Skip to main content

التعذيب والمعاملة اللاإنسانية

من ضحيّة إلى منتصر: قصّة سليمان غينغنغ

19 كانون الثاني/يناير 2017

"ثلاث سنوات قضيتها في السجن. تسع سنوات عانيت خلالها في التشاد من دون أيّ اتّصال مع العالم الخارجيّ. أكثر من ستة عشر سنة أمضيتها في معارك قضائيّة. لقد كافحت مدّة ستّ وعشرين سنة لتحقيق العدالة." هذا ما أعلنه سليمان غينغنغ، وهو ناشط في مجال حقوق الإنسان وضحيّة من ضحايا التعذيب المُمارَس خلال حكم الدكتاتور التشاديّ حسين حبري.

عمل غينغنغ كمحاسب في التشاد عندما أتّهمته شرطة حبري المعروفة بمديريّة التوثيق والأمن، بالمشاركة بأنشطة سياسيّة غير شرعية. فتمّ توقيفه وسجنه بصورة باطلة غير قانونيّة، شأنه شأن العديد من التشاديّين الآخرين الأبرياء.

وقد شرح قائلاً: "لست من رجال السياسة، بل أنا مجرّد محاسب".

يبلغ اليوم غينغنغ الـ65 من عمره، وقد أمضى ثلاث سنوات من حياته في عدد من السجون المختلفة الأشكال، بما في ذلك سجن يُعرَف بالـ"piscine" أيّ المسبح. فقد تمّ احتجاز الآلاف من الأشخاص تمامًا مثل غينغنغ، وتمّ تعذيبهم في مسابح أمسَت تستعمل لأغراض أخرى غير السباحة، كما حُشِر العديد من المساجين في زنزانة واحدة. وتعرّض الضحايا للإغراق الحسيّ ولوضعيّات مجهدة والتجويع.

ويتذكّر غينغنغ قائلاً: "خلال اعتقالي رأيت العشرات من زملائيّ السجناء يموتون بسبب التعذيب. فماتوا جوعًا وعطشًا وبسبب الأمراض." وأضاف أنّ الحرّاس تعوّدوا ترك الموتى عن وجه قصد مع السجناء الآخرين في الزنزانات المقتظّة.

وقال من جهة أخرى: "تمّ فصلي عن أحد الأشخاص الذين كانوا معي في الزنزانة، كان يُدعى ابراهيم. وقد تعرفت عليه من قبل عندما قصدنا المدرسة نفسها. وعندما تمّ فصلنا عن بعض، وُضِع في زنزانة مع آشخاص آخرين لا يتكلّمون الفرنسيّة. فعلق في أفكاره مدّة ثلاثة أيّام. وقد فارق الحياة بعد هذه الأيّام الثلاثة." وقد تعهّد غينغنغ، الذي أوشك على الموت بسبب المرض، بأنّه سيناضل ويلاحق معذّبه ليحقّق العدالة إن تمكّن من الصمود والبقاء حيًّا.

وعندما هرب حبري من التشاد بحثًا عن اللجوء في السنغال في العام 1990، تم تحرير المتَّهَمين من السجون، وقد أشار غينغنغ إلى ما يلي: "عندما سقط النظام، لم تتحقّق العدالة، ولم يعد من سبب يدعو إلى توقيف الناس. أمّا الغرض من السجن فكان قتلنا، لذا عمليّة تحريرنا هي بالفعل عجيبة."

وبعد ذلك، انطلق في رحلة دامت 26 سنة ليحّقق العدالة، وراح يجمع الشهادات من زملائه الناجين، والأرامل والأيتام. وأنشأ جمعيّة ضحايا القمع والجرائم السياسيّة، حيث بدأ الضحايا يتنظّمون ويخبرون قصصهم.

وقد شرح غينغنغ قائلاً: "قسّمت المجموعات بين الضحايا المباشرين والضحايا غير المباشرين. فمن الأسهل حمل الناجين من التعذيب على مشاركة قصصهم، ولكنّ أُسَر من اعتُقِل كانت تخاف من تداعيات قول الحقيقة."
وقد تمكن من جمع 800 شهادة، وفي العام 2001، تمّ اكتشاف محفوظات للشرطة دعمت قضيّته. كما ورَّطت المحفوظات نظام حبري وأشارت إلى 12,000 ضحيّة في تشاد احتُجِزَت في مراكز الاعتقال. وقد ارتكبت حكومة حوالى 40,000 عملية اغتيال لـ"معارضيها السياسيّين".

في العام 2004، أُجبِر غينغنغ على الهروب إلى الولايات المتّحدة بسبب نفوذ النظام الذي لا يزال مسيطِرًا. فاتّصال ببرنامج جامعة نيويورك/بيلفو للناجين من التعذيب، وهو مشروع يموّله صندوق الأمم المتّحدة للتبرّعات لضحايا التعذيب، بهدف الحصول على العلاج الطبّي اللازم ومتابعة رحلته نحو تحقيق العدالة بأمان.
ولم تمنعه المسافات من إعداد دعوى ضدّ معذّبه.
 
وقد خضع غينغنغ لعملية جراحيّة في عينَيْه، ما ساعده على عكس الإصابة بسبب الصدمة، كما شارك في علاج جماعيّ مع ناجين آخرين يتكلّمون الفرنسيّة. وقال: "ساعدني البرنامج على الاستمرار. أُدرك أنّ العديد من أبناء وطني لم ينجوا لأنّهم لم يتمكّنوا من الاستفادة من هكذا البرنامج الذي ساهم في شفائيّ ودعمني."

وفي شهر تشرين الثانيّ/ نوفمبر 2015، شهد 90 ناجيًا وشاهدًا، من بينهم غينغنغ، ضدّ النظام السابق، ما أدّى إلى الحكم على الدكتاتور السابق بالسجن المؤبّد، وذلك خلال محاكمة تاريخيّة جرت في شهر أيّار/ مايو 2016 في الدوائر الإفريقيّة الاستثنائيّة في دكار، في السنغال.
 
وأوضح غينغنغ ما يلي: "لم نرغب في الانتقام بل في تحقيق العدالة. فارتدت شهاداتنا كل قوّة." ولم تشكّل المحاكمة انتصارًا للضحايا فحسب، بل شكّلت أيضًا تحذيرًا للدكتاتوريّين الآخرين: ستتحقّق العدالة لا محالة.

ويترك غينغنغ رسالة إلى الضحايا الآخرين وإلى كلّ من يرغب في أن يسمع: "تعكس العدالة الحقيقة. فأخبروا قصّتكم وأخبروا الآخرين الحقيقة، فتدركوا العدالة."

وفي 9 كانون الثانيّ/ يناير 2017، استأنف محامو حسين حبري الحكم بهدف اسقاط السجن المؤبّد، على أساس أنّ المحاكمة الأولى شابها الكثير من المخالفات الإجرائيّة. ولا يزال غينغنغ يشارك بفعاليّة في الإجراءات القضائيّة، تمامًا كما هي الحال بالنسبة إلى الضحايا الآخرين، فتابع الاستئناف من قاعدة المحكمة في دكار.

وأشار: "من المتوقّع أن يستأنف محامو الدفاع الحكم بعد المحاكمة في حال لم يقبلوا [بالحكم]. لقد عدتُ إلى دكار لأنّني وجدت أن الأسباب وراء الاستئناف لا أساس لها من الصحّة. وما من سبب يحملنا على ذكر مسامحة المتّهم؛ فبموجب القانون الدوليّ، يؤدّي اتّهام واحد فقط من الاتّهامات المقدّمة إلى الحكم عليه بالسجن المؤبّد."

وتابع: "لم يمنح السيّد حبري المحكمة فرصة النظر في ظروف مخفّفة. فقد احتقر الضحاياـ واحتقر الدوائر الإفريقيّة الاستثنائيّة وكأنّه فوق القانون."

وشدّد على أنّ الضحايا وأسرهم ملؤهم الثقة، فقال: "نرى أنّ قضاة محكمة الاستئناف لن يطبّقوا إلّا القوانين ولا سيّما القانون الدوليّ. إن شاء الله، سأعود إلى دكار في 27 نيسان/ أبريل 2017 لأستمع إلى الحكم النهائيّ."

19 كانون الثاني/يناير 2017

الصفحة متوفرة باللغة: