إرث من الرعب خلّفه تنظيم الدولة الإسلاميّة: أكثر من 200 مقبرة جماعيّة في العراق
07 تشرين الثاني/نوفمبر 2018
لن تنسى شوشان* أبدًا يوم داهم تنظيم الدولة الإسلاميّة في العراق والشام (داعش) قريتها. كما أنّ كلّ مرّة تم بيعها لأعضاء تلك المجموعة الإرهابيّة محفورة في ذاكرتها إلى الأبد.
وتقول: "عندما اعتقلونا أخذوا جميع مقتنياتنا من هواتف محمولة، وذهب ومال... ثم أخذونا إلى قرية الرمبوسيّة مدة ثلاثة أيام، وفصلوا الرجال عن النساء والأطفال. وصوّبوا البنادق على آبائنا وأخذوا جميع الفتيات من بيننا."
وفي إحدى الليالي، حضر والي القرية مع مجموعة من الرجال، وقام كل واحد منهم باختيار فتاة. فأخذ رجل إحدى أخوات شوشان واختار آخر أختها الثالثة. أمّا شوشان فنُقِلَت إلى قرية أخرى، هي كوجو، حيث وجدت فتيات يزيديّات أخريّات مختطفات.
وأخبرت قائلة: "مكثت هناك مدة 15 يومًا، ثم تمّ بيعي إلى رجل عراقيّ آخر. وبعد شهرين، باعوني إلى رجل جديد. لقد تمّ بيعي ست مرات."
ومنذ خطفها، لم ترَ شوشان أسرتها ولو مرّة واحدة، وهي تشكّ في أن يكون والدها وشقيقها قد قتلا، وتقول: "من المؤسف والمحزن للغاية إن لم أتمكّن من أن أرى والدي وأخي مرّة جديدة. هما دائمًا في قلبي وعقلي."
عثرت بعثة الأمم المتّحدة لمساعدة العراق ومفوضيّة الأمم المتّحدة السامية لحقوق الإنسان على حوالى 202 مقبرة جماعيّة تحتوي على رفات الآلاف من الضحايا، وتقع في مناطق من العراق كان يسيطر عليها في السابق تنظيم الدولة الإسلاميّة، في محافظات نينوى وكركوك وصلاح الدين، والأنبار، أيّ في المناطق الشماليّة والغربيّة من البلاد.
في حين أنه من الصعب تحديد العدد الإجماليّ للأشخاص المدفونين في هذه المقابر، يحتوي أصغر موقع تم اكتشافه في غرب الموصل على ثماني جثث، في حين أن أكبر المواقع، ومن المرجّح أن تكون حفرة الخسفة جنوب الموصل، تحتوي على الآلاف من الجثث.
وقد تحمل هذه المواقع موادًا جنائيّة في غاية الأهميّة تساهم في تحديد هويّة الضحايا وإدراك حجم الجرائم التي ارتُكِبَت.
فبين حزيران/ يونيو 2014 وكانون الأول/ ديسمبر 2017، استولى تنظيم الدولة الإسلاميّة على مناطق شاسعة من العراق وقاد "حملة واسعة من العنف المستشري وارتكب انتهاكات جسيمة وبصورة منتظمة للقانون الدوليّ لحقوق الإنسان والقانون الإنسانيّ الدوليّ – وهي أعمال قد ترقى إلى مستوى جرائم الحرب، والجرائم ضد الإنسانيّة ولربّما أيضًا إلى مستوى الإبادة الجماعيّة"، بحسب ما جاء في تقرير يوثّق الاكتشافات الشنيعة المروّعة.
كما يسلّط التقرير الضوء على التحدّيات الكبيرة التي تواجهها الأسر في تحديد مصير أحبائها. فهي حاليًا مضطرّة إلى أن تبلّغ أكثر من خمسة كيانات منفصلة تابعة للدولة، وهي عملية تستغرق وقتًا طويلاً، كما أنّها محبطة للغاية بالنسبة إلى أسر لا تزال تعاني الصدمة جرّاء خسارتها ما ومن فقدته.
ويردّد التقرير دعوات أسر الضحايا لكشف الحقيقة وتحقيق العدالة، وإنشاء سجل عام مركزيّ للمفقودين ومكتب اتّحادي يهتمّ بقضاياهم.
ويؤكّد الممثل الخاص لأمين عام الأمم المتّحدة للعراق يان كوبيش قائلاً: "يشكّل تحديد الظروف المحيطة بالخسائرة الكبيرة في الأرواح خطوةَ مهمة في عملية الحداد بالنسبة إلى الأسر، وفي مسيرتها نحو إعمال حقّها في معرفة الحقيقة وتحقيق العدالة".
وأشار كوبيش إلى أنّ التقرير يهدف إلى دعم حكومة العراق في حماية هذه المقابر الجماعيّة واستخراج الأشلاء منها، من خلال عمل مديريّة المقابر الجماعيّة في العراق وشركائها الدوليّين.
أمّا مفوّضة الأمم المتّحدة السامية لحقوق الإنسان، ميشيل باشيليت، فقد أعلنت من جهتها أنّ "هذه المقابر تحتوي على رفات أولئك الذين قُتلوا بلا رحمة لأنّهم لم يمتثلوا لأيديولوجيا تنظيم الدولة الإسلاميّة الملتوية وحكمه العقيم، بمن فيهم الأقليّات العرقيّة والدينيّة. ويحقّ لأسر أن تكتشف حقيقة ما جرى مع أحبائها."
ومن بين توصيات التقرير، الدعوة إلى اعتماد مقاربة متعدّدة الاختصاصات في عمليات الاستخراج والتنقيب، وبمشاركة اختصاصيين يتمتعون بالخبرات المطلوبة، على غرار خبراء التلوّث بالأسلحة وخبراء المتفجرات والمحققين المتخصّصين في مسرح الجريمة.
ويدعو التقرير أيضًا إلى اعتماد مقاربة تركّز على الضحية، والمبادرة إلى العدالة الانتقاليّة، بالتشاور مع العراقيين وبموافقتهم، ولا سيما المجتمعات المتأثّرة.
وأكّد كلّ من باشيليت وكوبيش دعمهما لحكومة العراق في الاضطلاع بهذه المهمة الهامة.
* اسم مستعار
7 تشرين الثاني/نوفمبر 2018