Skip to main content

النازحون داخليًا

اقتلاع حياة من دون إمكانيّة المعالجة

10 تموز/يوليو 2018

كانت السيّدة سونودا تعيش في فوكوشيما في اليابان، برفقة زوجها وطفلها، وسط بيئة طبيعيّة جميلة وفي كنف مجتمع محليّ قويّ. ويوم وقعت الكارثة النوويّة في 11 آذار/ مارس 2011، شعروا بهزّة أرضيّة قويّة وارتدادات لا متناهية. ومن ثمّ، شاهدوا انفجار المفعل رقم 1 عبر نقل مباشر على شاشة التلفزيون.

وتتذكّر سونودا قائلة: "ضربتنا صدمة لا مثيل لها. وبدأنا نجري التحضيرات اللازمة استعدادًا للانتقال على وجه السرعة في حال اضطررنا على ذلك، وبعد يومَيْن انفجر المفعل رقم 3. قرّرنا إخلاء منازلنا لأنّنا نعرف أنّ المفعل رقم 3 يعتمد على وقود معيّن يحتوي على البولوتونيوم. وكان الوضع بمثابة كابوس. وفجأة دمّرت الكارثة النوويّة حياتنا في فوكوشيما."

وبمساعدة رئيس البلديّة والمدرسة المحليّة، حاولت السيّدة سونودا أن تنظّم إجلاء الأطفال، ولكنّ الحكومة المحليّة منعتهم عن ذلك. وقد أدّت الهزّة الأرضيّة إلى تدمير الطرقات فأمست غير سالكة؛ كما أنّ التزويد بالمواد الغذائيّة والوقود بدأ يشحّ. ولم يتمكّنوا من إنقاذ الأطفال من التعرض إلى الأشعّة النوويّة في مراحلها الأولى.

وأشارت قائلة: "لا يزال الإعلان عن حالة طوارئ نوويّة قائمًا، إلاّ إنّ الحكومة رفعته عن معظم المناطق التي تمّ إجلاؤها، على الرغم من أنّ العديد منها لا يزال ملوّثًا بالأشعّة، كما توقّفت الحكومة عن دعم الإسكان. ما يزيد من الضغوط على المواطنين كي يعودوا إلى فوكوشيما."

ووفقًا للسيّدة سونادا، لا تعتبر الحكومة اليابانيّة مَن اقتلعه حادث فوكوشيما من أرضه من المشرّدين داخليًّا، على الرغم من أنّ كتيّب المبادئ التوجيهيّة للتشرّد الداخليّ* يعتبر أنّ الكوارث الناجمة عن النشاط البشريّ تؤدّي إلى التشرّد. وبالإضافة إلى ذلك، حُرم المشرّدون من المشاركة في صنع القرارات التي تؤثّر عليهم.

وتابعت السيّدة سونودا قائلة: "لا نرغب أبدًا في العودة والبقاء مع أطفالنا في مناطق ملوّثة بالأشعة النوويّة. ونحن لا يمكننا أن نرى الإشعاعات ولا أن نشتمّها. فلا بدّ إذًا للحكومة من أن تراقب صحّة أطفالنا. ولكنها لا تفحص إلا سرطان الغدّة الدرقيّة ولا تجري أيّ تحليلات أخرى. لا نعلم كيف تؤثّر هذه الإشعاعات على الأطفال في المستقبل."

وأضافت قائلة: "يعاني العديد من الأشخاص ماديًا، وبالتاليّ لا نزال نحتاج إلى دعم الإسكان الأساسيّ كي نبقى في حالة إخلاء."

أكثر من 40 مليون شخص حول العالم من المشرّدين داخليًّا بسبب النزاعات والعنف، وحوالى 25 مليون شخص يتشرّد سنويًّا بسبب الكوارث الطبيعيّة. وتجدر الإشارة إلى أنّ الملايين من حالات التشرّد الأخرى غير ملحوظة، بما في ذلك تلك التي تتسبّب بها حوادث الاستلاء على الأراضيّ، والكوارث البطيئة الظهور على غرار الجفاف، والعنف الإجراميّ.

وهذا هو نوع العنف الذي اقتلع غيلدو غارزا هيريرا من ولايته الأصل توموليباس، الواقعة شمال المكسيك.

عمل غارزا هيريرا كصحفيّ مدّة 20 سنة. ولكن، في العام 2017، اضطرّ على الفرار مع أسرته إلى عاصمة المكسيك، بعد عدّة محاولات قتل ارتكبها تجّار المخدّرات بحقّهم. وقد تركوا وراءهم مصدر رزقهم.

فأشار قائلاً: "إنّ المكسيك من أخطر بلدان العالم بالنسبة إلى الصحفيّين. فهم معرّضون للقتل؛ وفي حال تمكّنوا من البقاء على قيد الحياة، يُدانون بالنفي مع أسرهم؛ وقد اتّخذ هذا القرار اليائس بالنفيّ أكثر من 70 صحفيًا حتّى شهر حزيران/ يونيو 2018، بهدف حماية أنفسهم."

وأعلن أنّه من بين المشرّدين داخليًّا الـ329,000 في المكسيك، 70 منهم من الصحافيّين. ولكنّه أكّد أنّ الحكومة لا تعترف بالتشرّد وأنّه ما من إطار عمل قانونيّ لمعالجة هذه القضية.

وشدّد غارزا هيريرا قائلاً: "لتشرّد الصحفيّين القسريّ العديد من الانعكاسات على الجوانب الاقتصاديّة والعمّاليّة والاجتماعيّة، ولا سيّما على حريّة التعبير. فالمجتمعات التي تركها هؤلاء الصحافيّون أمست تفتقر إلى المعلومات. واعتبرت لجنة الدول الأميركيّة لحقوق الإنسان أن ولايات تاموليباس، وفيراكروز، غيريرو، وسينالووا، وغيرها من الولايات، من "المناطق المكتومة الصوت" على مستوى حريّة التعبير."

وفي نيسان/ أبريل، قدّمت لجنة المكسيك الوطنيّة لحريّة التعبير وغيرها من منظّمات المجتمع المدني إلى الكونغريس مشروع قانون للاعتراف بالتشرّد القسريّ. إلا أنّ الانتخابات الأخيرة أدّت إلى تعليق المناقشات بشأنه.

وبسبب الوضع الراهن القائم حاليًّا، قرّر غارزا هيريرا وزملاؤه من الصحفيّين المشرّدين إنشاء جمعيّة تنظّمهم. وهم يبحثون حاليًّا عن دعم جهات مانحة دوليّة تساندهم في بناء ملجأ للصحفيّين المشرّدين الجدد وفي تمكين أطفالهم من الوصول إلى التعليم.

وتابع غارزا هيريرا قائلاً: "من الضروري استكمال المناقشات عند انتخاب مجلس شيوخ جديد وغيرها من السلطات، للاعتراف بالقضيّة ومعالجتها على أسس القانون الجديد."

وتشير التوقّعات العالميّة إلى أنّ التغير المناخيّ وحده كفيل باقتلاع أكثر من 143 مليون شخص مع حلول العام 2050. وقد تُسَرِّع وتيرةُ التشرّد المتوقّعة صعودًا التحضّر العالميّ، ما يزيد من الضغوط على المجتمعات الحضريّة المستقبِلَة، ويؤدّي إلى تفاقم العنف الإجراميّ في المدن.

ما من منطقة أو بلد بمنأًى عن التشرّد الداخليّ، وعلى الدول أن تتحمّل مسؤوليّاتها تجاه المشرّدين داخليًّا. ما يفرض إشراك المشرّدين أنفسهم في المناقشات التي تهدف إلى إيجاد حلول مستدامة تخفّف من مخاطر التهميش الاجتماعيّة والسياسيّة والاقتصاديّة الطويلة الأمد، التي يعانيها الناجون من الكوارث الناتجة عن نشاط البشر، على غرار حادث فوكوشيما.

10 تموز/يوليو 2018


الصفحة متوفرة باللغة: