البيانات المفوضية السامية لحقوق الإنسان
الجلسة العامة لمنتدى سان بيترسبرغ القانونيّ الدوليّ: فن القانون
15 أيّار/مايو 2019
بيان مفوّضة الأمم المتّحدة السامية لحقوق الإنسان ميشيل باشيليت
سان بيترسبرغ، في 15 أيّار/ مايو 2019
دولة رئيس الوزراء ميدفيديف،
معالي الوزير كونوفالوف،
أيّها المحاضرون الكرام،
أيّها الزملاء والأصدقاء،
Dobroye utro! Vernut'sya v Rossiyu ochen' priyatno dazhe dlya takogo korotkogo vizita. (صباح الخير. يسرّنا أن نعود إلى روسيا، ولو لزيارة خاطفة).
لقد أذهلتنا مجموعة القضايا التي يتضمّنها برنامج هذا المنتدى، من فلسفة اعتبار "القانون كفن" إلى القضايا التقنيّة والمحدّدة المتعلقة بالإعسار أو التحكيم. ما يُظهر الاهتمام المستمرّ للعديد من الأطراف المعنيّين في روسيا بدور القانون – ولا سيّما القانون الدوليّ.
أخبرنا دوستويفسكي، "أنّ سر وجود الإنسان لا يكمن في البقاء على قيد الحياة فحسب، بل في تحديد هدف نعيش من أجله". يمكننا أن نقول أن القانون هو ما يمنح المعنى والرؤية للدولة. فقد تضمّ الدول العديد من الشعوب، ولغات متعدّدة، وأرضًا ثابتة، وتحتكر استخدام القوّة والمحاكم. ولكن ما يزرع الأمل والثقة في نفوس الناس هو التطلّع إلى المبادئ المشتركة التي يجسدها القانون.
ما هو إذًا قانون حقوق الإنسان؟ يصف القانون الدوليّ لحقوق الإنسان المعنى والقيم التي تربطنا من خلال تحديد الحريّات والحقوق الأساسيّة لكل إنسان على كوكبنا. كما يعبّر عن بعض المتطلبات الجوهريّة لكلّ إنسان – مثل أن نتشارك طبيعتنا الأساسيّة، وأن نهتمّ بمصير بعضنا البعض، وأنّنا متساوون في جوهرنا، وأنّ كلّ واحد منّا يستحق القدر نفسه من الكرامة والرفاه والحريّة.
لكنّ قانون حقوق الإنسان ليس مجرّد صورة مثاليّة جذّابة ومن دون معنى، بل هو أداة جبّارة وعمليّة.
فمن خلال معايير حقوق الإنسان، واجتهاداته وآليّاته، نبني مجتمعات قويّة وصلبة - لأنّها تكون عادلة. فننتخب بحريّة قادة أقوياء لأنّهم يخضعون للمساءلة، يخدمون الشعب لا أنفسهم. ونتمتع بتنمية أكثر مرونة وفائدة، لأنّها تسعى إلى الحصول على مساهمات من الجميع.
الحكم بالقانون هو فرض الظلم من أعلى الهرم. فالفصل العنصريّ، والعديد من أشكال التمييز المعاصر الأخرى - بما في ذلك حرمان المرأة من حقوقها – مبنيّ على القوانين. كما أنّ التشريعات في أعداد متزايدة من البلدان، تمكّن الحكومات اليوم من سحق أصوات منتقديها. وهذا أمر طبيعيّ، بما أنّ القوانين الصادرة بموجب الحكم بالقانون نادراً ما تُطبَّق على الأشخاص في السلطة. وبالتاليّ هي تعسّفيّة في جوهرها، لأنّها أداة قوّة لا أداة عدالة.
وتوّلد القوانين بحدّ ذاتها الاستياء وعدم المساواة عندما تكون غير عادلة. ما يقوّض الوئام الاجتماعيّ، ووحدة القيم والاحترام، أساس المجتمعات المرنة. كما تؤدّي إلى تآكل شرعيّة السلطات، وتستنزف قوّة المجتمع ومرونته المتأصّلتَيْن، وتُضعف الوحدة الاجتماعيّة والاحترام والتنمية المشتركة.
وفي المقابل، يُعْمِل حكم القانون الحقوق الأساسيّة، ويضمن الوصول العادل إلى الموارد، وانفتاح الحكومة. وما مِن أحد فوق القانون، ولكلّ شخص الحقّ في حماية القانون. ومن خلال فرض قيود على ممارسة عملاء الدولة السلطة، وحماية حقوق الإنسان للجميع، يخدم حكم القانون المصلحة العامة.
ما هو إذًا فن القانون؟ هو في الواقع تجاوز مفهوم القانون الضيق باعتباره مجموعة قواعد تعسفيّة. وضمن هذا السياق الواسع والرنّان، ترقى مدونة القوانين الوطنيّة انطلاقًا من مقاربات فلسفيّة وتاريخيّة وأخلاقيّة محدّدة – ومتباينة حتّى – وتولّد مجموعة من المبادئ تجسّد العدالة الحقيقيّة.
وقد تسترشد هُنَيْهَة الفن هذه بالإعلانات والمعاهدات الدوليّة العظيمة التي لها صدى عالميّ، وتعبّر عن مدونات مبدأ مشتركة بين جميع البشر.
وفي الواقع، صادقت كل دولة في عالمنا اليوم على معاهدة دوليّة واحدة أقلّه لحقوق الإنسان.
كما تستعد اليوم التقنيّات الرقميّة لتغيّر كلّ جانب من جوانب حياتنا تقريبًا – من الرعايّة الصحيّة إلى التعليم والعمالة والخصوصية وغيرها. وقد استفاض رئيس الوزراء في كلمته اليوم حول هذه الجوانب كلّها. دور الدولة في الواقع هو أن تضمن أن تعود هذه التكنولوجيات بالمنفعة على البشر. وقد زرت مؤخرًا سيليكون فالي في الولايات المتّحدة لمناقشة هذه الجوانب بالتحديد وعلاقتها بحقوق الإنسان - تأثيرها على حقوق الإنسان في جميع أنحاء العالم. وقد سبق وحددنا بعض عيوب أكثر التقنيات تطورًا، وانحيازها المتأصّل، بما في ذلك تحيّزها العنصريّ والجنسيّ، بسبب تأثير الآراء التمييزيّة في بناء أنظمة تكنولوجيا المعلومات وأنظمة الذكاء الاصطناعي. وليس من قبيل الصدفة أنّ غالبيّة مطوّري تكنولوجيا المعلومات في سيليكون فالي هم من الذكور البيض.
تعود بعض معضلات التكنولوجيا الضامة الجديدة إلى تحديات قديمة جدًا – على غرار انتشار الدعاية الكاذبة والخطابات التي تحرّض على العنف ضد الأقليّات، مثل العنف المفرط ضد الروهينغيا في ميانمار. كما تَبرُز تحدّيات رقميّة جديدة أخرى، مثل نطاق المراقبة غير المسبوق. وتعمل مفوّضيّتنا على كيفيّة مواجهة هذه التحدّيات الجديدة لحقوق الإنسان، لا سيما تحديد كيف يمكن تجنّب التحيّز المتأصّل وخطاب الكراهية.
ليس سَنّ القوانين الأداة الوحيدة المتاحة أمام الدولة، ولكنّه قد يكون أداة مفيدة للغاية. إلاّ أنّه يجدر بالقوانين المُعتَمَدَة أن تعكس ضرورةَ تحقيق العدالة. ويجب أن يكون لكلّ متأثّر بها بشكل مباشر رأيٌّ في صياغة القانون – لا البرلمانيّين فحسب، بل الخبراء غير الحكوميّين والمجتمع المدنيّ أيضًا. وفي هذا الموضع، يمكن قانون حقوق الإنسان، المترسّخ في خبرة طويلة، والنابع من مبدأ متجذّر أن يشكّل دليلًا لنا.
لقد شكّل بلدكم قوة رائدة في إعداد الكثير من مواد القانون الدوليّ. كما أنّ التزامه خطة التنمية المستدامة للعام 2030 لا شكّ فيه. ومن بين أهداف خطّة التنمية هذه، الهدف 16 الذي يدعو إلى "توفير وصول الجميع إلى العدالة"، وبناء "مؤسسات فعالة وخاضعة للمساءلة على جميع المستويات".
نتطلّع إلى عمل هذا المنتدى، والعديد من الفعاليّات المتميّزة الأخرى، بهدف تعزيز هذا المسعى الحيوي.
وشكرًا.