Skip to main content

البيانات المفوضية السامية لحقوق الإنسان

مؤتمر القمّة العالميّ للمدافعين عن حقوق الإنسان، باريس، في 29 تشرين الأوّل/ أكتوبر 2018

الدفاع عن المدافعين عن حقوق الإنسان

29 تشرين الأول/أكتوبر 2018

بيان مفوّضة الأمم المتّحدة السامية لحقوق الإنسان ميشيل باشيليت

 

أصحاب السعادة،
أيها الزملاء والأصدقاء الأعزّاء،

إنه لشرف عظيم لنا أن ننضمّ إليكم في هذه القمة العالميّة للمدافعين عن حقوق الإنسان. فنحن لا نحتفل بمرور عشرين عامًا على اعتماد إعلان الأمم المتّحدة المتعلّق بالمدافعين عن حقوق الإنسان فحسب، بل نحتفل أيضًا بالذكرى الـ70 للإعلان العالميّ لحقوق الإنسان، الذي تم اعتماده في قصر شايّو، حيث يتم اختتام هذه القمة.

هي فرصة فريدة كي نقيّم ما وصلنا إليه – وكي نتلمّس معًا الإلهام والمهارات المطلوبة فنمضي قدمًا وهذان الإعلانان العظيمان نصب أعيننا.

ولكن أسمحوا لنا في البداية أن نحيّيكم جميعكم، أنتم الموجودون هنا اليوم، وأن نحيّي أقرانكم العديدين المنتشرين في جميع أنحاء العالم، الذين يدافعون عن حقوق الإنسان. نشعر بامتنان عظيم للعمل الذي تنجزونه.

وقد وصفه نيلسون مانديلا، المدافع العملاق عن حقوق الإنسان، على النحو التالي: "لا تقتصر حريّة المرء على التحرّر من السلاسل فحسب، بل تنطوي أيضًا على عيشه حياة تحترم وتعزّز حريّة الآخرين."

وعلى غرار مانديلا، تدركون حقًا أنّ "الحرية غير قابلة للتجزئة". فعندما تلتقون شخصًا مقيدًا بالسلاسل - شخصًا حُرِم من حقوقه - لا تشيحون النظر. بل تتحدَّون الظلم. وتدافعون عن حقوق الآخرين.

سواء أكنتم تدافعين عن حقوق الإنسان جهارًا وعلى وسائل الإعلام الدوليّة، أم في المجتمعات النائية الأكثر بعدًا على كوكبنا؛ سواء أكنتم قادرين على اقتباس كل مادة من مواد الإعلان العالميّ لحقوق الإنسان أم تنجزون ما يمليه عليكم حدسكم وضميركم؛ سواء أكنتم تحمون طفلاً منفردًا من ممارسات ثقافيّة مؤذية، أم الكوكب بأسره من مخاطر التغيّر المناخيّ - أنتم جزء من النضال العالميّ نفسه، الذي لا يُقدّر بثمن، ويهدف إلى كسر القيود وتحقيق المساواة والكرامة.

عندما قرأ السيناتور الهاييتي إميل سانت لوت الإعلان العالميّ لحقوق الإنسان أمام الجمعيّة العامة في قصر شايّو، في كانون الأوّل/ ديسمبر 1948، وقف، بصفته من المنحدرين من الرقيق، لانتصار الأمل والحرية على عقود من الكوارث والفظائع.

وفي جميع أنحاء العالم، ألهم هذا الإعلان حركات التحرّر؛ والنضالات من أجل إنهاء التمييز والقمع، وضمان المساءلة؛ وحملات واسعة النطاق وجبّارة  لتحسين الوصول إلى العدالة والموارد الأساسيّة والخدمات.

لقد تحقّقت كل خطوة نحو مزيد من المساواة والكرامة والحقوق على مدى السنوات الـ70 الماضية، باسم الإعلان العالميّ لحقوق الإنسان، وبفضل كفاح المدافعين عن حقوق الإنسان ومناصرتهم لها.

وبفضل الاعتراف بالأهميّة الحيوية للعمل المنجَز في مجال حقوق الإنسان وبشرعيته، تمّ اعتمد الإعلان المتعلّق بالمدافعين عن حقوق الإنسان، بعد مرور نصف قرن على اعتماد الإعلان العالميّ لحقوق الإنسان.

لأنه لا حياة للإعلان العالميّ لحقوق الإنسان بدون المدافعين عن حقوق الإنسان.

فشجاعتهم وسخاء روحهم، ونزاهتهم وتضحياتهم هي ما أبقى الإعلان العالميّ لحقوق الإنسان حيًّا. وبفضل عملهم، دافعت الدول مرارًا وتكرارًا عن الحقوق ودعمتها.

وفي بعض الأحيان يتمّ تكريم أبطال حقوق الإنسان هؤلاء، وتُنشَر أسماؤهم على نطاق واسع. فقد تأثّرنا كثيرًا مؤخرًا بمنح جائزة نوبل للسلام إلى ناديا مرادودينيس موكويغي، تقديرًا لعملهما القيّم والمبنيّ على المبادئ، في مجال الدفاع عن حقوق الإنسان.

لكن، في العديد من الحالات الأخرى، يبقى المدافعون عن حقوق الإنسان مجهولي الهويّة. وقد لا يشعرون حتى بأنّهم أبطال: هم بكلّ بساطة أشخاص عاديّون، يقفون في وجه المتنمّرين، ويتحدّون الظلم، ويقومون بما يجدر القيام به.

ودفع الكثيرون منهم أثمانًا باهظة لأنهم رأوا أشخاصًا مقيّدين بسلاسل ورفضوا أن يشيحوا النظر.

وقد يتعرّض المدافعون عن حقوق الإنسان للتهديد أو الوصم أو النبذ بسبب العمل الذي يقومون به. وقد يتعرضون أيضًا لاعتداءات جسديّة أو اعتقالات تعسفيّة أو احتجاز غير مشروع؛ أو التعذيب أو غيره من أشكال الاضطهاد. وقد يُقتَلون حتّى.

إنّ كل هجوم على مدافع عن حقوق الإنسان هو انتهاك لها - ولحقوقنا جميعًا.

وفي السنوات الأخيرة، شهدنا ارتفاعًا خطيرًا جدًا في معدّل الهجمات المماثلة، بما في ذلك عمليّات القتل الوحشيّة التي استهدفت مَن دافع عن العدالة والحقيقة. وفي بعض الحالات، يتعرض من يتعاون مع الأمم المتّحدة للتخويف وأعمال انتقاميّة تمارسها حكومته ضدّه بسبب تعاونه هذا.

وفي عدد متزايد من البلدان، يتم تآكل الحيّز المدنيّ – حيث يمكن الوصول إلى المعلومات، وإطلاق حوار حر ومفتوح، وحيث يمكن الناس أن ينضمّوا إلى آخرين ويشاركوا مشاركة كاملة في الحياة السياسيّة والاجتماعيّة - أو تفكيكه أو حتى إغلاقه بالكامل.

ومع انتقال النقاش والأنشطة إلى شبكة الإنترنت، انتقلت القيود معها. وتسمح قوانين الأمن السيبراني الجديدة باعتماد ممارسات تطفّليّة اقتحاميّة تنتهك الخصوصيّة وتتعارض مع القانون الدوليّ لحقوق الإنسان. ويتعرض المدافعون عن حقوق الإنسان بشكل متزايد لمراقبة مكثّفة تمارسها السلطات، بحجة مكافحة الإرهاب أو حماية الأمن القوميّ.

ويساورنا قلق عميق حيال تعرّض المدافعين عن حقوق الإنسان للاعتقال بسبب اتهامهم بالإرهاب أو التحريض على الفتنة أو غيرها من التهم البالغة الخطورة - وذلك لمجرّد نشرهم مشاركة على مواقع التواصل الاجتماعيّ أو نشرهم موادًا على شبكة الإنترنت تسلّط الضوء على قضايا حقوق الإنسان.

إنّ عدم الموافقة على سياسات الحكومة ليس بعمل إرهابيّ... والانتقاد ليس بخيانة.

إنّ الدفاع عن حقوق الإنسان ليس بعمل متطرّف.

والانتقاد ليس بخيانة.

والمواد التي تحثّ على العمل والتحرّك ليست بمواد غير قانونيّة.

تغيب عن العديد العديد من الحكومات أوجه الاختلافات هذه.

فغالبًا ما تواجه المرأة التي تدافع عن حقوق الإنسان أشكالًا محدّدة من الوحشيّة، بما في ذلك الاغتصاب والاعتداء الجنسيّ - سواء أكانت تعمل على قضايا المساواة بين الجنسَيْن أو على أيّ قضيّة أخرى.

والأمر سيّان بالنسبة إلى أعضاء مجتمع المثليّات والمثليّين ومزدوجي الميل الجنسيّ ومغايري الهويّة الجنسانيّة وحاملي صفات الجنسَيْن.

ومن بين المدافعين الآخرين عن حقوق الإنسان الذين يواجهون مستويات عالية جدًا من المخاطر المروّعة، المدافعون الذين يعملون في مجال الحقوق البيئيّة والحقوق في الأراضي، ويعرض تقرير منظّمة الشاهد العالميّ "غلوبل ويتنس" الأخير بعض المخاطر والتحديات المحدّدة التي يواجهونها.

كما تتعرض أراضي الشعوب الأصلية وأقاليمهم لتهديدات متزايدة. وقد ضحّى العديد من المدافعين عن حقوق الإنسان، بمن فيهم نساء، بحياتهم من أجل مقاومة التنمية غير المشروعة أو مطالبة السلطات بالحصول على موافقتهم الحرة والمسبقة والمستنيرة، قبل إطلاق أي مشروع إنمائيّ على الأراضيّ والأقاليم والموارد التي يستخدمها عادةً الشعوب الأصليّون.

ويتعرض استقلال الصحافة وحريتها لهجوم منهجيّ في العديد من الأماكن. وتُغلَق وسائل الإعلام بشكل تعسفيّ. كما يتمّ اعتقال الصحفيّين الذين يصرون على حقّهم في خدمة الرأيّ العام من خلال تقديم معلومات صحيحة وعادلة – على الرغم من أنّها قد لا تعكس آراء السلطات - لتهم زائفة أو حتى يتعرّضون لهجمات تنفّذها جهات من القطاع العام. وفي حالات أخرى، تفشل الدولة في حمايتهم من هجمات تنفّذها جهات من القطاع الخاص.

ويتمّ أيضًا استهداف المدافعين عن حقوق المهاجرين بشكل متزايد وتعريضهم لسوء المعاملة. فالحماية وتمويل الشؤون القانونيّة في تراجع مستمرّ، كما يقوم عدد من الدول، وفي أبشع الحالات، بتجريم المدافعين عن حقوق الإنسان الذين يسعون إلى إنقاذ الأرواح أو الدفاع عن حقوق المهاجرين.

هل نظنّ فعلًا أن سحب الغارق من البحر يشكّل جريمة جنائيّة أو إداريّة؟

هل نريد أن نعيش في مجتمعات يتعرض فيها العمل على مساعدة الناس الذين يعيشون البؤس والضيق، للهجوم والتجريم؟

أصدقائيّ وزملائيّ الأعزّاء،

عندما تُسكِت الحكومة الأصوات المستقلة التي تدافع عمّا هو صحيح، تقوض قوة البلاد وأمنها.

فالدول تصبح أكثر قوّة، وأكثر قدرة على الصمود في وجه الأزمات، عندما تتمكّن من أن تعتمد على دعم شعبها، ومساهماته الكاملة - كل شعبها.

وحريّة الصحافة، وحريّة التعبير، والحق في التجمع السلميّ وغيرها من الحقوق المدنيّة والسياسيّة والاقتصاديّة والاجتماعيّة والثقافيّة الأساسيّة هي ما يبني دولًا جبّارة.

والعمل دفاعًا عن حقوق الإنسان هو ما يعبّر فعلًا عن الوطنيّة الحقيقيّة، والحبّ الحقيقيّ لبلدنا ولأسرتنا البشريّة.

وتساهم رؤية المدافعين عن حقوق الإنسان وعملهم مساهمة قيّمة في حماية وتعزيز حقوق الإنسان والتنمية والسلم والأمن.

لقد عزّز المدافعون عمل الأمم المتّحدة في جميع مناطق العالم، وفي مواجهة تحديات لا تُحصى ولا تُعَدّ. كما يقومون برصد امتثال الدول لقانون حقوق الإنسان وتقييمه، مسلّطين الضوء على تبعات عدم الوفاء بهذه الالتزامات. وهم أيضًا من الأصول الرئيسة في تعزيز العمل الوقائيّ الذي تضطّلع به الأمم المتّحدة - فالتقارير التي يرفعونها تدعم الإنذارات المبكرة بوقوع أزمات وشيكة، كما تساعدنا على فهم الأسباب الجذريّة للصراعات وتساهم في العمل على حلّها ومنع اندلاعها.

إنّ الحقوق التي نتشاركها هي ما يربطنا مع بعضنا البعض على كوكبنا هذا الذي نتشاركه أيضًا. وهي تدعم المجتمعات المتناغمة والمستدامة. وعندما يتمّ تقويضها، نصبح جميعنا عرضة لمخاطر أكبر.

إن عمل المدافعين عن حقوق الإنسان هو عمل قيّم للغاية يجدر حمايته.

لا وقت لدينا لنضيعه.

لا يمكن المبالغة في ضرورة ضمان أوسع جيّز مدنيّ ممكن في كلّ بلد.

فحيّز المشاركة الكاملة والحرّة والعامة يمكّننا من إحراز التقدم على جميع الجبهات، بما في ذلك على مستوى التنمية المستدامة، والمجتمعات السلميّة والعادلة. كما يضمن مستقبلًا آمنًا لعالمنا المترابط.

لن نحرز أيّ تقدم نحو تحقيق أهداف التنمية المستدامة الجديدة ما لم نسمع أصوات أولئك الذين لم يواكبوا التقدم.

لن نتقدم نحو مجتمعات محترمة تحلّ النزاعات سلميًّا إن تم تقويض حريّة التعبير عن الآراء المعارِضة عبر العنف الوحشي.

لا بدّ من أن تصبح حماية الحيّز المدني وتمكين المدافعين عن حقوق الإنسان أولويّة كل جهة عالميّة وإقليميّة ووطنيّة قائمة على المبادئ.

نحن بحاجة إلى قيادة باسلة تدعم حركات المجتمع المدنيّ والمدافعين عن حقوق الإنسان في جميع أنحاء العالم.

علينا أن ندعم ونشيد بوسائل الإعلام التي تسلّط الضوء على عمل المدافعين عن حقوق الإنسان، بالإضافة إلى الشركات التي تعبّر عن قيادة قويّة على مستوى إعمال حقوق الإنسان.

علينا أن نتحدّى الآخرين كي يحذوا حذوها وكي يتحملوا مسؤولياتهم.

ممّا لا شكّ فيه أنّ الحكومات هي من يتحمّل المسؤوليّة الأساسيّة عن دعم الحقوق.

ولذا علينا أن نبذل كلّ ما في وسعنا كي نلزم كل حكومة على الوفاء بالوعود التي قطعتها في هذه المدينة بالذات قبل 70 عامًا، وأكّدت عليها مرة جديدة قبل 20 عامًا عند اعتماد الإعلان المتعلّق بالمدافعين عن حقوق الإنسان.

يعلّمنا المدافعون عن حقوق الإنسان أنه يمكننا جميعًا - بغض النظر عن مكان وجودنا أو ظروف حياتنا – أن ندافع عن حقوقنا وحقوق الآخرين.

يمكننا أن نتصدى للتنمّر في شوارعنا، والقمع في أحيائنا، وفي بلادنا - وفي جميع أنحاء العالم.

وتمامًا كما يعلنه هاشتاغ مؤتمر القمة هذا، يمكننا جميعًا أن ندافع عن حقوق الإنسان.

نتمنّى لكم قمّة ملهمة ونؤكّد لكم على دعم مفوضيّتنا لعملكم.

وشكرًا.


الصفحة متوفرة باللغة: