Skip to main content

"لا خيار أمامنا سوى المضي قدماً": النشاط البيئي في كينيا

06 حزيران/يونيو 2018

"نكافح من أجل تحقيق العدالة، لكننا لا نفلح في الوصول إليها"، هذا ما قالته أناستاسيا نامبو، وهي ناشطة حقوقية في مجال البيئة من كينيا، مضيفة "أجبرنا ذلك على العيش كاللاجئين، فنحن لا ننام في بيوتنا بسبب التهديدات التي تطال حياتنا، ولا نزال نعاني المرض أيضاً".


ففي أيار/مايو، تعرَّضت نامبو، أحد أعضاء "مركز الحوكمة العادلة والعمل البيئي" (CJGEA) للاعتداء، بعد أن تمَّ ذرُّ مادة لاذعة في عينيها، ما تسبَّب بتورمهما وإصابتهما بالاحمرار. وهي لا تزال تشكو من تأثيرات هذه الحادثة حتى الآن. وهوجمت نامبو، إلى جانب العديد من الناشطين الحقوقيين في مجال البيئة، بسبب الدعوى القضائية المستمرة التي رفعوها ضد مصهر محلي للمعادن يُتهم بتلويث المجتمع الحضري الصغير لأوينو أوهورو في مومباسا بمادة الرصاص.

وكان المصهر المذكور يستخرج مادة الرصاص من بطاريات السيارات المستعملة. وأثناء هذه العملية، كان ينفث دخاناً مثقلاً بالرصاص ويرمي مياه صرف غير معالجة مفعمة بالأسيد في الجداول حيث اعتاد الناس الاستحمام. ويعدُّ الرصاص سماً من السموم العصبية التي تضر بنمو الأطفال، إذ يستهدف الدماغ والجهاز العصبي. وتشير فيليس أوميدو، المديرة التنفيذية في "مركز الحوكمة العادلة والعمل البيئي"، إلى أن "الرصاص لا يزال متغلغلاً في التربة والمياه والأشجار والأوراق والخضار التي بات الناس يخففون زراعتها"، مؤكدة "عدم قدرة المجتمع والأطفال على الوصول إلى العلاج". وأضافت "لم تنته القضية بعد. لا خيار أمامنا. علينا الاستمرار في جهودنا حتى نحقق شيئاً ما".

وعلى مدى عقد من الزمن تقريباً، حاربت أوميدو وغيرها من الناشطين في المجتمع وجود مادة الرصاص في المجتمع وتأثيراتها. وجرى تأسيس "مركز الحوكمة العادلة والعمل البيئي" كأحد الأساليب الرامية إلى تنظيم مكافحة هذه القضية وسواها من القضايا البيئية بشكل أفضل، على حدِّ قولها. وقامت المجموعة بمسيرات احتجاجية وبكتابة رسائل وتقديم شكاوى، سواء خطية أم شفهية، إلى مسؤولين في مجال البيئة في الحكومة المحلية والوطنية، وكل ذلك في مسعى لإقفال المصنع والحصول على تعويض للأشخاص الذين تضرروا من مادة الرصاص.

وأنهى المصنع عملياته أخيراً في عام 2014، لكن الضرر الناجم عن تسجيل مستويات عالية من مادة الرصاص في المجتمع ظلَّ موجوداً. أيضاً، تمَّ استهداف أوميدو وغيرها من الناشطين بالعنف والترهيب على نحو منتظم بسبب الجهود التي بذلوها. إذ جرى اقتحام بيوت الناشطين ومهاجمتهم. وتعرضت أوميدو بدورها للسجن واتُهمت بالتحريض على العنف. وتمَّ اختطاف طفل أحد الناشطين واحتجازه لمدة ثلاثة أيام. ولم تُحدَّد إلى الآن مسؤولية أي شخص عن ارتكاب أي من هذه الهجمات.

وأسفر ذلك عن هروب العديد من أفراد المجتمع من منازلهم، بحسب أوميدو، التي لم تعد تعيش في مومباسا وتردها الأخبار من أشخاص آخرين يبدلون محل إقامتهم بانتظام كي يتجنبوا المضايقات. وقالت أوميدو "لم ننل العدالة. وبالرغم من أننا أوقفنا مصدر التلوث، إلا أن المجتمع بأسره لا يزال ملوثاً بفعل مادة الرصاص التي تتصف بأمد بقاء طويل".

ولا تمتلك كينيا القوانين لدعم الحقوق البيئية. فالدستور الكيني لا يعترف بالحق في بيئة نظيفة وسليمة. وكانت الحكومة قد حظَّرت في العام الماضي استخدام الأكياس البلاستيكية. كما تقف الحكومة في طليعة الجهود الرامية إلى تطوير خطة عمل بشأن سياسة الأعمال التجارية وحقوق الإنسان، والتي يفترض أن تعالج بعض المخاوف التي أثارها المدافعون عن حقوق الإنسان في مجال البيئة، بحسب موظفة الأمم المتحدة لشؤون حقوق الإنسان مارسيلا فافريتو. أضافت "يذكِّرنا التلوث الذي عاناه المجتمع الحضري الصغير لأوينو أوهورو والهجمات ضد الناشطين البيئيين الساعين إلى تحقيق العدالة جراء التلوث البيئي الحاصل في مجتمعهم أن كينيا تحتاج إلى مضاعفة جهودها لضمان تحقيق الحقوق البيئية في البلاد بصورة تامة"، مؤكدة أن "الحكومة تستطيع الاعتماد على الدعم المستمر من جانب المفوضية السامية لحقوق الإنسان".

وبالنسبة إلى أوميدو والآخرين، شكل الدعم الذي قدمته مفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان والخبراء عاملاً مهماً لاستمرار قدرتهم على النضال. فقد عملت المجموعة مع مكتب الأمم المتحدة لحقوق الإنسان وخبراء الأمم المتحدة بشأن هذه المسألة. وقالت إن اجتماعاً عُقد مع مقرر الأمم المتحدة الخاص المعني بحقوق الإنسان والبيئة جون كنوكس أدى إلى تأييد الخبير قضيتهم.

وعلى سبيل المثال، عندما تعرضت نامبو وناشطين آخرين للاعتداء في أيار/مايو، أصدر كنوكس إلى جانب خبيرين آخرين من خبراء الأمم المتحدة المعنيين بحقوق الإنسان بياناً حثوا فيه الحكومة الكينية على حماية المدافعين عن حقوق الإنسان بشكل أفضل. وجاء في البيان "من المرفوض أنهم يتعرضون للتهديد والمضايقة والترهيب والاعتداء مراراً وتكراراً ولم يتم تقديم أي شخص إلى المساءلة".

وقالت أوميدو إنه لا يمكن الاستهانة بقوة بيانات مماثلة صادرة عن مكتب الأمم المتحدة لحقوق الإنسان. وأضافت "أنا على قيد الحياة و(الطفل) لم يقتله الخاطفون بفضل المفوضية السامية لحقوق الإنسان. ومنذ ذلك الحين (أي الاجتماع مع جون كنوكس)، عندما تعرضنا لاعتداء ما، فإن المفوضية تواصلت مع الحكومة أو أصدرت بياناً، تحث فيه الحكومة على إجراء التحقيق. ونعلم أن الأمر قد يبدو مقتصراً على إصدار البيانات فحسب، لكننا نعرف تأثيرها لأننا شعرنا بذلك فوراً. فما أن يصدر بيان عن المفوضية حتى تسارع الحكومة إلى الاتصال بنا".

وتشارك أوميدو إلى جانب مدافعين آخرين عن حقوق الإنسان في مجال البيئة في حلقة عمل نظَّمها مكتب الأمم المتحدة لحقوق الإنسان في كينيا. وتقدم الاجتماعات إلى الناشطين فرصة تحصيل المزيد من المعارف بشأن آليات حقوق الإنسان الوطنية والدولية وكيفية استخدامها في السعي إلى تحقيق العدالة. وقالت أوميدو إن الاجتماع شكَّل فرصة كبيرة للقاء مدافعين آخرين عن حقوق الإنسان في مجال البيئة والتعلم منهم والتعرف أكثر على الأمم المتحدة وكيفية دعمها قضيتهم.

لكن هذا الأمر غير كاف. إذ قالت "لم ننل العدالة بعد. ونحن بحاجة كثيراً إلى بذل المزيد من الجهود في سبيل حماية المدافعين عن حقوق الإنسان في مجال البيئة والقضايا التي نثيرها. إنها بداية جيدة، لكنها لا ترقى بعد إلى ما نرمي الوصول إليه".

6 حزيران/يونيو 2018


الصفحة متوفرة باللغة: