البيانات المفوضية السامية لحقوق الإنسان
خطبة معهد وايتلام السنوية: أستراليا في عالم متغيّر لحقوق الأنسان سيدني، في 9 تشرين أول/ أكتوبر2019
09 تشرين الأول/أكتوبر 2019
بيان مفوّضة الأمم المتّحدة السامية لحقوق الإنسان، ميشيل باشيليت
حضرة أعضاء البرلمان الاتّحادي وبرلمانات الولايات الحاليون والسابقون المحترمين،
حضرة أعضاء السلك الدبلوماسي الكرام،
حضرة رئيس معهد وايتلام (Whitlam Institute)، الأونرابل جون فوكنر المحترم،
حضرة رئيس جامعة ويسترن سيدني، البروفيسور بيتر شيرغولد المحترم،
حضرة نائب رئيس وعميد جامعة ويسترن سيدني، البروفسور بارني غلوفر المحترم،
حضرة رئيس الجامعة الوطنية الأسترالية، سعادة الأونرابل البروفيسور غاريث إيفانز المحترم،
سعادة الأونرابل، إليزابيث إيفات المحترمة،
حضرة أسقف باراماتا، الأسقف فنسنت لونغ فان نغوين المحترم،
حضرة أعضاء عائلة معهد وايتلام الكرام،
أيّها الزملاء والأصدقاء الأعزّاء،
نودّ أولاً أن نشكر حضرة العم تشيكا المحترم على الترحيب بنا في بلدكم الكريم، وأن نعرب عن فائق احترامنا لشعب جاديجال من أُمّة أيورا، ولشيوخه السابقين والحاليين والقادمين، ولجميع السكّان الأصليين وسكّان جزر مضيق توريس، بصفتهم المالكين التقليديين لهذه الأرض والمؤتمنين عليها.
بادئ ذي بدء، نودّ أن نستهل هذه الكلمة بالإشـــادة بالرايت أونورابل إدوارد غوف وايتلام الذي نتشرّف بتكريمه في هذه المحاضرة. لكن، اسمحوا لي أولاً أن أتحدّث بإسمي الشخصي. حين اضّطررت إلى الفرار من بلدي تشيلي، وكان عمري 23 عامًا، قدّمت ليّ أستراليا الملاذ الآمن الأول، وكان حينها غوف وايتلام رئيسًا للوزراء. وقد خَبِرت شخصيًا ما أبدته أستراليا من تضامن مع الشعب التشيلي، وما أظهره شعبها الكريم من حرارة وحسن ضيافة.
لذا، إنّه لشرف عظيم لي أن أعود إلى هذا البلد الجميل، وأن ألقي خطابي في هذا المعهد الذي يتميّز بسجلّه الحافل والمتميّز من الأبحاث في مجال السياسات العامة والمناصرة.
عندما تعود بي الذاكرة إلى أيامي الأولى في أستراليا، أشعر وكأنّني أنظر في مرآة غير واضحة. وأنا لا أقصد بذلك شعري الطويل وسروالي المتّسع الأطراف.
لقد شهدت أستراليا تغييرات كبيرة منذ ذلك الوقت، شأنها شأن العالم بأسره. غير أنّ المسافة الزمنية الفاصلة لا تحول دون رؤية بعض المعالم المألوفة، وملاحظة أصداء التحدّيات الأساسية التي تواجهها القيادة السياسية وحركة حقوق الإنسان اليوم.
في أوائل سبعينات القرن الماضي، وفي أوج الحرب الباردة، كانت القوات الأسترالية، وأكثر عديدها من المجنّدين، تشارك في القتال الدائر في فيتنام. لكن رياح التغيير هبّت لتُحدث لتقلب معظم الثوابت في السياسة العالمية. كانت الصين تخطو خطواتها الأولى بعد عقودها الثورية، وكانت بلدان كثيرة في كافة أنحاء آسيا قد تغلّبت حديثًا على الحكم الاستعماري.
آنذاك، كان العالم على أعتاب تغييرات اقتصادية وتكنولوجية كبيرة. بدأ ظهور الحواسيب الشخصية. أجرى أحد المهندسين أولى المكالمات الهاتفية الخلوية الحقيقية في العام 1973. كُتبت في العام التالي الرموز الأولى لما سيصبح لاحقاً يُعرف بالإنترنت.
في غضون ذلك، اهتزّ الاقتصاد العالمي من جرّاء الارتفاع الشديد لأسعار النفط، فأفاق العالم لأول مرة على اعتماده الهيكلي على الوقود الأحفوري. ومع نهاية سبعينات القرن الماضي، كانت الآراء العلمية قد خلُصت بالفعل إلى حتمية تأثير الاحترار العالمي على حياتنا بدءًا من العام 2000.
آنذاك، بدا وكأنهم يتحدّثون عن مستقبل بعيد كل البعد، مستقبل قد لا ندركه أصلًا.
والمهمّ أيضاً، أن أستراليا كانت تشهد في الوقت نفسه، تغييرات مجتمعية عميقة وحادة، شأنها شأن بلدان أخرى. بادرت المرأة إلى تحدّي القوالب النمطية التقليدية، وإلى تأكيد حقوقها في المساواة في المجتمع والأسرة والعمل.
وفي هذا الوقت أيضاً، كانت حكومة وايتلام تقوم بإصلاحات جادة، من قبيل الاعتراف بالطلاق بدون وجود خطأ واتّخاذ خطوات لتحقيق المساواة في الأجور. وشاركت أستراليا في أول مؤتمر للأمم المتّحدة حول المرأة في المكسيك في العام 1975 ممثّلةً بأول مستشارة في العالم لرئيس الحكومة لشؤون المرأة، السيدة إليزابيث آن ريد الموقّرة، وبالناشطة البارزة والشجاعة في مجال مناصرة المرأة، السيدة مارغريت وايتلام.
كذلك، اتُّخذت أولى أهم الخطوات في سبيل الاعتراف بحقوق الشعوب الأصلية مع إقامة "خيمة سفارة السكان الأصليين" في كانبرا. غير أنّ سنوات عديدة ستنقضي قبل الاعتراف الكامل بالانتهاكات المرتكبة بحقّ السكّان الأصليين في مجال حقوق الإنسان، بما في ذلك انتشار ممارسة إبعاد الأطفال عن والديهم. ومع ذلك، فالرحلة لم تنتهِ بعد.
بعبارة أخرى، كما هي الحال اليوم، كانت أستراليا تعيش على وقع التحوّلات الداخلية، وتجابه في الوقت نفسه تغييرات العالم من حولها.
تحوّلٌ جذري للديناميات الإقليمية.
اقتصادٌ على قاب قوسين أو أدنى من عولمة بعيدة المدى.
تطورات تكنولوجية تُنذر بانقلاب وشيك في حياتنا.
ظهور أولى الدلالات على هشاشة بيئتنا.
نساءٌ يجدن مكانًا جديدًا لهنّ في المجتمع وفي عالم العمل.
هكذا كان المشهد. دولةٌ تتعامل مع قوى متعدّدة من التغيير السياسي الاجتماعي والتكنولوجي والاقتصادي والعالمي، ألا تبدو هذه الصورة مألوفة قليلاً؟
حينها، كيف تمكنت هذه البلاد في التغلّب على هذه التحدّيات؟
هل كان الرد الأنسب والأكثر استدامة وفعالية يكمن في الانعزالية؟
هل كان في اعتماد سياسة الالتفات إلى داخل ما يسمّى بـ "البلد المحظوظ" سبيلاً لإيقاف المدّ العارم من التغيير السياسي والاقتصادي والاجتماعي والتكنولوجي العالمي؟
هل كان رفض قوى التغيير وإنكارها ومواجهتها ليحقّق لجميع سكان أستراليا رفاهً أكبر وتمتعًّا أوسع بالحقوق؟
لا نعتقد ذلك.
إن الرد الأكثر إيجابية على التغيير الهيكلي يكمن في المشاركة، والحوار، والاقرار بأن توفير قدر أكبر من العدالة والاحترام والحريات من شأنه أن يعود بالفائدة على الجميع.
إن إحراز تقدّم في مجال كرامة الإنسان والمساواة يسهم بشكل أساسي في تحقيق تنمية أكبر، وعلاقات أكثر احتراماً وسلمية، داخل المجتمعات، وفيما بينها.
في أستراليا وآسيا وجميع أنحاء العالم، نجح ملايين الأشخاص في الحصول على قدر أكبر من الحريات والأمن والمساواة بفضل حركة حقوق الإنسان.
جوبِهت حالات من البؤس الاقتصادي الشديد والاستغلال بقوّة القوانين والمعاهدات الخاصة حقوق الإنسان. وفي أجزاء كثيرة من العالم، بما في ذلك بلدي تشيلي، أُسقطت ديكتاتوريات واستبدلت بأنظمة حكم تشاركية تسعى إلى خدمة شعوبها.
حوكِم مرتكبو انتهاكات حقوق الإنسان، بمن فيهم مرتكبي الإبادة الجماعية، من قبل المحاكم الدولية والوطنية، وهي خطوة ضرورية لردع حدوث انتهاكات مستقبلية في مجال حقوق الإنسان.
أُحرِز تقدّم هائل في مجال حقوق المرأة، وحقوق الشعوب الأصلية والأقليات العرقية والدينية والعرقية والطائفية، وحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة، والعمّال والموظّفين، والمثليات والمثليين ومزدوجي الميل الجنسي ومغايري الهوية الجنسانية، وحقوق الطفل، والحقّ في الصحة، والتعليم، والسكن اللائق والخدمات الاجتماعية، كما في العديد من المجالات الأخرى.
حقوق الإنسان ليست حكرًا على اليسار ولا اليمين، بل أنها تبسط الحريات لينعم بها الجميع. حقوق الإنسان تبني القدرة على الصمود، وتُعزّز التناغم الاجتماعي، وتتيح إحراز التقدّم على أوسع نطاق ممكن، وتُسلّم بالتعقيدات لتسعى إلى إعادة إرساء الآداب العامة الأساسية التي تُمثّل مبادئ مشتركة بيننا جميعًا.
نحن نعتقد أن غوف وايتلام أدرك ذلك بوضوح. وكما لاحظ القاضي مايكل كيربي، الذي نفتقده هنا الليلة، كان وايتلام أمميًا حقيقيًا، حيث قاد التزام بلاده القوي والمتواصل إلى جانب منطقته والعالم. أدرك وايتلام أيضًا ما للقانون الدولي من قوة على إحداث تغيير، وقدرة على دفع عجلة إنفاذ القانون الداخلي وتحقيق الإصلاحات في مجال السياسات العامة، وذلك بإدراج الصلاحيات التعاهدية في الدستور.
وتجدر الملاحظة أن فريد وايتلام، والد غوف، كان قد شارك في صياغة الإعلان العالمي لحقوق الإنسان. وبالطبع، كان وزير الخارجية الأسترالي الدكتور إيفات هو من أشرف على اعتماد هذا الإعلان، بصفته رئيس الجمعية العامة للأمم المتّحدة آنذاك. وهذا النص الأساسي لحقوق الإنسان مُشبع بالقيَم الأسترالية وبقيَم العديد من المناطق الأخرى في العالم.
في غضون ثلاث سنوات، صدقّت حكومة وايتلام على 15 معاهدة دولية في مجال حقوق الإنسان، أبرزها
الاتفاقية الدولية للقضاء على جميع أشكال التمييز العنصري التي شكّلت قاعدةً للقانون التاريخي المعروف بقانون مكافحة التمييز العنصري لعام 1975. وفي غضون ستة أيام من انتخاب وايتلام، وقّعت أستراليا على صكّين دوليين كبيرين في مجال حقوق الإنسان، وهما العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية والعهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية. وفي وقت لاحق، صدّقت أستراليا على معاهدات وبروتوكولات أخرى بشأن حقوق المرأة واللاجئين وحالات انعدام الجنسية، كما انضمت إلى تسع اتفاقيات لمنظّمة العمل الدولية بشأن حرية تكوين الجمعيات، والحدّ الأدنى للأجور، ومكافحة البطالة والتمييز في الأجور وفي أماكن العمل. والجدير بالذكر هو أنّ كل هذه الاتفاقيات ساهمت في رسم ملامح سوق العمل في أستراليا إلى يومنا هذا.
ومن شأن التصديق على المعاهدات أن يخلّف إرثًا دائمًا، فهي لا تُفرض من الخارج، بل تُقبل طوعًا من الدول ذات السيادة.
توفّر المعاهدات حافزًا قويًا للقيام بالإصلاحات وحماية المكاسب التي تحقّقت على المدى الطويل. كما أنها تُضفي تركيزًا وشرعيةً وقوةً على ما تقوم مجموعات المجتمع المدني من عمل حيوي.
توفّر المعاهدات بوصلة تُعيننا عل الأبحار عبر العواصف والتحولّات المفاجئة التي تأتي بها التغيّرات العالمية.
من خلال إلزام أستراليا بإطار القانون الدولي لحقوق الإنسان، نجح وايتلام بإرساء "ميثاق لحقوق الإنسان" في أستراليا، وهو ما يفتقر إليه الدستور حاليًا. باتت المعاهدات التي صدّقت عليها بلاده الركيزة الأساسية لخليط من القوانين الخاصة بحقوق الإنسان التي تحظّر التمييز في مجالات مختلفة. غير أن هذه القوانين لا تخلو من الثغرات، وتحتاج إلى صياغة الحقوق بعبارات إيجابية بدلاً من وضعها في إطار سلبي من المحظورات.
نحن مقتنعون بأن الأستراليين سيستفيدون كثيرًا من قانون شامل لحقوق الإنسان، قانون يوفّر إطارًا جامعًا لتطوير القوانين والسياسات، وسبيلاً للانتصاف إذا ما انتهكت الحكومة حقوق الإنسان.
ونحن مسرورون بالدور الذي قامت به حكومات فيكتوريا وإقليم العاصمة الأسترالية، ومؤخراً كوينزلاند، في تمهيد سبيل الوصول إلى هذا الهدف، وذلك من خلال وضع تشريعات خاصة بها في مجال حقوق الإنسان على مستوى الولايات أو الإقليم. ونشيد كذلك بالمحادثات العامة الجارية ونشجعّها، على أمل أن تتلاقى مع حكمة الأستراليون الأصليون بما يتيح صياغة رؤية جديدة وحديثة لحقوق الإنسان في أستراليا.
والآن، لنلتفت معًا إلى الخارج، إلى عالمنا اليوم.
دعونا نتوقّف الليلة عند بعض المجالات التي تشهد تغييرات سريعة ومحفوفة بالتحديات، حيث يمكن لقوانين ومبادئ حقوق الإنسان أن تُسهم حتمًا في إيجاد حلول يسترشد بها واضعو السياسات.
قد لا يتطرّق المجال الأول إلى توجّه جديد، ولكنه توجّه عاد ليطلّ برأسه من جديد. في العديد من المجتمعات، تتصاعد النزعة القومية، مصحوبة بإعادة إحياء للعنصرية الصريحة والتمييز وكراهية الأجانب. هي قوة هدّامة، من شأنها القضاء على التناغم الاجتماعي، وتقسيم المجتمع، وتحفيز النزاعات.
وما يثير الدهشة بصفة خاصة هو الكمّ الهائل من العداء للمهاجرين على شبكات الأنترنت وفي وسائل الإعلام حيث تتفاقم الكراهية ، وسرعة تحوّل هذه المواقف إلى جزءٍ من الخطاب العام.
من هذه النقطة، قد يواصلون تشويه السياسات العامة، محدثين تداعيات أكثر خطورة وإثارة للقلق.
فضلاً عن ذلك، لدينا عدد من المخاوف المؤرقة بشأن سياسات الهجرة واللجوء في هذا البلد، بما في ذلك ما يُعرف بنظام "الدراسة الخارجية لملفات اللاجئين" والاحتجاز الإلزامي المطوّل للّاجئين وطالبي اللجوء. لكن الليلة، نودّ الإعراب عن قلقنا بشأن الخطاب العام في أستراليا بشأن الهجرة واللجوء، والذي نخشى أن يتسلّح بالتضليل والممارسات التمييزية بل العنصرية، بما في ذلك بحقّ الإسلام.
لا شكّ أن اتّخاذ المهاجرين كبش فداء لمجموعة من المشاكل الاجتماعية هي ممارسةً لا تقتصر على أستراليا. ففي جميع أنحاء العالم، كثيرًا ما نرى سياسيين وقادة رأي مدّعين يتوقون إلى شيطنة بعض أضعف الفئات في المجتمع وأكثرها تهميشًا، طمعًا بتحقيق مكاسب سياسية.
ما من دولة ملزمة بقبول كل شخص يصل إلى حدودها، بيْد أن البشر جميعهم ملزمون بالتعاطف والاعتراف بإنسانيّتنا المشتركة. الأشخاص اليائسون الباحثون عن الأمان والكرامة هم ضحايا، وليسوا بمجرمين. هم أناس مثلنا تمامًا، متعبون ومحتاجون. والكثير منهم يتنقّل لأنه لا يملك خيارًا آخر.
وفي هذا السياق، إن الاتفاق العالمي من أجل الهجرة الآمنة والمنظّمة والنظامية، الذي تمّ اعتماده بتوافق ساحق للآراء بين الدول الأعضاء في عام 2018، يذكّرنا بضرورة حماية المهاجرين" في مراحل مختلفة من الهجرة من خلال احترام حقوقهم الإنسانية وحمايتها وإعمالها". وإذا ما جُرِّد هذا الاتّفاق من المعلومات المضلّلة التي حيكت ضدّه، فهو يُلهمنا إلى مزيد من التعاون الدولي في سبيل مكافحة الفقر المدْقع والتدهور البيئي اللذين يجبران الناس على الفرار من ديارهم. في هذه الاتفاقية، يتعلّق الأمر بالحدّ من أوجه عدم المساواة وحماية حقوق جميع الأشخاص أثناء التنقّل، وضمان قدر أكبر من الحرية والفرص للجميع.
من المؤسف جدًا أن تختار أستراليا، بلد المهاجرين، عدم المشاركة في هذه المناقشة العالمية المهمّة الرامية إلى إيجاد حلول مشتركة. إذا ما رفضنا الحوار والإدماج والاحترام والعدالة، فنحن في الواقع نفسح المجال للظلم والقسوة والأذى والتوتّرات، ما من شأنه تأجيج نزاعات أكبر.
قد تميل المجتمعات التي تتميّز بجذورها العميقة في الإنصاف والحرية والمساواة إلى الافتراض بأن هذه المبادئ القيّمة قد تدوم أبدًا. لكن في الواقع، هي مبادئ يمكن خنقها باللامبالاة أو اليأس.
وما لم تلْقَ مطالب الناس بالمشاركة والحقوق سياسات متجاوبة ومسؤولة تحرص على احترام كل فرد في المجتمع، فقد يغوص الكثيرون في حالة من الاستياء، اقتناعًا منهم بأنّ النخب التي تخدم مصالحها الذاتية لا تضع مصالح شعوبها نصْب أعينها. وعندها، سنفقد التزامهم.
وكما تعلمون، أظهر استطلاع للرأي أجراه مركز بيو للأبحاث Pew Research Centre في العام 2018 في 27 دولة، أن أكثر من نصف المجيبين غير راضين من مسار الديمقراطية. ففي 12 بلدًا من هذه البلدان، تخطّت نسبة الآراء السلبية بشأن الديمقراطية الآراء الإيجابية بأكثر من 10 في المائة. هي بالطبع خيبة أمل توفّر للانعزاليين مساحةً وتشجيعًا، أولئك الذين يزرعون الانقسام ويأجّجون الاستياء، سعيًا منهم إلى استغلال الكراهية والاستفادة منها.
لن تُحلّ مشاكلنا بالانعزال.
على المستوى الشخصي، فقد تعلمّت الكثير من الأمور خلال منصبي كرئيس دولة ورئيس للحكومة، أحد هذه الأمور بسيط للغاية: نادراً ما فصلت فجوة عميقة بين مصلحة الإنسانية والمصلحة الوطنية لبلدي.
إذا ما بدت إحدى السياسات على المدى القصير وكأنها تخدم مصلحة ضيقة، لكنها تضرّ بمستقبل البشرية، فإنّ هذه السياسة حتمًا غير مجدية.
أحيانًا، نسمع برفضٍ لحقوق الإنسان تحت ذريعة أنها "عالمية"، وهو ما لا يصُبّ في المصلحة الوطنية للحكومات ذات سيادة. ولكن كيف يمكن تعزيز مصالح أي دولة استنادًا إلى سياسات تضرّ برفاه البشرية جمعاء؟
لإيجاد حلول مستدامة وفعّالة للقضايا العالمية المعقدّة، من قبيل تغيّر المناخ والهجرة والأوبئة والنزاعات العابرة للحدود، لا بدَّ من حلولٍ تعاونية، لا بدَّ من حلولٍ تصون حقوق الإنسان.
الحقّ في المساواة في حماية القانون. حقّ الشخص في الحياة والحرية والأمن. الحقّ في التعليم والرعاية الصحية والطعام والمأوى والضمان الاجتماعي. الحقّ في عدم التعرّض لأي شكلٍ من أشكال التمييز. الحقّ في حرية التعبير والحقّ في الخصوصية. الحقّ في حرية الفكر والوجدان والدين. الحقّ في احترام الأصول القانونية الواجبة والخضوع لمحاكمة عادلة. الحقّ في عدم التعرّض إلى التعذيب، أو الاحتجاز غير القانوني أو التعسّفي.
قوة هذه الحقوق، وغيرها من الحقوق الأساسية، تجمعنا معًا كبشر، بصرف النظر عن الجنس أو العرق أو المعتقد أو الميل الجنسي أو الجنسية أو الوضع من حيث الهجرة أو أي عامل آخر. تكتسي هذه القيم والمبادئ الأساسية ضرورة قصوى للحفاظ على سلامنا المتبادل، والازدهار، والتنمية المستدامة.
اليوم، وفي جميع أنحاء العالم، يتشارك العديد من الشباب الشجعان بمسيرة من أجل الدفاع عن الحرية والبيئة. يتعيّن على صانعي السياسات أن يستمعوا إلى مطالبهم. يمكن للقادة، ونحن ولا نعني بذلك القادة السياسيين فحسب، بل القادة الاجتماعيين وعالم الأعمال أيضًا، تعزيز مشاركة الشباب وانخراطهم. يمكن ذلك، بل ينبغي ذلك، حيث أن ملامح حياة هؤلاء الشباب سترتسم من خلال القضايا التي تطفو اليوم إلى الواجهة.
بدلاً من تأجيج الاستخفاف بقيمة المشاركة، يمكن، بل ينبغي، تشجيع الناس على الدعوة إلى وضع سياسات تتماشى مع قناعاتنا الشخصية ومُثلنا الأكثر أهمية.
الأصدقاء والزملاء الأعزّاء،
اسمحوا لنا الآن أن ننتقل بالحديث إلى مجموعة أخرى من التحدّيات الأساسية التي سيتسارع تأثيرها على حياتنا في السنوات المقبلة. تدريجيًا، ستزداد التحدّيات والمعضلات الكبيرة الناجمة عن تطوّر التقنيات الرقمية. لقد نجحت بالفعل بتحويل العديد من سبل ممارستنا لحقوقنا الإنسانية، لكنها تستحدث في الوقت نفسه أساليب جديدة لانتهاك هذه الحقوق.
بالطبع، لهذه التقنيات فوائد جمّة. لقد أتاحت صور الأقمار الصناعية والاتصالات المشفّرة رصدًا أفضل لانتهاكات حقوق الإنسان في الأماكن التي ترفض السلطات دخولنا إليها. واستُخدِمت تدفّقات بيانات جديدة لمكافحة الإتجار بالأشخاص واستغلالهم، وتتّبع أشكال الرّق المعاصرة في سلاسل التوريد. كذلك، أصبحت وسائل التواصل الاجتماعي مصدرًا مهمًا للحصول على الأدلّة، بما في ذلك إفادات الشهود وتسجيلات الفيديو التي تنقل انتهاكات حقوق الإنسان. وتُتّخذ خطوات كبيرة في مجال التقنيات للتحقّق من معلومات المصادر المفتوحة، ما يسمح باستخدامها في المحاكم والتحقيقات المتعلّقة بحقوق الإنسان. كما أسهم استخدام الإنترنت في تمكين الاتصالات من قبل مجموعات المجتمع المدني وفي ما بينها، وإعطاء دفع كبير للمشاركة الشعبية في الجهود الرامية إلى تعزيز العدالة الاجتماعية.
لكن اليوم، يتعرّض المدافعون عن حقوق الإنسان ونشطاء المجتمع المدني لحملة مضايقات رقمية مكثّفة. وفي بعض البلدان، فإنّ مراقبة الجمهور على نطاق واسع باتت هي القاعدة، ما يمثّل انتهاكًا واضحًا للحقّ في الخصوصية، ويمهّد لحدوث انتهاكات للعديد من الحقوق الأخرى. ويزداد استخدام الأدوات الجديدة، مثل تقنية التعرّف على الوجه، لمراقبة أفعال الناس في الأماكن العامة، ما من شأنه التضييق على الممارسة الحرّة لحقوق الإنسان الأساسية. كذلك، قد يترتّب على النظم الآلية التي تُدير الضمان الاجتماعي آثارًا تمييزية.
اليوم، تُستخدم وسائل التواصل الاجتماعي لنشر أكثر أشكال الكراهية سمّية، بما في ذلك العنصرية، ومعاداة السامية، وازدراء النساء، وكراهية الإسلام، وكراهية المثليين والمثليات، وكراهية الأجانب، وغيرها من أشكال الكراهية.
في أعقاب الهجوم الرهيب في كرايستشيرش، شعر الكثير من الناس في جميع أنحاء العالم بالحاجة الملحّة إلى كبح جماح وسائل التواصل الاجتماعي المستخدمة في التحريض على العنف والكراهية.
عند البحث عن سبل التغلّب على التحدّيات التي يطرحها عالم الاتصالات الرقمية المتنامي، تبرز أهميّة وضع الأنظمة اللازمة للحدّ من الأعمال الضارة.
لكن علينا أن نأخذ في الحسبان أنّ وضع أيّ أنظمة تُغيّر طريقة عمل منصّات الإنترنت، وما تعرضه هذه المنصات، سيؤثر على مليارات الأشخاص. من شأن ذلك أنّ يؤثّر على كيفية تواصلهم، وعلى ما يرونه، وعلى كيفية إيصال صوتهم. باختصار، من شأن ذلك أنّ يؤثّر على حقوقهم، ولا سيّما حقوقهم في التعبير وتكوين الجمعيات والتجمّع بحريّة. إن وضع أنظمة بشكل غير مدروس قد يُهدّد بإزالة المساحة المتاحة للكثير من الأشكال المشروعة للتعبير.
كي نكون فاعلين في مكافحة التحريض على العنف والكراهية، نحن نشجّع على صياغة سياسات ترتكز على الإطار الدولي لحقوق الإنسان. ولا بدّ لهذه السياسات أن تقوم على الشفافية واحترام سيادة القانون وضمان المساءلة، بما في ذلك ضمان الوصول إلى سبل الانتصاف الفعّالة للضحايا. في كثير من الأحيان، نشهد على الجهود المبذولة لمنح الشركات أو الفرع التنفيذي في الدول صلاحيات غير مضبوطة للتحكّم في المحتوى عبر الإنترنت.
اسمحوا لنا هنا أن نتطرّق إلى نقاش يدور حاليًا في هذا البلد، منذ أن طُرِد أحد لاعبي الركبي البارزين في المنتخب الوطني بعد نشره رسائل معادية للمثليين على وسائل التواصل الاجتماعي، مقتبسًا آيات من الكتاب المقدّس. القت هذه المسألة الضوء على المخاوف المتّصلة بالعلاقة بين حريّة المعتقد الديني وحريّة التعبير، وأدّت إلى اقتراحات قوانين جديدة للحماية من التمييز على أسس دينية.
تساعد مبادئ حقوق الإنسان في تقديم إجابات لمثل هذه الشواغل. وفي إطار دفاعنا عن الحرية الدينية، يجب أن نضع في الحسبان الحجج التي تستخدم الدين كأداة لفرض قيود على تمتّع بعض الجماعات أو الأفراد بحقوقهم، أو لتقويض الإصلاحات الرامية إلى تحقيق قدر أكبر من المساواة والعدالة. هذا هو الحال بالنسبة لحقوق الإنسان للمثليين والمثليات والمتحوّلين جنسيًا وحاملي صفات الجنسين، ولحقوق النساء في الحصول على الرعاية الصحية والحقوق الجنسية والإنجابية.
في كل من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية تتكرّس كل من حرية المعتقد الديني وحرية التعبير كحقوق أساسية. غير أنّ قيودًا قد تُفرض أحيانًا على إمكانية إظهارها في ظل ظروف معينة، على سبيل المثال لحماية الحقوق والحريّات الأساسية للآخرين إذا لزم الأمر.
من المؤكّد أنه يجب حماية حرية المعتقد الديني، غير أن ذلك يجب ألّا يقوض حماية حقوق أخرى مثل حق حرية التعبير أو حق عدم التعرّض للتمييز لأسباب أخرى، مثل الميل الجنسي. ويتضمّن إطار "الإيمان من أجل الحقوق" الخاص بنا التزاماً من قبل العديد من القيادات الدينية بإعادة النظر في تفسيرات دينية يُعتقد أنّها تُسهم في ترسيخ عدم المساواة بين الجنسين والتنميط السلبي، أو تغضّ الطرف عن العنف القائم على النوع الاجتماعي.
إنّ خطة عمل الرباط بشأن حظر الدعوة إلى الكراهية القومية أو العرقية أو الدينية التي تشكّل تحريضًا على التمييز أو العداء أو العنف تُعدّ أداة ًأساسية لتحديد أشكال التعبير التي ينبغي تعريفها كتحريض على الكراهية، وبالتالي حظرها. وتحدّد هذه الخطة معيارًا من ستة أجزاء لعتبة أشكال التعبير التي قد تتطلب اتّخاذ إجراءات، وهو ما يكتسي أهمية بالغة بالنسبة لرسائل الكراهية على وسائل التواصل الاجتماعي. وفي هذا المعيار يؤخذ في الاعتبار سياق التحريض على الكراهية، والمخاطِب، والنية، والمحتوى، ومدى الخطاب، ورجحان إحداث الضرر.
ما نريد أن نقوله هو أن في هذا الوقت الذي يُطالعنا بحالات من عدم اليقين والتهديدات المحتملة، تُشكّل التوجيهات الصادرة عن الهيئات الدولية لحقوق الإنسان وسائل أساسية لمساعدة المشرّعين والمحاكم على التعامل مع هذه القضايا،.
على أكثر من صعيد، تُعدّ المسائل الرقمية من المشكلات الأكثر تعقيدًا، ولا تستطيع أيّ دولة ولا أيّ شركة أن تحلّها بمعزل عن الآخرين. بدلاً من ذلك، نحن نحتاج إلى نقاش عام وعلى نطاق واسع، وإلى المشاركة التعاونية المستمرة للعديد من الحكومات والشركات والمطوّرين ونشطاء المجتمع المدني والجماعات المعنية بهذا الشأن. لقد نجحت عملية نداء كرايستشيرش في الجمع بين أكثر المنظمات خبرة في هذا المجال، ومن شأن هذا النهج التعاوني القائم على الحوار أن يُسهم قطعًا في إيجاد سُبل جيّدة للمضيّ قدمًا.
لقد بنت مؤسسات حقوق الإنسان مجموعة هائلة من الخبرات لمساعدة الحكومات على كفالة مسؤولية القطاع الخاص في السهر على حقوق الإنسان، والتعويض عن الإساءات التي قد تتسبّب بها منتجات أو خدمات هذا القطاع.
توفّر المبادئ التوجيهية بشأن الأعمال التجارية وحقوق الإنسان معيارًا عالميًا مرجعيًا للتعامل مع تأثير النشاط التجاري على حقوق الإنسان. وقد تمّ وضع أشكال مختلفة من التوجيهات الخاصة بقطاعات محدّدة، ولكن تبرز الحاجة إلى أدوات جديدة لمجالات أخرى، مثل القطاع الصحي، والتمويل، ومصنّعي الروبوتات، والسيارات الذاتية التحكم، وغيرها من قطاعات الذكاء الاصطناعي.
الأصدقاء والزملاء الأعزاء،
إن التحوّلات القادمة مع التكنولوجيا الرقمية ستجد حتماً طريقها إلى الميادين كافة، من الطب إلى الحرب، والشرطة، والمدارس، وعالم العمل وكافة أشكال النشاط البشري تقريبًا. لكنّ تهديد آخر يتربّص بحقوق الإنسان، تهديدٌ أكبر بكثير، وهو تغيّر المناخ.
لقد بدأت هذه الظاهرة بالفعل بالتأثير بشكل كبير على العديد من مجتمعات المحيط الهادئ، ما أفضى إلى القضاء على مكاسب تنموية كبيرة والتهديد بجعل الأفراد والمجتمعات أكثر عرضة للمخاطر أو بإجبارهم على مغادرة منازلهم.
وما زال المستقبل يحمل لنا المزيد. للدول الجزرية الصغيرة خيارات قليلة للغاية لإيجاد وتنفيذ حلول لمشكلةٍ لم تتسبّب بها أصلًا، ولكنها تهدّد وجودها في العديد من الحالات. وكي يتمكّنوا من حماية حقوق شعوبهم، إنهم بحاجة، الآن فورًا، إلى دعم للجهود التي يبذلونها للتكيّف مع آثار تغيّر المناخ وتخفيفها، بما في ذلك الدعم المالي وفي مجال النقل والتكنولوجية الخضراء.
كذلك، بدأ النظام الإيكولوجي الهش في أستراليا بالفعل يعاني تداعيات جسيمة، إذ تعرّض آخر هذا الصيف إلى حالة جفاف تاريخية، بعد أن سجلّت درجات الحرارة في العام 2018 أرقامًا قياسية.
يتناقص المعّدل السنوي لهطول الأمطار محدثًا استنزافًا للأنهار وإمدادات المياه التي تغذّي الناس والنظم الإيكولوجية والمزارع.
يرتفع عدد أيام خطر اندلاع الحرائق الشديدة.
يتفاقم ابيضاض الشعاب المرجانية في منطقة الرصيف المرجاني الكبير مع ارتفاع درجة حرارة البحار.
في جميع أنحاء العالم، بدأت ظاهرة تغيّر المناخ، وهي ظاهرة من صنع الإنسان وقابلة للمنع، ترخي بظلالها على حقّ الكثير من الناس في الغذاء، والماء، ونظم الصرف الصحي، والسكن اللائق، والرعاية الصحية، والأمن، وحتى الحياة.
إذا كان عمرك أقلّ من 50 عامًا، فإنّ تعرّضك لنتائج الاحترار العالمي الكارثية خلال حياتك هو خطر محدق. وإذا كان عمرك أقلّ من 30 عامًا، فهذا أمر شبه مؤكّد.
هذا واقع.
يتوقّف مستقبل شبابنا اليوم على السياسات المناخية التي يعتمدها القادة الآن.
هل سنستجيب بإنكار هذه الحقيقة المزعجة والمؤسفة، ولكن الواضحة للغاية، لما يحدث؟
أم سنعتمد نهجًا يعتنق مبدأ الحوار ويستند باستمرار على فهم واضح للحقائق والمبادئ والعدالة؟
هل سنستمر في تمويل المجموعات التقليدية من العملاء والصناعات التي تتكيّف بشكل سيء مع المشهد العالمي المتغيّر؟ أم سنعمد إلى تشجيع القطاعات الاقتصادية الجديدة التي تتكيّف بشكل أفضل مع هذا العالم المتغيّر؟
لقد واجهت هذه البلاد نقاط تحوّل كثيرة مثل هذه، وتجاوزتها بمهارة. اليوم، ومرة أخرى، حان وقت اتّخاذ القرارات، بوضوح، واستنادًا إلى المبادئ.
إن العالم يحتاج إلى مشاركة أستراليا، مثلما تحتاج أستراليا بشدّة، في هذا السياق من التغيّر المناخي العالمي، إلى المجتمع العالمي لاتّخاذ الإجراءات المناسبة. وفي هذا الصدد، نحن نحتاج إلى مشاركة الشعوب الأصلية، مشاركة قد تنتج دروسًا حيوية لبقائنا اليوم، بفضل قدرة هذه الشعوب على أدارة الموارد الطبيعية على مدى آلاف السنين.
ما زال الوقت كافيًا للعمل. ما زال الوقت كافيًا للتضافر، وبناء الأمل. نحن على دراية بسبل الوصول إلى الحلول، وإلى مزيد من السلام الاجتماعي، وإلى اقتصادات أكثر استدامة.
نحن نشق هذا المسار بعدالة واحترام.
نحن نرسي مبادئ المساواة. لكل فرد أن يعلم بوضوح، أن حقوقه المتساوية معترف بها ومحترمة تمامًا، بصرف النظر عن جنسه أو عرقه أو إثنيته أو آرائه أو معتقده أو طبقته الاجتماعية أو وضعه من حيث الهجرة أو ميوله الجنسية أو إعاقته. : بالكرامة والمشاركة، هذا هو السبيل إلى تحقيق تماسك اجتماعي أقوى.
نحن نبني الثقة من خلال نظام حكم يتّسم بالشفافية والمشاركة والمساءلة.
لقد وضعنا تدابير تعزّز التمتّع الفعلي بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية الأساسية، مثل الحق المتساوي في التعليم، والحصول على الرعاية الصحية الجيدة، والحماية الاجتماعية الأساسية.
نحن نؤيد حريات التعبير وتكوين الجمعيات والمعتقد، التي تدعمها وسائل إعلام قوية ومستقلة، كي يتسنّى للشعب أن يطّلع بشكل كامل على ما يدور من حوله، ويسهم طوعًا ومن دون خوف في عملية صنع القرار.
نحن نضمن احترام هوية الشعوب الأصلية والأقليات، وتقاليدها، وحقوقها.
نحن نساعد على حماية المجتمعات ضد الأشخاص الذين ينشرون الكراهية ويحرّضون على العنف، دائمًا ضد أعضاء المجتمع الأكثر عجزًا ، وغالبًا من أجل المنفعة السياسية. يمكن للقادة السياسيين أن يقوموا بالكثير من أجل مقاومة التحريض على الكراهية بشكلٍ فعّال، وذلك بإعلاء الصوت بشكل حازم وفوري في وجه خطاب الكراهية.
خطوة بخطوة، ستفضي عناصر العدالة والمشاركة وحل النزاعات وتقاسم السلطة إلى ثقة أكبر وحلول أفضل واحترام متبادل أكبر.
هذه هي أكثر طرق الحكم فعالية، لأن حقوق الإنسان ليست بمثاليات فلسفية غير قابلة للتطبيق، بل خيارات سياسية سليمة، تبني مجتمعات قوية وصحية وآمنة وسلمية ومزدهرة.
انظروا إلى أستراليا. الكثير الكثير من هذا البلد الدافئ والكريم والمنصف يرتكز على فهمه الراسخ لمبادئ المساواة والكرامة والحقوق الإنسانية.
لم يؤدّي دعم هذا البلد لحقوق الإنسان إلى إضعافه، بل جعله أكثر قوة ومرونة ونجاحًا، وأكسبه، على الصعيد الدولي، احتراماً عالميًا ودورًا إقليميًا ودوليًا مهمًّا.
أستراليا مواطن عالمي صالح. تعتمد عمليات السلام من جنوب السودان إلى الشرق الأوسط على القوات الأسترالية. تعتمد المؤسسات الدولية على الدبلوماسية الأسترالية. تعتمد المبادرات الحيوية لدعم حقوق المرأة على ريادة أستراليا ودعمها. مهدت أستراليا الطريق إلى إلغاء عقوبة الإعدام، وإشراك الأشخاص ذوي الإعاقة في جميع أنحاء العالم.
ننتظر من أستراليا أن ترقى إلى مستوى المسؤولية في القضايا الأخرى أيضًا، ّمثل الانضمام إلى الإجماع الدولي المتزايد بشأن الأهمية العاجلة لمسألة تغير المناخ، والحاجة إلى إدارة أكثر إنسانية للهجرة العالمية، إدارة تستند إلى الحقوق ومحورها الأنسان.
قال غوف وايتلام في عام 1975: "نحن نرى أن القانون الدولي هو جزء لا يتجزأ من صياغة السياسات العامة الأسترالية، ومن إسقاط تلك السياسات على المستوى الدولي. نحن نعتقد أن القانون الدولي ... يوفّر البديل الوحيد للتوتّر والفوضى والدمار".
في وقت تتفاقم فيه الاضطرابات، وفي ظل تصاعد العداء والتحدّيات الجديدة التي تعترض حقوق الإنسان والوجود الإنساني، ما من كلمات أصلح من هذه الكلمات. دعونا نقرّ ونثمّن ما بنته هذه الاتفاقات الملزمة، وما تحمله في طيّاتها من إنسانية وحكمة جوهرية، وما تعدنا به من غدٍ أكثر أمناً وعدلاً.
بصفتي رئيس دولة، ووزير في الحكومة، وفي عملي مع المجتمع المدني، وكلاجئة، وجدت أن تدابير حقوق الإنسان هي تدابير ناجحة.
إن السياسات القائمة على حقوق الإنسان سياسات فعّالة. السياسات التي تبني العدالة الاجتماعية تُسهم كذلك في تنمية اقتصادات أقوى. إنها تؤسس لأنظمة سياسية أكثر شمولاً وأطر عمل أفضل في مجالات التعليم والرعاية الصحية والخدمات الأساسية الأخرى. إنها تتيح بناء وتعزيز الثقة والوئام الاجتماعي. إنها تبني الأمل وتسمح بتحقيق نتائج أفضل للأشخاص، على امتداد النطاق الاجتماعي والاقتصادي، وما وراء الحدود. إنها تمنع المظالم، والنزاعات، وعدم المساواة، والمعاناة، والتمييز بكافة أنواعه. إن الأنظمة التي تؤمّن العدالة وسبل الانتصاف للضحايا هي خير دليل على الإقرار بالمظالم، كما أنها تسهّل الحفاظ على السلام والأمن. وخلال العديد من فترات التغيير الدقيقة، وجّهت حقوق الإنسان مسار المجتمعات.
إن السياسات الداعمة لحقوق كل امرأة ورجل في اتّخاذ خياراتهم هي أمور جيدة بالنسبة للمجتمعات والأمم. إنّ اتخّاذ الخطوات الكفيلة بضمان مشاركة السلطات في حوار محترم مع المجتمع المدني يتيح تحقيق تنمية أفضل وأوسع نطاقًا.
إن الفرصة سانحة أمامنا. لهذا الجيل من قادة العالم قدرة على تأمين رفاه أكبر لشعوبهم. والأدوات متاحة.
وفي غمرة ما يسري في العالم من تيارات، وبمواجهة هذه العاصفة من الموج المتصاعد والرياح العاتية، لنتّخذ من المساواة في الحقوق والكرامة للجميع بوصلة، ونعبر بسفننا معًا إلى مياه أكثر هدوءًا.
وشكرًا.