البيانات المفوضية السامية لحقوق الإنسان
البيان الذي ألقته السيدة نافي بيلاي مفوضة الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان مجلس العموم، لندن لندن، 6 تشرين الثاني/نوفمبر 2013
06 تشرين الثاني/نوفمبر 2013
يسرني أن أكون مع أعضاء المجموعة البرلمانية المشكلة من جميع الأحزاب والمعنية بحقوق الإنسان، وأن أجلس بجانب رئيستكم آن كلويد، وهي صوت مدافع عن حقوق الإنسان يدوي عالياً وبوضوح منذ سنوات. وأشكركم على دعوتكم لي. وأتطلع إلى أسئلتكم وتعليقاتكم بعد إلقاء بياني.
سيداتي وسادتي، لقد طُلب مني بيان أهمية حقوق الإنسان للسياسة والدبلوماسية الوطنيتين، والإشارة إلى التقدم المحرز مؤخراً في تعزيزها وحمايتها، وتوضيح الكيفية التي تخدم بها الآليات الدولية لحقوق الإنسان السلام الاجتماعي في جميع البلدان، بما فيها المملكة المتحدة. ويتعين أن يبين عرضي الموجز أيضاً بعض الأعمال التي تضطلع بها مفوضيتي في "إعمال" حقوق الإنسان ومساعدة البلدان في الوفاء بالتزاماتها والتصدي للأزمات، على أن يكون كل هذا في 20 دقيقة.
ماذا يقال عن حقوق الإنسان اليوم؟ سيركز البعض على الدمار الذي حل بسوريا. وسينظر آخرون بمزيد من الأمل إلى الشارع، الذي يخرج إليه الناس في جميع القارات، مع تزايد إدراكهم لحقوقهم وتزايد جرأتهم، للمطالبة بمساءلة سلطات الدول.
ويشكل الرأيان على السواء جانبين من شيء أكبر. والمنظور السليم بشأن الأعمال المتعلقة بحقوق الإنسان الدولية اليوم يجب أن ينطوي على المراعاة التامة للآثار، والطابع الملزم الذي يتسم به توقيع دولة وتصديقها على معاهدة، بالنظر إلى انتشار وتأثير وسائل الاتصالات الحديثة ووسائط التواصل الاجتماعي في جميع أنحاء العالم.
والرأي السليم يجب أن يراعي تزايد خطر حدوث انتكاسات، وضعف حركات المجتمع المدني في الشرق الأوسط وأفريقيا وآسيا والأمريكتين وأوروبا، وكذلك جرأتها غير المسبوقة.
ويجب أن تُظهر صورة أوسع الدروس الصعبة التي استخلصتها الأمم المتحدة في المسائل المتعلقة بالحماية، وما يلوح في الأفق من أسبقية لحقوق الإنسان في جميع الأعمال المستقبلية للأمم المتحدة. كما يجب أن تتضمن الإدراك الآخذ في البزوغ، الذي تشارك حكومة هذا البلد فيه وتعمل بناء عليه، والذي مؤداه أن حقوق الإنسان كامنة في صلب كل من سياسة وأهداف التنمية المستدامة لما بعد عام 2015.
عمل المفوضية السامية لحقوق الإنسان
عمل المفوضية السامية لحقوق الإنسان، الذي تبلغ متطلبات ميزانيته 208 ملايين دولار أمريكي هذا العام ونحو 200 1 موظف، هو توفير الأيدي العاملة بالأجر والدراية العملية وأماكن العمل وخدمات السكرتارية والخدمات اللوجستية لدعم وخدمة الآلية الدولية لحقوق الإنسان، وكذلك مساعدة الدول على نحو مباشر في جهودها الرامية إلى تنفيذ معايير حقوق الإنسان.
ونحن نفعل هذا من خلال وحداتنا الميدانية التسع والخمسين في جميع أنحاء العالم، ومن خلال الشراكات مع الهيئات الدولية والإقليمية التابعة للأمم المتحدة وغير التابعة للأمم المتحدة في عدد متزايد من البلدان.
والنظام مؤلف من جزأين: الأساس يتألف من ميثاق الأمم المتحدة والإعلان العالمي لحقوق الإنسان وشتى المعاهدات. وترتكز على الأساس الأجزاء العاملة في هذه الآلية، وهي مجلس حقوق الإنسان، والإجراءات الخاصة، والهيئات المنشأة بموجب معاهدات، والاستعراض الدوري الشامل. ويتمثل غرضها في ضمان ترجمة القواعد والمعايير الدولية إلى قوانين وممارسات متسقة في آحاد البلدان.
ومجلس حقوق الإنسان، الذي أُنشئ في عام 2006 ويجتمع مرتين على الأقل كل سنة، هيئة حكومية دولية مؤلفة من ممثلي 47 بلداُ تنتخبهم الجمعية العامة للأمم المتحدة لولايات من ثلاث سنوات. ويعين المجلس أصحاب ولايات الإجراءات الخاصة المواضيعية أو الإجراءات الخاصة ببلدان محددة الذين يقومون ببعثات قطرية ويوجهون رسائل إلى الدول ويجرون دراسات.
وتضطلع الهيئات المنشأة بموجب معاهدات بتفسير واستعراض ورصد تنفيذ كل دولة طرف لمعاهدات حقوق الإنسان.
والاستعراض الدوري الشامل موجود الآن في منتصف دورته الثانية للاستعراض الذي يجريه النظراء، على أساس كل قطر على حدة، لوعود وسجلات حقوق الإنسان الخاصة بجميع الدول الأعضاء في الأمم المتحدة البالغ عددها 193 دولة. وتتمثل إحدى مهام مفوضيتي في ضمان أن يكون هذا النظام مستداماً.
وأعضاء اللجان المنشأة بموجب معاهدات وأصحاب الولايات في إطار الإجراءات الخاصة خبراء مستقلون من خلفيات وثقافات وبلدان كثيرة تنتخبهم الدول الأعضاء. وبعض هؤلاء الخبراء من هذا البلد.
ومفوضيتي هي أمانة كل من أصحاب الولايات في إطار الإجراءات الخاصة والهيئات المنشأة بموجب معاهدات. وهذه الآليات لها اليوم قوة دافعة غير مسبوقة، وتُحدث تأثيراً إيجابياً على أرض الواقع.
’التدخل ‘والتأثير
تتخذ أعداد متزايدة من الحكومات خطوات نحو التصديق على المعاهدات والامتثال التام لأحكامها، سواء باعتماد عقوبات أشد على الاتجار بالبشر كما حدث في كوستاريكا أو بإلغاء عقوبة الإعدام كما حدث في الفلبين. وهناك أدلة على أن قيام الدول بما هي ملزمة به من أعمال الاستعراض والإعلام وتقديم التقارير إلى مختلف الهيئات المنشأة بموجب معاهدات يحقق غرضاً يتعلق بالوقاية والإنذار المبكر.
ومع أن البعض قد يعتبر النظام تدخلياً، فإن آليات الأمم المتحدة لحقوق الإنسان أصبحت قنوات مباشرة لوصول الشكاوى الفردية المتعلقة بانتهاكات حقوق الإنسان إلى الساحة العالمية من خلال جلسات الاستماع العلنية على الصعيد المحلي أو الدولي، وبصفة خاصة عندما تكون إمكانية الوصول إلى سبل الانتصاف قد استُنفدت محلياً أو منعدمة الوجود. وتصدر هذه الهيئات اجتهادات فقهية مهمة وسجلاً مفتوحاً للتحليلات والمناقشات والتوصيات القانونية، وهي تشكل معاً مصدراً متنامياً لتوفير التدريب القانوني والإرشادات القانونية للهيئات الحكومية ومؤسسات الدولة في بلدان كثيرة.
وآليات حقوق الإنسان تقول الحقيقة للسلطات، ولكنها أيضاً تُعنى بحماية أصحاب الحقوق على أرض الواقع. فهي، من ناحية، تذكر الحكومات ومؤسسات الدول بالتزاماتها بموجب المعاهدات الدولية لحقوق الإنسان التي صدقت عليها رسمياً، وتقترح، بنجاح في كثير من الأحيان، التعاون معها لتحسين الأوضاع في الحياة الواقعية. وهي، من الناحية الأخرى، توفر الوسائل اللازمة للحوار المفتوح مع المجتمع المدني وآحاد المدافعين عن حقوق الإنسان.
ومن ثم، فإن تنفيذ البلدان لمعايير حقوق الإنسان ليس التزاماً قانونياً فحسب، ولكنه أيضاً تحد تقني. وهذا هو السبب في أن مفوضيتي تعمل على الصعيدين القطري والإقليمي، بناء على طلب البلدان المضيفة وبموافقتها، لتدعيم النظم الوطنية لتعزيز وحماية حقوق الإنسان، بالتعاون مع أصحاب المصلحة المحليين والشركاء الدوليين.
ويستند هذا العمل التقني إلى المعايير الدولية وتوصيات الهيئات المنشأة بموجب معاهدات الأمم المتحدة. وهو يتراوح بين توفير التدريب للعاملين في القضاء والشرطة والسجون بشأن تطبيق معايير حقوق الإنسان في عملهم اليومي وبين تقديم مشورة الخبراء إلى البرلمان بشأن امتثال مشاريع التشريعات لمعايير حقوق الإنسان. وهو يشمل تقديم المشورة إلى الوزارات التنفيذية المعنية بشأن كيفية ضمان أن تتضمن الخطط الإنمائية الوطنية وأعمال توفير التعليم والصحة والمياه والصرف الصحي والسكن اللائق وتحترم حقوق الجميع. ويسعى العمل إلى ضمان أن يتم كل هذا دون تمييز، ومع المراعاة الواجبة لأوجه الضعف التي تواجهها فئات محددة.
الطلب المتزايد على نهج قائم على حقوق الإنسان
سيداتي وسادتي،
أنا محامية وقاضية بالتدريب، ولكنني الآن، في سادس سنة في وظيفتي الحالية، أتجاسر بأن أقول إن السياسة الخارجية لا أساس لها إذا كانت ضيقة الرؤية وتفتقر إلى نهج قائم على حقوق الإنسان. لماذا كان "الربيع العربي" مفاجأة لهذه الأعداد الكبيرة من الناس؟ كانت المشكلة إصابتهم بفقدان البصر في إحدى العينين.
ومنذ عامين، كشفت تونس أوجه القصور في التفكير التقليدي بشأن التنمية. وقد حجب النمو الاقتصادي والسياح والهدوء السطحي غضب الشعب ويأسه إزاء الحكم الفاسد غير المتجاوب. وعلى الرغم من أرقام الناتج القومي الإجمالي والاستثمار الأجنبي المبشرة بالخير، كان يجري إهمال شعب تونس وإذلاله والتخلي عنه. ولا يمكنني أن أقول إن البلدان تنهار تلقائياً عندما تُقمع أو نُهمَل حقوق الإنسان، ولكن البلدان التي تنهار كثيراً جداً ما تكون البلدان التي لا وجود فيها لمعظم حقوق الإنسان.
ومع بلوغ المناقشة الدولية لنهج قائم على حقوق الإنسان مرحلة متقدمة الآن، فإن النظام الذي تدعمه مفوضيتي يحركه الطلب على نحو متزايد. والطلبات العاجلة على المساعدة في المواقع آخذة في التزايد وتستلزم لقاءات مباشرة وجهاً لوجه في البلدان التي تعاني من اضطراب أو تأزم أو تمر بمرحلة تجديدية أو انتقالية.
وهذا العام، قامت مفوضيتي أيضاً، بالإضافة إلى دعم لجنتي التحقيق في الحالة في سوريا والحالة في جمهورية كوريا الشعبية الديمقراطية، بإيفاد أفرقة نشر سريع إلى جمهورية أفريقيا الوسطى وغينيا كوناكري وكينيا ومالي وميانمار من أجل التصدي للأزمات ورصد حالات حقوق إنسان محددة والتحقيق فيها.
والنظام القديم في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا يتفكك ببطء، ولكن الانتقال لا يزال غير مؤكد في اليمن ومصر وليبيا، ضمن بلدان أخرى، وطبيعة التغير ووتيرته مختلفتان في كل بلد منها وتتحركان بطرق مختلفة وبسرعات مختلفة جداً.
وربما يكون التقدم أشد وضوحاً للغاية في تونس، حيث يوجد للمفوضية السامية لحقوق الإنسان مكتب راسخ الآن، وحيث يدور حوار وطني تشارك فيه جميع عناصر المجتمع الرئيسية. وقد افتتحنا هذا العام أحدث مكتب قطري لنا – فريق عملي التوجه – في اليمن، بدعوة صريحة من الحكومة.
وتدخل الحكومة المصرية ومفوضيتي الآن المرحلة النهائية للمفاوضات المتعلقة بإنشاء مكتب المفوضية الإقليمي لشمال أفريقيا. وأُرحب بإقرار الحكومة المؤقتة إنشاء هذا المكتب الذي سيقدم ما يلزم من مساعدة ودعم إلى جميع أصحاب المصالح والمكلفين بواجبات في هذه الفترة الصعبة.
ونأمل أيضاً أن نختتم بنجاح، في عام 2014، المحادثات الجادة مع حكومة ميانمار بشأن مكتب قطري سيصبح فقط ثاني مكتب قطري لنا، بعد المكتب الموجود في بنوم بنه، في آسيا.
وقد جرى الآن تمديد البلد المضيف لولاية أحد أطول مكاتبنا القطرية خدمة، وهو المكتب الموجود في كولومبيا، لمدة سنة، مع مراعاة الانتخابات الرئاسية المقبلة في كولومبيا. وكان التجديد عملية حساسة. ومكتب كولومبيا، مثل جميع المكاتب القطرية، شريك أمين في الجهود الوطنية والمحلية الرامية إلى تعزيز الحقوق، ولكنه أيضاً مصدر تصريحات عامة مؤثر وهي تصريحات تسلط الضوء على انتهاكات ومخالفات القانون الدولي لحقوق الإنسان والقانون الإنساني الدولي، وكذلك على السياسات العامة المعاكسة في ذلك البلد. وستكون الحاجة إلى مكتب كولومبيا أشد أيضاً إذا توصلت الحكومة والقوات المسلحة الثورية لكولومبيا إلى اتفاق سلام يتطلب رصد حقوق الإنسان.
ووجودنا الميداني لا يتألف من المكاتب القطرية فقط ولكنه يتضمن أيضاً ما يسمى بعناصر حقوق الإنسان في بعثات الأمم المتحدة للسلام. وقوة حفظ السلام التي جرى نشرها في مالي هذا العام مثال حديث في هذا الصدد. والمفوضية لديها أيضاً 12 مكتباً إقليمياً، وبالإضافة إلى ذلك يمكن للأفرقة القطرية للأمم المتحدة الآن أن تعتمد على مستشارين في حقوق الإنسان معينين في 20 بلداً تقريباً. وهناك دعوات دائمة موجهة من حكومات في أوروبا وشرق آسيا وأفريقيا إلى مدرسين ومدربين ومستشارين قانونيين من الآلية الدولية لحقوق الإنسان. وتطلب السلطات في المناطق المتنازع عليها وساطتنا. وتطلب مدارس القانون المرموقة وهيئات المهنة القانونية في بلدان كثيرة الحصول على دعمنا. ونتعشم أن تتوافر لنا الوسائل اللازمة لتلبية كل هذه الطلبات.
أداء المفوضية السامية لحقوق الإنسان وتمويلها
الطلب العالمي على خدمات الأمم المتحدة لحقوق الإنسان يفوق بشكل خطير المعروض منها. وهذه مشكلة أعتبرها منذ بعض الوقت مشكلة خطيرة.
والوحدات الميدانية التسع والخمسين التابعة للمفوضية السامية لحقوق الإنسان في جميع أنحاء العالم لا تكفي لكي تقود حقوق الإنسان التنمية، لا أن تتسبب في تخلفها، في خطة التنمية لما بعد عام 2015، بالنظر إلى البون الشاسع بينها وبين الوحدات اللازمة للتنمية والبالغ عددها 174 وحدة. والمفوضية، وهي الجهة الوحيدة المسؤولة عن إدارة نظام حقوق الإنسان، لا تتلقى إلا أقل من 3 في المائة من إجمالي الميزانية العادية للأمم المتحدة. وعدد الولايات الجديدة التي ينشئها كل من الجمعية العامة ومجلس حقوق الإنسان يواصل زيادة عبء عملنا، سنة بعد سنة، دون حدوث زيادة معادلة في التمويل. وميزانيتنا من التبرعات، التي يعتمد عليها نحو 60 في المائة من عملنا، توقفت عن الارتفاع في عام 2009.
ونحن على دراية بهذه الأوقات العصيبة ونضطلع بمسؤولياتنا. ونحن نشدد التحكم في النظم والإجراءات وهيكلنا الإداري ونعمل أكثر بموارد أقل. وقد خفضنا ميزانيتنا بنسبة 12 في المائة هذا العام، وسنختتم عام 2013 بعجز مقداره نحو 15 مليون دولار أمريكي سيجري تمويله من الاحتياطيات. وعند مستويات التشغيل الحالية، سيختفي خيار المديونية هذا في عام 2015.
وتقييمات الأداء التي يجريها مانحونا قديمو العهد آخذة في التحسن. ونحن نقوم بتوفير القدرة الحيوية على جمع أموال إضافية، وهي القدرة التي نحتاج إليها نحن أنفسنا، بالعمل على التوصل إلى الداعمين المحتملين وتنمية روابطنا مع المانحين الموجودين. ونحن أول كيان في الأمم المتحدة يتلقى مساهمات عبر الإنترنت/الهاتف. وفي عام 2012، كانت المملكة المتحدة، بتبرعها بمبلغ 9ر3 مليون جنيه، سابع أكبر جهة مانحة لنا فيما يتعلق بالتبرعات. وقد ورد هذا كله في محادثاتي مع حكومتكم اليوم.
سيداتي وسادتي، لقد حققنا بالفعل تقدماً مفيداً. فمنذ عشرين عاماً، أصدر المؤتمر العالمي لحقوق الإنسان المعقود في عام 1993 في فيينا وثيقة إعلان وبرنامج عمل فيينا. وربما كانت هذه الوثيقة أهم صك حقوق إنسان صدر في نصف القرن الماضي، حيث شكلت مخططاً أساسياً للتنمية اتبعه نظام حقوق الإنسان إلى حد بعيد منذ ذلك الحين.
وقد حدث، بداية، إنجاز عملي: نتيجة لمؤتمر فيينا، شهد عام 1993 أيضاً قيام الجمعية العامة للأمم المتحدة بإنشاء منصب المفوض السامي، الذي تمت تسمية شاغله ليكون الموظف الذي يضطلع بالمسؤولية الرئيسية عن أنشطة الأمم المتحدة في مجال حقوق الإنسان.
وازدهرت منظمات المجتمع المدني وحركات المدافعين عن حقوق الإنسان بطرق لم يكن من الممكن تخيلها منذ 20 عاماً. ونشأت مؤسسات وطنية لحقوق الإنسان، تتنافس على نيل اعتماد دولي، في أكثر من 100 بلد.
وباشرت أول محكمة جنائية دولية دائمة، التي عملت فيها، عملياتها. وحاكمت المحاكم الإقليمية لجرائم الحرب الجناة وحكمت عليهم وسجنتهم. ونالت مجموعات جديدة عالية الصوت على أرض الواقع، تطالب بحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة أو العمال المهاجرين وأسرهم أو المثليين والمثليات أو أسر الأشخاص المختفين، قرارات محاكم وتعويضات مادية كبيرة. ونما الإطار المعياري الدولي في موضعه، وهو الآلية المتوازنة لإعمال حقوق الإنسان على الصعيدين الوطني والدولي.
ولكن الأمور كلها ليست على ما يرام. فنحن لم نجعل حقوق الإنسان مضمونة عالمياً، أو موضع احترام عند التصديق، أو مشمولة بالنظر إليها في كل مكان باعتبارها غير قابلة للتجزئة ومترابطة، على الرغم من عزمنا على أن نجعلها كذلك. ولا تزال الدول تحتج بمزايا النسبية الثقافية والاستثناء الثقافي. ومازالت أفعال الازدراء والضرب وإساءة المعاملة تمارس ضد النساء والأقليات والمهاجرين. وما زال الحق في التنمية لا يحظى بالقبول من الجميع. ولا تزال السلطة تُفسد، ومازال القادة مستعدين للتضحية بشعبهم من أجل الاحتفاظ بها.
وأشعر بالقلق إزاء ردود الفعل المعاكسة والقلق على المدافعين عن حقوق الإنسان الذين يتعرضون، بسبب نجاحهم، لتحديات ومضايقات وعنف وقتل وقوانين تقييدية جديدة وأعمال انتقامية – أعمال انتقامية حتى بسبب مشاركتهم في مداولات الأمم المتحدة في مقار الأمم المتحدة، مثلما حدث أثناء الدورات الأخيرة لمجلس حقوق الإنسان في جنيف.
والعالم بسبيله إلى أن يرى أن التوقيع على اتفاقية ليس جواز مرور مجانياً. وكما يعرف البعض بالفعل من التجربة، فإن التصديق على معاهدة أو شغل مقعد عضوية في مجلس حقوق الإنسان، مع استمرار عدم التصدي لانتهاكات حقوق الإنسان، يجذب انتباهاً دولياً فورياً غير مريح. وهذا هو الطابع القاسي لوسائط الإعلام اليوم. ولا تود أي دولة أن يُرى أنها تُخفق في الاضطلاع بمسؤوليتها عن الحماية أو احترام العقود الدولية.
وأُسلم بأن الممارسة ليست مريحة دائماً. وتعرف المملكة المتحدة هي وغيرها من البلدان أن قبول الالتزامات والواجبات بموجب المعاهدات الدولية يتطلب أيضاً قبول فحص لحالة حقوق الإنسان عن بعد، وهو فحص يمكن أيضاً أن يكون عن كثب وشخصياً، يقوم به أصحاب ولايات في إطار الإجراءات الخاصة يتسمون بالاستقلال والحياد أو تقوم به هيئات منشأة بموجب معاهدات أويتم القيام به عن طريق الاستعراض الدوري الشامل.
ومن الطبيعي أن يشعر غير المعتادين على أعمال الآليات الراسخة في مجال حقوق الإنسان بالانزعاج عندما يحدث هذا، ومن الطبيعي أن يشكوا فيه. ويكون هذا مفهوماً أيضاً عندما يقابل قبول الفحص بتشكيك حاد في مشروعيته من جانب بعض قطاعات المجتمع.
ولكن من الخطير الإذعان للضغط المكثف والانصراف عن القانون الدولي والالتزامات الدولية، ورفض المشاركة في الهيئات أو العادات الثقافية التي يُنظر إليها على أنها أجنبية، أو السعي، في عالم معولم الآن على نحو لا يمكن الرجوع عنه، إلى الحصول على ميزة انتخابية بإعادة تأكيد السيادة في جميع المسائل.
وإذا كانت حكومة المملكة المتحدة تشعر بمثل هذا الضغط، فإنني أدعوها إلى مقاومته. ومن شأن الخطاب السلبي بشأن حقوق الإنسان على أعلى مستوى أن يوجه الإشارة الخاطئة داخل الوطن وكذلك، على وجه الخصوص، إلى الخارج، حيث، في بلدان كثيرة جدا، تبذل وزارة الخارجية والكومنولث بالمملكة المتحدة قصارى جهدها، بنجاح ملموس، لتعزيز حماية حقوق الإنسان
وطوال عقود حتى الآن، حققت، على نحو جيد، توفير الخدمة اللازمة لأهم مصلحتين لديكم – السلام والعدالة في أوروبا – مؤسسات واتفاقيات ونُهج تعاونية عبر الحدود وإقليمية ودولية. وكما أبلغت مجلس اللوردات هذا الصباح، فإن التوصيات التي أصدرتها على مدى عشرة أعوام إحدى الهيئات المنشأة بموجب معاهدات في منظومتنا هي التي، في نهاية المطاف، ساعدت البرلمان على أن يضع التمييز الطبقي في هذا البلد داخل نطاق قانون المساواة.
ويجب أن يظل هذا البرلمان متجاوباً مع العالم ويبقى مناراً لتزويد المدافعين عن حقوق الإنسان في كل مكان بالمعلومات الهامة، ابتداء من عملكم الرائد بشأن حقوق المثليات والمثليين ومزدوجي الميل الجنسي ومغايري الهوية الجنسانية، وجميع أشكال التمييز، إلى ضغطكم لضمان المساءلة عن العنف الجنسي في حالة النزاع ونهجكم الإنمائي الشامل الذي محوره الناس.
وقد خدمت المملكة المتحدة السلام والتعاون والتفاهم الدوليين على مدى وقت طويل للغاية وعلى نحو فائق الجودة بحيث يمكنها اليوم انتقاء واختيار طريقها انطلاقاً من التزاماتها الدولية الرسمية.
وأُرحب بترشح المملكة المتحدة للعضوية في مجلس حقوق الإنسان في عام 2014. وسوف أعتبره إعادة تأكيد لولاء هذا البلد الأساسي الدائم، الذي يتعدى السياسات الحزبية، للعدالة ولقانون حقوق الإنسان ومؤسساته.
شكراً لكم.