ماراثون ويكيبيديا: التحرير من أجل الحقوق في الأرجنتين

جيانلوكا طالب في الثانويّة، ويسعى جاهدًا كي يكون من أفضل طلّاب صفه. ولكن، عندما يعيش المرء في بوينس آيرس، لا بدّ له من أن يخصّص بعض الوقت ليشاهد آخر أهداف نجم كرة القدم ليونيل ميسي أو ليشرب بعض المتّة مع الأصدقاء، بحسب ما تفرضه التقاليد في الأرجنتين. ويعتمد جيانلوكا إلى حد كبير على الإنترنت ليقوم بواجباته المدرسيّة، تمامًا كما هي حال أقرانه. ويعترف قائلاً: "نستخدم ويكيبيديا كثيرًا."

وعلى الرغم من ذلك، يدرك أنّ بعض المعلومات التي يعثر عليها بسرعة على الإنترنت قد لا تكون دقيقة تمامًا. فيقول: "لهذا السبب من المهمّ بالنسبة إليّ أن أساهم في إعدادها".

شارك جيانلوكا في النسخة الأولى لماراثون نظّمته مفوّضيّة الأمم المتّحدة السامية لحقوق الإنسان بالاشتراك مع يكيميديا في تمّوز/ يوليو في العاصمة الأرجنتينيّة، تحت موضوع: حقوق المرأة وحقوق المثليات والمثليّين ومزدوجي الميل الجنسيّ ومغايري الهويّة الجنسانيّة وحاملي صفات الجنسَيْن.

ولكن ما هو بالضبط الماراثون التحريريّ أو الإديتاثون بحسب المصطلح الذي تستخدمه ويكيبيديا؟

إطلاق حملة من أجل المعرفة المجانيّة

تعيش ليلى موناستيريوس من بوليفيا في بوينس آيرس، وتكرّس معظم وقتها للدراسة كي تحصّل درجة الماجستير. ولكن في أحد أيام السبت، قرّرت أن تقضي بعض الوقت أمام شاشة الكمبيوتر وتحرّر بعض المواضيع التي تعرضها ويكيبيديا. ورغبت أيضًا في أن تقابل أشخاصًا آخرين يهتمّون بحقوق الإنسان.

هذا ما وجدته ليلى في الإديتاثون الذي تدعمه مفوّضيّة الأمم المتّحدة السامية لحقوق الإنسان في الأرجنتين. فالتقت أشخاصًا من خلفيّات متنوّعة ومستويات مختلفة من الخبرة، بعضهم من الخبراء في مجال حقوق الإنسان، لكن لا فكرة لديهم أبدًا عمّا يجري من تحرير للمواضيع على ويكيبيديا – وبعضهم الآخر على العكس تمامًا. واجتمعوا في الغرفة نفسها لبعض الساعات، أمام عدد من أجهزة الكمبيوتر المحمولة، ولكنّ هدفهم واحد: إعداد أو تحسين المواضيع المتعلّقة بحقوق الإنسان المتوفّرة على ويكيبيديا عبر استخدام مراجع الأمم المتّحدة الرسميّة.

وأعلن لوكاس رينوسو، وهو يساهم بصورة منتظمة في تحرير محتوى ويكيبيديا قائلاً: "في كلّ مرة نقوم بتحرير أيّ موضوع، نساهم في الحملة من أجل المعرفة المجانيّة. وفي هذه الحالة، تصبح ويكيبيديا أداة تسلّط الضوء بشكل متزايد على حقوق الإنسان، وتضفي عليها الطابع الديمقراطيّ."

أمّا لويسينا فيرانتي، من ويكيميديا الأرجنتين، فتشرح أنّ الإديتاثون يوحّد الأشخاص والمنظّمات بهدف إعداد محتوى عالي الجودة متوفّر على ويكيبيديا. وعلى الرغم من أنّ هذه العمليّة قد تتّخذ أشكالًا مختلفة وتعالج مواضيع متنوّعة، إلاّ أنّ حقوق الإنسان تحتلّ الأولويّة قصوى. فتتابع قائلة: "قضايا حقوق الإنسان في تطوّر مستمر، ونحتاج إلى عكس هذا التطور في ويكيبيديا، واليوم هذا ممكن بدعمٍ من متخصّصي الأمم المتّحدة في مجال حقوق الإنسان."

التحرير من أجل الحقوق – باللغة الإسبانيّة!

أكّد أدريان آردن، وهو صحفي يتمتّع بخبرة واسعة في تغطية قصص حقوق المرأة والطفل قائلاً: "غالبًا ما نواجه صعوبة في الوصول إلى مصادر موثوقة أو معلومات مؤكّدة، لا سيّما باللغة الإسبانيّة". ويعتبر فكرة تحسين ويكيميديا إلى أقصى الحدود من خلال مراجع الأمم المتّحدة الرسميّة، قيّمة للغاية وضروريّة لعمله. ويتابع قائلاً: "نحتاج إلى مبادرات من هذا النوع في ظلّ التضليل المتعّمد، وعدم الدقة في الكثير من الأحيان عند تقديم معلومات خاطئة عن حقوق الإنسان، وفي موازاة خطر تضخيمها في وسائل الإعلام التقليديّة أو وسائل التواصل الاجتماعيّ."

ويكيبيديا متوفّرة بأكثر من 217 لغة، ما يقلّل من الحواجز التي تعيق وصول ملايين الناس حول العالم إلى المعلومات. ويوضح نائب رئيس ويكيميديا الأرجنتين جاليليو فيدوني قائلاً: "إن ويكيبيديا هي تجربة متعدّدة اللغات، متوفّرة بعدد لغات يوازي اللغات التي يعدّ بها الناس المواضيع. لذلك لا يقتصر عمل ويكيبيديا على نشر المعرفة مجانًا فحسب، بل يساهم أيضًا في حماية لغات الأقليّات والترويج لها."

ويسلّط مدير العلاقات الخارجيّة في مفوضيّة الأمم المتّحدة السامية لحقوق الإنسان لوران سوفور، الضوء أيضًا على التعدديّة اللغويّة باعتبارها ركيزة للحقوق. ويقول: "يمكّن الوصول إلى المعلومات والتعليم الناس على ممارسة حقوقهم. لهذا السبب أطلقنا هذه الشراكة الجديدة المثيرة للاهتمام مع ويكيميديا عبر مكتبنا الإقليميّ لأمريكا الجنوبيّة، وباللغة الإسبانيّة، فيتمكّن المحرّرون من المنطقة من استخدام مراجع الأمم المتّحدة بطريقة تفاعليّة ومبنيّة على المشاركة."

وقد تكلّلت النسخة الأولى من الإديتاثون بدعم من مفوضيّة الأمم المتّحدة السامية لحقوق الإنسان بالنجاح: فخلال هذا النشاط، تم إنشاء أو تحديث 19 مقالة عن حقوق الإنسان متوفّرة على ويكيبيديا بنسختها الإسبانيّة، بما في ذلك المدخل المتعلّق بلجنة الأمم المتّحدة المعنيّة بالقضاء على التمييز ضدّ المرأة (CEDAW).

ويُعتَبَر تحسين فهم حقوق الإنسان وإتاحة هذه المعرفة لجمهور أوسع من أولويات مفوضيّة الأمم المتّحدة السامية لحقوق الإنسان.

لهذا السبب يعتبر سوفور، أنّ هذا التعاون يحمل المزيد من النتائج، بما في ذلك إطلاق نسخ جديدة للإديتاثون في بلدان أخرى. ويختم قائلاً: "هي دعوة إلى الناس كي يدافعوا عن حقوق الإنسان في العالم الرقميّ، بغض النظر عن مكان وجودهم ولغتهم، فيتمكن أعضاء آخرون داخل مجتمعهم وخارجه من التعرّف إلى حقوقهم والدفاع عنها."