البيانات الإجراءات الخاصة
بيان اختتام مهمة المقرر الخاص للأمم المتحدة المعني بحقوق الإنسان للنازحين داخلياً، السيدة سيسيليا جيمينيز داماري، عقب اختتام زيارتها الرسمية إلى ليبيا في الفترة من 25 إلى 31 يناير 2018
02 شباط/فبراير 2018
2 شباط/فبراير 2018
تمهيد
تشرفت، بصفتي، المقرر الخاص للأمم المتحدة المعني بحقوق الإنسان للنازحين داخلياً، بزيارة دولة ليبيا في الفترة 25 – 31 كانون الثاني/يناير 2018 بدعوة من الحكومة الليبية الموقرة. وكانت هذه الزيارة الأولى من نوعها لمقرر خاص للأمم المتحدة للبلاد. والهدف من زيارتي هذه التشاور بشكل موسع مع ممثلي الحكومة على الصعيدين الوطني والمحلي بالإضافة إلى منظمات الأمم المتحدة المتخصصة ومؤسسات المجتمع المدني وغيرهم من الأطراف الدولية والوطنية الهامة المعنية بقضايا النازحين داخلياً في ليبيا وتحديد المخاوف التي تواجه النازحين داخلياً في ليبيا بالإضافة الى التعرف على الجوانب الإنسانية أو ما يتعلق بحقوق الإنسان وتلك المتعلقة بالحماية. ومن أبرز معالم زيارتي هذه حديثي مع النازحين وغيرهم من العائدين لديارهم للاستماع إليهم والاطلاع على أوضاعهم ومعرفة الظروف التي يمرون بها واحتياجاتهم وتطلعاتهم عن كثب. وأثناء الأيام السبعة التي استغرقتها زيارتي، توجهت إلى طرابلس والمناطق المحيطة بها بالإضافة إلى مصراتة، حيث التقيت بعدد من النازحين داخلياً وقد سردوا لي الكثير عن أوضاعهم والصعوبات التي تواجههم وآمالهم في إيجاد حلول لمشاكلهم. وللأسف حالت الاعتبارات الأمنية دون تفقدي لأولئك النازحين القاطنين في مناطق أبعد في الجنوب الليبي ممن قاسوا من معاناة النزوح، فحسب التقارير فإن ظروف النازحين في الجنوب الليبي تثير القلق بشكل خاص. فضلاً على إلغاء زيارتي المزمعة إلى مدينة بنغازي في آخر يوم لمهمتي في ليبيا في اللحظات الأخيرة من جانب السلطات في بنغازي، على ما يبدو لأسباب لوجستية. ويؤسفني أنها لم تتم.
النتائج المعروضة في هذه الوثيقة لا تبين سوى ملاحظاتي الأولية ولا تعكس جميع القضايا التي طرحت علي، وكذلك لا تبين جميع المبادرات التي اتخذت من جانب الحكومة أو الشركاء من المؤسسات الإنسانية والتنموية. وخلال الأسابيع المقبلة، سوف اراجع المعلومات التي تسلمتها بغية إعداد تقرير شامل عن زيارتي للبلاد. وسيعرض هذا التقرير على الحكومة الليبية ومجلس الأمم المتحدة لحقوق الإنسان ضمن أعمال جلسته الثامنة والثلاثين المزمع انعقادها في حزيران/يونيو 2018.
وأود أن انتهز هذه الفرصة للتقدم بالشكر الجزيل للحكومة الليبية على دعوتها لي لزيارة البلاد وعلى ترتيب اجتماعات رفيعة المستوى وبما في ذلك لقائي الوجيز بمعالي رئيس المجلس الرئاسي السيد فايز السراج وترحيبه بي. وكذلك أود أن أشكر الحكومة الليبية على احترامها لاستقلالية التفويض الممنوح لي، بموجب الاختصاصات التي وضعتها الأمم المتحدة للمقررين الخاصين والخبراء. ولا بد من الإشادة برغبة الحكومة في التعاون مع عملي الأمر الذي يعد مؤشرا على الإرادة السياسية الرامية لمعالجة مسألة التهجير في ليبيا. بدايةً، أود أن أعطي نبذة عن تفويض الأمم المتحدة لي للعمل على حقوق الإنسان للأفراد النازحين داخلياً. استندت بعملي هذا إلى معايير حقوق الإنسان للأشخاص الذين اضطروا للفرار من ديارهم وغير انهم لم يتجاوزوا حدود بلادهم. تنص المبادئ التوجيهية بشأن النزوح داخلياً على وجه الخصوص (1998) على أن النزوح الداخلي قد يعزى إلى عدد كبير من العوامل بما فيها النزاعات وانتهاكات حقوق الإنسان والعنف بالإضافة للهرب لظروف قاهرة أو الخوف من الأسباب المذكورة آنفاً. وقد يتجمع النازحون داخلياً في مخيمات أو مراكز أو البقاء في المنازل أو الهرب أو الاختباء من مسببات الاضطهاد والعنف.
وتقع مسؤولية حماية النازحين داخلياً وحمايتهم بالدرجة الأولى على عاتق الحكومات. وقد أبدت الحكومة الليبية بعض الإرادة السياسية والإتزام لمعالجة أوضاع النازحين داخلياً والتي تبينت من خلال إنشائها لوازرة شؤون النازحين والمهجرين، وكذلك اللجنة العليا لعودة النازحين والمهجرين، وهي خطوات جديرة بالإشادة. ولكن تعد مشكلة النزوح في ليبيا واحدة من أشد حالات النزوح تعقيداَ حيث معضلة حماية المتضررين نظرا لإمكانيات الحكومة المحدودة لتلبية احتياجات النازحين داخلياً ومن جهة أخرى عدم استطاعة منظمات الأمم المتحدة وغيرها من المنظمات الإنسانية دخول هذه المناطق بسبب الظروف الأمنية بالإضافة إلى أن آليات التنسيق القائمة محدودة فضلا عن انعدام الدعم الدولي اللازم للتعامل مع القضايا الإنسانية الملحة في ليبيا. وقد تعتبر ليبيا من الدول متوسطة الدخل من الشريحة العليا نظراً لمواردها النفطية الغزيرة إلا أن النزاع السياسي كان له أثره على اقتصاد البلاد الذي لا يزال يعاني من الركود للعام الخامس على التوالي منذ 2017. ولا يزال الانقسام السياسي قائماً ولا تزال الظروف الأمنية سيئة ولا يزال الحصار على البنى التحتية لقطاع النفط مستمراً الأمر الذي أثر سلباً على تمويل الاقتصاد الذي أصبح اليوم على وشك الانهيار. وتبعات هذا الأمر أصبحت واضحة وسببت الضرر لجميع الليبيين حيث شاهدت طوابير طويلة على أبواب كل المصارف ومحطات الوقود.
وعليه، فالواقع يبين بأن العديد من النازحين داخلياً لم تتوفر لهم الحماية الكافية واحتياجاتهم المتعلقة بحقوق الإنسان لم تجد استجابة وفقاً للقانون الدولي والمعايير الدولية بما فيها المبادئ التوجيهية بشأن النزوح داخلياً. وهنا يجب التشديد على أن في وسط الأزمة الاقتصادية، برزت إشكاليات عديدة متعلقة بشكل خاص بالنزوح لا تواجهها شريحة كبيرة من الشعب ويجب معالجتها. فالحلول التي أوجدتها الحكومة كانت معنية بهم وعليها مضاعفة جهودها وتخصيص المزيد من الموارد وإعداد المزيد من الخطط وإيلاء المزيد من الاهتمام لتلبية احتياجات النازحين. وللنهوض بمستوى استجابة الحكومة تجاه أزمة النزوح فالخطوة الأساسية هي وضع خارطة طريق شاملة للنزوح الداخلي تطبق على المستوى الوطني بمشاركة البلديات المعنية والنازحين أنفسهم، والتأكد من وضع التمويل اللازم ولتوجيه الإدارة الفاعلة والأطر العامة للتدخل. ولعل التوقيع على اتفاقية الاتحاد الإفريقي لحماية النازحين داخلياً في إفريقيا ومساعدتهم (اتفاقية كمبالا) والمصادقة عليها تعد من الأدوات الإسترشادية التي قد تكون مفيدة للحكومة الليبية لتنظيم الإجراءات التي تتخذها على الصعيدين الوطني والمناطقي. ومن الآليات المفيدة لتوجيه الدول بهذا الخصوص وثيقة الإطار العام الذي وضعته اللجنة الدائمة المشتركة بين الوكالات لإيجاد حلول دائمة للنازحين.
أوضاع النزوح في ليبيا
شهدت ليبيا موجات عديدة من الصراع المسلح وحركات النزوح منذ ثورة فبراير 2011 حين اندلع القتال بين القوات الموالية لنظام العقيد معمر القذافي وبين الساعين للإطاحة بحكومته. ومنذ ذلك الحين لا تزال ليبيا تعاني من الاضطراب السياسي والاشتباكات بين المجموعات المسلحة المتنازعة تصاعدت حدته في عام 2014 مما أدى لنشوب نزاعات مسلحة في بنغازي وطرابلس ومصراتة ومدن أخرى، الأمر الذي أدى إلى تدمير الممتلكات وسقوط العديد من الضحايا في صفوف المدنيين وتسبب في موجات هائلة من النزوح. ووجد أربعمئة ألف (400,000) شخص (أي ما يعادل 6 – 7% من عدد سكان ليبيا) أنفسهم نازحين في بلادهم جراء تجدد أعمال العنف في عموم البلاد، منذ سنة 2014 تباعاً ولا يزال الكثير منهم يعانون من تبعات هذا النزوح. أضف إلى ذلك، اضطرت معظم السفارات الأجنبية ومنظمات الأمم المتحدة ومنظمة الصليب الأحمر وغيرها من المنظمات الدولية لسحب موظفيها وإيقاف أعمالها في سنة 2014 نظراً لتدهور الأوضاع الأمنية. وبالنسبة للأمم المتحدة، لا تزال حالة الإجلاء قائمة لم ترفع.
ولا يزال النزوح مستمراً في ليبيا ويعزى ذلك لأسباب عدة منها التوتر الذي أفضى إلى حروب في المدن وغياب أبسط الخدمات والنزاعات جراء الصراع على السكن أو الأراضي أو الاضطهاد السياسي والعمل العسكري ضد إرهاب محتمل أو الاشتباكات لأسباب حزبية أو قبلية أو عرقية. ويتمخض عن النزوح بشكل شبه دائم تقريباً ظروفاً قاسية يعاني منها الأهالي المتضررين الأمر الذي يؤدي إلى ارتكاب المزيد من انتهاكات حقوق الإنسان والتمييز كنتيجة مباشرة للنزوح. وفي الواقع، عانى النازحون في ليبيا من انتهاكات عديدة لحقوق الإنسان أدت الى النزوح وإلى انتهاكات فيما بعد النزوح.
وأثناء زيارتي، قدر عدد المواطنين الذين لا يزالوا نازحين داخل ليبيا مئة وثلاث وتسعين ألفاً (193,000) بينما قدر عدد المواطنين النازحين العائدين إلى ديارهم منذ مطلع سنة 2016 ما يقارب الثلاثمئة وسبعة عشر ألفاً (317,000). علماً بأن هذه الأرقام لم تثبت دقتها بشكل شامل.
ملاحظات عامة
لا يمكن للحكومة أن تقلل من شأن الأوضاع المزرية للعديد من النازحين داخلياً في المناطق الغربية والشرقية والجنوبية من ليبيا. وأعمال العنف التي أجبرت هؤلاء على الفرار، معظمهم من النساء والأطفال، تسببت لهم بصدمات نفسية وكلفتهم منازلهم ومصادر رزقهم وكبدتهم خسائر في الأرواح بين أفراد أسرهم. ويعاني عدد من الليبيين، بدرجة تدعو للهلع، من أزمات نفسية مرتبطة بالصراع تتطلب تدخلاً عاجلاً لتقديم العلاج النفسي.
بالرغم من أن عدد كبير من النازحين عادوا إلى ديارهم، إلا انه لا تزال هناك مخاوف ينبغي معالجتها بشأن الظروف التي سيعودون إليها من أمن وأمان والحصول على الخدمات والتمييز الذي يمارس ضدهم ومستوى المعيشة المتدني. ولا يمكن للعودة إلى الديار أن تتم إلا طواعية، بعد معرفة بالمستجدات وبعد توفر الظروف الأمنية المواتية على نحو يصون لهم كرامتهم ويرفدهم بجميع التسهيلات المناسبة.
ويزيد انعدام الاستقرار وسوء الخدمات جراء الدمار الذي خلفه النزاع المسلح في العديد من المناطق الليبية من احتمالات نزوح المزيد من الأهالي بأعداد كبيرة في مناطق ليبية عديدة. فالأوضاع السياسية والأمنية في ليبيا لا تزال متأزمة وتشكل حجر عثرة أمام حصول المواطنين على أبسط الخدمات بما فيها السيولة النقدية والوقود والطاقة الكهربائية ولا تزال تحول دون حماية البشر لإنقاذ الأرواح وتقديم المساعدة الإنسانية.
إننا بحاجة للمزيد من البيانات الدقيقة عن أعداد النازحين في عموم البلاد ومواقعهم واحتياجاتهم. والحقيقة الواضحة في كل ما ذكر أن مئات الآلاف بمن فيهم الأفراد المنتمين لجميع الجماعات العرقية والقبلية يعيشون في أوضاع متردية وغالباً ما يكونوا عرضة لتهديدات مستمرة باللجوء للعنف والاضطهاد والمزيد من التهجير، بل بات العديد منهم مشتبه بهم ويعيشون في أماكن غير صالحة للسكنى ويفتقرون للرعاية الصحية والطعام والشراب. ويشكو الكثير منهم من الفاقة المادية إن وجدت وندرة فرص العمل أو مزاولة أي نشاط مدر للدخل. والأسوأ من ذلك كله، دور الجماعات المسلحة السلبي في الأوضاع التي يقاسيها النازحون في مناطق تحت سيطرة هذه الجماعات. وقد وردتني تقارير مفادها أن الجماعات المسلحة عمدت إلى تدمير المنازل وإجبار الأهالي على مغادرة منازلهم أو منعهم من العودة.
ومن الصعوبات التي تتعلق بالنزوح والتهجير التي لمستها في ليبيا عدم الاعتراف بوجود جماعات عديدة من النازحين، وخصوصاً أولئك الذين انتقلوا من مدينة إلى أخرى. ومن المهم جداً أن تعترف الحكومة بجميع النازحين لكي تتمكن من تحديد احتياجاتهم الخاصة ومعالجتها. فمعظم النازحين يعيشون في منازل مؤجرة أو في بيوت تعود لأسرهم. ومعظم ما يسمى بالمخيمات، لا تتلق من المساعدات الإنسانية إن وجدت سوى النزر اليسير وعليه فيجب إدراك حجم معاناتهم ومعالجتها والاستجابة لاحتياجاتهم ومشاكلهم في المجتمعات التي استضافتهم ودعمتهم. وذلك يتطلب المزيد من البيانات والموارد والخبرات المفقودة في الوقت الحالي والتي يجب أن توضع موضع التنفيذ على جناح السرعة. ولا يمكن أن يترك النازحون الذين يعيشون خارج المخيمات دون معين، بل يجب تحديد حالاتهم وتوثيقها ورفدهم بالمعلومات والمساعدة اللازمة على أكمل وجه. وأناشد الحكومة وشركائها من المؤسسات الإنسانية إعداد استراتيجية تعنى بالنازحين خارج المخيمات والاستجابة لاحتياجاتهم. على أن تستند هذه الاستراتيجية إلى الاحتياجات التي يوضحها النازحون بأنفسهم، ضمانة لإشراكهم في الإعداد لها.
أما بالنسبة لمخيمات النازحين التي تمكنت من زيارتها، فهناك ثمة استجابة للاحتياجات الأساسية ومن الأمور الباعثة للتفاؤل، بين لي أولياء الأمور بأن أولادهم يتوجهون للمدارس ويبدو أن معظم المرافق تقدم خدمات صحية أولية. ولكن بالنسبة لبعض النازحين، في العام السادس أو السابع منذ نزوحهم، لا يزالوا يعيشون في أماكن ضيقة وبسيطة جداً، والغرفة الواحدة يتقاسمها عدد كبير من أفراد الأسرة الواحدة مع حمامات ومطابخ مشتركة.
ويشكل وضع النساء والفتيات في مخيمات النازحين والمناطق المتضررة جراء النزاعات المسلحة واحداً من الأمور المقلقة. لم تردني أي ادعاءات بحدوث حالات اغتصاب أو عنف جنسي أو أي أعمال عنف ضد الإناث، ولكن أخشى أن هذا الأمر قد يكون بمثابة مشكلة غير ظاهرة فقد تتعرض النساء للاعتداءات إلى جانب شعورهن بالخوف والعار ناهيك عن غيرها من مشكلة إفلات الجناة من العقاب الأمر الذي يؤدي إلى الإحجام عن الإبلاغ عن هذه الحالات للسلطات المعنية.
أما عن أوضاع أعداد كبيرة من النازحين في الجنوب الليبي، حيث الدخول مقيداً كلياً لدواع أمنية، فهي غير معروفة ومهملة إلى حد كبير، وهو أمر مقلق جداً. فأنا قلقة للغاية بشأن ما يقاسيه العديد من النازحين والأسر المضيفة التي تتحمل فوق طاقتها من أوضاع مزرية وغياب الأمن وأبسط الخدمات. وأثناء زيارتي، بلغني مراراً أن الخدمات معدومة كلياً في الجنوب من مشافي ومدارس، الأمر الذي اضطر الأهالي لمغادرة ديارهم. ولربما ثمة حاجة لبذل جهود حثيثة لتقييم احتياجات النازحين في المناطق التي يمكن للأطراف العاملة في القطاع الإنساني والتنموي دخولها إلى حد ما إلا أن تقييم احتياجات غيرهم من النازحين في المناطق التي يتعذر دخولها لا يزال صعباً ويدعو للقلق. ومهم جداً أن تضمن الحكومة مضاعفة الجهود الرامية لتقديم المساعدة للمتضررين من الأهالي في هذه المناطق بأكبر قدر ممكن بمن فيهم من تتعرض حمايته للخطر جراء صراعات قبلية أو تنازع على الأراضي.
ومن الاستنتاجات الأولية التي توصلت إليها، تبين أنه من ناحية عملية، فأن الجهود المتظافرة والبروتوكولات المعمول بها التي تعنى بالنازحين داخلياً غير كافية. وفي الوقت الحالي، لا يوجد أي إطار قانوني أو سياسات معنية بحماية النازحين داخلياً في ليبيا، الأمر الذي يعيق الحكومة وغيرها من الشركاء لمعالجة مسألة النزوح الداخلي عبر آليات للحماية والمسؤولية تتسم بالتنسيق والوضوح ناهيك عن أطر عامة وإجراءات ورصد ميزانية مخصصة لذلك. وأنصح بشدة بإعداد خارطة للطريق تتماشى مع المبادئ التوجيهية بشأن النزوح الداخلي. وهذه التدابير كفيلة بوضع صورة واضحة عن مهام الوزارات وغيرها من المؤسسات المختصة كوزارة الدولة لشؤون النازحين والمهجرين ووزارة الشؤون الاجتماعية ولجان عديدة، الأمر الذي يمكن أن يفضي لإجراءات متسقة وقائمة على أسس قانونية. وهذا يمكن أن يعين البلديات التي استضافت النازحين وغيرها حيث يمكن ضمان العودة الطوعية بأمان وعلى نحو يصون كرامة النازحين.
ولا بد من إجراء تقييم شامل للاحتياجات واستطلاعات للآراء لكفالة رفد النازحين بالمساعدة اللازمة وإيجاد حلول دائمة لمشاكلهم. وبالنسبة للعديد من النازحين الذين رجعوا لديارهم خلال السنوات القليلة الماضية والعودة المرتقبة لما يزيد عن أربعين ألفاً (40,000) من أهالي تاورغاء خلال الأشهر المقبلة، وعليه فمن المهم جداً لجميع النازحين أن يكونوا على دراية بإجراءات عودتهم وحقوقهم في عودة طوعية وآمنة علاوة على إيجاد حلول مستدامة لمشاكلهم. ولا يسعني إلا أن أشدد على أن كفة عودة الأهالي لا تتساوى مع كفة إيجاد حل لمشكلة النزوح وعلى الحكومة أن تضمن سلامة النازحين ومساعدتهم أثناء عودتهم وإعادة إعمار منازلهم وإعادة حياتهم إلى ما كانت عليه. فوضع النازح لن يتغير إذا ما ظلت المشاكل المتعلقة بالنزوح على حالها وما لم توجد حلول دائمة.
ونظراً للمتغيرات والتطورات والتعقيد الذي يلف الأزمة في ليبيا، يمكن لخارطة الطريق أن تكفل وضع برنامج بغية البدء بتقديم المساعدة العاجلة في أقرب فرصة ممكنة للاستجابة لأي موجة جديدة من النازحين. وهذا يمكن الحكومة من إبلاغ المجتمع الدولي بشكل أفضل بشأن السبل اللازمة لرفد الحكومة بالدعم الملموس. ومن الخطوات المهمة أيضاً تحديد مواقع النازحين وبياناتهم على الخارطة الليبية، وخصوصاً في المدن الكبرى مثل طرابلس ومصراتة وبنغازي وذلك لإعلام جميع الأطراف المعنية بأوضاع الأهالي والمناطق التي تحتاج لجهود متضافرة لتقديم المساعدة.
النزوح خارج المخيمات
اضطر العديد من النازحين إلى النزوح الى المدن حيث تقل معاناتهم من أقرانهم. غير أن هذا ينبغي ألا يدفعنا لغض الطرف عن وضع مئات الآلاف من النازحين في جميع أنحاء البلاد الذين ما زالوا يحاولون إعادة بناء حياتهم، وأولئك الذين يكابدون يومياً بسبب نزوحهم. إن أثر هذا على حياتهم هائل فهم مستضعفون ويتعرضون لمشاق كبيرة لذا ينبغي على الحكومة وشركائها من المؤسسات الوطنية والدولية أن تدرك حجم معاناتهم وتعمل على معالجتها. ولا توجد أرقام مؤكدة عن العدد الكلي لليبيين النازحين إلى المدن كطرابلس وبنغازي على سبيل المثال، ويعزى ذلك أيضاً لخوف النازحين أنفسهم من تعريض أنفسهم لمخاطر الحماية في حال تسجيلهم كنازحين. ويساورني القلق من أن هذا الجانب من النزوح في ليبيا يجد اهتماماً أقل نسبياً على النطاقين الوطني والدولي.
يعيش النازحون في أغلب الأحوال في ظروف قاسية مثل المباني غير المكتملة البناء أو المهجورة. ويسكن بعضهم في مساكن مستأجرة أو مصانع فارغة حيث يضطرون إلى دفع إيجار، مما يؤدي إلى تعقيد وضعهم نظراً لإمكانياتهم المادية المتواضعة أو المستنفذة مما يجعلهم غير قادرين على دفع الإيجارات حيث يتعرضون للطرد والتشريد مجدداً. حدث هذا ايضا في مصراتة حيث طلب من النازحين من بنغازي الذين التقيتهم مغادرة المصنع الذي كانوا يسكنونه بعد إنذارهم بفترة وجيزة ودون مساعدة لإيجاد مأوى جديد لهم. ولا يواجه هؤلاء النازحون ظروف قاسية فحسب، بل يواجهون أيضا حالة من الغموض بشأن مستقبلهم نظراً لعدم يقينهم بشأن مستقبل سكناهم. وينبغي إيلاء الأولوية في هذه الحالات لكبار السن والأطفال والأشخاص ذوي الإعاقة والنساء الحوامل وغيرهم من الأشخاص الأكثر تضرراً.
النازحون الفارون من الشرق – التمييز والأمن
يصعب على معظم النازحين في ليبيا ممن لم يجدوا أمنا في ديارهم الاصلية اتخاذ قرار عدم العودة إلى منازلهم. وهذه الحالة منتشرة تحديداً في أوساط النازحين من المناطق الشرقية الذين غادروا مناطقهم على إثر تعرضهم للانتهاكات على أيدي السلطات والآن يلاقون انتهاكات أشد نظرا لكونهم نازحين. والتقيت بنازحين مهجرين من بنغازي إلى طرابلس ومصراتة ولم يكونوا قادرين على العودة لديارهم لدواعي أمنية. وقد حرموا من حرية التنقل في ظل الخوف من انتهاكات حقوق الإنسان بما في ذلك الاعتقالات التعسفية والتعذيب الجسدي والقتل بغير مسوغ قانوني والهجمات العشوائية والاختفاء والتهجير القسري. وهذا يدل على أن الحلول الدائمة لا تكمن في عودتهم إلى ديارهم. فالعديد من النازحين الذين التقيتهم تحدثوا عن عدم شعورهم بالأمان حتى في المدن التي يعيشون فيها حالياً وتعرضهم للتمييز بشكل يومي الأمر الذي يقف حجر عثرة أمام محاولاتهم لتأمين لقمة العيش لهم ولأسرهم. وفي حالات عديدة، دفعتهم مخاوفهم هذه للإحجام عن طلب العون من السلطات.
وعلى الرغم من ادراكي بأن الحكومة لا تنتهج سياسية تمييزية، إلا أن التمييز لا يزال يحدث في ليبيا وخصوصاً تجاه النازحين. وفي إحدى المخيمات قابلت فتاة في السابعة من عمرها قالت لي أنها لا تحب الذهاب إلى المدرسة قائلة “لأن المعلمات يكرهنني وينعتنني بابنة الإرهابيين وأنه ينبغي أن أعود الي من حيث أتيت."
ويؤسفني القول إن عدداً كبيراً من النازحين من المنطقة الشرقية أخبروني بأنهم شخصياً أو أفراداً من أسرهم تعرضوا للاعتقال التعسفي والتعذيب الجسدي أو شاهدوا حالات إعدام واختفاء لأفراد اسرهم. ويجب أن تفتح تحقيقات جدية بشأن هذه الانتهاكات. وعلى ما يبدو فإن الثقة ليست كبيرة بالأجهزة القضائية وقد قيل لي أكثر من مرة أن العديد من القضاة والمحامين يتعرضون لضغوط لمنعهم من أخذ قضايا تتناول انتهاكات حقوق الإنسان بحق النازحين بسبب الحساسية السياسية.
وكذلك أخبرني عدد كبير من النازحين بأنهم يفكرون جدياً بمغادرة ليبيا عبر البحر من خلال طرق الهجرة غير القانونية نتيجة لتخوفهم من تعرضهم لانتهاكات وافتقارهم للحماية وعدم توفر فرص لكسب لقمة العيش داخل ليبيا. وبعض من هؤلاء النازحين سلكوا فعلاً مسالك خطرة للهجرة غير القانونية في محاولات للحصول على الحماية خارج البلاد.
ويخشى العديد من النازحين أن أبنائهم معرضون لخطر التجنيد في صفوف الجماعات المسلحة. وفي الوقت الذي أعربت لي فيه السلطات الليبية عن مخاوفها المشروعة من الناحية الأمنية ومنها أن مقاتلي الدولة الإسلامية قد يحاولون ان يخترقوا تجمعات النازحين، إلا أنه وجب التذكير بأن الأغلبية العظمى من النازحين ضحايا أبرياء لأعمال العنف ويتعين احترامهم ومعاملتهم بإنسانية في إطار توفير الحماية للمدنيين. وأي إجراء لاعتقال أي شخص يجب أن يخضع لمعايير معينة وأن تكون مسوغاتها واضحة ومحددة في القانون وغير تمييزية.
ووردتني حالات عديدة من احتجاز واعتقالات في صفوف النازحين عقب نزوحهم، الأمر الذي يدعو للقلق بالنسبة للإجراءات المتخذة وظروف السجون والمعاملة فيها وفترات الاعتقالات بما في ذلك مزاعم التعرض للتعذيب وعدم السماح لهم بمقابلة محاميهم وذويهم. وتم استهداف العديد من نازحي بنغازي للاشتباه بتأييدهم للجماعات الإرهابية وأخبرني العديد من النازحين الذين التقيتهم بأن الذكور من أفراد أسرهم لا يزالوا قيد الاعتقال منذ 2014 وعدم توفر أي معلومات عن أماكن احتجازهم أو كيفية الاتصال بهم. ووفقاً للمعايير الدولية لا يمكن أن يخضع أي شخص للاعتقال التعسفي أو للحجز دون توجيه أي تهم إليه وبالنسبة للمعتقلين الذين لم تثبت إدانتهم فيجب إطلاق سراحهم دون تأخير.
الحصول على الخدمات
أشار النازحون الذين قابلتهم إلى صعوبات تواجههم في الحصول على وثائق رسمية. فكثير منهم تركوا، أثناء فرارهم من ديارهم، أوراقهم الرسمية وهم الآن يواجهون مشاكل تعترض سبيل حصولهم على الخدمات. فالوثائق الرسمية تعد أولى الخطوات الأساسية الكفيلة بتقديم المساعدة للنازحين داخلياً. ومن الأمور المقلقة مطالبة النازحين بالعودة إلى مناطق سكناهم الأصلية للانتهاء من الإجراءات الرسمية اللازمة لإعادة إصدار وثائق جديدة. ولا يمكن للنازحين القيام بذلك دون تعريض حياتهم للخطر. ونظراً للصعوبات الأمنية واللوجستية التي تواجه النازحين، على الحكومة الليبية والسلطات البلدية اتخاذ الخطوات اللازمة الكفيلة بإصدار الأوراق الرسمية وتقديم الخدمات المصرفية في مناطق نزوحهم عوضاً عن مناطق سكناهم الأصلية وبدون معوقات إدارية اضافية. وبدوري أناشد الحكومة إيلاء هذا الأمر الأهمية القصوى وكفالة إتاحة جميع الوثائق الرسمية للنازحين كشهادات المواليد والزواج والوفيات. وقد يستدعي ذلك إيجاد حلول مبتكرة كاستخدام الخدمات والمرافق المتنقلة لإصدار الوثائق الرسمية التي تصل للنازحين في أماكن نزوحهم.
إن اعتماد بيانات دقيقة وشاملة ومصنفة حسب فئات النازحين أمر مهم وجوهري وكذلك يتعين الإسراع بتحسينها. وفيما اتخذت خطوات جيدة في هذا الخصوص بالنسبة لجمع البيانات كما هو الحال بالنسبة لمصفوفة رصد النزوح واستطلاعات الرأي، إلا أنه ما تزال هناك حاجة ملحة لإضافة المزيد من التفاصيل وتحديد النازحين ومواقعهم واحتياجاتهم بما في ذلك الفئات الأشد تضرراً ذلك لرصد احتياجات الحماية للنساء والأطفال والشباب وكبار السن وذوي الإعاقة. وهنا أود الإشادة بالجهود المبذولة لجمع بيانات النازحين وتحليلها وتقييم احتياجاتهم لتحديد الإجراءات اللازمة بدعم من المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين وصندوق الأمم المتحدة للسكان والدائرة المشتركة المعنية بتوفير بيانات مفصلة عن النازحين داخليا. فهناك حاجة ماسة لإجراءات من هذا النوع في ليبيا. وفي الوقت نفسه إذا ما أريد لهذا الإجراء أن يكون ومفيدا وينطوي على مسؤولية فلا بد له من التشديد على مسألة النزوح وذلك بالنظر إلى أوضاع النازحين قياساً بالوضع العام للشعب الليبي ككل.
أشواط قطعت تجاه إيجاد حلول دائمة لأهالي تاورغاء
تبين طبيعة الصراع في 2011 أن سكان منطقة بكاملها في مدينة تاورغاء، أي ما يقارب الـ 43 ألف شخص أجبروا على الفرار من منازلهم وانتهى المطاف بمعظمهم في مخيمات في ضواحي طرابلس وبنغازي. وهذا هو العام السابع على التوالي منذ نزوحهم لأول مرة. والعديد من اهالي تاورغاء اللذين التقيتهم أبدوا حماسا للعودة لديارهم ولكن تساورهم مخاوف بشأن الأوضاع التي سيلاقونها عند عودتهم. وعقب الحوار السياسي الذي استمر منذ سنة 2015 وحتى 2017 بين أهالي تاورغاء وأهالي مصراته، تم التوصل لاتفاق ينطوي على عودة آهالي تاورغاء بتاريخ 1 فبراير 2018. وحسب جميع الأطراف الذين تحدثت إليهم، اتضح أن هناك ضرورة للمزيد من الاتصالات بشأن العودة ووضوح معالم المسؤولية والقيادة فيما يتعلق بإعادة الإعمار وإعادة الخدمات اللازمة لضمان العيش الكريم للنازحين. على أن تتم العودة على مراحل لحين تهيئة الظروف على نحو يشكل حلاً مستداما.
إن عودة أهالي تاورغاء إلى منطقة شهدت اقتتالا محتدما يعرضهم للمزيد من المهددات بما في ذلك مخلفات الحروب القابلة للانفجار. فقد تضررت معظم منازلهم دمرت بالكامل وكذلك تدمرت البنى التحتية ومصادر أرزاق الأهالي بالكامل بما في ذلك المدارس والمشافي وغيرها من المباني العامة التي كثيرا ما استخدمها طرفي النزاع أثناء ارتفاع وتيرة أعمال العنف. والتقيت بفتاة من تاورغاء في إحدى المخيمات، أعربت لي عن خوفها إزاء العودة خوفاً من الألغام التي قد تكون مخبئة في منازلهم حين عودتهم. فمهم جداً أن تكون عودة أهالي تاورغاء طوعية وعن دراية بالوضع الحاصل وأن لا يخضعوا لضغوطات لإجبارهم على العودة قبل الوقت الملائم لذلك. ومهم جداً وضع آليات لرصد عودتهم ودعمها قدر الإمكان. ويجب التحقق من أن العودة ستكون إلى حيث الأمان والظروف الطبيعية نسبياً وتقديم المساعدة اللازمة على هذا الأساس.
وأناشد الحكومة والمجتمع الدولي أن يحرصوا على إدراج الحلول المستدامة والإجراءات الانتقالية المؤدية لها في أسرع وقت ممكن كإعادة إرساء مصادر لكسب الرزق ومباشرة العمل على برامج يبتغى منها برامج إنعاش المنطقة. وسيتطلب ذلك استثمارات هائلة لإعادة بناء البنى التحتية والمنازل وادعو لإعداد استراتيجية للتنمية للحؤول دون حدوث المزيد من حالات النزوح أو النزوح المطول. ومهم جداً إشراك الشركاء في التنمية في المراحل المبكرة وذلك لإدماج المبادرات التنموية ضمن المرحلة المعنية بتقديم المساعدات الإنسانية في أقرب فرصة ممكنة. وهنا يجب أن تؤخذ آراء النازحين وآمالهم بعين الاعتبار وأن تحترم، بما في ذلك حقهم في اختيار حل دائم مناسب.
وبالنسبة لأهالي تاورغاء الذين سيستمرون في العيش في المخيمات قبل عودتهم إلى ديارهم، على الحكومة والسلطات المحلية والأطراف المعنية من المجتمع الدولي تشجيع مساعي النازحين ودعمها على نحو يضمن تنظيمهم بشكل أفضل لضمان مشاركتهم في إدارة المخيمات. ومن المهم جداً إعطاء مساحة للنساء والأطفال لكي يتمكنوا من التعبير عن احتياجاتهم وأن يتمكنوا من إيصال أصواتهم بشكل موحد ومسموع.
الاستجابة الوطنية للنزوح داخلياً
من العوامل الأساسية لإيجاد الحلول للنازحين وجود مؤسسات فاعلة على المستويين المحلي والبلدي. وقد اتخذت ليبيا أولى مبادرتها بتعيين وزير مسؤول عن النازحين، ممثلا في وزارة الدولة لشؤون النازحين والمهجرين واللجنة العليا لعودة النازحين وغيرها من اللجان في مناطق مختلفة من البلاد. ولكن ثمة حاجة لآليات تنسيقية أكبر لتحديد أهداف واضحة وتوضيح مهام المؤسسات الأساسية المعنية بالاستجابة للنزوح الداخلي وشراكاتهم مع الشركاء الوطنيين والدوليين. وينظر في هذه القضايا كأولوية. وقد بلغني أن الموارد المرصودة وتنسيق الوزارات بين نظرائها على المستويين الوطني والبلدي لا يزال ضعيفا. ولكن مع وجود الموارد والقدرات اللازمة وفوق كل ذلك الإرادة السياسية، فيمكن لوزير النازحين والمهجرين أن يعمل بكفاءة للاستجابة لأوضاع النازحين. فمعالجة مسألة النزوح الداخلي ضمن الأطر الوطنية للتنمية مهم للتوصل لحلول دائمة لحالات النزوح المطول.
وتقع المسؤولية الأكبر على عاتق الحكومة الليبية، ولا شك أنها بصدد مهمة صعبة لا يمكنها القيام بها بمفردها. ومن الواضح أن هناك حاجة لأن تكون هناك استجابة عاجلة ومنسقة من جانب الحكومة والمنظمات الإنسانية الوطنية والدولية المتعاونة فيما بينها. وعلى المجتمع الدولي أن يعجل بتعزيز الدعم للمنظمات الإنسانية التي تعمل دون كلل لرفع المعاناة عن مئات الآلاف من المتضررين جراء أزمة النزوح والتهجير. وكذلك، على الحكومة أن تفسح المجال أمام الأمم المتحدة وغيرها من الأطراف الفاعلة في قطاع الشؤون الإنسانية للعمل بحرية في المناطق الواقعة تحت سيطرة الحكومة، في حال كانت الظروف الأمنية سانحة، لكي تتمكن من الدخول إلى جميع المواقع وجميع تجمعات النازحين دون عوائق. وعلى الجماعات المسلحة بما فيها تلك الموالية للحكومة أن تسهل دخول هذه المنظمات بدلاً من عرقلتها. وبينما يحظى اهتمام الحكومة بسلامة العاملين في المنظمات الإنسانية بالتقدير، إلا أن الإجراءات البيروقراطية وغيرها من القيود التي تعرقل محاولات الدخول الكامل والسريع لمناطق النازحين وتجمعات المتضررين أبرز العوائق التي تعرقل عملهم وفعاليتهم ويجب أن ترفع.
قد تشكل المساعدات الإنسانية الأولوية القصوى لإنقاذ الأرواح في الوقت الحالي، ولكن على الحكومة الليبية بالتعاون مع شركائها من المنظمات الإنسانية الوطنية والدولية البدء باتخاذ الخطوات الكفيلة بإيجاد حلول دائمة وتحسين مستوى استراتيجيات التعافي. وعليها أيضاً أن تشدد على أولوياتها من مشاريع المصالحة بين المجتمعات والتماسك في نسيج المجتمع والتي تتناول احتمالات العودة للبعض أو الاندماج في المجتمعات للبعض الآخر من غير القادرين أو غير الراغبين بالعودة. وفي حال كانت العودة الطوعية والآمنة والكريمة قائمة، لا بد من الإقرار بضرورة إحقاق العدالة والمصالحة وإعادة بناء الثقة بين المجتمعات على المدى القريب والمتوسط والبعيد. ويتطلب ذلك نشر وحدات مدربة خاصة، الشرطة وغيرها من أجهزة الدولة لتلافي أي إشكاليات أو توتر قد يطفو على السطح.
المساعدة الدولية لمعالجة النزوح الداخلي
إنه لمن المؤسف أن الأوضاع المتأزمة والتي لا تزال قائمة في الوقت الراهن في العراق وافغانستان واليمن وسوريا تطلبت اهتماما وموارد أكبر من المجتمع الدولي وهو أمر مفهوم. ولكن، من المهم جداً ألا يتراجع اهتمام المجتمع الدولي بليبيا في هذه المرحلة الحرجة من النزوح المطول والحاجة إلى حلول دائمة لعودة النازحين وتقديم وتعزيز الدعم الإنساني والإنمائي.
وتجدر الإشادة بالعاملين في المنظمات الإنسانية التابعة للأمم المتحدة، وغيرها من المنظمات الدولية على أدائهم لعملهم. إلا أنهم يعملون فوق طاقتهم ولا يمكنهم ذلك إلا ضمن حدود مواردهم وإمكانية الدخول للمواقع وكلاهما غير كافيان في الوقت الحالي. وفي هذا السياق يلقي البعض باللائمة على هذه المنظمات إلا أن صعوبة الدخول لمواقع النازحين ونقص التمويل في جميع القطاعات بما في ذلك المأوى والطعام والشراب والصرف الصحي والحماية كل ذلك يعيق عملهم، وهو ما يعاب على كل من الحكومة الليبية والمجتمع الدولي. وبينما تفتقر الحكومة الليبية للإمكانات والموارد اللازمة للاستجابة بشكل كامل للاحتياجات الإنسانية للنازحين داخلياً واحتياجات التنمية وإعادة الإعمار، إلا أنه ومن المهم جداً ألا يدير المجتمع الدولي ظهره لهذه القضايا في ليبيا وأن يحافظ على مكانته كشريك ثابت يعول عليه لتقديم المساعدة الإنسانية والإنمائية. وهناك حاجة أخرى للمزيد من التحسين على الصعيد المحلي، حيث أن التنسيق بين الأطراف المتعددة والأمم المتحدة ليس بالمستوى المطلوب من حيث كيفية التنفيذ على أرض الواقع وإمكانية التنفيذ.
وقد شاركت في افتتاح خطة الاستجابة الإنسانية 2018 بتاريخ 25 كانون الثاني/يناير 2018 في طرابلس والتي تشكل تأكيداً على أن محنة الشعب الليبي لا تزال مثار اهتمام المجتمع الدولي. وآمل وأشجع الشركاء على ضمان مشاركة النازحين داخليا بشكل كامل ممن هم بحاجة لمساعدة فورية وعلى المدى البعيد في هذه المبادرات الواردة ضمن خطة الاستجابة وكذلك معالجة الإشكاليات المتعلقة بالنزوح والتهجير. وكذلك، أدعو الجهات المانحة للنظر بجدية أكبر للحاجة الكبيرة لتمويل إضافي للاحتياجات الإنسانية في ليبيا. فالصعوبات التي تواجه الحكومة هائلة وفي المقابل إمكاناتها وقدراتها على الاستجابة محدودة ومقيدة بعدة أمور من بينها الأزمة الاقتصادية.
وأود أيضاً أن أعرب عن خيبة أملي لعدم تمكني من زيارة المنطقة الشرقية في ليبيا كما أردت. فبالرغم من المناقشات المكثفة مع السلطات في بنغازي لمتابعة زيارتي المرجوة في آخر يوم من أيام مهمتي في ليبيا، ومع جميع التحضيرات التي أعدت مسبقاً لسفري إلى بنغازي، حيث كان من ضمن خططي الحديث مع البلديات والنازحين الذين يمرون بظروف صعبة، إلا أن الزيارة ألغيت في آخر لحظة بقرار من السلطات في بنغازي. وأنا آسفة لذلك. وقد وردتني من مصادر عدة تقارير عن الوضع المتأزم الذي يلاقيه النازحون في المنطقة الشرقية وهنا أطالب بإيلاء اهتمام أكبر لمحنتهم. ولو قدر لهذه الرحلة أن تتم لكانت فرصة جيدة للاطلاع بنفسي على الظروف التي ترغم الأشخاص على مغادرة المدينة.
وختاماً، أود أن انتهز هذه الفرصة مجدداً للتوجه بالشكر لحكومة الوفاق الوطني في ليبيا على دعوتها لي لزيارة البلاد وعلى حسن تعاونها مع ولايتي في هذه الأوقات الحرجة. وآمل أن يشكل ذلك بداية لتعاوننا البناء والمثمر مستقبلاً. وكذلك أتوجه بالشكر الجزيل لعدد من المجالس البلدية، فقد اتسمت نقاشاتي معهم بالصراحة والوضوح. والأهم من ذلك، أود الإعراب عن تقديري للنازحين أنفسهم الذين فتحوا بيوتهم لي وللوفد المرافق لي، وأشكر كل من زودني بالتحليلات والتوصيات المتعلقة بكيفية المضي قدماً، وكل من أعرب عن آماله وتطلعاته للمستقبل.
وكذلك، أقدم شكري وعرفاني لبعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا على دعمها المتواصل والسخي لتسهيل جميع جوانب زيارتي وكفالة نجاحها. وأود أيضاً أن أشكر غيرها من وكالات الأمم المتحدة والمؤسسات والأفراد الذين التقيت، وخصوصاً مكتب المفوضية السامية لشؤون اللاجئين والمنظمة الدولية للهجرة ومكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية وغيرها من الوكالات والمنظمات غير الحكومية التي زودتني بمعلومات قيمة والمؤسسات التي تعمل على تقديم الدعم والمساعدة للنازحين داخلياً.
وسأقدم تقريري الكامل وتوصياتي للحكومة إلى مجلس حقوق الإنسان في حزيران/يونيو 2018. وأنا على أهبة الاستعداد للشد على أيدي الحكومة والأمم المتحدة وغيرها من الأطراف الفاعلة في مجال الشؤون الإنسانية وحقوق الإنسان عن أي جهود تبذلها للتشجيع على الالتزام بحقوق الإنسان للنازحين والمهجرين في ليبيا وحمايتها.
وشكراً
Tags
الصفحة متوفرة باللغة: