البيانات المفوضية السامية لحقوق الإنسان
الكلمة الرئيسية التي ألقتها السيدة نافي بيلاي مفوضة الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان في اجتماع بشأن التمييز الطبقي في المملكة المتحدة نظمه التحالف المناهض للتمييز الطبقي، لندن، 6 تشرين الثاني/نوفمبر 2013
06 تشرين الثاني/نوفمبر 2013
لندن، 6 تشرين الثاني/نوفمبر 2013
أُعرب عن شكري للتحالف المناهض للتمييز الطبقي على تنظيم هذا الاجتماع الهام وعلى دعوتي إلى مخاطبتكم بشأن التمييز الطبقي. وسوف أنظر في التدابير الدولية التي اتُخذت مؤخراً للسيطرة على حجم هذه الظاهرة وعمقها وسأتناول أيضاً التقدم الجريْ المحرز في المملكة المتحدة.
الخلفية
من المقدر أن التمييز الطبقي وأشكال التمييز الأخرى المتصلة به تسبب حياة ذل وإقصاء وفقر لنحو ربع مليار امرأة ورجل وطفل في جميع أنحاء العالم. والتمييز الطبقي مثار قلق مباشر لمفوضيتي لأنه تدميري لكل ما نناضل من أجله.
وهو يحرم النساء والرجال والأطفال من أهم حقوقهم الأساسية. ويجردهم من كرامتهم ذاتها. كما أنه يسحق الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والمدنية والسياسية، ولا يزال يفعل هذا مع إفلات مرتكبيه من العقاب في أنحاء كثيرة جداً من العالم.
ولا تقتصر المشكلة على منطقة واحدة أو طائفة دينية واحدة. فالتحامل الطبقي منتشر في جنوب آسيا، ولكنه يشوه المجتمع في جميع أنحاء شرق وجنوب شرق آسيا، أيضاً، وفي أفريقيا والشرق الأوسط. وحالات الجهل والكره والخوف والمعاناة القائمة على أساس طبقي، وهي واقع حياتي لمئات الآلاف من الناس، تؤثر أيضاُ على حياة الناس في المملكة المتحدة وفي بلدان أخرى وفي مجتمعات المغتربين والمهاجرين في جميع أرجاء العالم اليوم.
التقدم على الصعيد الدولي
ليست أي حقيقة من هذه الحقائق الواقعية جديدة بالنسبة إلى معظم الموجودين منكم هنا اليوم. وأنا، ببساطة، أثيرها باعتبارها خلفية يُستند إليها لقياس تقدمنا المشترك والعمل الذي ما زال يتعين القيام به. ولا بد أن أقول إن التقدم الذي حققناه كبير. لقد سمعتم النداءات الصادرة مؤخراً والداعية إلى إيلاء اهتمام متزايد لمواجهة التمييز الطبقي على الصعيد الدولي، التي تراوحت بين مذكرة الأمين العام الإرشادية بشأن التمييز العنصري والأقليات، التي اعتُمدت في آذار/مارس من هذا العام، والقرار المتعلق بالتمييز الطبقي، الذي اعتمده البرلمان الأوروبي في الشهر الماضي فحسب. ولعله أثلج صدوركم، مثلما أثلج صدري، أن المشاورة العالمية بشأن خطة التنمية لما بعد عام 2015 أقرت بأن التمييز الطبقي مصدر لعدم المساواة.
المعايير القانونية للهيئات المنشأة بموجب معاهدات
ستعرفون أيضاً أن المعاهدات الدولية لحقوق الإنسان توفر بالفعل معايير قانونية واسعة النطاق في الإطار القائم للقانون الدولي. ولا تشير هذه المعايير صراحة إلى الطبقة في حد ذاتها، ولكن الاجتهاد القضائي يعتبر، منذ سنوات عديدة، أن قواعد المعاهدات القائمة تغطي التمييز الطبقي أيضاً. ويعني هذا أن على الدول التزاماً قانونياً بموجب القانون الدولي بأن تتصدى له.
وقد أدى باطراد تفسير هذه المعايير القانونية وتطبيقها وتنقيحها إلى العلامات الواعدة التي نشهدها الآن. وقد ساعدت الأعمال المنهجية للآلية الدولية لحقوق الإنسان، على الرغم من أنها بطيئة ومضنية، على الدفع قدماً بتناول التمييز الطبقي في تشريعات المملكة المتحدة هذا العام.
لجنة القضاء على التمييز العنصري
ثمة جهة فاعلة رئيسية في هذه العملية هي لجنة الأمم المتحدة المعنية بالقضاء على التمييز العنصري، وهي الهيئة المنشأة بموجب معاهدة المعروفة باسم ’لجنة القضاء على التمييز العنصري‘ التي تُعنى بالاتفاقية الدولية للقضاء على جميع أشكال التمييز العنصري. وهذه اللجنة مسؤولة عن التفسير والرقابة والتوجيه فيما يتعلق بالاتفاقية، التي صدقت عليها حتى الآن 176 دولة.
وفي عام 2002، خلصت التوصية العامة رقم 29 للجنة القضاء على التمييز العنصري إلى أن التمييز على أساس النسب مرتبط بالتمييز الطبقي، وبالتالي تحظره أيضاُ الاتفاقية. وبعد سنة، في عام 2003، دعت لجنة القضاء على التمييز العنصري، وهي ترحب بالخطوات المتخذة في المملكة المتحدة لمكافحة التمييز الطبقي، إلى إدراج حظر محدد للتمييز الطبقي الأساس في تشريعات المملكة المتحدة.
وقد صدرت دعوات متزايدة إلى مكافحة التمييز الطبقي في الاستعراضات القطرية الأخرى، وكذلك عن طريق الهيئات الأخرى المنشأة بموجب معاهدات، والاستعراض الدوري الشامل والمقررين الخاصين – وكل هذه الآليات أجزاء متحركة جوهرية من النظام الدولي لحقوق الإنسان. ومن أحدث أمثلتها الدعوة العامة التي أصدرها في أيار/مايو من هذا العام سبعة من أصحاب الولايات في الأمم المتحدة وطالبوا فيها بأن تقر حكومات العالم مشروع مبادئ الأمم المتحدة ومبادئها التوجيهية للقضاء الفعلي على التمييز القائم على أساس العمل والنسب.
وفي أيلول/سبتمبر 2011، في الدورة الرسمية التاسعة والسبعين للحنة القضاء على التمييز العنصري في جنيف، كان أنصار التحالف المناهض للتمييز الطبقي موجودين في عين المكان لكي يشهدوا عرض توصية اللجنة إلى حكومة المملكة المتحدة بالاحتكام إلى المادة 9 (5)(أ) من قانون المساواة لجعل الطبقة أحد جوانب العرق وحظر التمييز الطبقي وتوفير سبل الانتصاف لضحاياه.
وفي هذا العام، بعد الإعراب عن آراء قوية جداً بشأن هذه المسألة هنا في مجلس اللوردات، أُدرج حكم تشريعي جديد في قانون المشاريع التجارية والإصلاحات التنظيميةينص الآن على أن الحكومة يجب أن تُدخل التمييز الطبقي في نطاق قانون المساواة.
وهذا انتصار للقائمين بالحملات وللسنوات الكثيرة لعملهم الدؤوب من أجل إقامة العدل، وهو انتصار تاريخي جعل المملكة المتحدة أول بلد في أوروبا – وأول بلد خارج جنوب آسيا – ينص صراحة في القانون على حظر التمييز الطبقي.
وقد رحبت ترحيباً حاراً، مثل كثيرين غيري، بهذا الخبر. فهو يوجه رسالة قوية، محلياً وإلى العالم على السواء، مفادها أن التمييز الطبقي يجب استئصاله من مجتمعاتنا. وسرتني الكيفية التي استمدت بها سلطات الدولة والمجتمع المدني والآليات الدولية لحقوق الإنسان، طوال هذه المهمة التي استغرقت عشرة أعوام، قوة متنامية بعضها من بعض. وينبغي توافر الدعوة المدنية المعزَزة والحكومة المتجاوبة من أجل إعمال حقوق الإنسان، مع التصدي للآفات الاجتماعية المتجذرة وذلك عن طريق الإجراءات الحاسمة التوافقية في التشريعات ورسم السياسات والإنفاذ.
وأعمال الشغب الطبقية والكسح اليدوي بعيدة عنكم هنا في المملكة المتحدة. ولكن المظاهر الأكثر استتاراً الخاصة بالنظام الطبقي مازالت كامنة. وقد خلصت دراسة أُجريت هنا بتكليف من الحكومة إلى وجود أدلة على حدوث تمييز طبقي ومضايقة طبقية في بريطانيا في أماكن العمل وفي تقديم الخدمات. وخلصت الدراسة أيضاً إلى وجود أدلة على حدوث حالات تمييز طبقي ومضايقة طبقية في المدارس والمنظمات الطوعية وأماكن العبادة وفي السلوك العام، تنطوي كلها على عواقب نفسية ومادية وخيمة محتملة الحدوث للضحايا.
وتبين هذه الدراسة وتقارير أخرى أن التحامل الطبقي بقي بعد الهجرة ويواصل المساس بالعمل والتعليم والحياة الاجتماعية في مجتمعات المغتربين، حيث يجابه على نحو مفاجئ كثيرين شعروا على مدى سنوات أن الوضع الطبقي لم يعد يشكل قضية في حياتهم.
وقد حدث هذا أيضاً في أسرتي. وأنا، كما تعلمون، نشأت في جنوب أفريقيا. ومع أنني فخورة بكوني جنوب أفريقية، فإن والداي، اللذين ولدا في جنوب أفريقيا وأصلهما هندي، لم يوافقا على الشخص الذي اختارته أختي لتتزوجه، لاقتناعهما بأنه من طبقة اجتماعية منخفضة جداً، لدرجة أنهما رفضا حضور زفاف ابنتهما.
وقد يجادل البعض بأن الطبقة الاجتماعية تُعَد إلى حد بعيد مشكلة بالنسبة للمهاجرين من الجيل الأول. وهم يشيرون، ليس بدون سبب، إلى تزايد الزواج المختلط وغيره من العوامل المفيدة التي تقضي بالتدريج على الارتباط بالطبقة الاجتماعية. ولكن يرى آخرون أن تأثير الطبقة الاجتماعية على مجتمعات المغتربين خفي ومتواصل بدرجة أكبر إلى حد بعيد، وكثيراً ما يغطي عدة أجيال.
وتتطلع مفوضيتي، مثلكم جميعاً، إلى قيام الحكومة هنا بقوة وسرعة بتنفيذ التزامها القانوني الجديد بتوسيع نطاق تشريعات المملكة المتحدة المتعلقة بعدم المساواة لتغطية التمييز الطبقي.
والتحدي الآن هو الحماية والإنفاذ، ومقياس هذا التحدي كما يلي: التمييز الطبقي يترك وصمة خفية. وهو فعل وضيع يشوه السمعة بالهمس وبأساليب خفية. وما أن تدخل هذه الوصمة الرأس حتى تلتصق داخله بعناد وشراسة. ومن الصعب إزالتها، وأحياناً ما يكون من العسير رؤيتها في هذا البلد. وفي الوقت نفسه، فإن ضحايا هذا التمييز يطالبون بحقوقهم في الحماية والإنصاف وفي المشاركة القوية في البحث عن حلول طويلة الأجل ويمارسون هذه الحقوق، وسيستمر هذا.
وهذا تحد طويل الأجل لحكومة المملكة المتحدة وشعبها، ولكنه أيضاً فرصة لتحقيق مسعاكم المشترك الهادف إلى إقامة مجتمع أشد تماسكاً, وأنا متأكدة من أن هذه التشريعات وتنفيذها ستكون، في مناطق أخرى، مصدر إلهام لأعمال مماثلة في بلدان أخرى: اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز العنصري والإطار المعياري الكامل لحقوق الإنسان موجودان بالفعل للمساعدة في توجيهنا ونحن نمضي قدماً.
ومفوضيتي مسرورة أيضاً لرؤية التزام الحكومة بمواصلة هذا العمل بطريقة منهجية وشاملة، بما في ذلك من خلال المشاورات العامة.
والمشاورات العامة والإعلام العام في صميم ما نضطلع به في المفوضية السامية لحقوق الإنسان من أعمال ناجحة في مجال الدعوة. وفي حالة التشريعات المحددة لمكافحة التمييز الطبقي، أود أن أشير إلى مكتبنا السابق في كاتماندو، الذي عمل في شراكة وثيقة مع منظمات الداليت، وممثلي المجتمع المدني، والسلطات لتيسير اعتماد نيبال لقانون مكافحة التمييز والنبذ على أساس الطبقة الاجتماعية في عام 2011. وهذا القانون التاريخي لم يحقق توفير سبل انتصاف جديدة للضحايا وتحسين إمكانية وصولهم إلى العدالة فحسب، ولكنه أيضاً أطلق موجة من المبادرات التثقيفية في المدارس والأسواق والميادين العامة لمكافحة جهل الناس بالتمييز الطبقي.
ومنذ بضع سنوات، أبلغني الناشطون الداليت بحملتهم لإنهاء الكسح اليدوي، وهو تنظيف المراحيض باليد، الذي يُحدد على أساس الطبقة الاجتماعية. وقالوا إنهم تحركوا في كل مكان وحطموا المراحيض. وسلموني آجرة من مرحاض باعتبارها رمزاً للانعتاق.
وأتى نشاطهم ثماره. فقد بدأت الهند تعالج المسألة بجدية من جذورها. وأنا أشيد بقيام البرلمان الهندي في أيلول/سبتمبر من هذا العام باعتماد قانون جديد للقضاء على ممارسة الكسح اليدوي، وهي ممارسة فظيعة تجرد من الكرامة مئات الآلاف من الداليت، معظمهم من النساء. ويزيد القانون الجديد من تعزيز الإطار التشريعي الموجود بالفعل في الهند والذي يحظر النبذ والسخرة.
وإنني على ثقة من أن تقدم الهند سيتواصل، وسيحقق الحد من التمييز الطبقي والمضايقة الطبقية، وتيسير ملاحقة مرتكبيهما عند حدوثهما، وتوفير سبيل انتصاف مستقل للضحايا، بما في ذلك إمكانية الوصول إلى الهيئات القضائية والمحاكم. وسيكون هذا التقدم أيضاً مصدر إلهام لجهود مماثلة في أنحاء أخرى من العالم.
واسمحوا لي بأن أقول بضع كلمات عن القانون. إن تجربة مفوضيتي تبين أنه، حتى عندما قد تشمل التشريعات المتعلقة بعدم التمييز، بحكم القانون، أفعال تمييز طبقي معينة، يلزم وجود إشارة صريحة إلى هذا التمييز في التشريعات. فهي لا توضح الوضع القانوني وتكفل التغطية الشاملة لهذا الجرم فحسب، ولكنها أيضاً تزيد من الاهتمام الذي توليه له سلطات إنفاذ القوانين وغيرها من السلطات وعامة الجماهير.
وأشياء قليلة هي التي يمكن أن تعادل التأثير الرادع الذي يحدثه القانون. ولا يوجد في التاريخ البريطاني المعاصر ما هو أقوى في مناهضة التمييز العنصري من قوانينكم المتعلقة بمكافحته. وفي السياق ذاته، أتنبأ، باعتباري أنا نفسي محامية وقاضية، بأن العمل الذي ما زال يواجه هذا البلد فيما يتعلق بالتصدي للتمييز الطبقي سييسره كثيراً أساسكم الجديد في القانون، وهو حظره.
ولكن لا يمكن لقانون جديد أن يكون وحده الحل السحري. يلزمنا أكثر من هذا للتغلب على وحش التمييز الطبقي. فحظر النبذ في الدستور الهندي في عام 1950 لم يستأصله، ومحاولات الهند الأولي لتجريم الكسح اليدوي لم يكن لها سوى تأثير طفيف على ممارسته. ويجب أن تتمثل تكملة للقانون لا غنى عنها في الممارسة المترتبة عليه.
وتغطية التمييز الطبقي في تشريعاتكم المتعلقة بالمساواة لن تُنهي المضايقة والتسلط والإهانة والاستغلال. ويجب أن نربط القانون القائم بالتزام سياسي واجتماعي متجدد بالمبادئ القانونية، وأن نقوم أيضاً، على نحو منهجي وفعال، بإشراك آليات العمل الدولية والوطنية للمضي قدماً في تنفيذه.
وتضطلع السلطة القضائية بدور رئيسي في هذا الصدد، ولكن المؤسسات الأخرى تفعل هذا أيضاً، كما تفعله عامة الجماهير. ومحدودية الوعي بالديناميات الطبقية تُضعف حساسيتنا تجاه التمييز والمضايقة عندما يحدثان. فلنضغط بقوة لإذكاء مزيد من الوعي فيما بين السلطات والشعب بالتأثير الإنساني الكارثي الذي يسببه التمييز الطبقي، ولاسيما بالنسبة للنساء والشباب ، وبما يحققه حظره للناس جميعاً من تخفيف للأعباء وفوائد.
ويجب أيضاً أن تجتذب جهود إذكاء الوعي أنصاراً من القطاعين الخاص والعام: تبين تجربتنا – وتجربة بريطانيا – أن أفضل النتائج تكمن في الشراكات الرسمية الواسعة النطاق بين الجهات الفاعلة في كل من الحكومة والمجتمع المدني. وفي حالة بريطانيا، اضطلع المجتمع المدني والناشطون والنقابات العمالية وأصحاب العمل التقدميون فعلاً بأدوار مثالية. وأنا أشيد، على وجه الخصوص، بالناشطين والمدافعين عن حقوق الإنسان الداليت الذين كشفوا في المحافل الدولية والوطنية، بالتزام وشجاعة، عن بشاعة وانتشار التمييز الطبقي وطالبوا بوقفه.
وبفضل جهودكم، يحظى التمييز الطبقي بما يستلزمه من اهتمام ويطلق ما يقتضيه من إجراءات, ونحن، سواء كنا جهات مشاركة خاصة أو عامة، أم جهات مشاركة غير حكومية أو حكومية أو حكومية دولية، نتشارك في ذات النضال. فلنواصل معاً الدعوة إلى مزيد من التقدم والتنديد بالتمييز الطبقي، في الوطن وكذلك في السياقات المتعددة الأطراف والثنائية على الساحة الدولية.
وتظل مفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان ملتزمة بالعمل معكم جميعاً.
شكراً لكم.