Skip to main content

البيانات المفوضية السامية لحقوق الإنسان

مهرجان الفيلم والمنتدى الدوليّ بشأن حقوق الإنسان

مهرجان الفيلم بشأن حقوق الإنسان

12 آذار/مارس 2018

وضع حقوق الإنسان في العالم

زيد رعد الحسين، مفوّض الأمم المتّحدة الساميّ لحقوق الإنسان

جنيف، في 9 آذار/ مارس 2018

Excellencies,
أصحاب السعادة،
أيها الزملاء والأصحاب الكرام،

يسرّننا أن نكون هنا معكم، في مساء يوم الجمعة هذا، لافتتاح مهرجان الفيلم والمنتدى الدولي بشأنّ حقوق الإنسان – ما يبرهن أنّكم فعلاً من الناشطين في مجال حقوق الإنسان! كما يسرنا أن نكون بين أناس يعشقون الحقوق – ويهوون تصوير الأفلام ويدركون قوّتها المبتكرة، وقدرتها على طرح مسائل عميقة تعني وضع البشريّة.

اسمحوا لنا أن نذكر في هذا الصدد فيلمًا ترك أثرًا عميقًا في النفس: هو فيلم White Ribbon The (الشريط الأبيض) لمايكل هنيك، الذي يكتشف جذور الشر. وتدور أحداث الفيلم في العام 1913، عشية الحرب العالميّة الأولى، في قرية صغيرة تقع على حدود ألمانيا الشماليّة. ويعرض نظامًا اجتماعيًّا أخلاقيًّا سطحيًّا أرست أساساتِه مجموعةٌ غريبةٌ من أعمال العنف الوحشيّة، تطال أطفال يتآكلهم الشعور بالذنب ويعيشون في جوّ من الاستياء المتأجّج. ومن بين ركائز هذا المجتمع، قسّ يصرّ على أن يضع الأطفال شريطًا أبيضَ حتّى يقتنع أنّهم تطهّروا من آثامهم – فتحوّل الطفل رمز الطهارة إلى معرض علنّي للذلّ والذنب.

هل ضحايا هذا الجوّ الذي لا يرحم ينقلون غضبهم ورغبتهم في الانتقام إلى الأطفال الصغار الأضعف الذين تسهل مهاجمتهم، بدلاً من أن يوجّهوههما ضدّ معذّبيهم الأقوى، أيّ القسّ والراشدين الآخرين؟ ما نتعلّمه هو أنّ الأطفال لم يكتسبوا القيم بل تعلّموا العقاب الذي أُنزلوه لاحقًا في الأكثر ضعفًا.

ويشير سياق الفيلم إلى أنّ هؤلاء الأطفال سيصبحون من الراشدين المذعنين المستائين، الميالين إلى الاشتراكيّة القوميّة، مع كلّ الآفات التي تجرّها. إلاّ أنّ رسالة الفيلم، برأينا، تتناول فسحة أكبر من التاريخ- كيف يمكن الخير المشعّ أن يغذيّ، على حدّ تعبير هانا أرندت الشهير، تفاهة الشرّ؛ وكيف يجدر بالإنسان – أو كيف يجدر بنا نحن – أن نبذل كلّ جهد لنحافظ على إنسانيّتنا – وعلى البشريّة.

يصادف هذا العام كما تعلمون، الذكرى الـ70 لاعتماد الإعلان العالميّ لحقوق الإنسان، التي تمّت صياغته بجهد جهيد على أنقاض الحرب العالميّة الثانية، كي نتفادى أن تقضي فظائع مماثلة على الإنسانيّة، وبعد استخلاص هذه العبرة الأساسيّة : العدالة تبني السلام.

ولكن، عندما نلقي نظرة على العالم من حولنا اليوم، نرى العديد من المناطق البعيد كلّ البعد عن السلام، والملايين من الأشخاص المحرومين من العدالة. الجيل الذي عاش الحرب العالميّة الأولى قد رحل؛ وذكريات الحرب العالميّة الثانية تتلاشى؛ والعِبَر التي غذّت الإعلان العالميّ تتأرجح على هاوية النسيان.

منذ يومَيْن، توجّهنا إلى مجلس حقوق الإنسان المنعقد هنا في جنيف، وسلّطنا الأضواء على وضع حقوق الإنسان في العالم، حيث تُرتَكب في مناطق مختلف مجازر بحقّ الإنسان، ويُقتَل المدنيّون ويجرحون، في حين يبقى المجتمع الدولي مكفوف الأيدي، بالكاد يحرّك ساكنًا لوضع حدّ للمجازر والدمار.

لقد أمست الحرب المدنيّة في سوريا مرادفًا للرعب والفظاعة، والغوطة الشرقيّة تجسيدًا للمعاناة. ما نشهده في سوريا قد يرقى إلى جرائم الحرب والجرائم ضدّ الإنسانيّة – تُرتَكَب في العقد الثانيّ من القرن الـ21. ولا بدّ من محاسبة المسؤولين – وستجري محاسبتهم. وفي حين تحتلّ الأوضاع في سوريا العناوين الرئيسة، ماذا عن حالات القتل والجرح في اليمن، والانتهاكات في كاساي في جمهوريّة كونغو الديمقراطيّة، والتطهير العرقيّ لشعب الروهنغيا في ميانمار؟

في العام 2018، قد يضرب شبح الإبادة الجماعيّة من جديد، ومن جديد لا نحرّك ساكنًا لوضع حدّ لما يجري.

تسحق النزاعات حقوق الملايين من الأشخاص، فيما لا تزال جهات فاعلة غير رسميّة وجهات حكوميّة تنتهك عمدًا وبكّل إرادتها قواعد الآداب الإنسانيّة الأساسيّة التي يُشار إليها بالقانون الإنسانيّ. ويعانيّ ملايين الأشخاص، بمن فيهم الأقليّات، التمييز، والاستغلال والحرمان. وفي العديد من البلدان، يتمّ الطعن بفكرة أنّ للمجتمع المدنيّ الحقّ في المشاركة الحرّة في صنع القرار – وهي من أبرز أوجه التقدّم التي سُجِلَت في أواخر القرن الـ20.

نحن اليوم أمام لحظة تاريخيّة محوريّة، مع تفاقم احتقار حقوق الإنسان. ونعيش في عالم يتسلّط فيه القادة المستبدّون على الشعب، ويشهد عودة القمع إلى الواجهة، ويهدّد الحريّات الأساسيّة، ويقضي شيئًا فشيئًا على الحيّز المدنيّ. كما يبرز فيه من جديد كره الأجانب والعنصريّة. ويمكن اليوم أيّ صحافيّ أن يسأل مجموعة من الشباب: هل أنتم فاشيّون؟ فيجيبون بحماسة: "بالطبّع، فالفاشيّة هي السبيل الوحيد ليصبح بلدنا عظيمًا من جديد."

ندرك أنّنا رسمنا حتّى الآن صورة تفوح بؤسًا ويأسًا. ولكنّ العام 2018 ليس عام تقييم وضع حقوق الإنسان على المستوى العالميّ فحسب من دون أيّ فسحة أمل. بل هو عام الاحتفال بحقوق الإنسان، والاحتفال بالإعلان الذي تَرجم تطلّعات كلّ إنسان، ونهض بالقانون الدوليّ الذي يشكّل حجر الزاوية لمعالجة أسوء ما في الإنسانيّة والمحافظة على أفضل ما فيها، مهما بلغت درجة التنكيل به وتجاهله.

ليست حقوق الإنسان حكرًا على الغرب. هي عمليّة إلى أقصى الحدود، بما أنّها تبني مجتمعات منصفة وشاملة، على أساس العدالة والوصول العادل إلى الفرص والخدمات التي تصبح أكثر صمودًا أمام الأزمات.

يدرك ذلك المدافعون عن حقوق الإنسان، ويعيشونه كلّ يوم من حياتهم، في نضالهم للدفاع عن حقوقهم وحقوق الآخرين. ويلهموننا بقيامهم بذلك.

لا مكان لليأس إذًا. فحركة MeToo التي برزت لمكافحة الإساءة إلى المرأة واستغلالها جنسيًّا، عصفت في كلّ بلد وطالت كلّ جنسيّة. هي ليست دعوة للقضاء على العنف ضد المرأة فحسب، بل أيضًا للقضاء على ثقافةٍ تَقْبَل بسيطرة الرجل على المرأة، والإصغاء فعلاً إلى شهادات النساء وتصديقهنّ.

دافع أيضًا أشخاص عاديّون مذهلون عن الحقوق في بارك لاند في فلوريدا. فقد اغتنم طلاب ثانويّةMarjory Stoneman Douglas high school – بكلّ نضج وحزم ووضوح – الفرصة، بالتعاون مع حركة NeverAgain المناهضة للسلاح، كي يطلقوا دعوة إلى تشديد المراقبة من أجل القضاء على العنف المسلّح الذي مزّق مدرستهم، ومجتمعهم وحياتهم. وقد تجرّأ البعض على التشكيك في صدقهم، والاستخفاف بحججهم وحتّى على اتّهامهم بالتآمر . ولكنّ مقالة نُشِرَت مؤخّرًا في مجلّة Slate أشارت إلى أنّ اتّزان هؤلاء الطلاّب والتزامهم ليس بضربة حظّ، بل نتيجة تعليم يقدّر فنّ التمثيل والصحافة وفنّ الخطابة وحريّة التعبير والنشاط السياسيّ؛ تعليم يقدّر الثقافة والإنسانيّة.

دافع أيضًا أشخاص عاديّون مذهلون عن الحقوق في بارك لاند في فلوريدا. فقد اغتنم طلاب ثانويّةMarjory Stoneman Douglas high school – بكلّ نضج وحزم ووضوح – الفرصة، بالتعاون مع حركة NeverAgain المناهضة للسلاح، كي يطلقوا دعوة إلى تشديد المراقبة من أجل القضاء على العنف المسلّح الذي مزّق مدرستهم، ومجتمعهم وحياتهم. وقد تجرّأ البعض على التشكيك في صدقهم، والاستخفاف بحججهم وحتّى على اتّهامهم بالتآمر . ولكنّ مقالة نُشِرَت مؤخّرًا في مجلّة Slate أشارت إلى أنّ اتّزان هؤلاء الطلاّب والتزامهم ليس بضربة حظّ، بل نتيجة تعليم يقدّر فنّ التمثيل والصحافة وفنّ الخطابة وحريّة التعبير والنشاط السياسيّ؛ تعليم يقدّر الثقافة والإنسانيّة.

نتطلّع إلى حديثنا الليلة. فالتحدّث إلى جمهور يماثلكم، يُغني النقاش، ويدعم عملنا، ويساعدنا فعلاً في التفكير في ما أنجزناه وما يجدر بنا إنجازه بعد.

وعندما نتناقش ونناقش – ولربّما نختلف – نجسد حريّتَي التفكير والتعبير الأساسيّتَيْن. وبالتاليّ، ندافع عن كل من حُرِم هذه الحريّات الأساسيّة، ويجدر بنا ألاّ نتخلّى عنه أبدًا، ولن نتخلّى عنه يومًا.

لقد سألْنا في مرحلة سابقة لما علينا دائمًا أن ندافع أكثر فأكثر عن حقوق الإنسان، ولما يرفض أو يفشل هذا العدد من الحكومات في إدراك مفهوم العدالة البديهي لكلّ طفل حتّى. للأسف، هذا هو العالم الذي نعيش فيه اليوم، ولكن، تمامًا كما حملت رغبة في تحقيق غدٍ أفضل واضعي الإعلان العالمي على العمل، علينا أن نقوم بالمثل.

لها السبب نعبّئ القدرات والطاقات من أجل الدفاع عن القيم المترسّخة في الإعلان العالميّ ونحتفل بها – كي ندعم هذه القيم الإنسانيّة على أفضل وجه.

اتهى


الصفحة متوفرة باللغة: