تقرير: المتظاهرون في فنزويلا عرضة للانتهاكات والإساءات لحقوق الإنسان
31 آب/أغسطس 2017
حين ذهب خوسيه وإلفيرا برناليتي يبحثان عن بعض الأدوية، لم يتوقعا ألا يريا أبداً ابنهما مجدداً.
كانت الفترة الزمنية آنذاك نيسان/أبريل 2017، حين أوصل الزوجان خوان بابلو، وهو طالب جامعي ولاعب رياضي، للقاء أصدقائه في المدينة والمشاركة في التظاهرات. حدث ذلك في كاراكاس، فنزويلا، المدينة التي طغت عليها التظاهرات اليومية وأرتال طويلة من الصفوف لشراء الطعام والتي شكلت سمة لهذه الأزمة السياسية والاقتصادية.
لكن حين عاد الزوجان إلى منزلهما بعد عدة ساعات لاحقاً، سرعان ما اكتشفا أن ابنهما قد فُقد. فذهبا إلى وسط المدينة للحصول على المزيد من المعلومات وما كان إلا أن سمعا هناك النبأ: خوان بابلو توفي، مقتولاً بقنبلة غاز مسيل للدموع. وقال خوسيه برناليتي "لقد انتزعوا روحنا من أعماقنا؛ كان ابننا الوحيد". أضاف "لا نريد أن يستمروا في قتل العديد من الصبية".
وتشكل حادثة موت خوان بابلو واحدة من بين العديد من حالات الوفاة والإصابات الموثقة في تقرير صادر حديثاً عن مكتب الأمم المتحدة لحقوق الإنسان ، ينظر في الانتهاكات والإساءات لحقوق الإنسان ضد المتظاهرين في فنزويلا. وجرى ارتكاب غالبية أعمال القمع على يد الشرطة الوطنية البوليفارية والحرس الوطني البوليفاري، بالإضافة إلى الميليشيات المسلحة الموالية للحكومة أو "الكولكتيفوس" مثلما هو متعارف عليها والتي أفادت التقارير أيضاً عن مسؤوليتها عن الأحداث. ومن بين الاتجاهات المقلقة التي تمَّ توثيقها، أظهر التقرير الازدياد في استخدام القوات الحكومية للأسلحة غير الفتاكة بشكل طبيعي من أجل تفرقة الحشود بطرق مميتة.
يقول التقرير "لقد استخدمت الأسلحة غير الفتاكة بشكل منهجي وبأسلوب يهدف إلى التسبب بضرر لا داعي له، وعلى سبيل المثال، أطلقت قوات الأمن قنابل الغاز المسيل للدموع مباشرة على المتظاهرين من مسافة قريبة". فقد أشار المدعي العام في البلاد، الذي نظر في قضية خوان بابلو، إلى أن قنبلة الغاز المسيل للدموع التي قتلته أطلقت على الأرجح حين كان على بعد 25 متراً. وينص البروتوكول النموذجي في ما يخص إطلاق الغاز المسيل للدموع أن القنابل المحشوة به يجب أن تُرمى على بعد مسافة 120 إلى 150 متراً عن المتظاهرين.
نقص حاد وتظاهرات
منذ عام 2014، شهدت جمهورية فنزويلا البوليفارية تفاقماً في الأزمة الاقتصادية الناجمة عن الانخفاض في الأسعار الدولية للنفط وغيره من العوامل مثل ضبط العملة والأسعار. وأدَّى ذلك إلى تضخم مفرط ونقص حاد في الغذاء والأدوية والكهرباء.
وخلال الفترة ذاتها، شهدت البلاد أزمة سياسية عميقة. ففي كانون الأول/ديسمبر 2015، فازت المعارضة بثلثي المقاعد في مجلس النواب وبعد شهر واحد لاحقاً، أي في كانون الثاني/يناير 2016، أعلنت محكمة العدل العليا الجديدة أن مجلس النواب في حالة انتهاك لحرمة المحكمة، مشيرة إلى حصول مخالفات انتخابية في ولاية أمازوناس. ورفضت المحكمة الشرعية القانونية لأي قرار صادر عن هذا المجلس. حينئذ، طرحت المعارضة إجراء استفتاء من أجل تنحية الرئيس نيكولاس مادورو، والذي جرى تأجيله إلى أجل غير مسمى.
وينظر تقرير الأمم المتحدة لحقوق الإنسان في حالة حقوق الإنسان بالنسبة إلى المتظاهرين أثناء هذه الفترة وقد اكتشف حصول العديد من الانتهاكات. ويشمل ذلك الاستخدام المفرط للقوة والانتهاكات المتعلقة بالحق في الحياة والحق في السلامة البدنية والاعتقال التعسفي وانتهاك الحق في التجمع السلمي.
العنف المميت
وجد التقرير أن قوات الأمن استخدمت بشكل منهجي القوة المفرطة من أجل تفرقة المتظاهرين، منتهكة بذلك المعايير الدولية والمحلية. ومن بين الممارسات استخدام الدراجات النارية لمطاردة المتظاهرين. وروى المتظاهرون للخبراء المعنيين بحقوق الإنسان أن مجموعات مؤلفة من 20 دراجة نارية يرافقها ضابطان من الأمن، أحدهما يتولى القيادة والآخر يحمل أسلحة لمكافحة الشغب كانت تتعقب المتظاهرين حين يبدأون بالتشتت. وجُرح العديد من المتظاهرين أثناء محاولتهم الفرار أو بسبب الضربات التي تلقوها على يد ضباط الأمن.
لكن ما أثار المزيد من القلق هو استخدام الأسلحة غير الفتاكة بقوة قاتلة. ففي المقابلات والشهادات التي أدلى بها بعض الشهود العيان، وثَّق الخبراء المعنيون بحقوق الإنسان حالات عدة استخدمت فيها الأشياء كأسلحة فتاكة مثل الرصاص المطاطي والخردق وقنابل الغاز المسيل للدموع. وقال أحد الأطباء الذي يعمل ولاية لارا إنه عالج عدة أشخاص أصيبوا بجروح بفعل المسامير والرصاص المطاطي وحبيبات الخردق البلاستيكية. ومن بين أسوأ الحالات ما حصل مع أنطونيو غروزيني كانلون. فقد كان غروزيني يتظاهر في الحي الذي يقطنه حين أتى الحرس الوطني البوليفاري بالدبابات. وأطلقوا الغاز المسيل للدموع والرصاص المطاطي على الحشد.
ورأى الطبيب غروزيني، الذي أُحضر إلى المستشفى وهو يعاني جروحاً بفعل طلق ناري. وخضع غروزيني لعملية في اليوم ذاته وتبيَّن أنه تعرض للإصابة بالرصاص المطاطي مرتين – إحدى الرصاصات في صدره والأخرى في بطنه. وحتى تفعل حبيبات الخردق ما فعلته بجسده، قدَّر الطبيب أنه لا بدَّ أن تكون قد أُطلقت على غروزيني من مسافة لا تبعد سوى مترين.
كما حصلت شكاوى بشأن النقص في الأدوية المتوافرة لمعالجة المصابين بجروح، بالإضافة إلى مضايقة الطواقم الطبية أثناء التظاهرات وفي المستشفيات. وقال الطبيب "لقد كان العمل في ظل هذه الظروف صعباً جداً". أضاف "هذا ما دفعنا إلى التنسيق لرفض هذه الحالة. فبالإضافة إلى الشباب الذين ماتوا في هذا البلد، ثمة مرضى يموتون يومياً والذين لا يجب أن يموتوا بسبب النقص في الأدوية".
سبيل المضي قدماً
إن التقرير الصادر عن مكتب الأمم المتحدة لحقوق الإنسان واضح، إذ يقول: لا يزال خطر حصول المزيد من التدهور في حالة حقوق الإنسان في فنزويلا مرتفعاً "بما أن الأزمة الاجتماعية لا تزال مخيفة والتوتر السياسي المتناقض مستمر في الازدياد". وثمة عدد من التوصيات للمضي قدماً، بما في ذلك إنهاء القمع العنيف للتظاهرات السلمية وتوجيه الأوامر لقوات الشرطة باستخدام أساليب الحد من التصعيد عند حفظ الأمن في التجمعات والإدانة العلنية لكل حالات التعذيب وسوء المعاملة وضمان إجراء تحقيقات عاجلة ومستقلة وفاعلة لانتهاكات حقوق الإنسان التي تتورط فيها قوات الأمن والإساءات التي تتورط فيها المجموعات المسلحة (الكولكتيفوس) أو قوات الأمن أو المتظاهرون المتصفون بالعنف.
31 آب/أغسطس 2017