Skip to main content

مقالة افتتاحية المفوضية السامية لحقوق الإنسان

الصناعة وحقوق الإنسان

17 أيّار/مايو 2013

17 أيار/مايو 2013

نافي بيلاي، مفوضة الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان

في وقت سابق هذا الأسبوع، تجمع الألاف من مشيعي الجنازات في بقايا المجمع الصناعي في ميدان رانا في بنغلاديش للصلاة على أرواح 127 1 شخصاً توفوا عندما انهار المجمع في 24 نيسان/أبريل.

وقد جرى تذكر ضحايا هذه المأساة الرهيبة الأليم وسط إجراءات وإصلاحات متتالية أعلنتها حكومة بنغلاديش  وأصحاب المصانع المحلية وبعض سلاسل المؤسسات الدولية لإنتاج الملابس التي كانت تقوم بحياكة منتجاتها قوة العمل، النسائية إلى حد بعيد، المكدسة في خمسة مصانع داخل مبنى ميدان رانا.

وتتضمن الإصلاحات التي جرى الإعلان عنها حتى الآن الإغلاق الطوعي الفوري لعدد من المصانع الأخرى يُعتقد أنه غير مأمون؛ ورفع القيود عن تكوين النقابات العمالية في معظم الصناعات؛ وإنشاء آلية جديدة لضمان حد أدنى معقول لأجر العاملين في صناعة الملبوسات؛ والقرار الذي اتخذه عدد من المؤسسات الكبرى في صناعات الأزياء والملابس الدولية بالقيام، بحلول 15 أيار/مايو، بتوقيع اتفاق ملزم لتحسين أحوال السلامة من الحرائق وسلامة المباني في أماكن عمل مقاوليها في بنغلاديش.

وهذه الإصلاحات المرحَب بها أظهرت إدراكاً متأخراً، على الصعيدين المحلي والدولي على السواء، لكون هذه كارثة كان من الممكن تماماً منع حدوثها. فلوائح البناء واللوائح المتعلقة بسلامة مواقع العمل – التي تشكل شبكة كاملة من قواعد الحماية – جرى انتهاكها بشكل روتيني في قطاع الملبوسات في بنغلاديش على الرغم من أنها معروفة عموماً وتشكل موضوع نقاش عام.

وقد صدرت تحذيرات مسبقة كثيرة بخصوص سلامة العمال في صناعة الملبوسات في بنغلاديش بأسرها، وفقد أكثر من 120 شخصاً حياتهم في حرائق شبت في مصانع مختلفة في الأشهر الستة الماضية فقط.

وجميع الناس، بصرف النظر عن المكان الذي يعيشون فيه، لهم، بالإضافة إلى حقوقهم المدنية والسياسية، حقوق اقتصادية واجتماعية وثقافية. وهذه الحقوق معترف بها ومحمية في صكوك دولية لحقوق الإنسان، وهي تتضمن الحق في الحياة وفي مستوى معيشي داعم لحياة كريمة، وطائفة من حقوق العمال، بما في ذلك الحق في أجور عادلة وفي ظروف عمل مأمونة وصحية، وفي الانضمام إلى النقابات العمالية وتكوينها، وفي الإضراب. والتدابير المتخذة حتى الآن تدابير مشجعة وقد تشكل نقطة تحول فيما يتعلق بحماية العاملين في قطاع الملبوسات في بنغلاديش. ولكن ينبغي النظر إليها باعتبارها البداية وليس باعتبارها نتيجة نهائية. ومن الجوهري أن يجري اتخاذ إجراءات سريعة لتمكين النقابات العمالية ولإصلاح قطاع الملبوسات، مع رفع مستوى المصانع واتباع نهج للرقابة والتفتيش أشد صرامة ومقاومة للفساد إلى حد بعيد. وإذا تبين أن التغييرات محاولات تجميلية لتهدئة الغضب الجماهيري، ومسعى لشراء الوقت إلى أن يخبو تأثير الكارثة ويمكن استئناف النهج الرخيص قدر الإمكان، فمن الحتمي بالتالي أن يحدث مزيد من الكوارث.

وبحلول الموعد النهائي، وهو منتصف الليل يوم 15 أيار/مايو، كانت 37 شركة دولية، مقار غالبيتها في أوروبا، تستخدم أكثر من 000 1 مصنع ملبوسات بنغلاديشي قد وقعت الاتفاق المتعلق بالسلامة من الحرائق وسلامة المباني في بنغلاديش. وهذا اتفاق مهم وغير مسبوق من نواح كثيرة يتضمن عناصر قوية للحوكمة والمساءلة مما يعني أن الاتفاق يمكن إنفاذه قانوناً في البلدان التي توجد فيها مقار الشركات الدولية. وهو ينص أيضاً على أعمال التفتيش وغيرها من آليات الرقابة، بما في ذلك الإجراءات العلاجية المنظمة لتحقيق امتثال المصانع للمعايير  المتعلقة بسلامة المباني والسلامة من الحرائق والسلامة الكهربائية والتدريب في مجال السلامة من الحرائق، ولجان الصحة والسلامة التي تضم ممثلين عن النقابات العمالية، والإبلاغ العلني.

وقد اختار بعض كبار تجار التجزئة، وبصفة خاصة في الولايات المتحدة، عدم توقيع الاتفاق، ولكنهم تعهدوا بأداء عمليات التفتيش الخاصة بهم. وسيجري تسليط الضوء عليهم للتأكد من أنهم ينفذون هذه التعهدات بطريقة ذات مصداقية.

وهذه المسائل لا ترتبط ببنغلاديش فقط، كما جرى تذكيرنا بذلك هذا الأسبوع بالذات عندما انهار سطح مصنع أحذية في كمبوديا وتسبب انهياره في قتل ثلاثة من العاملين. كما أنها لا تقتصر على صناعة الملبوسات. ومنذ عامين، وافقت الأمم المتحدة على مجموعة من المبادئ التوجيهية بشأن الأعمال التجارية وحقوق الإنسان توفر إطاراً واضحاً لما يلزم أن تقوم به مؤسسات الأعمال التجارية والحكومات في كل مكان: يجب أن تتخذ الحكومة خطوات مناسبة لمنع انتهاك حقوق العمال والتحقيق فيه والمعاقبة عليه وجبر الضرر الناجم عنه وذلك من خلال سياسات وتشريعات وأنظمة وأحكام قضائية فعالة. ويجب على الشركات توخي العناية الواجبة لحقوق الإنسان بغية منع انتهاك حقوق الإنسان والتصدي له. ويتعين أن يتسنى لضحايا الانتهاك الوصول إلى سبيل انتصاف فعال. ويجب ملاحقة الجناة. ويتعين تحرير عمليات الإشراف والرقابة من الروابط بالمصالح الخاصة، وهي روابط غير صحية ومضللة وخطيرة في نهاية المطاف.

وما حدث في بنغلاديش صدم العالم الآن ودفعه إلى أن يقول إن الكيل قد طفح. وأفضل طريقة لتكريم ضحايا ميدان رانا هي ضمان ألا تحدث أبداً مأساة من هذا القبيل مرة أخرى في أي صناعة في أي مكان.

الصفحة متوفرة باللغة: