Skip to main content

الخطابات المفوضية السامية لحقوق الإنسان

استقلال القانون وسيادته ونزاهته من الجوانب الأساسيّة لبناء مجتمعات سليمة

06 شباط/فبراير 2020

فنلندا والسويد والنرويج في تعاون متعدّد الأطراف.
كيف يمكننا ضمان شرعية التعاون المتعدّد الأطراف؟
وما هي التوجّهات في أوروبا والعالم؟

سيادة القانون

كلمة رئيسية ألقتها مفوّضة الأمم المتّحدة السامية لحقوق الإنسان ميشيل باشيليت

هلسنكي، في 6 شباط/ فبراير 2020

 

أصحاب المعالي،
أيّها الزملاء والأصدقاء الأعزّاء،

نشكركم على هذه الفرصة التي تسمح لنا بتبادل الأفكار مع هذا الجمهور الديناميكي وصاحب النفوذ.

لا ينحصر العديد من التحديات التي تواجهها الدول اليوم ضمن حدودها. فحالة الطوارئ المناخية والعولمة وحركة الأشخاص، وقضايا التقنيات الرقمية، من المسائل التي لا يمكن معالجتها بشكل ملائم عبر الآليات المحلية وحدها. لذا نقدّر كلّ التقدير تركيزكم على أكثر السبل إنتاجية للتعاون المتعدّد الأطراف.

نودّ في الواقع أن نزعم أنّه يمكن السياسات الوطنية في جميع قطاعات الحكومة، أن تستفيد من التعاون الدولي الأكثر فعالية، من أجل تحقيق أهداف مشتركة. فالنجاحات المتناغمة والمتميّزة التي حققتها فنلندا والسويد والنرويج في مجال الحقوق المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية تثبت بكلّ وضوح هذه الحقيقة. ومنذ أكثر من قرن، أصبحت فنلندا أوّل دولة أوروبية تمنح جميع المواطنين البالغين حقّ التصويت. كما أنّها شكّلت جهة فاعلة في تحقيق قدر أكبر من الشفافية والمشاركة في صنع القرار، بما في ذلك في سياق الاتّحاد الأوروبي. ويدافع اليوم كلّ من السويد والنرويج، تمامًا كما فنلندا، عن نهج للحياة العامة مترسّخ في المبادئ، ويشمل تعاونها مع مفوضيّتنا، ودعوتها المستمرة لإعمال حقوق الإنسان في جميع أنحاء العالم.

وبفضل هذا النوع من العمل القائم على المبادئ الذي تقوم به بلدان الشمال ودول أخرى، تُعتَبَر أوروبا من بين أقوى أركان النظام المتعدّد الأطراف، كما أشار إليه الوزير هافيستو في دافوس الشهر الماضي. وقد جلبت الرئاسة الفنلندية للاتّحاد الأوروبي شفافية ومشاركة غير مسبوقتين، بما في ذلك عند التعاون مع مفوضيّتنا في بروكسل. كما استضافتنا النرويج مرتين كي نتحدّث إلى الرأي العام عن حقوق الإنسان وسيادة القانون، على المستويَين الداخلي والخارجي.

ولكنّنا نشهد في جميع أنحاء العالم، وفي أوروبا أيضًا، تراجعًا ملحوظًا في التزام الجهات الفاعلة في تعدّدية الأطراف. ويساهم ازدياد الانقسامات السياسية في العديد من البلدان في تفاقم هذا الوضع. وبدلاً من تلبية الحاجة الملّحة إلى إصلاحات صعبة، يسعى عدد من قادة الرأي إلى اعتماد بديل سريع وخطير، فيحمّلون كبش فداء لا طائلة له، مسؤولية المشاكل المتأصلة التي يواجهونها.

وغالبًا ما يكون كبش الفداء هذا المهاجرين أو الأقليات. كما نشهد ردّ فعل معاكس عنيف ضد النهوض بمساواة المرأة وحريتها في الاختيار، بما في ذلك الحقّ في الصحّة الجنسية والإنجابية. وفي حالات أخرى، يُزعَم أنّ الأجانب، أو ما يسمى بـ"البيروقراطيين الأجانب" يسعون إلى السيطرة على الأمة وفرض إرادتهم.

وتهدف هذه الأساليب إلى حصد الأصوات خلال الانتخابات، ولكنها تزرع أيضًا بذور الفشل.

يؤدي الجمود المتزايد في العديد من المؤسسات العالمية والإقليمية الكبرى، والافتقار المتزايد إلى الامتثال للالتزامات الدولية والقانون الدولي، إلى تآكل قدرة المجتمع الدولي على منع النزاعات وحلّها. كما يقوّضان التقدّم نحو التنمية المستدامة. ويقضيان على أملنا في التصديّ لحالة الطوارئ المناخية المتزايدة والتخفيف من آثارها. ويؤديان إلى تفاقم المعاناة والفقر والظلم والتهجير لدى ملايين البشر وبشكل صارخ.

نشيد باستنتاجات المجلس الأوروبي التي توصّل إليها في حزيران/ يونيو الماضي بشأن "تعزيز التعدّدية" وتؤكد من جديد على التزام الاتّحاد الأوروبي بنظام دولي قائم على القواعد وتضع حقوق الإنسان في أولويّات سياسة الاتّحاد الأوروبي الخارجية. كما أنّنا ممتنون لالتزامه الواضح بولاية مفوضيّتنا ولا سيما باستقلالها. فغالبًا ما ينطوي العمل الذي نقوم به لدعم حقوق الإنسان في جميع أنحاء العالم، على الكثير من التحدّيات، لا سيّما فيما يتعلّق بالتحقيقات والمناصرة، ودعمكم لنا أساسيّ وضروري.

أصحاب السعادة،

لماذا تمّ تأسيس الاتّحاد الأوروبي على الديمقراطية واحترام حقوق الإنسان والحريات الأساسية وسيادة القانون؟ لأنّها أكثر المبادئ فاعلية للتصدّي للنزاعات والطغيان والاستغلال. فالقانون العادل، المطبّق على الجميع بالتساوي والمتجذّر في مبادئ حقوق الإنسان والمدار بنزاهة، يشكّل درعًا منيعًا ضدّ القواعد المبنيّة على التعسف والمصالح الضيقة.

وعندما يكون جميع الناس وجميع المؤسسات، بما فيها مؤسّسات الدولة نفسها، مسؤولة أمام قوانين تمتثل لمعايير حقوق الإنسان، وتُطَبَّق على الجميع بالتساوي، ويُحتَكم في إطارها إلى قضاء مستقل، وتصدر علنًا، يتمّ إرساء الأساسات الضروريّة للنهوض بالمصلحة العامة.

تُلزم سيادة القانون المؤسسات العامة على أن تكون مسؤولة عن دعم حقوق الإنسان وتقديم الخدمات العامة بطريقة عادلة. وهي تمكّن جميع الأفراد، بمن فيهم من يعاني التمييز المترسّخ، من المطالبة بحقوقهم. ويشكّل استقلال القضاء مفتاح حماية الحقوق الأساسية باعتباره عنصرًا أساسيًا من سيادة القانون. لكنّ هذا الاستقلال يتعرّض للتهديد في مناطق مختلفة من العالم، بما في ذلك بعض الديمقراطيات القائمة في أوروبا.

لهذا السبب، يبقى المجتمع المدني الضمانة الأساسيّة لحماية سيادة القانون وتعزيزها. وتؤكّد المفوضيّة الأوروبيّة على هذه الحقيقية في بلاغها الصادر في تمّوز/ يوليو 2019، الذي يقترح حلولاً تعزّز سيادة القانون في الاتّحاد الأوروبي. فمَن يرغب في تقويض حكم القانون يُهاجِم أولاً المجتمع المدني. وعلى كلّ دولة أن تمنح جميع أفرادها حرياتهم العامة، وأن تدعم قدرة منظّمات المجتمع المدني على الازدهار، لا لأن هذا ما يجدر القيام به حقيقة فحسب، بل لأنه النهج الأكثر ذكاءً والأكثر إنتاجية أيضًا.

إنّ حماية الحيّز المدني وحماية سيادة القانون وجهان لعملة واحدة. فحكم القانون المتساوي والنزيه أساسي للديمقراطية، والعكس صحيح. وتقويض أحدهما يهدّد فورًا الآخر. لقد شهدنا في أوروبا تقلّص الحيّز المدني ومضايقة المدافعين عن حقوق الإنسان.

بالإضافة إلى ذلك، يجب أن ترتكز أنظمة الحكم الإقليمية والدولية على سيادة القانون. فدولنا جميعها تتعايش في مكان واحد هو كوكبنا. لقد أثبت التاريخ مرارًا وتكرارًا أنّ التنمية المستدامة والسلام الدائم لا يمكن أن يتحقّقا إلا عندما تحترم البلدان بعضها البعض وتتّحد ضمن نظام قائم على القواعد مترسّخ في القيم المشتركة، وقادر على إدارة سلطات متعدّدة ووجهات نظر متباينة.

أيها الزملاء الأحبّاء،

بما أنّ استقلال النظم القضائية ونزاهتها وسلامتها من الشروط الأساسية لبناء مجتمع سليم، يثير أي تهديد لاستقلال القضاء القلق البالغ.

ففي الشهر الماضي، أصدر البرلمان الأوروبي قرارًا أعاد التأكيد على تدهور سيادة القانون في المجر وبولندا، وسلّط الضوء على تأثير ذلك على سلامة القيم الأوروبية المشتركة والثقة المتبادلة ومصداقية الاتّحاد الأوروبي ككلّ. ففي خطوة غير مسبوقة، تم تفعيل الإجراء المنصوص عليه في المادة 7 من نظام الاتّحاد الأوروبي في هاتين الدولتين منذ أكثر من عام.

نشعر بقلق بالغ، شأننا شأن الكثير من بينكم، من أنّ التشريع الذي تم إقراره في بولندا هذا الأسبوع قد يعرّض للخطر استقلال القضاء في بولندا، ويقيّد حقوق القضاة ونزاهة المحاكم. فبموجب هذا التشريع الجديد، يمكن تغريم القضاة الذين يشكّكون في الإصلاحات الحكومية في المجال القضائي أو حتى طردهم.

ترتكز العضوية في الاتّحاد الأوروبي على احترام القوانين والقواعد القانونية الأوروبية، بما فيها قواعد المحاكمة العادلة ونزاهة القضاة واستقلالهم. وقد تنطبق القرارات التي تتّخذها المحاكم البولندية على دول الاتّحاد الأوروبي الأخرى. ومن الواضح أنّ التشريعات المتعلّقة بهذا الجانب يمكن أن تؤثّر على الأشخاص الذين يعيشون في جميع أنحاء الاتّحاد الأوروبي، وأن تنعكس على حقوقهم أيضًا، لا على القيم الأساسية فحسب.

وقبيل هذه التحديات البارزة في بولندا، اتّخذت المجر أيضًا خطوات تقوّض استقلال القضاة وحرية الإعلام والحريات الأكاديمية وحماية مجتمعات الأقليات والمهاجرين. وفي مقابل التدهور الناتج عن الضوابط والتوازنات المؤسسية، تقلّص حيّز الحريات المدنية. كما أنّ السياسات الخاصة باللاجئين والمهاجرين في المجر، ومعاملة أفراد مجتمع الروما، تشكل مصدر قلق أيضًا.

وللتشريع الذي اعتمدته المجر في كانون الأوّل/ ديسمبر تأثير سلبي إضافي على استقلال القضاء وعلى الحقّ في محاكمة عادلة، بما في ذلك عن طريق تمكين الحكومة من التدخّل في نظام المحاكم في القضايا الحساسة سياسيًا. ونشير أيضًا مع القلق الشديد إلى أنه تمّ الإسراع في اعتماد التشريع بدون التشاور الكافي مع المجتمع المدني.

أصحاب السعادة،

ما من أحد فوق القانون. لا حكومة ولا ملك ولا زعيم بمنأى عن المساءلة. ويجب أن يطبّق القانون نفسه على الجميع من دون أيّ استثناء، بهدف حماية الجميع من الانتهاكات والتجاوزات.

الاختبار النهائي لقوة سيادة القانون هو كيفية تعامل أنظمتنا القضائية مع أضعف الفئات. ومن بين أضعف الناس في كلّ مجتمع المهاجرون.

قبل بضع دقائق، استخدمنا مصطلح "كبش فداء" عند الإشارة إلى وصم المهاجرين الذي أصبح مألوفًا في المشهد السياسي في العديد من الدول الأوروبية. ويتكرّر العداء العلني ضد المهاجرين بشكل متزايد. كما أنّ عدّة دول أوروبية اتّخذت إجراءات تجرّم عمل المدافعين عن حقوق المهاجرين أو تعرقله أو تضع حدًّا له. وأبرمت بعض الدول الأوروبية اتّفاقات ثنائية مع دول من خارج المنطقة من أجل الحدّ من الهجرة، على الرغم من بروز أدلة تشير إلى وقوع انتهاكات خطيرة لحقوق الإنسان في هذا السياق.

ومن الأمثلة الخطيرة على ذلك، تقارير متعددة وردنا تشير إلى أنّ دعم خفر السواحل الليبي لاعتراض سفن المهاجرين يؤدي إلى احتجاز المهاجرين تعسّفًا لفترات طويلة في ظروف دون مستوى المعايير المحدّدة. وقد وثّق موظفو مفوضيّة الأمم المتّحدة السامية لحقوق الإنسان حالات تعذيب واغتصاب وعمل قسري وسوء تغذية حاد واكتظاظ شديد وأمراض معدية، وحالات اختفاء وإتجار حتّى، في كلّ من مراكز الاحتجاز الرسمية وغير الرسمية. ولا يجب أبدًا اعتبار ليبيا بلدًا ثالثًا آمنًا. ونحن بحاجة إلى أن ندعم الجهود الثنائية والمتعدّدة الأطراف المتعلّقة بالهجرة والقائمة على احترام حقوق الإنسان وسيادة القانون.

لقد أكّد الميثاق العالمي للهجرة على هذه المبادئ الأساسية. ونعتبر الميثاق فرصة مهمّة لتعزيز حماية حقوق الإنسان للمهاجرين وتحسين إدارة الهجرة. ونشجّع جميع الدول الأعضاء على تنفيذ الميثاق العالمي واستعراض التقدّم المحرَز في هذا المجال، بما في ذلك من خلال جولة العام 2020 للمراجعات الإقليمية المقبلة.

وفي العديد من الحالات، عارضت المؤسسات القضائية قرار اتّخاذ إجراءات غير قائمة على المبادئ في القضايا المتعلّقة بالهجرة، وفي قضايا حقوق الإنسان المهمة الأخرى، ونجحت في حماية سيادة القانون وحقوق الإنسان. وقد استهدفت التهديدات وسوء المعاملة بعض هؤلاء القضاة، عبر مسؤولين في الدولة أحيانًا. ولكن الشجاعة التي أظهروها ضرورية، وينبغي أن تُتَرجَم التزامًا مماثلًا من قادة الدول بالحقوق الأساسية، لا سيما فيما يتعلّق بحقوق أكثر فئات المجتمع ضعفًا أو تهميشًا.

نشجّع كلّ التشجيع القادة في أوروبا، وفي جميع أنحاء العالم، على النهوض بحقوق الإنسان داخل دولهم. لقد رحّبت بلدان كثيرة بتوصيات دقيقة ومحدّدة بحسب السياق، رفعتها آليات حقوق الإنسان الدولية بشأن هذه القضايا، على غرار الاستعراض الدوري الشامل. وما نحتاج إليه اليوم هو العمل على متابعة هذه الالتزامات. ففي العديد من بلدان المنطقة، لا بدّ من بذل المزيد من الجهود بهدف تعزيز حقوق المهاجرين ومجتمع الروما والمعوقين وحقوق المرأة ومجتمعات المثليات والمثليين ومزدوجي الميل الجنسي ومغايري الهوية الجنسانية وحاملي صفات الجنسين وكبار السن والفقراء.

لن يفي تحقيق ذلك بميثاق الأمم المتّحدة ومبادئ الاتحاد الأوروبي والالتزامات الوطنية فحسب بل يحقّق المزيد من النجاحات السياسية والاقتصادية أيضًا. لا يمكننا أن نبني دولًا واقتصادات أكثر صلابة ومرونة تضفيها عليها العدالة التي تتميّز بها، إلا عبر معالجة السياسات التي تولّد أوجه عدم مساواة عميقة في المجتمعات وتحافظ عليها.

أصحاب السعادة،

على مستوى تعدّد الأطراف، شكلتِ أنتِ يا فنلندا والسويد والنرويج، حليفة ثمينة تعزّز وتحمي حقوق الإنسان. لقد قدَّمَتْ لنا الحكومات المتعاقبة دعمًا بالغ الأهميّة، لا سيما في مجال السكن اللائق وعدم التمييز والفقر المدقع والأقليات وحقوق الإنسان للمهاجرين، وكذلك الحالات الخاصة بكل بلد. وقامت دول الشمال الأوروبي برعاية القرارات الأساسيّة الصادرة عن مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة فيما يتعلّق بهذه القضايا وقضايا مفوضيّتنا أو شاركت في رعايتها.

كلّنا اقتناع بأنّ الجهات الأوروبية الفاعلة يمكنها أن تعمل بقدر أكبر من الطاقة كي تعزّز حقوق الإنسان وسيادة القانون في العديد من الأزمات العالمية.

نرحّب بالتعاون المميّز القائم بين الاتّحاد الأوروبي ومفوضيتنا لتعزيز الامتثال لحقوق الإنسان في الأزمات المعقدّة مثل منطقة الساحل، والدعم المشترك الذي نقدمه للقوّة المشتركة لدول الساحل الخمس. كما أننا ممتنون للدعم الذي يقدّمه العديد من الدول الأوروبية من أجل إنشاء مكتب لنا في السودان، ولمجموعة من المواقف الأخرى حيث تساعد التوجيهات المترسّخة في قانون حقوق الإنسان المجتمعات على الابتعاد عن الصراع وعدم الاستقرار، وتحقيق المزيد من السلام.

نشجّع على بذل المزيد من الجهود لدمج حقوق الإنسان في الردّ الأوروبي على الأزمات، بما في ذلك في الحوار المستمرّ بشأن المرفق الأوروبي للسلام. ويمكن مفوضيّتنا أن تدعمكم في هذه الجهود، بما في ذلك عبر تبادل الأدوات التي طورناها خلال 15 عامًا من العمل لدمج حقوق الإنسان في أكثر من 30 بعثة للسلام ومهمة سياسية تابعة للأمم المتحدة.

لسيادة القانون دور أساسي في الوفاء بالتزامات خطّة التنمية المستدامة للعام 2030 التي نعتبرها فرصة فريدة من العمر لتعزيز كرامة الإنسان وحقوقه في جميع أنحاء العالم. وعلى حدّ ما جاء في الهدف 16 من أهداف التنمية المستدامة، فإن المؤسسات التشاركية والشفافة والخاضعة للمساءلة هي المفتاح لإطلاق العنان للتنمية المستدامة، لأنها متجذّرة وواسعة النطاق وتجدّد نفسها بنفسها. كما أنّها تضمن الشراكات الدائمة، لا ضمن البلد الواحد فحسب، بل بين الدول أيضًا. لقد قدّمت بلدان الشمال الأوروبي دعمًا جبّارًا لهذه الأهداف، وكلّنا ثقة بأنّها ستعزّز دعمها أكثر بعد بما أنّ عقدًا واحدًا من العمل فقط يفصلنا عن الوفاء بوعد أهداف التنمية المستدامة.

نشجّع جميع بلدان الشمال الأوروبي على مواصلة التعاون بنشاط وفعالية مع الحكومات والأطراف المعنيّة الأخرى بهدف التوعية على آثار تغيّر المناخ والتدهور البيئي وفقدان التنوع البيولوجي الكارثية على حقوق الإنسان، والسعي إلى اتّخاذ إجراءات مناخية أكثر طموحًا. لقد اعتبرت رئيسة الوزراء مارين أن مهمتها هي "تحويل النموذج الإسكندنافي إلى نموذج مستدام بيئيًا في مستقبل"، يستحدث فيه التصدي لتغير المناخ "وظائف جديدة وتكنولوجيات جديدة وفرصًا جديدة". يلهمنا هذا النهج كثيرًا شأننا شأن الكثيرين. وفي هذا السياق أيضًا، نودّ أن نؤكّد على أهمية التعاون المتعدّد الأطراف، بما في ذلك المفاوضات بشأن المناخ وبشأن الإطار العالمي للتنوع البيولوجي لما بعد العام 2020، كأداة لتعزيز العمل البيئي القائم على الحقوق.

أصحاب السعادة،

تتجلّى طاقة عظيمة وسلطة كبيرة في التعددية، عندما تسترشد بالمبادئ والاحترام. فحينما يتحدّث العديد من الأصوات بصوت واحد، سواء أكان عبر هيئة تابعة للأمم المتحدة أم مؤسسات أوروبية، يصبح أعلى وأكثر وضوحًا وقدرة على إنجاز عمل أكثر فاعلية. ويصادف هذا العام الذكرى السنوية الـ25 لالتزامات إعلان بكين بشأن المساواة بين الجنسين، ومن المهمّ أن نعالج إحجام العالم المستمر عن إعمال حقوق النساء والفتيات.

تتعرّض اليوم امرأة تقريبًا من بين ثلاث نساء في العالم إلى العنف البدني أو الجنسي، أو حتّى إلى كليهما في أغلب الأحيان. كما أنّ أقل من برلمانيّ من بين أربعة في العالم من النساء. وفي أكثر من 50 دولة ما من حماية قانونية للنساء ضد العنف المنزلي. ولا تزال 830 امرأة وفتاة يَمُتْنَ يوميًا من أسباب يمكن الوقاية منها تتعلّق بالحمل والولادة. وقد ذكرت منظمة أوكسفام مؤخرًا، أنّ النساء والفتيات ينجزن يوميًا ما يعادل 12.5 مليار ساعة عمل في مجال الرعاية غير المدفوعة الأجر، على غرار اليوم مثلاً الواقع فيه في 6 شباط/ فبراير 2020.

لا تزال مجتمعاتنا جميعها تتأثر بالقوالب النمطية الجنسانية الضارة التي تقوّض أصوات النساء والفتيات وحقوقهن، بما في ذلك حقوق الصحة الجنسية والإنجابية، والوصول إلى العدالة.

يجب أن تدعم سيادة القانون حقوق الإنسان للجميع. ويجدر أن يراقب جميع أفراد المجتمع هذا الاحترام العالمي لسيادة القانون بصورة مستمرّة وأن يدافعوا عنه بقوة.

عندما يدير الأقوياء سيادة القانون، سواء لمصلحة سياسية أو لتحقيق مكاسب اقتصادية، ينطلق العدّ التنازلي لاندلاع صراعات خطيرة وتدهور قاتل.

يساورنا ارتياح كبير حيال قدرة التحركات الأخيرة على دعم سيادة القانون في أوروبا، ونأمل أن تحصّل دعمًا أوسع في أوروبا من أجل تعزيز مبادئ سيادة القانون في الشؤون الدولية كافة. عندما سمعنا أصواتكم ونواياك اليوم، امتلأت نفوسنا بالأمل ونتوقع منكم الكثير يا بلدان الشمال الأوروبي.

وشكرًا.


الصفحة متوفرة باللغة: