البيانات المفوضية السامية لحقوق الإنسان
حقوق الإنسان في المحيط الهادىء: التصدي لتحديات جديدة مع الإعلان العالمي لحقوق الإنسان
التمييز في دول جزر المحيط الهادىء
12 شباط/فبراير 2018
محاضرة لمفوض الأمم المتحدة السامي لحقوق الإنسان زيد رعد الحسين
10 شباط/فبراير 2018
حضرة نائب رئيس الجامعة المحترم،
حضرة أعضاء الكلية الكرام،
أيها الطلاب الأعزاء،
أحييكم جميعاً، الحاضرون ها هنا من فيجي وجزيرة كوك وجزيرة كريباتي وجزر مارشال وجزيرة ناورو وجزيرة نييوي وجزر ساموا وجزر سليمان وجزر توكيلاو وجزر تونغا وجزيرة فانواتو، من خلال 12 حرماً يتبع لهذه الجامعة الواسعة والمثيرة للإعجاب.
اسمحوا لي أولاً أن أشكركم على توجيه الدعوة إلي اليوم. فنحن نبدأ الاحتفال بإحياء الذكرى السبعين للإعلان العالمي لحقوق الإنسان ويسرنا بالفعل أن نبدأ هذا الاحتفال من هنا، مع شعوب الدول الواقعة جنوب المحيط الهادىء. يصادف أيضاً أنها الذكرى الخمسين لإنشاء هذه الجامعة، ويسرني أن أحظى بهذه الفرصة لأتناقش معكم، بصفتكم ممثلين لجيلكم، حول كيفية رؤيتي لأفضل السبل التي يمكنكم اعتمادها لمقاربة بعض التحديات التي تواجهها دولكم ومجتمعاتكم.
تزداد السوداوية في العالم في نواحٍ عدة. لكن لا يجب أن يحصل ذلك. ففي ظل الجهود الراسخة التي تبذلها الأمم في المحيط الهادىء، وُضعت خطة عالمية، ألا وهي اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ، بهدف كبح تغير المناخ والحد منه. ومع خطة التنمية المستدامة، لدينا خريطة واضحة للقضاء على الجوع الحاد والفقر المدقع في العالم. وثمة أمل فعلي لبلوغ مجتمعات أكثر شمولية وأكثر ازدهاراً بشكل مستدام.
مع ذلك، نحن نشهد أيضاً زيادة في القومية التي تفتقر إلى البصيرة، مع اعتقاد الدول بطريقة ما أن النزاعات في ما بينها لن تهم. ويغض قادة العالم النظر أكثر فأكثر عن الحلول المتعددة الأطراف، بعيداً عن ملاحقة المصالح المشتركة التي نتقاسمها جميعاً كأفراد في الإنسانية. إن مستوى مياه البحار يعلو، وإن العالم يزداد اضطراباً. سيكون هناك تحديات صعبة على جيلكم مواجهتها.
يشكل تغير المناخ واقعاً لا مفر منه. لقد أثار أحداث الطقس الأشد خطورة التي ضربت العديد من جزر المحيط الهادىء في السنوات الماضية، ما تسبَّب بخسارات في الأرواح وبالأضرار في سبل العيش على نطاق لم يسبق له مثيل. ولا يزال تأثير إعصار وينستون كبيراً جداً هنا في فيجي، وكذلك في تونغا ونييوي. في حياتكم، ستواجهون خطر فقدان الأراضي والمنازل الصالحة للسكن وارتفاع نسبة الملوحة في مصادر المياه العذبة وغير ذلك من المخاطر المتعلقة بالمناخ التي قد تؤدي إلى تهجير جماعي. ويهدِّد ارتفاع مستويات مياه البحار الوجود الفعلي لبعض الجزر والأمم حيث أن ثمة ثقافات صامدة بشكل استثنائي عرضة للخطر.
لم تتورط دول جزر المحيط الهادىء إلى حدٍّ ما في التسبب بتغير المناخ. ولم تساهم بشكل ملحوظ في عمليات التحول الصناعي التي أدَّت إليه، فهي لا تزيد نسبة انبعاثات غازات الدفيئة بأكثر من 0.03 بالمئة عالمياً. يعتمد مستقبلكم، إذاً، على التدابير التي تتخذها الدول الأخرى، أي الدول التي لديها ولاية أو نفوذ في ما يتعلق بالملوثات الرئيسية للوقود الأحفوري. وبموجب القانون الدولي لحقوق الإنسان، إن جميع الدول ملزمة بالتعاون مع بعضها البعض وباتخاذ التدابير لضمان حماية حقوق الجميع. وتعتبر هذه الالتزامات التي تقضي بالتعاون والمساعدة على المستوى الدولي مهمة بشكل خاص في سياق تغير المناخ. لذلك، إذا لم يتضح الأمر لكم، فدعوني أؤكد على ذلك في ما يلي: سيشكل القانون الدولي لحقوق الإنسان عاملاً أساسياً لحل التحديات القائمة في هذه المنطقة، بما أن دول جزر المحيط الهادىء أقرَّت بوضوح، تأييدها للتوق الكبير إلى حقوق الإنسان وإدماجها في مفاوضات اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ.
في الواقع، تبرز جزر المحيط الهادىء كمنطقة حيث تبدو مقاربة السلطات الإجمالية للقوانين والمبادىء المعنية بحقوق الإنسان إيجابية بشكل ملحوظ. وبالرغم من احتمالية بعض التحديات العالقة في مجال حقوق الإنسان، إلا أنني أودُّ الإعلان عن بعض التقدم الحاصل أخيراً. فقد صادقت عدة دول الآن على المعاهدات الدولية الرئيسية المتعلقة بحقوق الإنسان، خصوصاً اتفاقية حقوق الطفل واتفاقية حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة. وقامت فيجي أخيراً بإلغاء عقوبة الإعدام، التي تشكل شكلاً من أشكال المعاملة اللاإنسانية. وفي العديد من الدول حصلت بعض الإصلاحات القانونية المهمة، بما في ذلك تعزيز احترام حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة ووقف التعذيب وسوء المعاملة للأشخاص المحتجزين. وفي فيجي وناورو وساموا وفانواتو، إن العمل جارٍ على تدريب القضاة في مجال القانون المعني بحقوق الإنسان وعلى تدريب قوات الشرطة على احترام حقوق الإنسان. وإنني لمسرور جداً برؤية الانفتاح الكبير، في أنحاء المنطقة، تجاه الأصوات الآتية من المجتمع المدني، والتي تعتبر ضرورية، حتى حيثما تكون حاسمة، لكل مجتمع سليم. وهنا أظن أن ثمة أمل كبير. ومن الضروري أن يشعر كل فرد في المجتمع، بما في ذلك الشباب، بأنه مشارك وبأن لديه حصة وصوت في المصلحة العامة.
وستكون التنمية المستدامة بصدق، مع أفضل سبل الحكم الممكنة، ضرورية أيضاً. وإن كل فرد من أفراد المجتمع يحتاج إلى أن يكون متعلماً ومشاركاً وقادراً على المساهمة. "فعدم إهمال أحد" يشكل جوهر خطة التنمية المستدامة، وما يعنيه ذلك هو دعم حق كل إنسان. فالاقتصادات والمجتمعات التي تعتبر شاملة ومشاركة، والحكومة التي يمكن مساءلتها، يمكن أن تتصدى بشكل أفضل للأزمات. وسواء كان الأمر على أساس الجنس أو العرق أو الميل الجنسي أو الرأي السياسي أو المعتقد الديني أو غير ذلك من الصفات المحددة المفترضة، فإن التمييز والانتهاكات لحقوق الإنسان هما السبب في الظلم العميق الذي يضر بالأفراد والمجتمعات. واسمحوا لي، إذاً، بأن أقول لكم إنني قلق بشأن التمييز والعنف الذي تتعرض لهما العديد من النساء في أنحاء هذه المنطقة. ففي دول عدة، تفتقر المرأة إلى حقوق الملكية ويتم كبح حقها في الأراضي العرفية. وتقل على الأرجح احتمالات قدرتها على الحصول على الوظائف الملائمة والقيام بخياراتها الخاصة بشأن حياتها بالمقارنة مع الرجل.
ويعتبر حصول المرأة على الرعاية الصحية محدوداً. وتقل على الأرجح احتمالات دخول الفتيات إلى المدارس. ولا تزال محنة النساء اللواتي يتم الاتجار بهن في المنطقة لأغراض العمل أو الاستغلال الجنسي مثيرة جداً للقلق. وينخفض تمثيل المرأة في البرلمانات وفي مواقع صنع القرار في الحكومات والأعمال التجارية للغاية. ويرتفع معدل العنف المنزلي بشكل صادم. وتعرَّض أكثر من ثلثي النساء في بابوا غينيا الجديدة وفيجي وكريباتي للعنف المنزلي والجرائم الجنسية، وفق بعض الدراسات؛ بمعدل أربع نساء من أصل عشر في ساموا وامرأة واحدة من أصل أربع نساء في بالاو. وهذا ما يبدو عليه الحال بالرغم من أن العديد من الأشخاص ينظرون إلى مسألة رجل يضرب زوجته أو طفله كأمر مقبول أو حتى روتيني. وبالرغم من بعض التغييرات في القانون، إلا أن المرأة لا تزال تواجه سياسات تمييزية حادة وعوائق اجتماعية وثقافية في أنحاء جزر المحيط الهادىء. ولا بدَّ لذلك أن يتغير.
أنا أتحدر أيضاً من منطقة حيث التمييز يترسخ بعمق في أنحاء المجتمع. أدرك وزن التقليد وسطوة الصراحة والحقيقة. وسواء في المحيط الهادىء أو أي منطقة أخرى، إن المرأة والرجل متساويان بالوعي والأهلية والحقوق ويشمل ذلك الحق في التعبير عن نفسيهما وفي التطور مثلما يرغبان. ولا يجب أن تعني معالجة حدود حرية المرأة تدمير ثقافة ما. فالثقافة ليست حجراً متصلباً لتشوبها المرارة والقسوة، بل إن الثقافات تصبح أقوى عندما تكون متجددة وعندما تعترف بالظلم وتوجد له حلاً. كذلك، أشارت بعض الدراسات العالمية مراراً وتكراراً إلى أن المناطق التي تشهد معدلات مرتفعة من حوادث العنف المنزلي تعاني أيضاً معدلات مرتفعة جداً من العنف ضد الأطفال. وأشعر بالقلق من عدم توافر بيانات دقيقة عن المنطقة بشكل موسع، لكن يبدو أن معدلات العنف ضد الأطفال، فضلاً عن العقوبة البدنية، قد تكون مرتفعة جداً أيضاً. وتشكل كرامة وقيمة جميع الأطفال نقطة الانطلاق في اتفاقية حقوق الطفل، وهذا المبدأ الأساسي يتردد صداه في كل ثقافة وتقليد. وهو يشدِّد على ضرورة حماية الأطفال في كل الظروف من العنف والتمييز. كما أن لدى الأطفال حقوقاً أيضاً تستحق الاحترام.
وفي ما يتعلق بحقوق المثليات والمثليين ومزدوجي الميل الجنسي ومغايري الهوية الجنسانية وحاملي صفات الجنسين، تسرني الإشارة إلى أن سبع دول من جزر المحيط الهادىء قد ألغت صفة الجريمة في السنوات الأخيرة عن العلاقات القائمة بين الأشخاص من الجنس نفسه. وفي دول عدة، تمَّ إدراج قوانين لمناهضة التمييز ضد المثليات والمثليين ومزدوجي الميل الجنسي ومغايري الهوية الجنسانية وحاملي صفات الجنسين في العمل والتعليم. لكن جزر كوك وكريباتي وبابوا غينيا الجديدة وساموا وجزر سليمان وتونغا وتوفالو لا تزال تجرِّم العلاقات بالتراضي بين البالغين من الجنس نفسه، وهو انتهاك لحق من حقوق الإنسان الأساسية. ويحصل العنف والانتهاك بحق المثليات والمثليين ومزدوجي الميل الجنسي ومغايري الهوية الجنسانية وحاملي صفات الجنسين على نحو منتظم في معظم دول جزر المحيط الهادىء.
على وجه الخصوص، وهذا الواقع على ما يبدو غائب عن النقاشات الوطنية بشأن حقوق الإنسان على نطاق واسع، تعاني المثليات ومزدوجو الميل الجنسي ومغايرو الهوية الجنسانية وصمة العار وأشكالاً متعددة من العنف والتمييز. وبالنسبة إلى المحتجزين منهم، فإن حالتهم حادة تحديداً. وأنتهز هذه الفرصة لتشجيع الجهات الفاعلة من المجتمع المدني لتعزيز عملها على القضايا المتعلقة بالمثليات والمثليين ومزدوجي الميل الجنسي ومغايري الهوية الجنسانية وحاملي صفات الجنسين وغيرها من المواضيع المفترض أن تكون "حساسة"، مثل حقوق السجناء. كما أشجع الهياكل الوطنية القوية على دعم العمل في مجال حقوق الإنسان عبر هذه المنطقة. وثمة دولتان اليوم فقط، هما فيجي وساموا، قد أنشأتا مؤسسات وطنية لحقوق الإنسان. ونالت ساموا وضع “A” كدولة مستقلة وملتزمة التزاماً كاملاً بمبادىء باريس. وإنني أشجع كل سائر دول جزر المحيط الهادىء على التحرك بسرعة لإنشاء مؤسسات وطنية لحقوق الإنسان فاعلة ومستقلة على نحو كامل. لماذا؟ لأن قيم حقوق الإنسان ستبني مستقبلاً أفضل.
ويشكل الإعلان العالمي لحقوق الإنسان عملية تقطير للعبر المأخوذة من الأجيال السابقة. وهو يعتمد على تجربة كل نوع من أنواع الكوارث التي يمكن أن تواجهها البشرية – الاستغلال الاستعماري والتدمير بالقنابل الذرية ورعب الإبادة الجماعية والنزاع العالمي. وهو إعلان للحقيقة الأساسية المتعلقة بالمساواة بين البشر، ويعتمد على رؤى من ثقافات عدة عما يعنيه أن تكون إنساناً، وإن التوجيه الذي ينطوي عليه عملي وواقعي بشكل كامل. فهو يعدِّد السبل لبناء مجتمعات فيها المزيد من العدالة والمزيد من المشاركة؛ والمزيد من المساواة في الحقوق الاقتصادية والاجتماعية. المزيد من الكرامة للأفراد والأقل من التمييز. وتُكسِب المواد الثلاثون من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان سياسات أفضل وتعززها، سواء على الساحة الدولية أو الوطنية. وهي تتضمن تدابير واقعية وعملية، ما يجعل سياسات التنمية أكثر فعالية. وتبني العدالة وتكافح التطرف واليأس. وتعتبر حقوق الإنسان مهمة في أي وقت، بالطبع، لأن الناس سيظلون دائماً مهمين ودعم حقوقهم والحفاظ على رفاههم هو ما توجد الحكومة من أجله. لكن هذه القوانين والمبادىء ضرورية جداً في زمن الأزمات، عندما يكون المستقبل مثيراً للقلق ويبدو أن الخيارات تضيق. وهنا يمكن للقيم الجوهرية والعبر من التاريخ أن توجهنا آنذاك إلى المسار الصحيح، بغض النظر عن مدى اهتياج المياه ومهما كانت السماء حالكة. هذا هو جوهر ما نحن عليه كبشر.
لقد تمَّ تذكيري أخيراً بقصيدة جميلة وحكيمة كتبها دكتور كوماي هيلو تامان، يقول فيها:
هذه الجزرُ، السماءْ
البحرُ المحيطْ
الأشجارْ، العصافيرْ
كلُّها حرة
المطرُ الضبابيْ
النهر المرتفع منسوبهْ
البركُ المثقوبةُ في الجليدِ للصيدْ
وتلك الوردةُ المخفية
لديهم تفكيرهم الخاصْ
هم مزاجٌ مختلفٌ
من العقول التي لا تستطيع أن
تتناسب مع عالم صغير أناني.
هناك الكثير مما هو ثمين في التقاليد والثقافات في جزر المحيط الهادىء، بل عقول بإمكانها أن توسع هذا العالم الأناني وتعلمنا نهجاً أفضل. وفي هذه الجامعة، مع الأثر الكبير والمساهمات المميزة للعديد من طرائق التفكير، يجري بناء احترام التنوع. أنتم تعلمون قيمة حقوق الإنسان. قيمة المساواة وعدم التمييز. أنتم وجيلكم لديكم الكثير لتساهموا به في البحث عن حلول. وسيقوم مكتبي بما في وسعه من أجل مساعدتكم للدفاع عن العدالة، سواء محلياً أو دولياً. وسنسعى إلى المساعدة في إبطاء تغير المناخ ومنع أسوأ تأثيراته. وبغية القضاء على الفقر والانتهاكات وتعزيز المساواة والحريات الأساسية وتيسير الوصول إلى الفرص والسلع الضرورية، يمكننا المساعدة في دعم ورصد التنفيذ الهادف وفي العمل مع المسؤولين الحكوميين والمجتمع المدني، بما في ذلك جماعات الشباب.
آمل في أن تتصدوا للتحديات التي تواجهكم بالتشجيع على العدالة وبالمعرفة للمساواة. آمل في أن تفعِّلوا قانون حقوق الإنسان ليكون مصدر إلهام لعدد من الإصلاحات. آمل في أن تحترموا وتكرموا بعضكم البعض وفي أن تعملوا من أجل المصلحة العامة للجميع لأن كل إنسان قيِّم. وفي هذا العام الذي يشكل العام السبعين للإعلان العالمي، وفي هذا العالم الذي يزداد فيه الغموض، آمل بشدة في أن تدافعوا عن حقوقكم وحقوق الآخرين، أينما كنتم تعيشون وأياً كان الحال الذي ستصبحون عليه. واصنعوا الفارق في مستقبلكم.
شكراً لكم. أرحب بالأسئلة التي تودون طرحها.