موظفة حقوق الإنسان بالأمم المتحدة: "يمكنكم أن تغيّروا حياتكم كي تساعدوا الآخرين على إحداث التغيير"
03 كانون الثاني/يناير 2020
العراقية جميلة مهدي لاجئة سابقة. وعلى الرغم من أنها زُوِّجَت وهي لا تزال في الـ13 من عمرها وحرمت من الحقّ في التعليم، أصرّت كلّ الإصرار على تحقيق النجاح. فحصّلت الشهادة الثانوية بعدما أصبحت بالغة، ومن ثمّ شهادتين جامعيتين. وهي اليوم موظّفة لشؤون حقوق إنسان في مفوضيّة الأمم المتّحدة السامية لحقوق الإنسان في العراق.
إليكم قصتها.
"وُلِدْتُ في مخيم للاجئين في سنندج في إيران. وعشتُ في مجتمع ذكوريّ وفي كنف منزل يسوده العنف والكفاح.
عندما بلغت الـ13 عامًا من عمري، عشت في الموصل في العراق. فأرسلني أبي كي أتزوّج أحد أقاربه في القرية، وأنا بالكاد حصلت على شهادة الصف السادس.
في تلك اللحظة بدأَتْ حياة الجحيم. فتحوّلتُ فجأة إلى عبدة ومزارعة. وحُرِمْتُ من طفولة هادئة ومن حقوقي الأساسية.
أمضيت 12 عامًا من حياتي أعيش الاضطهاد والفقر المدقع وأعمل كمزارعة وأعتني بالماشية. وعشت وحيدة أثناء فترات الحمل والولادة، وربيت أولادي الأربعة الذين بالكاد رأيتهم. واعتدت مغادرة المنزل قبل بزوغ الفجر والعودة إليه بعد تقّدم ساعات الليل، كي أعدّ الطعام لليوم التالي.
إلى أن انهرت ذات يوم.
فقرّرت أن أعود إلى المدرسة وأحصّل شهادتي وأنا قد أصبحت في الـ23 من عمري. لكنّ زوجي لم يدعمني. فحاوت إقناعه في البداية بشتّى الوسائل، حتّى بالانتحار، لكنّ كلّ محاولاتي باءت بالفشل. وفي نهاية المطاف، وافق على التحاقي بالمدرسة خوفًا من أن أتركه وبدعم من أخي.
بدأت مسيرتي التعليمية بالدراسة في المنزل من خلال برنامج تعليمي خارجي، ثمّ قدّمت الامتحان الرسمي للصف التاسع مع باقي طلاب الموصل. ونجحته بتفوّق.
فبدأت مرحلة جديدة من حياتي.
تخرجت من المدرسة الثانوية وانتقلت إلى المدينة كي التحق بكلية العلوم السياسية في الجامعة. لم يكن الأمر بيسير لكنّني أكببت على الدراسة طوال السنة وحصّلت شهادتي الجامعية.
وكي أتمكّن من إعالة أطفالي وإكمال تعليمهم بدأت العمل في القطاع الخاص. ورحتُ أدرس ليلاً فنجحت في تحصيل شهادة الماستر.
وتطلّقنا أنا وزوجي في العام 2017.
وها أنا اليوم أعمل في مفوّضيّة الأمم المتّحدة السامية لحقوق الإنسان.
يمكنكم أن تغيّروا حياتكم كي تساعدوا الآخرين على إحداث التغيير.
أعمل اليوم كموظّفة لشؤون حقوق الإنسان في أربيل، في مكتب بعثة الأمم المتّحدة لتقديم المساعدة إلى العراق. ويركّز عملي حاليًا على مراقبة حالات انتهاك الحقوق وحماية المدنيين أثناء النزاع المسلّح.
لماذا اخترتُ القيام بذلك؟ لأنّني أؤمن إيمانًا راسخًا بضرورة المساهمة في حماية كرامة الإنسان والعدالة الاجتماعية والقضاء على جميع أنواع التمييز.
ومن المهم أن نتصدى لانتهاكات حقوق الإنسان، وأن نتّخذ تدابير فعّالة بهدف إلزام الحكومات والسلطات المعنية بالعمل على مساءلة الجناة.
أنا أنتمي إلى أقليّة.
لطالما شعرت بالقيود المفروضة على هؤلاء والتمييز الممارس ضدهم، لا سيّما ضدّ الذين ينتمون إلى أقليات دينية. شعرت بالحاجة إلى تثقيف المجتمع، والوقاية من مثل هذه الانتهاكات عبر استخدام أساليب سلمية. أؤمن بضمان احترام الكرامة الإنسانية وتمتّع جميع البشر بالحقوق.
وأنوي مواصلة العمل في هذا المجال طالما أنّ انتهاك حقوق الإنسان وانعدام الأمن والظلم متفشيّة.
أحلم بعراق خالٍ من التمييز.
يواجه العراق اليوم، ومنذ سنوات طويلة، العديد من المخاوف المتعلّقة بحقوق الإنسان.
أتمنّى أن يصبح العراق يومًا دولة تحترم حريّة التعبير والمعتقد والدين. وأتمنّى أن يصبح العراق بلدًا مستقرًّا سياسيًا واقتصاديًا، وأن يكون آمنًا ومأمونًا، وأن يزدهر التعليم فيه. وأحلم بعراق يتمتع مواطنوه جميعهم بالمساواة الكاملة في جميع الفرص."
3 كانون الثاني/يناير 2020