Skip to main content

الإبادة: "مرّة تلو الأخرى" بدلاً من "أبدًا بعد اليوم"

18 أيلول/سبتمبر 2018

منذ سبعين عامًا، صادقت الدول الأعضاء في الأمم المتّحدة على اتّفاقيّة منع جريمة الإبادة الجماعيّة والمعاقبة عليها – وهي معاهدة متجذّرة في رغبة عميقة في عدم تعرّض أيّ شخص "أبدًا بعد اليوم" لأهوال الإبادة، على غرار الفظائع التي تسبّب بها النازيّون خلال محرقة اليهود. وشكّلت الاتّفاقيّة أوّل معاهدة لحقوق الإنسان اعتمدتها الجمعيّة العامة، وذلك قبل يوم واحد من الإعلان عن الإعلان العالميّ لحقوق الإنسان في 10 كانون الأوّل/ ديسمبر 1948، الذي ينصّ بكلّ وضوح على الحقوق المتأصّلة في الجميع.

لكنّ عالمنا اليوم لم يتخلّص بعد من خطر وقوع الإبادة، هذه "الآفة البغيضة". وقد أشارت مفوّضة الأمم المتّحدة السامية لحقوق الإنسان ميشيل باشليه قائلة: "علينا أن نقيّم فظاعة الأعمال الأخيرة المرتَكَبَة بحقّ الروهنغيا واليزيديّين، وعلينا أن نبذل كلّ جهد ممكن كي نحاسب الجناة."

وتابعت قائلة: "للمساءلة قيمتها وأهميّتها – فهي لا تحقّق العدالة للضحايا وتعاقب الجناة فحسب، بل تقضي أيضًا على الإفلات من العقاب، وهي خطوة أساسيّة لمنع الإبادة. ولا يمكن أبدًا فصل منع الإبادة والمعاقبة عليها – وهما الهدفان المعلنان صراحةً لاتّفاقيّة منع الإبادة – عن بعضهما البعض. فالمعاقبة أساسيّة لمنع الإبادة. في حين أنّ الإفلات من العقاب يسمح بارتكابها، أمّا المحاسبة فتمعنها كونها عدوّتها اللدود."

وقد أدلت باشليه ببيانها خلال حلقة نقاش رفيعة المستوى، نُظِّمَت لمناسبة الذكرى الـ70 للاتّفاقيّة خلال انعقاد مجلس حقوق الإنسان.

وتكمن مكافحة الإبادة في مكافحة الإفلات من العقاب. وشدّدت باشليه على أنّ العدالة الانتقاليّة تشكّل "جزءًا آخر أساسيًّا من جهاز المساءلة." فذكرت دراسة أُجرِيَت في خلال هذه السنة، اعتَبَرت العدالة الانتقاليّة سبيلاً لتحقيق السلام والأمن المستدامَيْن، ومنع انتهاكات حقوق الإنسان والقانون الدوليّ لحقوق الإنسان، لا سيّما الإبادة الجماعيّة.

وجاء في الدراسة ما يلي: "في حين أنّه لا يجدر اعتبار العدالة الانتقاليّة أداة أساسيّة لصنع السلام، يبيّن العديد من المؤشّرات أنّها تساهم في استدامة السلام والأمن عبر كسر دوّامات العنف والفظائع، ومنح حسّ بالعدالة إلى الضحايا، والتشجيع على النظر في مواضع خلل المؤسّسات الحكوميّة التي قد تكون قد ساهمت في هذه الدوّامات، أو حتّى عزّزتها."

إلاّ أنّ إنهاء النزاع أو العنف مباشرة لن يكفي للتصدّي لموجة الفظائع التالية، على حدّ تعبير كيمبرلي بروست، القاضية في المحكمة الجنائيّة الدوليّة، والقاضية السابقة في المحكمة الجنائيّة الدوليّة ليوغوسلافيا السابقة. وبصفتها قاضية شاركت في محاكمة سبعة رجال اتُّهموا بارتكاب جرائم داخل سربرنيتسا وفي المناطق المجاورة لها في العام 1995، رأت كيف أنّ الفظائع تنبع من الكراهية الهوجاء والتعصّب الأعمى والانقسامات الإثنيّة والدينيّة التي لم تعالج يومًا.

وأعلنت قائلة: "العبرة الجليّة المؤلمة التي يمكن استخلاصها هي أنّنا لن ننجح يومًا في منع الإبادة وغيرها من الفظائع إن لم نعالج أوّلا أسبابها الكامنة، ونضع حدًا لدوّامة العنف، ونستبدل الانتقام بالعدالة."

أمّا وكيل الأمين العام ومستشاره الخاص لمنع الإبادة، أداما دينغ، فقد أشار من جهته إلى أنّ الإبادة لا تزال تُرتَكب، وغالبًا ما أصبحت تُرتَكب "مرّة تلو الأخرى" بدلاً من "أبدًا بعد اليوم".

وأشار دينغ أنّ جزءًا من المشكلة يعود إلى عدم تصديق عدد من الدول الأعضاء في الأمم المتّحدة على الاتّفاقية، ويبلغ عددهم اليوم 45 دولة.

وتابع قائلاً: "التصديق على الاتّفاقيّة هو مسألة التزام أخلاقيّ تجاه البشريّة. كما يشكّل اعترافًا بمسؤوليّة الدول تجاه شعوبها، ويعبّر عن احترام مَن قضى بسبب هذه الجريمة."

وأكّد مقرّر الأمم المتّحدة الخاص المعنيّ بتعزيز الحقيقة والعدالة والجبر وضمانات عدم التكرار، فابيان سالفيولي، على أنّ أكثر أشكال منع الإبادة فعاليّة هي أبسطها – وهي تبنيّ الإعلان العالميّ لحقوق الإنسان.

فقال: "لهذا السبب يشكّل احترام حقوق الإنسان وضمانها خارطة طريق لا بدّ من أن تتّبعها الحكومات والمجتمعات. وما من شيء يمكنه أن يمنع هذا النوع من جرائم الكراهية، مثل الإبادة الجماعيّة، أكثر منه بناء مجتمعات يتمتّع أعضاؤها بكامل حقوق الإنسان. ولا بدّ من توجيه كافة السياسات الحكوميّة في هذا الاتّجاه."

18 أيلول/سبتمبر 2018


الصفحة متوفرة باللغة: