البيانات الإجراءات الخاصة
المقرر الخاص المعني بحق الجميع في التمتع بأعلي مستوى ممكن من الصحة البدنية والعقلية د.دينيوس بوراس الزيارة القطرية للجزائر في الفترة ما بين 27 إبريل إلى 10 مايو 2016
11 أيّار/مايو 2016
الملاحظات الاستهلالية
الجزائر العاصمة، 10 مايو 2016
السيدات والسادة ممثلو وسائل الإعلام،
السيدات والسادة،
أود في البداية أن أتقدم بجزيل الشكر إلى الحكومة الجزائرية على دعوتها لي من أجل تقييم إرساء الحق في الصحة في البلاد وذلك إنطلاقاً من روح الحوار والتعاون. ولقد التقيت خلال زيارتي بعدد من المسؤولين الحكوميين رفيعي المستوى، وأعضاء الهيئة التشريعية والمؤسسات ذات الصلة بالصحة. كما التقيت أيضا باللجنة الوطنية لحقوق الإنسان، وممثلي المنظمات الدولية، ومجموعة من العناصر الفاعلة في المجتمع المدني، بما في ذلك الجمعيات المهنية بقطاع الرعاية الصحية.
وقد أتيحت لي فرصة زيارة المرافق الصحية على مختلف المستويات في الجزائر العاصمة وفي البليدة والجلفة وسطيف وتيبازة ووهران، بما في ذلك الوحدات الصحية الخاصة بالكشف والفحص والمتابعة في المدارس الإبتدائية والعيادات متعددة التخصصات والمستشفيات الجامعية، ووحدة الرعاية الصحية في أحد السجون ووحدات الصحة النفسية بالمستشفيات الحكومية ومراكز صحة الطفل العقلية. وهنا أود أن أغتنم الفرصة لتوجيه الشكر للمنسق المقيم للأمم المتحدة وفريق الأمم المتحدة القطري للدعم الكبير لزيارتي.
وستجدون في هذه القاعة وثيقة موجزة توضح المسؤوليات التي تقع على عاتقي وفقاً لمهمة الأمم المتحدة المناطة بي كمقرر خاص معني بحق الجميع في التمتع بأعلى مستوى ممكن من الصحة البدنية والعقلية ( الحق في الصحة ). إذ إنني أعمل كخبير مستقل يقدم الرأي والمشورة حول إعمال الحق في الصحة و أرفع تقاريري إلى كل من مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة والجمعية العامة للأمم المتحدة.
بعد أن أمضيت أسبوعين في البلاد ، جمعت معلومات وفيرة وشهادات سوف تساعدني على تقييم ما تم تحقيقه في مجال إعمال الحق في الصحة في الجزائر . واليوم سأكتفي بتقديم بعض الملاحظات الأولية ، التي سأستفيض فيها في التقرير الذي سيرفع إلى مجلس حقوق الإنسان في الأمم المتحدة بجنيف ، في يونيو 2017 .
الإطار العام والإنجازات
منذ أن نالت الجزائر استقلالها في عام 1962 وهي تقوم بالعديد من الإنجازات في تحسين الوضع الصحي في البلاد من خلال التزامها المستمر بسياسة الصحة العامة . وشهدت المؤشرات المتعلقة بالصحة تحسناً جذرياً منذ الاستقلال. وقد ارتفع متوسط العمر المرتقب لمعظم فئات الشعب إلى حد كبير، وانخفضت معدلات وفيات الأطفال والأمهات، وتم تنفيذ حملات تطعيم الناجحة . كما شرعت البلاد أيضا في الإصلاحات الاجتماعية المهمة ، بما في ذلك حصول الجميع مجاناً على الرعاية الصحية وخدمات التعليم .
وقد سمحت عائدات صادرات النفط والغاز للجزائر بضمان الاستقرار على مستوى الاقتصاد الكلي والنمو الاقتصادي والتنمية على مدى العقود القليلة الماضية. هذا بالإضافة إلى الالتزام الواضح من جانب السلطات العامة بهذا الموضوع، ممّا مهد الطريق لتحقيق بعض الإنجازات فيما يتعلق بإعمال الحق في الصحة.
ولقد تطور القطاع الصحي في الجزائر مع التركيز على حصول الجميع على الرعاية الصحية الأولية مجاناً، بما في ذلك غير المواطنين. وقد شهدت البلاد استثمارات كبيرة من أجل تطوير البنية التحتية للصحة وجعل الخدمات متوفرة ومتاحة ، وكذلك من أجل معالجة المحددات الأساسية للصحة ، بما في ذلك الفقر والتعليم والغذاء والتغذية والإسكان.
واستطاعت البلاد أن تحافظ على التزامها بتحسين صحة سكانها على الرغم من الأزمة المالية الحالية بسبب الانهيار الحاد لأسعار النفط العالمية منذ منتصف عام 2014. وهناك اليوم محاولات جادة من أجل مواجهة التحديات المتمثلة في التحول الديموغرافي والوبائي المستمر في البلاد - حيث أن 55 في المائة تقريباُ من السكان دون سن الثلاثين- بالإضافة إلى الأمراض غير السارية التي اصبحت أحد الشواغل الرئيسية .
تعد الجزائر حاليا عضواً في مجلس حقوق الإنسان في الأمم المتحدة (2014-2016) ، وقد وقعت وصادقت على غالبية المعاهدات الدولية الخاصة بحقوق الإنسان، باستثناء الاتفاقية المعنية بالاختفاء القسري ومعظم البروتوكولات الاختيارية بشأن البلاغات الفردية حول مختلف المعاهدات . وتلقت البلاد على مدى السنوات القليلة الماضية، زيارة من بعض الخبراء المستقلين لمجلس حقوق الإنسان إلا أنها لم توجه بعد دعوة مفتوحة ودائمة لهم. وعلى الصعيد الإقليمي ، كانت الجزائر عضواً ناشطا هاما في كافة المبادرات ذات الصلة بالصحة ولا سيما المتعلقة باستئصال الملاريا ومكافحة فيروس نقص المناعة البشرية / الإيدز .
ويقر إطار العمل المعياري والدستوري الجزائري بالحق في الصحة وغيره من الحقوق ذات الصلة، وكذلك الحق في عدم التعرض للعنف والتمييز. وهناك عدد من السياسات والبرامج والمبادرات العامة التي تنبع من هذا الإطار ، بما في ذلك الجهود الهامة المبذولة في السنوات الأخيرة لمكافحة السرطان. وأود أن أحيّي الجهود المبذولة لمكافحة التفاوت في الحصول على الرعاية الصحية، مثل برامج التوأمة، واستعمال التطبيب عن بعد ووحدات الصحة المتنقلة.
التحديات الأساسية والسكان المستضعفون
يمثل العقدان المقبلان منعطفا هاما للجزائر من أجل تحقيق هدفين هامين ومتداخلين ألا وهما: بلوغ أهداف التنمية المستدامة بحلول عام 2030 بما في ذلك الاستثمار في صحة الفرد والمجتمع وضمان الإعمال الفعال للحق في صحة سكانها .
على الصعيد الدولي ، تحفظت الجزائر على بعض المعاهدات، كما تأخرت في الإبلاغ ورفع التقارير إلى هيئات رصد المعاهدات، ما قد يؤثر بشدة على مساءلة الحكومة والجهود المبذولة حتى الآن في مجال الحق في الصحة.
ولم تحقق الجزائر الهدف الخامس من أهداف الألفية للتنمية والخاص بتخفيض معدلات وفيات الأمهات بحلول عام 2015. ولا تزال تعاني من ارتفاع معدل وفيات حديثي الولادة. وعلى الرغم من العمل الدؤوب الذي قامت به وكالات الأمم المتحدة بشأن هذه القضايا ، فإن توافر البيانات ذات الصلة بالصحة ونوعيتها، فضلا عن دراسات تحليلية جيدة ، ما يزال يمثل تحديا كبيرا بالنسبة إلى الجهود التي تبذل على مستوى السياسة الحكومية العامة في مجال الصحة وفي القطاعات ذات الصلة بالصحة. ولذلك فإنني أشجع السلطات على الاستثمار في عمليات تقييم البرامج والسياسات الصحية على الصعيد الوطني.
نظام الرعاية الصحية
لقد حقق نظام الرعاية الصحية الجزائري نتائج ملحوظة من حيث توافر الرعاية الصحية وإمكانات الوصول إليها، كما تم تعزيزه من حيث البنية التحتية والمعدات والقوى العاملة. كما يتمتع السكان بتوفير غطاء مالي لمعظم خدمات الصحة العامة والمرافق والمنشآت التي ساهمت في التحسن الجذري لمؤشرات الصحة.
وخلال فترة إقامتي في الجزائر لمدة أسبوعين ، قمت بزيارة عدد من الهياكل الصحية على مختلف المستويات. ووجدت أن حالة المرافق والمنشآت جيدة نسبياً وبدت الخدمات المقدمة مناسبة. ومع ذلك، فإني على دراية كاملة بالدراسات التي توضح أوجه القصور في البنية الأساسية والتجهيزات بالإضافة إلى توافر القوى العاملة الجيدة في القطاع الصحي، وبخاصة في المناطق النائية، بما في ذلك الدراسة التي أجرتها اللجنة الوطنية لحقوق الإنسان في 2008/2009.
ويركز النظام الصحي الحالي بصورة قوية على الرعاية الصحية الأولية والخدمات المتخصصة، والتي تعد أساسا جيدا للوصول إلى التغطية الكاملة. ولكن مازالت هناك تحديات كبيرة بشأن المساواة في الحصول على الخدمات وجودتها ، والتركيز المفرط على الطب المتخصص. ولقد لاحظت الاعتماد غير المتكافئ على الرعاية داخل المستشفيات بالمقارنة بالاهتمام بمريض العيادة الخارجية والنهوض بالصحة والوقاية بوجه عام. ويبدو أن هناك افتقاراً للإدارة الرشيدة والحوافز اللازمة للإدارة السليمة لمختلف مستويات الرعاية الصحية من أجل تشجيع الأفراد على استخدام خدمات الرعاية الأولية. ويتعين على الجزائر الاستثمار في تعزيز دور الطبيب العام، وتحسين قدراته وكفاءاته ، فضلا عن طاقم العمل بما في ذلك (الممرضات والأخصائيين الاجتماعيين والمعاونين ) ووضع حوافز مبتكرة لتعزيز وضعهم "كحماة" للنظام الصحي.
وعلاوة على ذلك، تسبب انخفاض جودة الرعاية المقدمة في القطاع العام بنمو القطاع الخاص بشكل متسارع وغير منظم مما أدى إلى خلق نظام يوفر نوعية أفضل من الرعاية بالنسبة للفئة القادرة على الدفع نقداً مما يؤدي إلى زيادة انعدام المساواة في الوصول إلى الرعاية الصحية .
ويمكن تعزيز إنجازات نظام الرعاية الصحية من خلال الاستثمار في المشاركة الفعالة لكافة أصحاب المصلحة ، بما في ذلك المستفيدين من الخدمات الصحية (المرضى) ، والمجتمع المدني المستقل، والسلطات المحلية. وتعتبر المشاورات التي نظمت في يونيو 2014 من أجل وضع قانون الصحة الجديد مؤشراً إيجابياً. وأعتقد أنه سيتم عما قريب اعتماد القانون الجديد و المراسيم المختلفة ذات الصلة، وسأطلب من السلطات معلومات أوفر حول مشروع القانون. غير أنه مازالت هناك حاجة ماسة لبذل المزيد من الجهد من أجل ضمان الرصد والمساءلة السليمة في قطاع الرعاية الصحية من خلال إقامة آليات مستقلة والتعاون معها.
وسأنتقل الآن للحديث عن وضع بعض المجموعات والقطاعات السكانية ذات الصلة بالإعمال التام للحق في الصحة في الجزائر.
العنف كموضوع متداخل في مسائل الحق في الصحة
يدرك المجتمع الجزائري تماماً الضرر الناجم عن العنف وذلك لأسباب تاريخية. إذ شهدت البلاد في التسعينات اضطرابات مدنية وعقداً من العنف الشديد سمي بالعشرية السوداء. وخلال هذه الفترة واجهت البلاد موجة من العنف من جانب الجماعات المسلحة، مما تسبب في صدمة عميقة في نفوس السكان، والتي لازالت تحتاج للمعالجة بشكل كاف على مختلف المستويات .
ولقد لاحظت خلال زيارتي أن هناك إرثا من التساهل تجاه بعض أشكال العنف في ظروف معينة وضد بعض الجماعات والفئات السكانية. إذ أنه يتم التغاضي بشكل كبير عن العنف ضد الأطفال والنساء من قبل المجتمع. ولا يزال العقاب البدني ضد الأطفال مشروعا داخل الأسرة ومؤسسات الرعاية البديلة والمؤسسات الجنائية. ولا تحصل النساء المعتدى عليهن ولا سيما من قبل أزواجهن على الحماية و الخدمات الملائمة، بل ويعانين من وصمة المجتمع لها.
وتنبغي الإشادة بالإجراءات التشريعية الأخيرة، على سبيل الذكر تلك الخاصة بحماية الطفل (القانون 15-12 من عام 2012) وحماية المرأة من العنف (التعديلات على القانون الجنائي 2016). ومن جانبي، فقد طالبت بجمع مزيد من المعلومات حول التعديلات التشريعية الأخيرة التي سأقوم بدراستها خلال الشهور المقبلة.
إلا أن هذه التغيرات المعيارية لا تمثل إلا الخطوة الأولى. ومع ذلك، يتطلب التنفيذ وضع مخصصات مالية ملائمة بما في ذلك الخدمات والبروتوكولات المناسبة، وكذا رفع مستوى الوعي العام وتوعية وتدريب المهنيين الرئيسيين (العاملين في مجال الرعاية الصحية والشرطة والمعلمين). وإنه من الضروري أن تقوم السلطات وأصحاب المصالح، بما في ذلك المنظمات التي تمثل المرأة والشباب ببذل الجهود المستمرة والمتضافرة في هذا الصدد. وأشجع السلطات على مواصلة العمل في الحملات عبر القطاعات المختلفة لإنهاء العنف في البلاد، بالمساعدة التقنية للهيئات المختصة لمنظمة الأمم المتحدة.
ويعد منع العنف أمراً بالغ الأهمية من أجل ضمان التمتع الكامل بالحق في الصحة وبلوغ أهداف التنمية المستدامة بفعالية. ويمكن تحقيق ذلك من خلال الاستثمار في الخدمات الحديثة الداعمة للطفل والمرأة والأسرة والشباب، وكذلك من خلال توعية الجمهور بأنه لا ينبغي التغاضي عن أي شكل من أشكال العنف حتى ولو كان بسيطاً وكذا حماية الضحايا وعدم إلقاء اللوم عليهم.
حق المرأة في التمتع بالصحة
تشهد المرأة في الجزائر تحسناً عاماً في مؤشرات الصحة منذ الاستقلال، بما في ذلك ارتفاع متوسط العمر المرتقب ومكافحة الأمراض السارية.
وينبغي الإشادة بالجهود التي بذلت خلال السنوات القليلة الماضية لمعالجة مرض السلطان والوقاية منه ، بما في ذلك سرطان الثدي وسرطان عنق الرحم.
وكان للتحول الديمغرافي الجاري أثر كبير في انخفاض معدلات الخصوبة. إذ يتسنى للمرأة الوصول إلى النظام التعليمي على كافة المستويات الحكومية والوطنية والمحلية، كما تشكل المرأة جزءا كبيرا من القوى العاملة في مجال الرعاية الصحية، بما في ذلك العاملات في المجال الطبي.
ومع ذلك، لا تزال هناك تحديات كبرى عندما يتعلق الأمر بالإعمال التام لحق المرأة في الصحة بما في ذلك الحواجز التي تمنع الحصول على الخدمات المتعلقة بالصحة والإعلام والتعليم القائم على الدلائل . ويعد قطاع الرعاية الصحية واحداً من القطاعات الحكومية القادرة على ضمان تقديم الدعم الكافي للمرأة وحمايتها وتمكينها من خلال تقديم خدمات جيدة يسهل الوصول إليها.
مازالت معدلات وفيات الأمهات وحديثي الولادة في الجزائر مرتفعة . إذ أخفقت البلاد في تحقيق الهدف الخامس من أهداف الألفية للتنمية من أجل الحد من وفيات الأمهات. ويمكن تفادي معظم هذه الوفيات التي تزداد أعدادها في المناطق الريفية النائية . وتقوم الحكومة بمساعدة وكالات الأمم المتحدة في الوقت الحالي، بنشاط كبير للحد من وفيات الأمهات وحديثي الولادة؛ ومع ذلك، لا بد من أن يرفق التزام الحكومة على أعلى مستوى بالإجراءات العملية لضمان المساواة الفعلية في جميع أنحاء البلاد.
وجدير بالذكر أنه يسمح بالإجهاض لأسباب طبية وعلاجية في الجزائر ولكن في ظروف استثنائية قليلة. ولكن تظل حالات الاغتصاب وزنا المحارم غير مدرجة في هذه الحالات الاستثنائية مما قد يدفع النساء للإجهاض غير الآمن في الخفاء. وبالإضافة إلى ذلك، فإن انتشار العنف ضد المرأة ، بما في ذلك العنف المنزلي، يمثل مشكلة خطيرة تتعلق بحقوق الإنسان وقضايا الصحة العامة التي تنبغي معالجتها دون أي تأخر. حتى يتسنى الخروج من دائرة العنف المفرغة ، يتعين أن تتوافر إرادة سياسية قوية من أجل ضمان حماية المرأة و تمكينها من خلال الإطار السياسي والمعياري. وفي هذا السياق، يجب تقوية بعض جوانب الإطار المعياري وتطبيقه. وكما سبق أن ذكرت، فإنني قد أطلعت خلال زيارتي على التعديلات الأخيرة الخاصة بالقانون الجنائي وآمل أن أدرسها في الأشهر المقبلة .
حق المراهقين والشباب في الصحة
وبالنظر إلى التحول الديمغرافي الجاري ، ومع انخفاض معدلات الخصوبة وزيادة متوسط العمر المرتقب، يشكل كل من المراهقين والشباب جزءاً لا يتجزأ من الشعب الجزائري ويمثل فرصة فريدة من نوعها لهذا البلد من أجل حصد العوائد الديموغرافية. وفي هذا السياق، تلعب هذه المجموعة دورا حاسما في تحقيق أهداف التنمية المستدامة ذات الصلة بالصحة.
ولقد أثارت لجنة الأمم المتحدة لحقوق الطفل في عام 2012 بعض القضايا الهامة المتعلقة بحق الأطفال والمراهقين في التمتع بالصحة. ولكن لم يحظ الكثير منها بالمعالجة الوافية بعد. فعلى سبيل المثال، لا تزال خدمات الصحة الجنسية والإنجابية للمراهقين غير كافية، بالإضافة إلى عدم توافر التربية الصحية الإنجابية داخل وخارج النظام التعليمي.
وفي هذا الصدد، أود أن أشدد على الحاجة إلى وضع وتنفيذ سياسة حكومية في ما بين القطاعات خاصة بحقوق الصحة الإنجابية والجنسية موجهة للمراهقين داخل وخارج النظام التعليمي. وينبغي أن تأخذ هذه السياسة بعين الاعتبار حقوق الصحة الجنسية والإنجابية، والممارسة الجنسية الصحية وتجنب الحمل غير المخطط له واستخدام كافة وسائل منع الحمل والأمراض المنقولة جنسياً بما في ذلك فيروس نقص المناعة البشرية المكتسبة / الإيدز.
و لقد لاحظت عموما تقصيرا في التنفيذ الفعال لتدابير السياسة العامة الخاصة بالأطفال نظرا للموارد المالية والتقنية غير الكافية. وحتى الآن، لم يتم إنشاء مؤسسة وطنية مستقلة للنهوض بالطفل وحمايته.
ويتعين إشراك الشباب والمراهقين بصورة فعالة في جميع المسائل والقرارات التي تؤثر عليهم. ويجب أن تكون الخدمات سهلة الاستخدام من قبل الشباب والمراهقين حتى يثقوا بها ولا يتجنبوها. ويعد هذا الأمر هاما خاصة فيما يتعلق بالصحة العقلية والعاطفية للمراهقين، بما في ذلك الوقاية من الانتحار والكشف المبكر عن حالات الاختلال العقلي. ويعد الأمر حيوياً عندما يتعلق بالمراهقين الذين يتعاطون المخدرات.
وبالإضافة إلى ذلك، فإنه من الضروري أن يحصل الشباب الذين يخططون للإنجاب أو الذين لديهم بالفعل أطفال على خدمات الدعم وأن تتاح لهم الفرصة لهم لتطوير مهاراتهم الكافية كوالدين. ولقد علمت أثناء زيارتي أن الثنائي غير المتزوج والأمهات العازبات يواجهون مشاكل كبيرة من أجل الحصول على خدمات الرعاية الصحية بسبب وصمهم بالعار، بالإضافة إلى السلوك السلبي للعاملين في القطاع الصحي تجاههم.
الأشخاص الذين يعيشون مع فيروس نقص المناعة البشرية المكتسبة / الإيدز
تسجل الجزائر نسبة ضئيلة للإصابة بفيروس نقص المناعة المكتسبة - الإيدز، كما قامت بوضع برامج هامة لمكافحة انتشار المرض وضمان حصول جميع المتعايشين مع فيروس نقص المناعة المكتسبة – الإيدز على العلاج بما في ذلك مراكز الاختبارات وبرنامج لمكافحة انتقال المرض من الأم إلى الطفل.
إلا أن نسب الإصابة بفيروس نقص المناعة المكتسبة - الإيدز مازالت مرتفعة بين بعض الفئات السكانية بما في ذلك المثليين والذين يمارسون الدعارة ومتعاطي المخدرات والمهاجرين. وتواجه هذه الفئات مجموعة من العوائق الخطيرة وبخاصة الوصم والتمييز على الصعيد القانوني والعملي ، بل وتميل تلك الفئات إلى تفادي اللجوء إلى خدمات الرعاية الصحية. وإنني أشيد بالتغييرات السياسية الخاصة بهذه الفئات الرئيسية، لكن يتعين بذل مزيد من الجهد للوصول إليها كإجراء وقائي ولضمان حصولهم على الخدمات الصحية.
ومما يذكر أن أهداف التنمية المستدامة ترمي إلى القضاء على فيروس نقص المناعة البشرية المكتسبة - الإيدز بحلول عام 2030. فقد بذلت الجزائر جهودا كبيرة في هذا المجال مما يمكنها من بلوغ هذا الهدف. إلا أن هذا لا يمكن أن يتحقق بدون ضمان عدم التمييز التام في مجال تقديم خدمات الرعاية الصحية. ولقد علمت خلال زيارتي أنه مازال هناك عدد كبير من التحديات نظرا لان فيروس نقص المناعة البشرية المكتسبة - الإيدز مازال يمثل أحد المحرمات في المجتمع الجزائري. ويواجه الأشخاص المتعايشون مع فيروس نقص المناعة المكتسبة- الإيدز مختلف أشكال التمييز والوصم فيما يتعلق بالحصول على العلاج والرعاية الصحية، بل إن هناك تفاوتاً كبيراً بين المناطق في هذا المجال. ولذلك من الضروري إدخال تعديلات معيارية حتى تتمكن الجزائر من بلوغ الهدف الخاص بالقضاء على فيروس نقص المناعة البشرية المكتسبة- الإيدز بحلول عام 2030
السياسة الخاصة بالمخدرات وحق متعاطي المخدرات في الوصول إلى الخدمات الصحية
لقد كان تعاطي المخدرات حتى وقت قريب من المحرمات في المجتمع الجزائري. إلا أنني قمت بزيارة مركزين صحيين في كل من وهران والجزائر العاصمة حيث تتوافر برامج وخدمات خاصة بمتعاطي المخدرات. ويبدو أن تلك الهياكل الصحية والبرامج تنتهج نهجاً جيداً بما في ذلك توفير خدمات تخفيض الضرر، إلا انه ينبغي أن تضاف إليها برامج خاصة بالإعلام والتعليم والوقاية المناسبة.
ويتعين أن تلعب قطاعات الصحة بما في ذلك وزارتي الشباب والتعليم دوراً أكثر إيجابية في مجال الترويج للوقاية القائمة على الدلائل وتوفير الخدمات والعلاج لمتعاطي المخدرات. كما يتعين على الجزائر في إطار تلك البرامج أن تتأكد من أن إطار العمل المعياري الخاص بها لا يجرم المخالفات البسيطة المرتبطة بالمخدرات ويستمر في النهوض بإجراءات عدم المعاقبة وعدم إحتجاز متعاطي المخدرات.
الحق في الصحة للمهاجرين واللاجئين وطالبي اللجوء
تعتبر الجزائر دولة عبور محورية بالنسبة لمختلف تحركات السكان غير المشروعة. وخلال السنوات الأخيرة ارتفع عدد المهاجرين، بما في ذلك العمال و الأشخاص الذين لا يحملون وثائق. وحسب القانون الجزائري، يواجه المهاجرون غير الشرعيين و الذين لا يحملون وثائق العديد من العقوبات.
وبوجه عام، يحصل المهاجرون على خدمات الرعاية الصحية مجاناً، حتى إن كانوا غير شرعيين. إلا انه لا تتوافر البيانات المفصلة والموثوق بها لتقييم أوضاع هؤلاء المهاجرين ورصدها في ما يخص الحق في الصحة. ويعتبر هذا من الشواغل الرئيسية نظرا لأن الحراك والانتقال في الجزائر يعدان أحد العناصر الحاسمة بالنسبة لانتقال فيروس نقص المناعة المكتسبة- الإيدز والأمراض السارية الأخرى.
وتفتقر الجزائر إلى إطار قانوني يقر بحقوق اللاجئين وطالبي اللجوء، الذين كثيرا ما يخلط بينهم وبين المهاجرين غير الشرعيين. وفي غياب وضع قانوني ووثائق مدنية ضرورية، فإن اللاجئين و طالبي اللجوء وعديمي الجنسية يواجهون مشاكل إدارية للحصول على شهادات الميلاد للأطفال الذين يولدون في الجزائر، مما قد يمنع حصولهم على الخدمات الاجتماعية الأساسية بما في ذلك الخدمات الصحية. ولذلك تتعين معالجة هذا الوضع دون مزيد من التأخير لبلوغ الهدف رقم 16.9 من أهداف التنمية المستدامة والخاص بضرورة توفير الهوية القانونية للجميع بما في ذلك تسجيل المواليد.
الحق في الصحة العقلية والأشخاص الذين يعانون من الإعاقة في النمو والإعاقات النفسية والاجتماعية
صادقت الجزائر على الاتفاقية الخاصة بحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة في عام 2009، ويتعين عليها أن تقوم بالتطبيق الفعال لتلك الاتفاقية دون أي تأخير. ويتطلب هذا في رأيي أولاً الابتعاد عن النموذج الطبي الذي يركز بشكل كبير على التشخيص الطبي وكذلك التخلي عن الممارسات القديمة التي تؤدي إلى استبعاد الأشخاص وفقاً للتشخيص. فعلى سبيل المثال، يتم إحالة الأطفال من ذوي مستويات خطيرة أو متوسطة من الإعاقة في النمو بعد تشخيص حالاتهم من قبل الأطباء والمعالجين النفسيين، إلى مراكز تقع تحت الولاية القضائية لوزارة التضامن الوطني والأسرة والمرأة. ويمكن اعتبار ذلك إنتهاكاً لحقهم في التعليم. إذ يتعين أن يلتحق جميع الأطفال بما في ذلك الأطفال من ذوي الإعاقة، في المدارس. كما ينبغي وضع خطط تربوية شخصية لمعالجة مستوى النمو لكل طفل على حدة.
وينبغي الإشادة بالجزائر لاتخاذها الخطوات الأولى على طريق تطوير خدمات الصحة العقلية العامة للأطفال والبالغين، إلا أن تلك المبادرات مازالت تأخذ شكل مشروعات تجريبية، وبالتالي ينبغي نشرها. ومن المؤشرات الإيجابية في نظري أن أطباء الأمراض النفسية يعملون في قطاعي التعليم والصحة ومراكز الصحة الأولية. وتتوافر بوجه عام الأدوية الأساسية لعلاج أمراض الصحة العقلية.
غير أن هذا لا يعتبر كافياً لتوفير خدمات وتنفيذ سياسات حديثة للصحة العقلية. إذ يعتمد قطاع الصحة العقلية في الجزائر بشكل كبير على مستشفيات الصحة النفسية، كما أن عدد العاملين في قطاع الرعاية الصحية النفسية داخل المستشفيات أكبر من عدد العاملين في العيادات الخارجية. ويفترض أن يعكس الواقع. فبدلاً من بناء مستشفيات جديدة للأمراض النفسية يتعين أن يضم كل مستشفى عامة وحدة داخلية للمرضى النفسيين لكي تكون الرعاية الصحية العقلية متاحة أكثر ولتفادي الوصم بالعار.
السادة والسيدات ممثلي وسائل الإعلام،
السيدات والسادة،
هناك فرص من أجل الإعمال التدريجي لحق الصحة في الجزائر، إلا أنه يتعين على السلطات بذل مزيد من الجهد لمعالجة المسائل الهيكلية والتنظيمية حتى "لا يترك أحد دون رعاية".
ومن منظور أهداف التنمية المستدامة، يتداخل الحق ذو الصلة بالجوانب الصحية في أكثر من قطاع، ولذلك ينبغي معالجته عبر نُهج أفقية تنهض بالاستخدام الفعال للرعاية الأولية وتجمع الجهود المتضافرة لكافة أصحاب المصلحة، بما في ذلك المواطنين والمجتمع المدني، عبر المشاركة الفعالة والتشاور. إذ لا تستطيع نظم الرعاية الصحية بمفردها أن تضمن إعمال كافة الحقوق ذات الصلة بالصحة.
وينبغي أن يكون عدم التمييز والمساواة، والمشاركة، والمسائلة – وهي عناصر حاسمة لإعمال الحق في الصحة والحقوق الأخرى ذات الصلة- أساساً لتعزيز الصحة في جميع النهج السياساتية- و إنشاء آليات تضمن الإدارة الرشيدة داخل قطاع الرعاية الصحية.
وأود في النهاية أن أختتم حديثي بأن أعرب عن امتناني العميق لحكومة الجزائر لدعوتي لزيارة البلاد. إذ أن هذه الزيارة مكنتني من فهم أفضل للحق في الصحة والحقوق الأخرى ذات الصلة في الجزائر. وتبرهن تلك الدعوة على أن هناك التزاما بضمان التمتع بالحق في الصحة في البلاد، وآمل أن تساعد توصياتي على دعم الجزائر للمضي قدماً.
لم تنضم الجزائر بعد على البروتوكولين الاختياريين من المعاهدة الدولية الخاصة بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، والمعاهدة الدولية الخاصة بالحقوق المدنية والسياسية (عقوبة الإعدام)؛ اتفاقية مناهضة التعذيب. اتفاقية حقوق الطفل؛ واتفاقية مناهضة جميع أشكال التمييز ضد المرأة