Skip to main content

البيانات المفوضية السامية لحقوق الإنسان

باشيليت: تجنّبًا لانطلاق جولة جديدة من العنف، يجب معالجة أسبابه الجذرية والتصعيد في غزة والأراضي الفلسطينية المحتلة

27 أيّار/مايو 2021

English

بيان مفوضة الأمم المتّحدة السامية لحقوق الإنسان خلال الدورة الاستثنائية لمجلس حقوق الإنسان بشأن تدهور حالة حقوق الإنسان في الأراضي الفلسطينية المحتلّة، بما فيها القدس الشرقية

فيديو: كلمة باشيليت*

جنيف، في 27 أيّار/ مايو 2021

سيّدتي الرئيسة،

أجبرت الأحداث المروعة التي ضربت غزة والأراضي الفلسطينية المحتلة، هذا المجلس على عقد دورة استثنائية جديدة. فقد شهدنا مؤخّرًا التصعيد الأبرز في الأعمال العدائية منذ العام 2014.

وبحسب الأرقام التي تحقّقت منها مفوضيتنا، فقد قتلت غارات قوات الأمن الإسرائيلية على غزّة، 242 فلسطينيًا من بينهم 63 طفلاً. وأصيب آلاف الآخرين، في حين تشير التقديرات إلى نزوح أكثر من 74,000 فلسطيني. وفي الضفة الغربية، بما فيها القدس الشرقية، قُتل 28 فلسطينيًا، من بينهم خمسة أطفال، حتى 24 أيّار/ مايو. وفي موازاة ذلك، قتلت الصواريخ التي أطلقتها حماس وجماعات فلسطينية مسلحة أخرى 10 مواطنين وسكان إسرائيليين، من بينهم طفلان، وأجبرت الآلاف على الاختباء في الملاجئ.

وقد ارتبط هذا التصعيد ارتباطًا مباشرًا بالاحتجاجات، وأتى رد قوات الأمن الإسرائيلية مكثّفًا في القدس الشرقية في بادئ الأمر، ثم توسّع وامتد على كامل الأراضي الفلسطينية المحتلة وداخل إسرائيل أيضًا.

أدّت قضيتان أساسيتان إلى تصاعد التوتر. الإخلاء الوشيك للعائلات الفلسطينية من حي الشيخ جراح بالقدس الشرقية المحتلة ونزوحها القسري إفساحًا بالمجال أمام المستوطنين من جهة، وانتشار كثيف لقوّات الأمن الداخلي في المسجد الأقصى، ما أدى إلى تقييد وصول آلاف المصلين خلال الأيام الأخيرة من شهر رمضان، من جهة أخرى. وفي الكثير من المناسبات، استخدمت قوات الأمن الداخلي القوة ضد المتظاهرين السلميين والمصلين داخل المسجد الأقصى. كما لجأت في مناسبات أخرى، عندما تحولت المظاهرات إلى اشتباكات، إلى استخدام القوة المفرطة لمكافحة الشغب، بما في ذلك العنف الجسدي الذي أدى إلى تأجيج التوتر.

سيّدتي الرئيسة،

اندلع التصعيد الأخير بين إسرائيل والجماعات الفلسطينية المسلحة في 10 أيّار/ مايو، عندما طالبت حماس، وهي سلطة الأمر الواقع في قطاع غزة، القوات الإسرائيلية بمغادرة المسجد الأقصى والشيخ جراح في القدس الشرقية. وعندما لم يتحقّق ذلك، أطلقت حماس وجماعات مسلحة أخرى وابلًا من الصواريخ الثقيلة على إسرائيل. هذه الصواريخ عشوائية ولا تميز بين الأهداف العسكرية والأعيان المدنية، وبالتالي فإن استخدامها يشكل انتهاكًا واضحًا للقانون الإنساني الدولي. وعلى مدى 11 يومًا حتى إعلان وقف إطلاق النار، قَتَل وأصاب عددٌ من هذه الصواريخ المدنيين وألحق أضرارًا جسيمة بالأعيان المدنية، على غرار المرافق العامة والمنازل والمصانع وغيرها من المباني المدنية الأخرى.

فردّت إسرائيل بضربات جوية مكثّفة على غزة، بما في ذلك القصف المركّز، وإطلاق صواريخ من الطائرات المقاتلة، والهجمات من البحر. وعلى الرغم من أن التقارير تفيد باستهداف أفراد الجماعات المسلحة وبنيتها التحتية العسكرية، فقد أسفرت الهجمات الإسرائيلية عن سقوط عدد كبير من القتلى والجرحى من المدنيين، فضلاً عن تدمير الأعيان المدنية وإلحاق أضرار جسيمة بها. ومنها المباني الحكومية، والمنازل والمباني السكنية، ومراكز المنظمات الإنسانية الدولية، والمرافق الطبية، والمكاتب الإعلامية والطرق التي تربط المدنيين بالخدمات الأساسية مثل المستشفيات. ما أسفر عن تدميرها جزئيًا أو بالكامل. وعلى الرغم من ادعاءات إسرائيل بأن العديد من هذه المباني كانت تستضيف مجموعات مسلحة أو تُستخدم لأغراض عسكرية، لم نلمس أيّ دليل على ذلك.

ومع أنّ إسرائيل اتخذت عددًا من الاحتياطات، مثل التحذير المسبق من الهجمات في بعض الحالات، تسبّبت الضربات الجوية على مثل هذه المناطق المكتظة بالسكان، بارتفاع عدد القتلى والجرحى في صفوف المدنيين، فضلاً عن تدمير واسع النطاق للبنية التحتية المدنية. وتثير مثل هذه الضربات مخاوف جدية بشأن امتثال إسرائيل لمبادئ التمييز والتناسب بموجب القانون الإنساني الدولي. وإذا تبين أن هذه الهجمات عشوائية وغير متناسبة من حيث تأثيرها على المدنيين والأعيان المدنية، فقد تشكل جرائم حرب.

ومن ناحية أخرى، يشكّل نشر مواقع عسكرية وسط مناطق مدنية مكتظة بالسكان أو شن هجمات انطلاقًا منها، انتهاكًا للقانون الدولي الإنساني. ومع ذلك، فإن أعمال أحد الطرفين لا تعفي الطرف الآخر من التزاماته بموجب القانون الدولي.

على عكس المدنيين الإسرائيليين، الذين تحميهم "القبة الحديدية" والقوات العسكرية المحترفة، لا يتمتع المدنيون الفلسطينيون في الواقع بأي حماية من الغارات الجوية والعمليات العسكرية التي تُنفذ في أكثر المناطق اكتظاظًا في العالم. فلا ملجأ يهربون إليه، بسبب الحصار الإسرائيلي البري والجوي والبحري المفروض منذ 14 عامًا. ونتيجة لهذا الحصار، عانى الفلسطينيون في غزة من بنية تحتية متهالكة وتردّي الوصول إلى الخدمات الأساسية، بما في ذلك الخدمات الصحية غير الملائمة ونظام الصرف الصحي المهترئ الذي يهدّد مباشرًا صحة ورفاهية جميع المدنيين المقيمين في المنطقة. وقد سلّطت عدم قدرة النظام الصحي على الاستجابة لكوفيد-19 استجابة شاملة في ظلّ ارتفاع عدد الحالات، الضوء جهارًا على هذا التدهور الصارخ. فمن أجل الحصول على الرعاية الصحية المناسبة، يضطر الكثير من الفلسطينيين إلى السفر إلى الخارج بشرط الحصول على تصريح من إسرائيل التي غالبًا ما تَرفض منحه.

لا شك في أن إسرائيل تتمتّع بالحق في الدفاع عن مواطنيها وسكانها. ولكن، للفلسطينيين حقوق أيضًا. فهم يتمتّعون بالحقوق نفسها. يتمتّعون بالحق في العيش بأمان وحرية في منازلهم، وبالخدمات والفرص الملائمة والأساسية، مع احترام حقهم في الحياة والسلامة الجسدية. إلاّ أنّ واقع الاحتلال يحرمهم بشكل مُمَنهج من الحقوق والحريات الأساسية الواجبة لكل إنسان.

سيّدتي الرئيسة،

في الشيخ جراح وأحياء أخرى في القدس الشرقية، لا يزال خطر عمليات الإخلاء قائمًا ويساهم في تأجيج التوتر. يجب أن تتوقف عمليات الإخلاء هذه، بما يتماشى والتزامات إسرائيل بموجب القانون الدولي. وأحثّ السلطات الإسرائيلية على وقف عملية الإخلاء فورًا.

في حين أن الخسائر المروعة في الأرواح والدمار في غزة قد تصدرت عناوين الصحف في جميع أنحاء العالم، إلا أن الوضع المقلق في الضفة الغربية لم يلحظه الكثيرون. فقد وصل التوتر والاحتجاجات والعنف، بما في ذلك الاستخدام المفرط للقوة من قبل قوات الأمن الداخلي، إلى مستويات لم نشهدها منذ سنوات طويلة. ففي 14 أيّار/ مايو وحده، قتلت قوات الأمن الداخلي 10 فلسطينيين في سياق المظاهرات والاشتباكات، وهو أعلى رقم يُسجَّل في يوم واحد في الضفة الغربية منذ أن بدأت الأمم المتحدة في جمع هذه الأرقام بشكل منهجي في العام 2008.

كما أشعر بقلق بالغ حيال الحوادث الموثّقة التي تفيد باستخدام المستوطنين الذخيرة الحية للاعتداء على الفلسطينيين، في بعض الحالات إلى جانب قوات الأمن الإسرائيلية.

سيّدتي الرئيسة،

الجانب الثالث للانتهاكات الخطيرة لحقوق الإنسان، الذي برز في الأسابيع الماضية هو الوضع داخل إسرائيل، حيث تمّ تسجيل حوادث غير مسبوقة من الاشتباكات والعنف الغوغائي وأعمال الشغب بين المواطنين الفلسطينيين المقيمين في إسرائيل والجماعات اليمينية المتطرفة، غذّاها المستوطنون الإسرائيليون. وما يثير القلق بشكل بالغ محاولات شن هجمات على أفراد في المدن المختلطة في بات يام ويافا وعكا، وكذلك الاعتداءات على أماكن العبادة والتراث الثقافي، بتحريض من الجانبين. ويساورني القلق بالغ أيضًا حيال التقارير التي تفيد بأن الشرطة الإسرائيلية فشلت في التدخل لحماية المواطنين الفلسطينيين في إسرائيل بشكل مناسب من مثل هذه الاعتداءات، واستخدمت القوة المفرطة في الكثير من الأحيان للسيطرة على المتظاهرين الفلسطينيين.

أرحب بالطبع بوقف إطلاق النار المُعلَن عنه في 21 أيّار/ مايو، ولكن ممّا لا شكّ فيه أنّ جولة جديدة من العنف ستنطلق وتولّد معها المزيد من الألم والمعاناة للمدنيين من كافة الأطياف، ما لم تتم معالجة الأسباب الجذرية الكامنة وراء تصعيد العنف هذا. يجب اعتماد عملية سلام حقيقية وشاملة لمعالجة أسباب العنف الجذرية وإنهاء الاحتلال. ويجب أن تكون أي من هذه العمليات وأي اتفاقيات ناتجة عنها، مترسّخة في احترام حقوق الإنسان وحمايتها، بما في ذلك المساءلة عن الانتهاكات والتجاوزات السابقة. فلا يمكن البدء في بناء الثقة بين المجتمعات المختلفة وتحقيق سلام دائم ومستدام وعادل، إلاّ عندما يتم احترام حقوق الإنسان وحمايتها بشكل كامل.

وفي غضون ذلك، أكرر دعوتي لحماس وجميع الجماعات المسلحة بالامتناع عن استخدام الصواريخ والقذائف بطريقة عشوائية، وأذكّر بضرورة مساءلتها عند استخدامها. ومن جديد، أحث إسرائيل على ضمان المساءلة وفقًا لالتزاماتها بموجب القانون الإنساني الدولي وقانون حقوق الإنسان. ويشمل ذلك إجراء تحقيقات محايدة ومستقلة في الإجراءات المتخذة خلال هذا التصعيد. وبموجب القانون الدولي، فإن إسرائيل ملزمة، بصفتها القوة المحتلة، بحماية سكان الضفة الغربية والقدس الشرقية وغزة وضمان رفاههم. كما يجب احترام حق الفلسطينيين في الحياة والأمن وحرية التجمع والتعبير.

وفي نهاية المطاف، يشكّل مقتل وإصابة أي طفل في سياق هذا التصعيد وصمة عار للجميع. ففي جولات الصراع المتكررة هذه، لا يمكننا أن نتجاهل معاناتهم وخسائرهم، ولا معاناة أيّ مدني آخر وخسائره. ومهما طالت المسيرة، يجب أن يبقى مصطلح "لا نهاية لها" من المصطلحات غير المقبولة بتاتًا.

من المفترض أن يشكّل العام 2021 عام التعافي على المستوى العالمي. لا بل فرصة لإعادة البناء بشكل أفضل.

تُعتبر إعادة البناء، في غزة على وجه التحديد، أمرًا ملحًا بطبيعة الحال. فالناس بحاجة إلى منزل ومدرسة ومستشفى؛ وإلى الكهرباء بصورة منتظمة، والمياه النظيفة والصرف الصحي. كل ذلك أساسي للتمتع الكامل بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، التي تم انتهاكها بشكل جسيم خلال النزاع الأخير.

تتطلب إعادة بناء الحياة أيضًا إعادة بناء سبل عيش مستدامة. إن إعادة إعمار غزة بطريقة تتمحور حول الإنسان، وتوفر حقوق الإنسان لمواطنيها، هي حجر الأساس لبناء سلام دائم ومستقبل مستدام.

كلّي أمل في أن تكون هذه هي المرة الأخيرة التي نحتاج فيها إلى عقد مثل هذه الدورة الاستثنائية.

شكرًا سيّدتي الرئيسة.

الصفحة متوفرة باللغة: