Skip to main content

البيانات

الإعلان المشترك للمقررة الخاصة لللأمم المتحدة المعنية بأوضاع المدافعين عن حقوق الإنسان، مارجريت سيكاجيا، والمقررة الخاصة للجنة الأفريقية لحقوق الإنسان والشعوب، ران آلابيني-جانسو، الصادر في ختام زيارتهما لتونس (من 27 سبتمبر إلى 5 أكتوبر 2012)

الإعلان المشترك للمقررة الخاصة لللأمم المتحدة المعنية بأوضاع المدافعين عن حقوق الإنسان، مارجريت سيكا

05 تشرين الأول/أكتوبر 2012

 

5 أكتوبر 2012

سيداتي سادتي،

       لقد شهدت تونس تغييرات بالغة الأهمية منذ اندلاع الثورة التي وضعت نهاية لنظام بن علي في 14 يناير 2011. ولقد أكد لنا جميع الأشخاص الذين التقينا بهم خلال زيارتنا لتونس أن ها البلد يعيش حالياً فترة انتقالية. والثابت أن العملية الانتقالية حملت في طياتها بعض التحديات الصعبة التي تسعى الحكومة التونسية حاليا ومعها المجتمع التونسي إلى التصدي لها. وكان الهدف من زيارتنا تقييم أوضاع المدافعين عن حقوق الإنسان في هذا البلد، ولقد ضمنا الإعلان التالي ملاحظاتنا وتوصياتنا الأولية. ومن المقرر أن تقدم المقررة الخاصة للأمم المتحدة تقريراً نهائياً إلى مجلس حقوق الإنسان في مارس 2013. كما ستعرض المقررة الخاصة للجنة الأفريقية تقريرها النهائي على دورة اللجنة في أبريل 2013.    

       ونود أن نثني على حكومة تونس على ما أبدته من تعاون خلال زيارتنا. وقد أتيحت لنا الفرصة لمقابلة كل من: رئيسة لجنة الحقوق والحريات في المجلس الوطني التأسيسي، وزير حقوق الإنسان والعدالة الانتقالية، وزير العدل، وزير الشؤون الاجتماعية، سكرتير الدولة في وزارة المالية، سكرتير الدولة المختص بالإصلاحات داخل وزارة الداخلية ومدير مكتب وزير الخارجية. كما التقينا برئيس اللجنة العليا لحقوق الإنسان والحريات الأساسية ومسؤولي المعهد الوطني لحقوق الإنسان في تونس. وعلاوة على ذلك أتيح لنا تقاسم التجارب مع رئيس محكمة النقض والمدعي العام لدى محكمة النقض. وخارج تونس، قمنا بزيارة كيف وسيدي بو زيد حيث التقينا بالمحافظين وكبار موظفي المحليات ورئيسي الشرطة والحرس الوطني. وأننا لنعرب عن امتناننا للمفوضية العليا لحقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة، مكتب تونس، لما قدمته لنا من مساندة لوجيستية وما بذلته من جهد لتسهيل عقد الاجتماعات. كما نود أن نتوجه بالشكر إلى جميع الأشخاص الذين كرسوا لنا جزءاً من وقتهم لاستقبالنا وتقاسم تجاربهم القيمة والهامة معنا.

       ولقد أكد لنا معظم الأشخاص الذين التقينا معهم أن هناك تحسناً عاماً قد طرأ على أوضاع المدافعين عن حقوق الإنسان مقارنة بما كان عليه الوضع قبل الثورة. إذ يتمتع هؤلاء المدافعون بدرجة أكبر من حرية التعبير وعقد الاجتماعات السلمية وتكوين جمعيات عما كان قائما في ظل ولاية بن علي. ومع ذلك فأنه فيما يتعلق بالموقف الأمني فأنه بات أصعب من أي وقت سابق التنبؤ بتطوراته ومجرياته. أما الوضع الأمني للمدافعين عن حقوق الإنسان فإنه تدهور من أكثر من ناحية على إثر ممارستهم لحقوقهم الأساسية، بما في ذلك في المناطق الحضرية خارج تونس العاصمة.    

       ومما يثير قلقنا أن هناك مدافعات عن حقوق الإنسان وصحفيين وفنانين وجامعيين ونقابيين وأعضاء في منظمات غير حكومية قد تعرضوا بعد الثورة لأذى بدني ومحاولات اغتيال وتحرش وتهديدات في أنحاء عدة من تونس. وفي حالات كثيرة، تأكد انتماء الجناة إلى الإسلاميين المحافظين ممن يطلق عليهم في المنطقة مسمى السلفيين. ولم يصدر عن الشرطة أي رد فعل في  مثل هذه الحالات مما أدى إلى انعدام ثقة المواطنين تجاهها وتجاه قدرتها على حمايتهم ضد هذه الانتهاكات. 

 

 

حرية عقد اجتماعات سلمية

       إن حرية عقد اجتماعات سلمية تعد جزءاً لا يتجزأ من مجموع الحريات المكتسبة في تونس ما بعد الثورة. ويجدر بنا تهنئة الحكومة على جهودها في مجال احترام حق المواطنين في الاجتماع والاحتجاج بشكل سلمي، وإن كان قد صدر في الآونة الأخيرة قرارات تحظر المظاهرات، خاصة في وسط تونس العاصمة. ونشير في هذا الصدد إلى أن بعض المظاهرات اتصفت بالعنف،  بسبب أعمال مناهضة التظاهر التي قامت بها جماعات تعلن انتماءها إلى السلفيين. وفي معظم هذه الأحوال لم تتمكن الشرطة من حماية المتظاهرين. ومن ثم، فإن الأشخاص الذين كانوا يمارسون حقهم في عقد اجتماعات سلمية أصيب البعض منهم بل أن من بينهم من فقد حياته تحت وطأة أعمال العنف التي ارتكبها معارضو المتظاهرين واللجوء المفرط لاستخدام القوة من جانب الشرطة و/أو الحرس الوطني.  

       وقد يبدو لنا أن الحادث الأكثر خطورة خلال حقبة ما بعد الثورة هو الذي شهدته البلاد بمناسبة الاحتفال بيوم الشهداء في تونس في 9 أبريل 2012؛ ففي ذلك اليوم، أصيب عدد لا حصرله له من المواطنين، بما فيهم المدنيين، كما أعلنت أرقام غير مؤكدة بشأن عدد الموتى. وبينما نرحب بما ورد إلينا من معلومات تفيد بأن وزارة الداخلية أنشأت لجنة للتحقيق في أحداث 9 أبريل، فإننا نعرب عن أسفنا إزاء عدم توافر حتى الآن أي معلومة بشأن نتائج أعمال هذه اللجنة.

       كما استمرت المظاهرات خارج العاصمة التونسية خلال فترة ما بعد الثورة؛ ففي سيدي بوعيد، مهد الثورة، شهد العام الحالي 300 مظاهرة، بما يعادل تقريباً مظاهرة في كل يوم. أما سيدي بو زيد وأقاليم أخرى في شمال غرب ووسط تونس فأنها لا تزال تواجه تحديات ضخمة تتعلق بالحقوق الاقتصادية والاجتماعة في ظل سياق تسوده موجة من الغضب الشديد تجتاح الأهالي الذين لم يطرأ أي تحسن على ظروفهم المعيشية بعد الثورة. والمعروف أنه كان قد تم تخصيص استثمارات ضخمة لتحسين البنى التحتية وتوفير الخدمات الأساسية بما يساعد على مكافحة البطالة.

       وأننا لنشعر بقلق بالغ إزاء ممارسات التوقيف التعسفي والاستخدام المفرط للقوة في مواجهة المظاهرات في الأقاليم التي تمكنا من الاتصال بها. كما يسودنا قلق شديد حيال تعاظم إدعاءات تعذيب المتظاهرين الذين يتم اعتقالهم وكذلك حيال التقارير التي تقدم وصفاً مفصلاً لسوء ظروف الاعتقال في السجون.

حرية تكوين جمعيات

       فيما يتعلق بحرية تكوين الجمعيات أو الانضمام إليها، أدخلت تونس تعديلات تشريعية منذ يناير 2011 بما يجعل إطارها القانوني في مجمله متمشياً مع المعايير الدولية. وهنا نكون إزاء تطور يستحق منا الإشادة. وفي هذا الصدد، شهدت حقبة ما بعد الثورة إنشاء عدد كبير من المنظمات غير الحكومية. وبينما يتمتع العديد من هذه المنظمات غير الحكومية بخبرة طويلة وقيمة في مجال عملها، إلا أن هناك نقصاً في التنسيق فيما بينها علاوة على غياب شبكة ربط بين هذه المنظمات. وويتعلق الأمر هنا بمقتضى بالغ الأهمية حتى يتمكن المجتمع المدني من العمل بشكل فعال. ولقد لاحظنا، أن عدد كبير من المنظمات غير الحكومية الجديدة يعاني من نقص وثغرات على مستوى القدرات التنظيمية. ونود الإشارة في هذا المقام إلى الأهمية التي يمثلها للمجتمع المدني العمل على أساس مبادئ حقوق الإنسان. بيد، أننا نشعر بالقلق لغياب مجتمع مدني نشط في المناطق الواقعة خارج العاصة، ولا سيما في المناطق الريفية.

       وبينما يعد انتشار منظمات المجتمع المدني مؤشراً واضحاً على أن حرية تكوين الجمعيات والانضمام إليها تعد حقاً يتم حالياً احترامه والالتزام به، إلا أن هذا الحق  يتوقف على حقوق أخرى، بما في ذلك الحق في المساواة وعدم التمييز. وخلال الزيارة، تلقينا عدة تقارير حول المعاملة الحسنة التي تدخر للمنظمات غير الحكومية التي تبدو على وفاق مع الحكومة الحالية.

صياغة الدستور

       من المسلم به أن صياغة الدستور تعد اختباراً حقيقياً لقوة وانفتاح المؤسسات العامة التونسية خلال فترة ما بعد الثورة. وأننا سعداء لكون المجلس الوطني التأسيسي يهدف إلى إتباع نهج يستند إلى توافق الآراء في عملية صياغة الدستور، ولكن لا بد وأن تترجم حسن النوايا إلى أفعال على أرض الواقع. ولقد شرعت الجمعية التأسيسية في تنفيذ عملية تشاور شملت كافة أرجاء البلاد كما شجعت على الامتثال من خلال وسائل الاتصالات. وهي إجراءات مشكورة جديرة بالإشادة.

       ولكن يقلقنا كثيراً ما رصدناه في المشاورات الخاصة بصياغة الدستور من معاملة تفاضلية للمجتمع المدني. إن عملية صياغة الدستور تحتل لب المرحلة التاريخية التي تعيشها تونس، ومن الأهمية القصوى أن تكون هذه العملية منفتحة وشفافة تشعر فيها جميع أطراف المجتمع التونسي بإحساس الانتماء. ولكن يبدو أن العملية تستقطب المجتمع المدني حيث أن المنظمات غير الحكومية التي تبدي آراء ووجهات نظر لا تنعم بمعاملة متساوية. ونود في هذا المقام التذكير بأحكام إعلان الأمم المتحدة حول المدافعين عن حقوق الإنسان، والتي تنص على أن الأفراد والجمعيات وكافة الكيانات التي تمارس عملاً يتصل بمجال الدفاع عن حقوق الإنسان لها حق المشاركة في الشؤون العامة دون أي تمييز.

       والواقع أن نوايا أعضاء المجلس الوطني التأسيسي بشأن ما تلقته من مقترحات وآراء من العامة لا تزال غير واضحة. وهو ما يرجع، من جهة، إلى افتقار تفويض المجلس الوطني التأسيسي إلى تحديد دقيق؛ فعلى سبيل المثال، لا يوجد نص واضح يحدد طرق صياغة الدستور والآراء التي يجب أن تؤخذ في الحسبان. ويلاحظ أيضاً أن بعض المنظمات غير الحكومية التي شاركت قبل بضعة أسابيع  في اجتماع تشاوري أفادت بأن آراءها التي تقدمت بها قد لا يتم بحثها بواسطة المجلس بل وقد لا تؤخذ في الحسبان. ويقلقنا أن عبارات من هذا النوع قد تتعارض مع المنهج القائم على توافق الآراء والذي طالما أيدته الحكومة صراحة. وكون بعض المنظمات غير الحكومية قد قررت مؤخراً مقاطعة العملية إنما يشير إلى اتجاه لا بد وأن يثير لدى المجلس التأسيسي قلقاً عميقاً.

       كما تم إبلاغنا بأن المنظمات غير الحكومية التي تتولى مهمة متابعة عملية صياغة الدستور تواجه صعوبات وقيوداً شديدة الوطأة في هذا السياق. كما أن هناك محاضر لجلسات اجتماعات مختلف اللجان داخل المجلس الوطني لم يتم نشرها على موقع المجلس على الإنترنت. ومن الصعب الحصول على تقارير التصويت والتقارير المواضيعية والآراء والمقترحات التي قامت اللجان بتحليلها وغير ذلك من المعلومات التي كان يجب إتاحتها للعامة لضمان الشفافية. ولقد تمثلت الأسباب التي أرجعوا إليها عدم نشر المزيد من المعلومات في "نقص القدرات" و"قيود الميزانية". ولا شك أن إتاحة الوصول إلى هذه المعلومات كان سيساعد على التخفيف من حدة الغضب التي اعترت السلطات في مواجهة وسائل الإعلام التي تصفها بأنها محبة للإثارة والمزايدة.    

       إن مسودة الدستور لم تنشر بعد، ولكن هناك مسودة أولوية تم تمريرها. وفي هذا الصدد، نود الإشارة إلى بعض العناصر والاتجاهات التي عرضت علينا خلال زيارتنا والتي قد يكون لها تأثير على وضع المدافعين عن حقوق الإنسان:

·       يبدو أن التزامات تونس المرتبطة بالقانون الدولي لا تسري إلا إذا كانت لا تتعارض مع الدستور. وأننا نوصي بأن ينص الدستور على ضرورة أن يتماشى كل تشريع وطني مع القواعد الدولية. والثابت أن المدافعين عن حقوق الإنسان يسعون إلى ضمان المزيد من الاحترام للمعايير الدولية لحقوق الإنسان؛ وبالتالي، فإن الدور الذي يضطلعون به سيتقلص بشدة إذا ما بقيت الأحكام الحالية على ما هي عليه.

·        تكفل المسودة الحالية حرية الدين والعقيدة وتنص في الوقت ذاته على تجريم كل فعل يشكل مساساً "بالمقدسات". ومع ذلك، لا يحدد النص بوضوح ما هو المقصود بالمقدسات مما يترك المجال واسعاً أمام التفسيرات الفردية. بل أن هذا النص يوشك أن يطبق بطريقة متجاوزة قد تؤدي إلى الرقابة الذاتية من جانب المدافعين عن حقوق الإنسان، بما في ذلك الصحفيين والفنانين والجامعيين.

·       دارت مناقشات مستفيضة حول ما ورد في مسودة الدستور, المؤرخة في 8 أغسطس 2012، من إشارات بشأن تكامل أدوار الرجال والنساء. وبينما، على ما يبدو، لا يرى المسؤولون عن صياغة الدستور تناقضاً بين مصطلح التكامل ومفهوم المساواة التي تكفلها أجزاء أخرى من الدستور لجميع المواطنين، إلا أنه كان يجب ألا يغيب عن ذهنهم أن  الكثيرين من التونسيين يخشون أن تقضي هذه الصياغة إلى سوء فهم أو على الأقل إلى عدم احترام لحقوق المرأة. وأن ما يشغلنا أساساً هو احتمال أن يترتب على إدراج مفهوم التكامل في الدستور إثارة نوع من الخلط فيما يتعلق بالمساواة بين الرجال والنساء، وهو ما قد يتم استخدامه في تبرير ممارسات العنف والتحرش ضد الإناث المدافعات عن حقوق الإنسان والتي ترتكبها فصائل من المجتمع التونسي ترى أنه من غير الملائم بالنسبة للمرأة الانخراط في الدفاع عن حقوق الإنسان بشكل نشط. أضف إلى ذلك أن مصطلح التكامل بين أدوار النساء والرجال لا يضيف اي ضمانة قانونية. وفي ضوء هذه الملاحظات، نوصي بأن يحذف من الدستور كل مصطلح يتعلق بالتكامل.

·       يجب أن ينص الدستور على أحكام عامة تضمن القيم والحقوق، بما يشمل المساواة وعدم التمييز والكرامة. ومن جهة أخرى، يجب أن يستند الدستور إلى عالمية حقوق الإنسان وارتباطها بعضها ببعض وعدم قابليتها للانقسام.

حرية التعبير

       فيما يتعلق بحرية التعبير، فقد أشرنا إلى أن المدافعين عن حقوق الإنسان يتمتعون بدرحة من الاحترام لهذه الحق أعلى بكثير من تلك التي اقترنت بها حقبة ما قبل الثورة. بيد، أننا استمعنا إلى بعض محدثينا وهم يعربون عن بعض مخاوفهم وهم يتابعون الإجراءات والممارسات الرامية إلى تقييد حرية التعبير. ولقد رصدنا عدداً من النزاعات بين الحكومة والصحافة، لعل أكثرها خطورة النزاع القائم في محلية درا الصباح، حيث قامت الحكومة بتعيين مدير عام يرى العاملون أنه يفتقر إلى الكفاءة التي تمكنه من أداء وظائفه. وهو الأمر الذي دفع أصحاب الأجور إلى تنظيم العديد من المظاهرات والاعتصامات بل وإعلان البعض منهم الإضراب عن الطعام.

       ولقد تبين لنا، خلال زيارتنا، أن قطاع وسائل الإعلام يحتاج إلى إصلاحات كبيرة حتى يتأتى له أداء مهامه بفعالية في سياق فترة ما بعد الثورة، وفي تقديرنا أن المرسومين رقمي 115 و116 سوف يكفلان تطورات إيجابية في هذا الصدد. وجاري منذ فترة مناقشة موضوع إنشاء جهاز لتنظيم الإعلام السمعي والمرئي. وفي هذا الإطار أنشأت الحكومة لجنة مهمتها إعداد توصيات حول الإصلاحات، إلا أن شيئاً من هذه التوصيات لم ينفذ.

       ولهل في الصدارة من المسائل المثيرة للانشغال تلك المتعلقة بإمكانية الوصول إلى المعلومات العامة. ونشير في هذا الصدد إلى أن المرسوم بقرار رقم 41 الذي ينظم حالياً هذه العملية، يتضمن عدداً من القيود تتعرض مع أحكام القانون الدولي لحقوق الإنسان. وتنص المادة 16 من المرسوم على أنه يجوز للحكومة أن ترفض نشر أي وثيقة ترى أن لها صفة السرية، وهو نص مبهم وواسع يفسح المجال للعديد من التفسيرات وبالتالي من الممكن استخدامه على نحو تعسفي في تقليص حرية التعبير.

       وتمثل تونس دولة ذات تقليد طويل الأمد في مجال الحريات سواء الفنية أو الجامعية، ولقد أدركنا بالفعل أن الذين يمارسون هذه الحريات في الدفاع عن حقوق الإنسان قد تعرضوا لهجوم من جانب جماعات مختلفة داخل المجتمع. ومن المسلم به أن الفنون والجامعات تعد من المجالات التي استخدمت تقليدياً من أجل تعزيز حقوق الإنسان؛ وبالتالي، فإن تقييد حرية التعبير يسبب لنا قلقاً داهماً. وتشمل الانتهاكات التي تم رصدها إزعاج ومهاجمة العديد من الفنانين والجامعيين وأعضاء المنظمات غير الحكومية العاملة في مجال تعزيز الحقوق الثقافية. وتمت الإشارة أيَضاً إلى الملاحقات القضائية المستندة إلى التعبيرات الثقافية وعرض الأفلام علاوة على الاضطرابات التي شهدتها بعض الأحداث الثقافية العامة.

       ومن ثم، يجب على الحكومة ضمان حماية الفاعلين في القطاعات الثقافية والأكاديمية من أجل الحفاظ على حقوق المدافعين عن حقوق الإنسان في هذه المجالات وفي المقدمة منها حرية الرأي والتعبير. ولقد أكدت لنا الحالات التي اطلعنا عليها ضرورة العاجلة لإصدار تشريع أكثر وضوحاً يتضمن تعريفاً لجريمة القذف والسب. 

استقلال العدالة

       ولقد تلقينا معلومات مقلقة تشير إلى نقص في استقلال وحياد النظام القضائي، مما يؤثر سلباً على فعالية إدارة العدالة بل وايضاً على الدور الجوهري للقضاة كمدافعين عن حقوق الإنسان. ولا شك أن عدم وجود جهاز تنظيمي يتمتع بسلطة تأديبية إلى جانب صلاحية تعيين القضاة، إنما يعد بمثابة ثغرة خطيرة في استقلال السلطة القضائية. وفي المقابل، شارك القضاة واتحاداتهم بدور نشط في صياغة الدستور. وأننا نهنئ لجنة التشريعات العامة في المجلس الوطني التأسيسي على ما بذلته من جهود في هذا الاتجاه. إلا أن التحديات التي يواجهها النظام القضائي هي تحديات صعبة وضخمة مما يستوجب من الحكومة بدء عملية تشاور مع القضاة لحل المشكلات والتأكد من أن التعيينات تمت على أساس غير تمييزي.

 

المؤسسة الوطنية لحقوق الإنسان

من دواعي الأسف أننا حصلنا خلال زيارتنا تقارير تشير إلى أن اللجنة العليا لحقوق الإنسان والحريات الأساسية عاجزة عن أداء وظائفها الأساسية بفعالية بصفتها المؤسسة الوطنية لحقوق الإنسان في تونس؛ ومن ثم، فإن إنشاء وزارة حقوق الإنسان والعدالة الانتقالية يعد تطوراً إيجابياً نحو اضطلاع الدولة بمسؤوليتها في الإشراف على حقوق الإنسان وحمايتها. بيد، أننا حريصون على التنويه بأن المسؤولية المؤسسية للإشراف على حقوق الإنسان لا بد وأن يعهد بها إلى كيان مستقل عن الحكومة. وهذا الضعف المؤسسي يتولد عنه نقص في المصداقية تجاه النظام الوطني لحماية حقوق الإنسان. وقد أكدت لنا الحكومة أنه جاري استكمال قانون جديد يهدف إلى تكريس تفويض اللجنة العليا لحقوق الإنسان والحريات الأساسية.

المساعدة الفعالة لهؤلاء الذين حشدوا أنفسهم للدفاع عن حقوق الإنسان خلال الثورة

       وأخيراً، يهمنا في هذا المقام تكريم جميع الذين ضحوا بحياتهم والذين أصيبوا خلال الثورة لكونهم قد دافعوا عن حقوق الإنسان والكرامة الإنسانية. وخلال زيارتنا، التقينا ببعض الضحايا وأفراد أسر الشهداء. ولاحظنا أن الكثيرين من هؤلاء يعيشون في ظل ظروف صعبة.

       وحتى يومنا هذا، لم يحصل معظمهم على تعويض مناسب من جانب الحكومة. وفي هذا الصدد، نشعر بالقلق لكون معظم الضحايا وأسرهم لم يحصلوا على تعويض مناسب وعادل بل ولم يتح لهم الوصول إلى الرعاية الطبية.

التوصيات

استناداً إلى ما تقدم، نعرض فيما يلي بعض التوصيات الأولية. أما التوصيات النهائية، فأنها ستضمن في تقاريرنا ذات الصلة التي سيتم رفعها إلى كل من مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة واللجنة الأفريقية لحقوق الإنسان والشعوب. 

التوصيات بالنسبة للحكومة:

·       يجب على الحكومة أن تحدد بدقة سياستها فيما يتعلق بحماية حقوق الإنسان وأن تعلن للمواطنين بوضوح تام الإجراءات التي اتخذت في هذا الصدد.

·       يجب على الحكومة أن تعترف أمام العامة بالدور الأساسي الذي يضطلع به المدافعون عن حقوق الإنسان، لا سيما خلال هذه الفترة الانتقالية، مع ضمان حمايتهم على نحو فعال وفقاً لما تنص عليه المادة 12 من الإعلان حول المدافعين عن حقوق الإنسان.    

·       يجب إعطاء أولوية للتصدي لظاهرة الإفلات من العقاب. وفي هذا الشأن، يتعين على الحكومة ضمان تحقيقات عاجلة ومحايدة مع الالتزام بالعمل على مثول الجناة أمام القضاء، على وجه الاستعجال.

·       يجب على وزارة الداخلية تنفيذ الإصلاحات وتحسين مستوى أداء الشرطة وممارساتها لصلاحياتها والتسليم بخضوعها للمساءلة حالة ارتكابها لمخالفات وتجاوزات. وأننا نشدد على ضرورة أن تشرع الحكومة في تنفيذ هذه الإجراءات دون تباطؤ، خاصة في المناطق الحضرية. كما يجب إعطاء أولوية للتحقيقات السريعة والمحايدة في حالات الإدعاء بوقوع هجمات ضد المدافعين عن حقوق الإنسان.

·       يجب الشروع في إجراء تحقيقات في كافة أنحاء البلاد بشأن الإدعاءات بالاستخدام المفرط للقوة والتوقيفات التعسفية ضد المتظاهرين. وفي هذا الخصوص، يجب التحقيق، على وجه الاستعجال وبشكل حيادي، في الأحداث التي وقعت في تونس يوم 9 أبريل 2012. كما يتعين على السلطات بذل كل الجهود اللازمة لضمان سرعة مثول الجناة أمام العدالة.

·        يجب على السلطات المحلية ووزارة الداخلية التأكد من أنه قد تم إجراء تحقيقات عاجلة بشأن كافة الإدعاءات بتعرض الأشخاص المعتقلين للتعذيب وأنه قد تم إدانة مرتكبي هذه الأفعال.

·        وفقاً للتوصيات التي تقدم بها المقرر الخاص للأمم المتحدة المعني بالتعذيب عقب زيارته لتونس في العام الماضي، فأنه يجب على الحكومة أن تبذل قصارى جهدها للقضاء على جرائم التعذيب خلال فترة التوقيف والاعتقال وفي السجون. وفي هذا الصدد، يجب أن تلتزم الآلية الوطنية للمنع، الجاري إنشاؤها، باحترام المعايير الدولية ذات الصلة.

·        يجب على الحكومة أن توفر للمجلس الوطني التأسيسي الموارد المالية والبشرية اللازمة لتمكينها من أن تنشر للعامة، على نحو فعال وفي الوقت المناسب، كافة المعلومات ذات الصلة بصياغة الدستور.

·       يجب تمكين السيدات المدافعات عن حقوق الإنسان من العمل في سياق ملائم وأن تتولى الحكومة حمايتهن عند تعرضهن لأعمال تحرش أو تهديدات.

·       يجب على وزارة الشؤون الاجتماعية، بصفتها الوزارة المسؤولة عن قطاع وسائل الإعلام، أن تجد  حلاً للنزاع القائم بين الحكومة وجريدة "دار الصباح" في أقرب وقت ممكن بما أن الهدف النهائي هو ضمان استقلال الصحافة.

·       من أجل تمكين الصحافة من ممارسة وظيفتها ودورها بحرية، لا بد وأن تسارع الحكومة بتطبيق المرسومين 115 و116 دون اي تأخير بغية إحراز تقدم على مسار إصلاحات قطاع الإعلام وضمان المزيد من الاحترام لحق حرية التعبير.

·       يجب على الحكومة أن تسارع بإنشاء جهاز لتنظيم الاتصالات السمعية والمرئية والتأكد من وجود تمثيل واسع لوسائل الإعلام والمجتمع المدني، على أن يكون هذا الجهاز مستقلاً عن الحكومة. وفي تقديرنا أن مثل هذه الخطوة سوف تؤدي إلى تفادي النزاعات والمناقشات الجدلية المشاهدة حالياً بين الحكومة ووسائل الإعلام في البلاد

·       يجب مراجعة القواعد واللوائح الخاصة بالوصول إلى المعلومات، خاصة المرسوم بقرار رقم 41، للتأكد من مواءمتها مع القواعد الدولية.

·       يجب على الحكومة البدء في عملية تشاور مع القضاة لحل المشكلات والتأكد من أن تعيينات القضاة قد تمت على أساس غير تمييزي. كما يجب إعداد وتنفيذ الإصلاحات الرامية إلى ضمان استقلال السلطة القضائية في الوقت المناسب.

·       يجب على الحكومة أن تنشئ، على وجه الاستعجال، جهازاً يختص بتعيين القضاة وانضباطهم ويكون مستقلاً عن الحكومة، بغية تعزيز استقلال ومصداقية الجهاز القضائي.

·       يجب على الحكومة أن تتأكد من تفويض اللجنة العليا لحقوق الإنسان والحريات الأساسية باعتبارها المؤسسة الوطنية لحقوق الإنسان، وأن يكون ذلك بالاتساق مع مبادئ باريس، بما في ذلك تزويدها بما يلزم من عاملين وموارد وضمان استقلالها الكامل عن الحكومة. كما يتعين عليها التشاور مع منظمات المجتمع المدني في مختلف المجالات حول نهج تعيين أعضاء هذه المؤسسة.

·       لا بد من تسريع عملية منح تعويضات ملائمة لأسر شهداء الثورة والأشخاص المصابين باعتبارها مسألة ذات أولوية. ويجب منح التعويض الملائم على أساس غير تمييزي، بما في ذلك الوصول إلى الخدمات الطبية وإعادة التأهيل والتكيف للأشخاص والأسر.

·       يجب توثيق الانتهاكات التي ارتكبت خلال الثورة على نحو سريع ومحايد، وأن تتم محاكمة  الجناة في إطار من الاحترام الكامل للقواعد الدولية للدعوى العادلة.

·       يجب على الحكومة أن تحترم الحقوق الاقتصادية والاجتماعية بفضل استثمارات في القطاعات ذات الصلة. كما يجب مساعدة المنظمات غير الحكومية العاملة في مجال مسائل المرأة والطفل لهذا الغرض، خاصة في المناطق الريفية والمناطق الحضرية خارج تونس العاصمة.

توصيات إلى المجلس الوطني التأسيسي:

·       يجب أن يشرع المجلس الوطني التأسيسي في إعداد استراتيجية واضحة بخصوص طريقة معالجة مقترحات العامة في عملية صياغة الدستور الجديد. ويجب أن ترتكز هذه الاستراتيجية على معايير شفافة وأن يتم تطبيقها بشكل متجانس.

·       يجب على المجلس الوطني التأسيسي تبليغ العامة على نحو استباقي بعملية صياغة الدستور لضمان الشفافية وإشاعة روح الانتماء بين جماهير الشعب. كما يجب نشر جميع الوثائق ذات الصلة على الموقع الإليكتروني للمجلس.

·       لا بد أن يتضمن الدستور أحكاماً عامة تضمن القيم والحقوق، بما في ذلك المساواة وعدم التمييز والكرامة وأيضاً عالمية حقوق الإنسان وارتباط بعضها ببعض وعدم قابليتها للتجزئة.

·       يجب أن ينص الدستور على ضرورة اتساق كل تشريع وطني مع المعايير الدولية.

·       يجب أن تحذف من الدستور الأحكام التي تنص على تجريم الإساءة إلى "المقدسات"، نظراً لعدم توافر تعريف دقيق وواضح لمفهوم "المقدسات" أو اتفاق حول "معنى المقدسات".

·       يجب أن تخذف من الدستور الإشارات التي تنص على المساواة بين الرجل والمرأة، حيث أنها توشك أن تثير حالة من الخلط فيما يتعلق بوضع المرأة في تونس والمساواة التي تتمتع بها المرأة التونسية بالفعل منذ عشرات السنين، وفقاً للقانون الدولي لحقوق الإنسان.

توصيات إلى المدافعين عن حقوق الإنسان:

·       يجب على المدافعين عن حقوق الإنسان تحسين قدراتهم والعمل معاً في إطار شبكات. ولكي يكون المجتمع المدني فعالاً، يتعين عليه العمل بتآزر ووفقاً لمبادئ حقوق الإنسان.

·       يجب على المدافعين عن حقوق الإنسان توسيع نطاق أنشطتهم لتشمل المناطق الريفية والمناطق الحضرية خارج تونس العاصمة.

·       يجب على المجتمع المدني تنظيم دورات تدريبية حول حقوق الإنسان مع استخدام الآليات الإقليمية والدولية لتعزيز وحماية حقوق الإنسان.

توصيات إلى المجتمع الدولي:

·       يجب على المجتمع الدولي مواصلة مساندته لتونس في عملية إضفاء الطابع الديمقراطي لتفادي تراجع الثورة، خاصة في مجالات حقوق الإنسان والعدالة الانتقالية والإصلاحات الخاصة بالشرطة ودعم قدراتها بحيث تستطيع ضمان أمن وحماية المواطنين، هذا إلى جانب الإصلاحات القضائية وتعزيز وسائل الإعلام. 

·       يجب على المجتمع الدولي أن يستمر في مساندة الجمهورية التونسية بغية دعم المجتمع المدني، بصفة عامة، وخارج تونس العاصمة وفي المناطق الريفية، بوجه خاص.

توصيات إلى جميع الأطراف المعنية:

·       يجب على جميع الأطراف المعنية التعرف على أحكام إعلان الأمم المتحدة حول المدافعين عن حقوق الإنسان والتكيف معه.

·       يجب مواصلة الجهود لتوعية العامة بالمواطنة وروح الحوار والتعاون في المجتمع.

·       يجب أن تكون جميع الاحتجاجات والاجتماعات سلمية. كما يجب على المواطنين الامتناع عن ممارسة أفعال العنف والتصرف وفقاً لأحكام القانون في مباشرتهم لأنشطتهم.

·       يجب على جميع الأطراف المعنية بذل الجهود اللازمة لإرساء ثقافة احترام حقوق الإنسان ومساندة دولة القانون.

وفقاً للمشار إليه أعلاه، فإن هذه الملاحظات والتوصيات سوف تشكل الأساس المرجعي للتقارير التي سوف نعرضها على كل من مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة واللجنة الأفريقية لحقوق الإنسان والشعوب.

            نشكركم ع

الصفحة متوفرة باللغة: