Skip to main content

البيانات المفوضية السامية لحقوق الإنسان

حدث البنك الدوليّ والأمم المتّحدة المشترك بشأن حقوق الإنسان والتنمية احتفالاً بالذكرى الـ70 للإعلان العالميّ لحقوق الإنسان

حقوق الإنسان في ضيافة البنك الدوليّ

18 نيسان/أبريل 2018

بيان مفوّض الأمم المتّحدة الساميّ لحقوق الإنسان زيد رعد الحسين

واشنطن، في 18 نيسان/ أبريل 2018

حضرة الدكتور كيم،
أيّها الزملاء الكرام،
سيّداتي وسادتي،

يسرّنا أن نحتفل معكم اليوم بالذكرى الـ70 للإعلان العالميّ لحقوق الإنسان بمشاركة البنك الدوليّ، الذي تبقى أعماله أساسيّة لوفاء الدول بالتزاماتها بموجب هذا الإعلان. ونشكر صديقتنا العزيزة سيندي أوكرو لمقدّمتها الطيّبة. كما نرغب أيضًا في أن نعبِّر عن امتناننا لكلّ واحد منكم يشارك في العمل في مجال حقوق الإنسان.

لأنّ العديد منكم في الواقع يشارك في العمل في مجال حقوق الإنسان – بحسب ما أوضحه جليًّا التقرير المعنوَن "السبل إلى السلام" الذي أعدّه البنك الدوليّ والأمم المتّحدة. فهو نصّ متجذّر في حقوق الإنسان، ويبرهن فعلاً وبكلّ دقّة أنّ تعزيز التزامات حقوق الإنسان فعّال من حيث التكلفة وضرورة ملحّة. كما يدعونا إلى أن "نبذل كلّ جهد لمساعدة البلدان على تجنّب اندلاع الأزمات التي تحصد الكثير من الأرواح، وتقوّض المؤسّسات والقدرة على تحقيق السلام والتنمية." كما يطلب منا أن "نلتزم من جديد ميثاق الأمم المتّحدة، من خلال ولاية خطّة العام 2030 – حماية حقوق الإنسان واحترامها، وضمان أن نقدّم مساعدتنا إلى من هو بأكثر حاجة إليها."

ويبيّن لنا أنّه يجدر بـ"الوقاية أن تخيّم على كلّ ما نقوم به. وأن تتخلل كلّ ركن من أركان عمل الأمم المتّحدة، وأن توحّدنا لنؤمّنها بطريقة أفضل."

ندعم هذه الأهداف كلّ الدعم، ونحن متأكّدون من أنّكم تدعمونها بدوركم أيضًا. فأهداف حقوق الإنسان ليست ملك مكتبنا فحسب. والفكرة القديمة المبتذلة التي تعتبر مناصرة حقوق الإنسان عمليّة قانونيّة وتنطوي على الوعظ وتتجاهل القيود التي يفرضها العالم الواقعيّ، هي فكرة يرفضها مكتبنا رفضًا قاطعًا؛ وهي غير دقيقة شأنها شأن المفهوم القائل بأنّ الاقتصاد هو "علم كئيب" لأنّ تطبيق قواعد العرض والطلب يترافق لا محالة بالبؤس واليأس – ونتأمل أن توافقونا الرأي.

نحن العاملين في حقل حقوق الإنسان واقعيّين، وملتزمين مساعدة الدول على تحقيق التزاماتها المتعلّقة بحقوق الإنسان ميدانيًا وفي الحياة الواقعيّة. وينطوي العمل الإنمائيّ الفاعل – من قبل البنك الدوليّ أو أيّ مؤسّسة أخرى – على الرقاء إلى العديد من المثال العليا المتجذّرة في الإعلان العالميّ: وهي الوقاية من النزاعات، وتقليص حجم الفقر، وتعزيز الحقوق الاقتصاديّة والاجتماعيّة.

وتنطوي خطّة التنمية المستدامة على حقوق الإنسان في موازاة الاقتصاد. وتنصّ بكلّ وضوح على رؤية مدمجة للتنمية والحقوق. وفي الواقع، نرغب في أن نشدّد على أنّ عنصر حقوق الإنسان هو ما يضفي على أهداف التنمية طابع الاستدامة؛ ونعتبر أنّه العنصر الأساسيّ الذي يميّز خطّة العام 2030 عن الأهداف الإنمائيّة للألفيّة.

لأنّ الدفاع عن حقوق الإنسان يولِّد اقتصادات ذكيّة.

فعمليّات التنمية المحليّة التي تعزّز العدالة وحكم القانون – وهي إجراءات تكافح التمييز مهما تنوّعت أشكاله وتدعم تكافؤ الفرص واحترام الكرامة؛ والحكم الشفّاف الذي يخدم مصالح الشعب بكلّ أطيافه – هي أكثر نجاحًا وأكثر فعاليّة وتولّد حلقة حميدة تحسّن الازدهار على الأمد القصير والمتوسّط والطويل.

بيّنت جليًّا أبحاث أجراها البنك الدوليّ وغيره من الجهات كلفة النزاعات الباهظة والخانقة. وندرك حقًا أنَ الأغلبيّة الساحقة لنزاعات اليوم تنبثق من مظالم طال أمدها متجذّرة في الإقصاء – بمعنى أنّ مجموعات محدّدة من الأشخاص تمّ استبعادها عن أيّ مشاركة في الحياة السياسيّة؛ والاستفادة من منافع التنمية الاقتصاديّة والاجتماعيّة؛ ومن حقّهم الشرعيّ في الوصول إلى الخدمات الأساسيّة والفرص. ونتنيّن من العديد من الأزمات المتفشّية من حولنا – وأقتبس من تقرير السبل إلى السلام – أنّ "التنمية الاقتصاديّة لا تضمن وحدها السلام".

بالطبع، لن تؤدّي جميع انتهاكات حقوق الإنسان إلى انتشار العنف مباشرة. ولكن مراجعًا موثوقة متعدّدة بيّنت، مرارًا أنّ الكلفة الاقتصاديّة والاجتماعيّة والإنسانيّة التي تتسبّب بها الانتهاكات هائلة، حتّى حيثما يتمّ تفادي العنف. وتنطوي مثلاً على أثر التمييز الذي قد يلغي المرأة والأقليّات العرقيّة وغيرها، من القوى العاملة الماهرة: ويمكن إقصاء ذوي الإعاقة أن يكلّف وحده الاقتصاد حتّى 7 في المائة من إجماليّ الناتج المحليّ. كما بيّن العديد من الدراسات الأثر المضرّ لعدم المساواة بين المجموعات السكّانيّة، على استدامة النموّ.

ها قد حان الوقت لتقترن حقوق الإنسان بالاقتصاد. وعلينا أن نعالج عدم المساواة والإقصاء. علينا أن نقدّم كلّ مساعدة مطلوبة كي تصبح المؤسّسات والبرامج الوطنيّة أكثر إدماجًا، وكي تعكس السياسات أصوات كافة أعضاء المجتمع وأهدافهم. علينا أن نضع حاجات المجتمع المدنيّ في قلب عملنا، وأن نتذكّر أنّ التنمية، شأنها شأن الحكم، هي لخدمة الشعب – وليس العكس.

وعلينا أن نحقّق ذلك، ليس لأنّه من أهداف حقوق الإنسان – على الرغم من أنّه كذلك. وليس لأنّ إجراءات مماثلة تدعم الإعلان العالميّ – على الرغم من أنّها تفعل. ولكن لأنّ ذلك يولّد اقتصادًا جيّدًا؛ وتنمية سليمة؛ وازدهارًا مستدامًا أكبر. ولأنّه تشكّل منطقًا تجاريًّا سليمًا.

مكافحة انتهاكات حقوق الإنسان – وبالتاليّ الوقاية من النزاعات – تحفظ الحيّاة وتوفّر الأموال. هي السبيل المختصر –لا بل السبيل المستدام الوحيد – إلى تحقيق أفضل النتائج في عالمنا المتخبّط بالصراعات.

أيّها الزملاء الكرام،

منذ عشرين عامًا، لم يكن لدينا أيّ وعي حول ارتباط التنمية بحقوق الإنسان، في مقابل القليل من التفاعل بين مجتمعاتنا المهنيّة. أمّا اليوم، فقد بدأنا نتعاون حول قضايا تتراوح بين سياسة الحماية الاجتماعيّة، والحكم، والوقاية من النزاعات، والإنعاش وإعادة الإدماج، والحيطة الواجبة، والحقوق العمّاليّة، والإحصاءات والاقتصاد، والسياسات التجاريّة والاستثماريّة.

هذا لا يعني أنّنا جميعنا متشابهون، أو أنّه ما من توتّر بين الاختصاصات والمجتمعات المهنيّة. فعلى كلّ مؤسّسة أن تحترم ولايتها، وتحلّل فرصها، وميزتها المقارنة. ولكن، كلّما تواصلنا أكثر وعملنا بتناغم أكبر، أصبح عملنا أكثر فعاليّة. نرغب في أن نعيش علاقة أوثق بين الأطراف المعنيّين بحقوق الإنسان والأطراف المعنيّين بالتنمية، في ظلّ تفكيك الحواجز التي تعيق التعاون في ما بيننا فنعمل معًا من أجل الوقاية.

غالبًا ما يشعر الأطراف المعنيّون بالتنمية بأن قضايا حسّاسة مع الحكومة تقيّدهم – ويبدو أنها من قضايا حقوق الإنسان. وقد اعتاد مجتمع حقوق الإنسان على المناصرة. ويمكننا معًا، متّحدون تحت راية هدفنا المشترك، أن نجعل المناصرة أكثر فعاليّة.

كما يمكن قدرة مكتبنا الكبرى على الرصد، وغيرنا من الأطراف المعنيّين بحقوق الإنسان، أن تساهم في تقييم مجتمعُ التنمية المخاطرَ، بهدف تحديد مؤشّرات الإقصاء والعنف وفهمها. ويمكن هذه المعلومات أن تساعد الأطراف المعنيّين بالتنمية على إعادة توجيه التمويل إلى مناطق شعوبها مستبعدة؛ ومساعدتها على الاستثمار في تعليم المجموعات التي تعاني التمييز وفي كفاءاتها – وتشجيع مجتمع التنمية على إنشاء آليّات محايدة تكشف المظالم قبل أن تتفاقم وتنفجر عنفًا لا يمكن السيطرة عليه.

في خلال النزاعات المفتوحة، وحيثما تُبَيِّن إشارات أن الصراع على وشك الانحسار، تبرز حاجة طارئة إلى إعادة إطلاق العمليّات الإنمائيّة، لمنع تجدّد النزاع. ونعتبر أنّ مساهماتنا أساسيّة لضمان أن تدعم المؤسّساتُ الإنمائيّة المؤسّساتِ والإجراءاتِ التي تبني الثقة؛ وتنسج نسيجًا اجتماعيًّا أقوى وأكثر دمجًا؛ وتعزّز العدالة.

نود الآن أن نستمع إلى آراء الآخرين، لذا نترككم مع هذه الفكرة: صمد الإعلان العالميّ لحقوق الإنسان أمام العديد من العواصف خلال العقود السبعة الماضية. وقد نهلت الدول منه واستلهمت التزاماتها، كي تعتمد العديد من القوانين التي تعني حقوق الإنسان، بما في ذلك معاهدات جوهريّة أساسيّة لتحقيق السلام والتنمية. لكنّ حقوق الإنسان ليست من صنع رجال القانون فحسب.

إن كنّا من رجال القانون أو المال أو الاقتصاد أو الإدارة أو السياسة الاجتماعيّة، تبقى الحقوق من مسؤوليّاتنا. وتشكّل خطّة العام 2030 نموذجًا لتحقيق حقوق الإنسان – ومجالًا يسمح لتعاوننا المعزّز أن يفضي إلى نتائج كاسحة.

وشكرًا.

الصفحة متوفرة باللغة: