ما يجدر معرفته عن الاحتجاز والحقّ في الصحّة
28 حزيران/يونيو 2018
أشار خبير الأمم المتّحدة المعنيّ بالحقّ في الصحّة، دانيوس بوراس، إلى ما يلي فقال: "ارتفعت وتير السجن عند ارتكاب مخالفات بسيطة، كما أمست العقوبات تُطبّق تطبيقًا غير متناسب بهدف مواجهة تحدّيات اجتماعيّة معقّدة وفريدة، بما في ذلك العنف والتطرّف الأصولي لدى الشباب. وفي مقابل ذلك، يبقى ما يُعرَف بتخزين اللاجئين والمهاجرين الذين يبحثون عن برّ أمان وحماية من التحدّيات الخطيرة غير المعالَجة بطريقة ملائمة."
أتى حديث بوراس ضمن سياق عرضه آخر تقرير له أمام مجلس حقوق الإنسان حول كيفيّة تقويض الاحتجاز في السجون وغيرها من المؤسّسات الإصلاحيّة والطبيّة، حقّ الفرد في التمتّع بأعلى مستوى ممكن من الصحّة البدنيّة والنفسيّة.
واعتبر بوراس أنّ أمراض الصحّة العقليّة والحرمان من الحريّة مرتبطان ارتباطًا وثيقًا. وأشار إلى أنّ معدّلات الصحّة العقليّة المنخفضة في السجون تتخطّى المعدّلات العامة للسكّان. كما أكّد أنّ معدّل الانتحار في السجون يتخطّى بثلاثة أضعاف أقلّه المعدّل العام للسكّان.
ويتجلّى إجماع يتنامى شيئًا فشيئًا يفيد بأنّه لا يجدر سجن من يرتكب مخالفة ويعاني أمراضًا عقليّة. إلاّ أنّ البديل عن ذلك، أمسى احتجازه في مصحّات عقليّة، وأحيانًا لفترات غير محدّدة. وأشار قائلاً: "لا تؤدّي أماكن الاحتجاز الحاليّة إلى الشفاء النفسيّ والاجتماعيّ، كما أنّها غير مؤاتيّة للعلاقات العلاجيّة الفعّالة، ولا حتى للعلاج بحدّ ذاته. وهي غير ملائمة لمن شُخِّص بأنّه يعاني مشاكل عقليّة خطيرة. وعلى الرغم من ذلك، فإنّ من يُسجَن عادة هو شخص يعاني صعوبات ومشاكل خطيرة في صحّته العقليّة."
وتشير التقارير من جهة أخرى، إلى أنّ حوالى مليون طفل أقلّه في العالم محروم من حريّته. وأكّد بوراس على "أنّ احتجاز الأطفال شكل من أشكال العنف."
وقد سُجن معظم هؤلاء الأطفال لسلوك نتج عن الفقر أو التمييز. وتُستَخدم المؤسّسات الإصلاحيّة أيضًا لاحتجاز الأطفال إداريًّا بسبب مخالفات سياسيّة ولحماية الأمن القوميّ. وبالإضافة إلى ذلك، تُستَخدَم السجون كشكل من أشكال احتجاز المهاجرين حول العالم.
ويمكن الدوامة أن تنطلق في سنّ مبكرة: فبعض الأطفال قد ولد في السجن أو احتُجِز مع والدته. أمّا ذوو الإعاقة فمن الأرجح أن يحتجزوا في مؤسّسات طبيّة أو اجتماعية واسعة النطاق، وأن يكبروا في هذه المؤسّسات إلى حين نقلهم إلى مؤسّسات خاصة بالبالغين.
وخلال المراهقة، يُستَخدم الحبس الانفراديّ، والإذلال، والحرمان يوميًّا لإصلاح المراهقين العنيفين. إلاّ أنّ هذه الاستراتيجيّات غالبًا ما تجبر المراهقين على تطوير آليّات مواجهة عن طريق استخدام العنف الموجّه ضدّ الآخرين وضدّ نفسهم. ويؤثّر هذا الردّ العقابيّ على السلوك العنيف، على صحّتهم ونموّهم المعرفيّ والعاطفيّ خلال مرحلة حرجة من حياتهم.
وأشار بوراس قائلاً: "علينا أن نتابع بكلّ جديّة المناقشات بشأن إلغاء احتجاز الأطفال، وأن نبدأ العمل على الإلغاء الكامل لرعاية الأطفال ما دون الخمس سنوات في المؤسّسات الإصلاحيّة."
وعلى الرغم من أنّ معدّل الأمّهات اللواتي يلدن في السجن والنساء الأخريات المحتجزات يبلغ 7 في المائة فقط من مجموع المساجين العالميّ الذي يبلغ 10 ملايين، فإنّ عددهنّ يرتفع بوتيرة أسرع من الرجال.
وغالبًا ما يرتبط احتجاز النساء بالتمييز والنمطيّة السلبيّة على أساس النوع الاجتماعيّ، والعنف الجنسيّ والجسديّ والعاطفي.
أمّا في البلدان التي تحظّر الإجهاض، فقد تواجه المرأة السجن عند طلب الإجهاض أو خدمات الطوارئ الخاصة بالتعقيدات الناتجة عن الحمل، بما في ذلك تلك التي يسبّبها الإجهاض العفوي.
وأفاد الخبير قائلاً: "في بعض البلدان، تواجه المرأة الحامل التي تتعاطى المخدّرات، بما في ذلك الأدوية الموصوفة قانونيًا، الاحتجاز المدنيّ أو الجنائيّ، وفي بعض البلدان الأخرى، تُسجَن بسبب "جرائم أخلاقيّة" ارتكبتها، على غرار الزنا أو العلاقات خارج إطار الزواج، أو لحمايتها من "جرائم الشرف". كما أن القيود القانونيّة المفروضة على الوصول إلى سلع الصحّة الجنسيّة والإنجابيّة وخدماتها والمعلومات ذات الصلة، فتؤدي أيضًا إلى سجن المرأة."
كما يعتبر بوراس أنّ خبرة المرأة مع العنف على أساس النوع الاجتماعّي تستمرّ في السجون بتأثير من "أنواع العقاب والسيطرة المبنيّة على الأبويّة والرجولة المفرطة."
وغالبًا ما يتمّ في السجن إهمال احتياجات النساء الخاصة بالرعاية الصحيّة، مثل تلك المرتبطة بالحيض والحمل والولادة وانقطاع الطمث والصحّة الجنسيّة والإنجابيّة. وقد تم التبليغ عن سوء معاملة المرأة أثناء الولادة في السجون وفي مراكز احتجاز المهاجرين.
وشدد بوراس على أنّه "لا يجدر معاقبة النساء الحوامل أو النساء بصحبة أطفال أو المرضعات، بالسجن المغلق أو العزل التأديبيّ"
وحثّ بوراس في تقريره الدول على الابتعاد عن الاحتجاز كأداة تلقائيّة لفرض السيطرة الاجتماعيّة باسم السلامة العامة، و"الأخلاق" والصحّة العامة. كما يدعوها إلى اعتماد قواعد الأمم المتّحدة النموذجيّة الدنيا لمعاملة السجناء (أيّ مبادئ مانديلا)، التي تنصّ على أحكام بشأن مسؤوليّة الدول في رعاية السجناء صحيّة.
وختم الخبير قائلاً: "إن الحقّ في الصحّة هو أداة قويّة يمكن أن تساعدنا على إلقاء الضوء على الظلم والإهانة والطبيعة المختلّة لأنظمة الاحتجاز في مجتمعنا. كما تبين أن الذراع الطويلة للسجن تمتدّ إلى ما بعد الزنزانة المقفلة والعنابر المغلقة لتطال مجتمعاتنا."
28 حزيران/يونيو 2018