Skip to main content

التطرّف العنيف

يمكننا أن نتصدّى للتطرّف القوميّ أينما تجلّى في العالم

21 آذار/مارس 2019

أعلنت مفوّضة الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان ميشيل باشيليت قائلة: "لا تقدّم القوميّة والشعبويّة أيّ حلول حقيقية للتحديات المعقّدة التي تواجهها مجتمعاتنا. بل غالبًا ما ترتكز على نظريّات المؤامرة، وترددها وتضخّمها عبر أنفاق وسائل التواصل الاجتماعيّ العشوائيّة، فتمسي الأكاذيب حقيقة."

واعتبرت أنّ القوميّة هي نقيض الوطنيّة تمامًا، بما أنّها تؤدّي إلى تفاقم الانقسامات والعنف وتولّد مجتمعات أقلّ أمنًا.

وتحدّثت باشيليت أمام مجلس حقوق الإنسان في جنيف في سويسرا، حيث سعى الخبراء إلى تحليل الأبعاد الإقليميّة المختلفة للشعوبيّة القوميّة، وإلى التفكير في الحلول الممكنة. ودعت إلى إدانة خطابات الكراهية، كما حثّت الحكومات وشركات الوسائط الرقميّة على حماية الحقوق الأساسيّة على الإنترنت.

وعرضت الأستاذة المحاضرة في جامعة بريتوريا في جنوب إفريقيا، سيثمبل مبيتي، إحصاءات مثيرة للقلق حول بروز الإيديولوجيّات اليمينيّة المتطرّفة خلال العقدَيْن الماضيَيْن. وفي حين لم تحصد الأحزاب الشعبويّة إلاّ سبعة في المائة فقط من الأصوات في السابق في جميع أنحاء أوروبا، أمسى اليوم أوروبيّ من كلّ أربعة يصوّت لصالح الشعبويّين، وفقًا لمسح أجرته صحيفة The Guardian. وأكّدت مبيتي على أن بلدها يسلك الدرب نفسه.

وتعتبر مبيتي أنّ استخدام الأدوات المختلفة من آليّات حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة، الخاصة بالتمييز العنصريّ من شأنه أن يلعب دورًا أساسيًّا في مواجهة المد المتزايد للأيديولوجيّات المتطرّفة. وأضافت قائلة: "لقد واجه العالم مثل هذه الأيديولوجيّات وتصدّى لها في السابق، ونحن مدينون للأجيال المقبلة بمواصلة الكفاح والقضاء على جميع أشكال التميّيز العنصريّ إلى غير عودة."

وفي أميركا اللاتينيّة، نتج تغيير اجتماعيّ جذريّ عن النضال من أجل مشاركة سياسيّة أكبر لفئات سكّانيّة مختلفة اعتُبِرَت عبر التاريخ "مخفية وغير مرئية" ومن أجل تمكينها، على حدّ تعبير مدير مركز الدراسات الخاصة بالحوكمة في الأرجنتين، بيدرو موراتيان.

وتابع قائلاً إنّ الخطابات والمواقف الجديدة قد عرّضت هذه الإنجازات للخطر، مشدّدًا على أنّها تجذب الأغلبية التي لا تثق بالديمقراطيّات الليبراليّة وترفض نموذج العولمة.

وقال: "تفشل الأحزاب السياسيّة في تقديم الإجابات المناسبة عن الأسئلة السائدة، فتبرز الجماعات الاستبداديّة وتضع الهيكليّات الجمهوريّة بحدّ ذاتها كمحور للمشاكل الاجتماعيّة، بدلاً من أن تركّز على غياب السياسات الاجتماعيّة والإدماج".

واعتبر موراتيان أنّه من الضروريّ إعادة بناء الأمة من خلال دمج وجهات نظر جديدة تشمل الغنى في التنوع الاجتماعيّ والثقافيّ، وتعطي دول المنطقة عمقًا ديمقراطيًّا.

نحتاج إلى تحولات ثقافيّة ومفاهيميّة

أثار بُعْدُ "الحركة" الذي تتّسم به العنصريّة المعاصرة قلق العضو في رابطة "NEVER AGAIN" في بولندا، رافال بانكوفسكي. فقال إنّ التطرف ليس آفة ولّدتها الأحزاب السياسّية فحسب بل إنّه يتجلى أيضًا من خلال الحركات في الشوارع والشبكات المتطرّفة التي تتمحور حول ثقافة كرة القدم والمجموعات التي أنتجها الترويج العنصريّ على الإنترنت. ووصف هذه الأشكال الجديدة من العنصريّة الثقافيّة كما تتجلى في الثقافة الشعبيّة.

وتابع قائلاً: "على الرغم من ذلك، يمكن الثقافة الشعبيّة أن تشكّل قوّة تحرّريّة حقيقيّة في نضالات اليوم من أجل العدالة العنصريّة. وعلى الرغم من القيود الهيكليّة التي تنطوي عليها بنية وسائل الإعلام العالميّة، يمكن إيصال الرسالة الحقيقيّة المناهِضة للعنصريّة من خلال قنوات مختلفة للثقافة الشعبيّة المعاصرة، عبر أبطال ثقافيّين مشهورين مثلاً أثاروا أعجاب العالم، على غرار محمد علي وبوب مارلي على سبيل المثال لا الحصر."

أمّا الخبيرة في قضايا السلام والأمن ومستشارة رئيس بلدية مدينة دافاو في الفلبين المعنيّة بالسلام، أيرين سانتياغو، فقد اعتبرت من جهتها أنّ الوقت قد حان لتحقيق "تحوّل مفاهيمي" للشعبويّة.

وقالت: "الشعوبيّة هي دائمًا رد فعل على الوضع الراهن. يحيط بالحاضر خوف وانعدام أمن من حيث علاقته بمستقبل متوقَّع محفوف بالشكوك".

وتابعت قائلة: "مَن يستفيد من هذا الوضع الراهن أو المسؤول عنه يصبح "هم". ومن هو مهمّش ويعانيّ هو "نحن". فيمسي "الآخر" محور كل كراهية أو خوف أو إلغاء. وفي جنوب شرق آسيا، نشهد شعوبيّين استبدادييّن ينصّبون أنفسهم منقذي الشعب وحُماته من الأخطاء التي يلحقها "الآخر" "به".

وبعد ست سنوات على هجمات 11 أيلول/ سبتمبر الإرهابيّة، استذكرَت سانتياغو حدوث تحوّل مفاهيمي. فانبثق عن مفهوم "الحرب على الإرهاب" مفهوم جديد هو "منع التطرّف العنيف".

وتساءلت قائلة: "ألا يجدر تنفيذ تحوّل مفاهيميّ أيضًا في سياق ما يُعرَف بالشعبويّة؟ فبما أنّ الشعبويّة تدور في نهاية المطاف حول السلطة، هل يمكن أن ينتقل معناها من الاستبداد وتركيز السلطة إلى الديمقراطيّة وإعادة توزيع السلطة لتشمل الجميع؟"

وتعتبر سانتياغو القوانين والسياسات الجديدة غير كافية. فأكّدت قائلة: "ما لم تتغيّر الثقافة السياسيّة أيضًا - ما لم يفكر ويشعر ويتصرّف المواطنون بطريقة تستوعب فعليًا احتياجات الآخر وتطلعاته - لن يحدث أيّ تغيير حقيقيّ".

يحتفل العالم كلّ عام باليوم الدوليّ لمناهضة التمييز العنصريّ في 21 آذار/ مارس، ويتذكر 69 متظاهرًا قتلوا في ذلك اليوم من العام 1960 في جنوب إفريقيا أثناء تظاهرهم ضد الإيديولوجيّات العنصريّة للفصل العنصريّ. وفي هذا اليوم، يتذكّر العالم قيم المساواة العرقيّة وعدم التميّيز التي نصّ عليها أولاً الإعلان العالميّ لحقوق الإنسان.

21 آذار/ مارس 2019

الصفحة متوفرة باللغة: