتعاون الحكومة والمجتمع والقطاع الخاص

في الفلبين، يعمل برنامج الأمم المتحدة الإنمائي على منهجية تزيد التعاون بين الدولة والقطاع الخاص. وأوضح شيتان كومار، رئيس فريق بناء السلام ومنع التطرف العنيف لدى برنامج الأمم المتحدة الإنمائي في الفلبين، كيف أن برنامج الأمم المتحدة الإنمائي انطلق من نهج ذي شقين لدعم عملية بناء السلام في منطقة بانجسامورو التي تخضع للحكم الذاتي والتي كانت قد مُنيت بدورات من العنف المرتبط بالأراضي والموارد الطبيعية والمنافسات العشائرية والسياسات المحلية، وهي تستقطب الآن اهتماماً كبيراً من المستثمرين الأجانب. وفي الشق الأول، يعمل البرنامج مع المجتمع الأهلي لضمان أن تكون لديه القدرة على التفاوض مع الحكومات الوطنية والإقليمية، فضلاً عن القطاع الخاص، بهدف إعطاء الأولوية لتنمية موارده وسبل عيشه. وفي الشق الثاني، يعمل البرنامج مع القطاع الخاص ليضمن تعاونه بطريقة بناءة مع المجتمعات الأهلية. وقال كومار "على المدى الطويل، تقدم الشراكة الحقيقية بين القطاعين العام والخاص الطريقة الفضلى لخلق وظائف مستدامة ومجتمعات مستدامة".

احترام الأعمال التجارية لحقوق الإنسان لبناء سلام مستدام

سيدرج فريق الأمم المتحدة العامل المعني بالأعمال التجارية وحقوق الإنسان بعض عناصر هذا النقاش ومجموعة من المشاورات الأخرى في تقرير سيتم تقديمه إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة في تشرين الأول/أكتوبر 2020. وسيتضمن التقرير توصيات وخطوات عملية ينبغي على الدول والشركات والمستثمرين اعتمادها لمنع انتهاكات حقوق الإنسان المتصلة بالأعمال التجارية في سياقات متأثرة بالنزاع والتصدي لها، وللمساهمة في منع النزاع وفي السلام المستدام.

 19 كانون الاول/ديسمبر 2019

الصفحة متوفرة باللغة: